الاحتفال بيوم المرأة العالمي كيف يكون؟


                         
           

هل المرأة في حاجة إلى تحرير؟ وما الحرية التي يريدونها للمرأة؟ وما معنى تحرير المرأة؟ وما معنى هذه المؤتمرات التي لا ينتهي أحدها حتى يعدون لمؤتمر آخر؟ كان آخرها "مؤتمر السكان والتنمية" في القاهرة إلى "مؤتمر المرأة العالمي الرابع " في الصين.لا شك أن الحرية المقصودة ليست مقابل الرق فعهد الرق قد انتهى (على الأقل نظريا في معظم دول العالم).

        لقد بدأت فكرة تحرير المرأة في أوروبا التي عانت فيها المرأة - وما تزال تعاني- من أنواع الاضطهاد حيث يتضمن تراثهم الفكري محاورات هل للمرأة روح أو لا؟ وهل المرأة إنسان أو لا؟

        وظلت المرأة في أوروبا تكسب حقوقاً ومكانة حتى انتقلت من النقيض إلى النقيض؛ من كائن لا قيمة له ولا كرامة إلى انفلات شبه كامل. فقد ظن القوم أن المساواة بين الرجل والمرأة ينبغي أن تتجاهل كل الفروق التي فطر الله سبحانه وتعالى الرجل والمرأة عليها.

        والحرية الغربية للمرأة إنما هي حرية كاذبة، فالمرأة الغربية التي يريدون أن تكون المثال لنساء العالم تعاني من أنواع الاضطهاد؛ فقد أُخرجت من بيتها لتعمل مثل الرجل تماماً ولكن دون الحصول على الأجرة نفسها. والمرأة في الغرب أداة للإغراء والإثارة الجنسية، فالمجلات الخليعة ما تزال رائجة لديهم. فبعض هذه المجلات ما تزال تصدر منذ أكثر من خمسين سنة مثل مجلة (بلاي بوي) وغيرهـا. وقد نشرت صحيفة عربية قبل أسابيع صورة شرطية أمريكية أو أوروبية تقاضت مبلغاً كبيراً مقابل التعري أمام الكاميرا. (وللطرافة فقد كتبت الجريدة أن المبلغ الكبير الذي تقاضته المرأة كان مقابل جهدها!!!) .

        ونظراً لأن الأوروبي منذ نهضته التي بدأ من خلالها السيطرة على الأمم والشعوب محتلاً الأرض ومسيطراً على خيراتها وجاعلاً أسواقها أسواقاً لمنتوجاته الصناعية والزراعية، ظن منذ ذلك الحين أن فكره أيضا يجب أن يسود العالم كلَّه.

        أي تحرير يريدون للمرأة؟ أهي حرية تفكك الأسرة، وضياع الأبناء واختلاط الأنساب. العجيب أنهم ينشرون دراسات عن واقعهم تثبت فشل هذا الفكر المنحرف. فالحكومة البريطانية تنشر سنوياً دراسة عن الأوضاع الاجتماعية. وكانت آخر دراسة نشرت هناك وعرضت جريدة التايمز طرفاً منها أثبت أن الإنجليز أصبحوا ينفرون من الزواج؛ فارتفعت نسبة العزوبية بسبب تعايش الرجـال والنساء دون زواج، بل إنهم قد ينجبون خارج الزواج، وتسمع الأصوات هنا وهناك مطالبة بمعاملة خاصة لمثل هؤلاء الأبناء. كما طالب بعض هؤلاء معاملتهم معاملة المتزوجين في مسألة الضرائب.

        وكان من نتائج هذه الحرية أن ارتفع عدد المواليد خارج مؤسسة الزواج حتى كاد أن يصل إلى أكثر من ربع المواليد الشرعيين وفي بعض البلاد زاد عن الخمسين بالمائة من خلال إحصاءات قدمتها إذاعة البي بي سي في تقريرها جين وجونز عام 2007م. وتكاد الشرعية تضييع حين ترتفع نسبة الخيانة الزوجية فيشك الرجل في أبنائه ويشك الأبناء في آبائهم. ومن مشاكل حرية المرأة عندهم أن ارتفع عدد الأطفال الذين يعيشون في أسرة ليس فيها إلا والد واحد(الأب أو الأم). فأي حياة هذه؟ ألا يهدد هذا بنشأة أجيال تعاني نفسياً ولا تجد تربية سوية. فالطفل يحرم من الأب أو الأم وقد يكون الواحد منهما يسكن في البيت المجاور ولا يعرف الطفل أن هذا هو أبوه أو هذه أمه.

        واكتشفت الدراسات الغربية مخاطر الاختلاط في التعليم على التحصيل العلمي -لم يذكروا الأخطـار الأخلاقية - فسعت بعض المدارس البريطانية للفصل بين الذكور والإناث في بعض الدروس للرفع من مستوى الطلاب .وقد أثبت نتائج امتحانات الثانوية العامة في بريطانيا العام الماضي تفوق المـدارس غير المختلطة.ولكن الغرب مبتلى بأن أصحاب القرار لم يعجبهم مثل هذه الخطوات فعدوها صورة من صور الرجعية.-وهكذا فالعودة إلى الفطرة الصحيحة تعد رجعية.

        وقد انتقل البلاء إلى العالم الإسلامي فقد كتب المؤلف المعروف أسامة أنور عكاشة قصة (ضمير أبلة حكمت) الذي تقع أحداثها في مدرسة للبنات في المرحلة الثانوية يقوم بتدريسهن مجموعة من المدرسين والمدرسات ،وتحتوى القصة بعض المناظر الغرامية بين المعلمين والمعلمات، ولكن الأمور كانت-في القصة - طبيعية بين الطلاب والطالبات ومعلميهم. والمصيبة أن صراعات حكمت ضد الباطل تأسر المشاهد فتصبح الأشياء الأخرى ثانوية من اختلاط ومخالفة للشرع.

        هل حقاً تحتاج المرأة الحرية؟ وأي حرية هذه. نعم إنها الحرية من هيمنة الفكر الغربي الذي حطّ من شأن المرأة .

        تساءلت قبل قليل عن المقصود بتحرير المرأة؟ وهل هذا التحرير هو الذي يفهمه الأوروبيون، ويريدون فرضه على الأمة؟ وفي هذه المقالة أتناول بإيجاز صوراً من محاولات الغرب لفرض هذا التحرير المزعوم على العالم الإسلامي.

        ولنفهم هذا الموضوع أستعرض بعض الصور التاريخية لنظرة الغرب للمرأة؛ ففي كتاب (الاعتبار) لأسامة بن منقذ يصف المؤلف معاملة الغربيين للمرأة بكثير من الاستهجان والازدراء والاحتقار.وهذه بعض عبارات ابن منقذ: "وليس عندهم شيء من النخوة والغيرة، يكون الرجل منهـم يمشي هو وامرأته يلقاه رجل آخر يأخذ المرأة ويعتزل بها ويتحدث معها، والزوج واقف ناحية ينتظر فراغها من الحديث، فإذا طولت عليه خلاّها مع المتحدث ومضى." وذكر ابن منقذ أمثلة أخرى بليغة في الدلالة على عدم الغيرة.

         أما الصورة الثانية فهي أن حوادث الاغتصاب قد ارتفعت في الولايات المتحدة الأمريكية في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات في أوج ما سمي عندهم (الثورة الجنسية) فاستضافت إحدى قنوات  التلفزيون محامية عجوز، فكان مما قالته بأن المرأة بحاجة دائمة لحماية الرجل ،ولا ينبغي لها أن تخرج في أي وقت وبخاصة في الليل بدون رجل. ولكن النساء الأمريكيات ضحكن منها واستهزأن بكلامهـا ووصفنها بأنها رجعية. ولما كان هذا النصح لا يلقى اهتماماً عند من فقد نور المنهج الرباني فقد ازدادت نسبة جرائم الاغتصاب.

        فإذا كان مصطلح (تحرير المرأة) مناسباً للمرأة الغربية فهل كان مناسباً للمرأة المسلمة؟ لقد كانت أولى خطوات إفساد المرأة المسلمة في أثناء الحملة الفرنسية على مصر - رغم أن البعض يراها حمـلة تنوير- فقد جاءت الحملة بعدد من النساء المومسات والبغايا لإفساد الرجال المسلمين، ويذكر الجبرتي أن الحملة قامت باختطاف بعض النساء المسلمات وفرضت عليهن التبرج وزوّجت بعضهن من رجال فرنسيين حتى إذا عدن إلى المجتمع المسلم عدن بنفسية مختلفة فأحدثن ما يريد الغرب من إفساد.

        أما الخطوة الثانية فكانت في الطلبة المبتعثين الذين عاد بعضهم من أوروبا منبهراً بوضع المرأة هنـاك. فأعجب رافع رفاعة الطهطاوي بوضع المرأة في المجتمع الفرنسي وما كانت تلقاه -على الأقـل ظاهرياً- من اهتمام الرجل وتكريمه، وقارن ذلك بصورة المرأة في مصر حيث كان الجهل يعم المرأة والرجل على حد سواء. وكانت المقارنة ظالمة لأنها تقارن الرقة الظاهرية بواقع المسلمين المتخلف.ومع ذلك فالنظرة الفاحصة تؤكد على أن وضع المرأة المسلمة كان أفضل رغم سلبياته.

        وجاءت الخطوة الثالثة بإصدار الكتب المنادية بالتحرير المزعوم للمرأة فتولى قاسم أمين في مصر  كِبَر هذه الحملة بكتابه (تحرير المرأة)، وظهر شبيه له في تونس وهو الطاهر الحداد في كتابه: امرأتنا أمام الشريعة والمجتمع   الذي أسهمت البعثات التنصيرية بنشره في أنحاء الشمال الأفريقي. ولم يكتف الاحتلال بالكتب بل أسهمت الصحافة ووسائل الإعلام الأخرى من مسرح وغيره في نشر فكرة  تحرير المرأة المزعوم على الطريقة الغربية. فقد ظهرت فرق من أمثال فرقة فاطمة رشدي وبديعة مصـابني أول راقصة تظهر في مسارح الرقص في هذه الحملة ضد المرأة المسلمة. وكان هناك اتفاق بين الاحتلال الفرنسي والإنجليزي في هذه المسائل رغم الخلاف في كثير من القضايا السياسية لكن إفساد المجتمعات المسلمة لم يكن موضع خلاف أبداً.

        فهل كان هذا حقاً تحريراً للمرأة المسلمة أو إخضاعاً لها للقيم الغربية ؟

بعد أشهر قليلة ستجتمع آلاف النساء من أنحاء العالم في بكين (سبتمبر1995) في مؤتمر المرأة العالمي الرابع، وقد خططت الجهات التي تهيمن على هذه المؤتمرات لاتخاذ قرارات تكون ملزمة لجميع  الدول. وتعقد هذه المؤتمرات تحت مظلة الأمم المتحدة التي ترى نفسها حكومة العالم القادمة أو أداة في يد حكومة العالم وإن لم يكن من الناحية العسكرية ،ولكن من الناحية الفكرية.

         وينبغي أن أقدم تمهيداً للحديث عن هذه المؤتمر بموجز سريع للمؤتمرات السابقة: ففي عام 1975 عقدت الأمم المتحدة مؤتمراً بعنوان (عشر سنوات من اجل المرأة) ،وجاء مؤتمر عام 1979 تحت شعار (إزالة جميع الفوارق بين الرجل والمرأة) ،وكان مؤتمر (استراتيجية النظرة إلى الأمام في قضيـة المرأة) سنة 1985، والاجتماع الوزاري في جاكرتا عام 1990. والاجتماع التحضيري لمؤتمر المرأة العالمي الرابع في بكين، والاجتماع العربي الإقليمي التحضيري للمؤتمر نفسه والذي عقد في العاصمة الأردنية في الفترة من 3إلى 5 نوفمبر 1994.

         ولم يقتصر الحديث عن المرأة في هذه المؤتمرات فهناك مؤتمرات أخرى كان بعضها يربط بين المرأة والطفل أحياناً ،والتنمية والبيئة أحياناً أخرى ،ومنها أيضا المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان ،ومؤتمر لسكان والتنمية.

          إن هذا النشاط الضخم وملايين الدولارات التي تنفق من أموال الدول فقيرها قبل غنيها تقصد إلى أهداف محددة أبرزها ما يأتي:

أولاً: المساواة التامة بين المرأة والرجل بحيث تتاح للمرأة الفرصة للمشاركة في النشاطات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وتحت هذا البند الدعوة إلى السلام وتطبيع العلاقات مع يهود.

ثانياً: إطلاق الحرية للمرأة في جميع المجالات والقضاء على القيود التي تضعها التشريعات الحالية التي تراعي ظروف المرأة الخاصة وطبيعتها.(يقصدون تشريعات الإسلام)

   ويمكن تفسير هذه الأهداف بما يأتي :

1- إن الأسرة ليست نظام فطري، ولكن الاتصال الحر بين الرجل والمرأة هو الفطرة الطبيعية.

2- من حق المرأة ممارسة رغبتها الجنسية دون الحاجة إلى الزواج أو الأولاد فإن هناك من وسائل الطب ما يمنع الحمل.

3- إنكار الدعوات الدينية التي تدعو إلى العفاف والبكارة وكذلك الإنجاب بحجة إفساد الحمل والولادة لجمال المرأة وجسدها.

4- عدم التفريق بين امرأة المجتمع الفاضلة وبين الغانية الراقصة ،وجعل الأخيرة المثل الأعلى لتقلدها كل النساء.

5-إلغاء العقود المدنية في الزواج وظهور نظريات الترابط بين الرجل والمرأة بدون عقد مكتوب.

         نعم لتحرير المرأة من هذه المؤتمرات أو المؤامرات الدنيئة للقضاء على تميز وضع المرأة المسلمة. ولكن كيف يتم ذلك؟ لا بد من عمل قوي ومكثف لتوضيح الموقف الإسلامي .إن غياب إعلامنا العربي الإسلامي عن الساحة الدولية جعلهم ينشرون بيننا أراءهم ومواقفهم ،وكما هو معروف فلا يحدث الغزو الفكري  إلاّ في غياب الإعلام الإسلامي.

         ويمكن للعمل في هذا المجال أن يكون على محورين : الجبهة الداخلية بتكثيف المحاضرات والندوات التي توضح موقف الإسلام من المرأة ،وكيف أنه لا عز ولا سعادة للمرأة إلاّ في الإسلام. وكما استخدم الغرب وسائل الإعلام المختلفة من صحافة وإذاعة وتلفاز وسينما وغيرها في نشر مبادئه وفكره فعلى المسلمين أن يتمكنوا من استخدام هذه الوسائل لنشر ما عندهم من الحق.

         أما المحور الثاني فهو الجبهة الخارجية، وكما قال الشاعر (ومن لا يذد عن حوضه بسلاحه)، فعلينا أن ننطلق إلى إعلامهم ونبحث عن كل الفرص الممكنة لنشر نظرة الإسلام. ومما يدل على نجاح الإسلام  أن عدداً من النساء البريطانيات أقبلن على الإسلام عندما عرفنه معرفة صحيحة.

         نعم لتحرير المرأة من المؤامرات الغربية ،فقد آن الأوان أن تعود المرأة المسلمة إلى الوضع التي أراده لها الإسلام فليس لها عز ولا سعادة إلاّ في الإسلام. وليطمئن الرجل أنه لن يسعد مع المرأة إلاّ إذا التزما جميعا تعاليم الإسلام.

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية