العلم بالآخر: برنامج الزائر الدولي


مقالة قديمة، وأكرر وكأننا يا بدر لا رحنا ولا جينا، وصراخي هنا كمن يؤذن في مالطا، وربما صار الناس يسمعون الأذان ويلبون


      ظهر قبل أسابيع كتاب جديد قيم للأخ الدكتور عاصم حمدان بعنوان (نحن والآخر) هو عبارة عن مجموعة من البحوث والدراسات والمقالات التي تنقلنا إلى عالم الغرب ومواقفه المختلفة من الإسلام والمسلمين. والدكتور عاصم كاتب قدير يبهرك بعمق معرفته ويدهشك باتساع معلوماته ويعجبك  بدقة تحليلاته وتتعلم منه الكثير. فهو يتقن اللغة الإنجليزية لأنه حصل على الدكتوراه من جـامعة بريطانية مرموقة ولم يكن بحث الدكتوراه شغله الوحيد بل إنه درس  المجتمع الإنجليزي دراسة مازال يتحفنا بلمحات منها في مقالاته عن السياسة البريطانية والحياة البريطانية.

      ومما يدعو إلى الحديث عن الآخر أن أحمد عائل فقيهي كتب في عكاظ يوم 29ربيع الأول 1416 مقالة بعنوان "الجهل بالآخر" أشار فيها إلى عمق معرفة الغرب بنا ووعيه: "الوعي بتاريخنـا وباللحظة التي نعيشها...إنه يعرف عنّا أكثر مما نعرف عنه، ونجهله أكثر مما يجهل دقائقنا، وبين معرفته بنا وجهلنا به ثمة بون شاسع...ثمة مسافة تتوالى إلى ما لانهاية."

   ورغم أن هذا الكلام لا يمكن التسليم به على الإطلاق فإن بيننا من يعرف الغرب، ولكنهم فئة قليلة(مثل الدكتور عاصم) يضيع صوتها بين من يكتب عن الغرب ويقلد الغرب وينادي بالارتماء في أحضان الغرب في شتى المجالات.

      إن المعرفة بالآخر تتطلب أولاً معرفة الذات معرفة حقيقية، والانتماء الصادق لهذا الدين وفهمـه الفهم الصحيح الواعي.فإن من الخطورة أن نتعرف إلى الآخر ونحن نفتقد المعرفة بذواتنا. لقد ذهب الطهطاوي إلى فرنسا وقد عرف شيئاً عن الإسلام فعاد يمتدح فرنسا ويمتدح ما رآه حتى إن كتابه الموسوم تخليص الابريز يعاد طبعه المرة تلو الأخرى على أنه من كتب التنوير.

    المعـرفة بالآخر تتطلب جهداً ومالاً وهمة عالية فلا يمكن أن تأتي هذه المعرفة من خلال التشدق ببعض الألفاظ الغربية أو زيارة مراكز التسوق أو الملاهي هنا أو هناك . وفي هذه المقالة أتحدث عن جهد خاص تقوم به وكالة إعلام الولايات المتحدة الأمريكية كوسيلة فعالة لمعرفة الآخر وهو (برنامـج الزائر الدولي) بالإضافة إلى المئات من مراكز البحوث والمعاهد العلمية وأقسام الجامعات التي تدرس العالم أجمع ليس دراسة نظرية فحسب بل تضيف إليها الدراسة الميدانية أيضاً.

     هذا البرنامج يتبع مكتب الشؤون التعليمية والثقافية. ويؤكد البرنامج على زيادة التفاهم المتبادل من خلال الاتصالات الشخصية والمهنية. ويركز البرنامج في اختياره على الشخصيات التي يدعوهـا لزيارة الولايات المتحدة الأمريكية أن تكون من ضمن النخبة التي يتوقع لها مستقبلاً في مجال عملها في بلادها سواءً كان ذلك في الأعمال الحكومية، أو السياسية، أو الإعلام، أو التعليم، أو العلوم وغيرها من الميادين الحساسة.(أو التي يُراد إبعادها أن يكون لها أي تأثير)

ويتم اختيار هؤلاء الأشخاص من قبل سفارات الولايات المتحدة ليقوموا بزيارة أمريكا للالتقاء بنظرائهم في المجالات التي يعملون بها. وقد بلغ عدد الذين شاركوا في هذا البرنامج على مدى نصف قرن أكثر من مئة ألف زائر كما يقول مدير وكالة إعلام الولايات المتحدة جوسف دفي Joseph Duffey في تقديمه للكتيب الذي صدر بمناسبة مرور خمس وخمسين سنة على بدء برنامج الزائر الدولي .وقد بلغ عدد هؤلاء الزوار عام 1993 أكثر من خمسة آلاف زائر.

    وتتعاقد الوكالة مع العديد من المؤسسات لتنظيم برامج الزيارة لهؤلاء الضيوف وفي المجال الثقافي والتعليمي يتم التعاقد مع المعهد الدولي للتعليم International Institute of Education ، ويقوم المعهد بدوره بالاتصال بالعديد من المنظمات المحلية التي يطلق على بعضها مجلس الزوار الدوليين للقيام بترتيبات الزيارة. وهناك عدد كبير  من المتطوعين الذين يهتمون بالزوار الدوليين لأنهم يدركون أن التعرف على هذه الشخصيات سيكون تجربة مثمرة وثرية، فتجد بعضهم يتطوع لاصطحاب الزائر إلى الأماكن الأثرية أو المعالم السياحية أو يستضيفه في بيته.

     ماذا يستفيدون من هذا البرنامج الذي يكلف سنوياً عدة ملايين من الدولارات؟ إنهم يكسبون معرفة بالآخر معرفة وثيقة فهذا الزائر الذي جاء إليهم يقدم لهم نموذجا حياً من العاملين في مجال من المجالات وبالتالي لم يكن من الممكن التعرف إلى مثل هذه الشخصيات دون الاتصال الشخصي بها.

    ونحن في هذه البلاد نستقبل سنوياً آلاف الزوار والمدعوين لبرامج مختلفة مثل موسمي الحج والعمرة ، ومهرجان الجنادرية، والمؤتمرات العلمية التي تعقد في مختلف مدن المملكة. لكن هل يمكن أن ننظر في برنامج الزائر الدولي وأهدافه وطريقة تنفيذه فنفيد منه (فالحكمة ضالة المؤمن). وقد علمت أن مجلس العلاقات العربية الأمريكية بالتعاون مع المملكة سيدعو مجموعة من أساتذة الجامعات الأمريكية لزيارة المملكة  خلال الشهر القادم، فهل نظمنا لهم لقاءات مع بعض أساتذة الجامعات السعودية ورجال الفكر ليتعرفوا إلينا عن قرب بدلاً من أن تكون معلوماتهم عنا من بعض الصحافة أو الأعلام المغرض؟

    وها هي مناسبة كريمة أن أطرح هذه الفكرة  عقب انعقاد "ندوة الإعلام في الحج" التي  تمت  قبل أيام تحت رعاية سمو وزير الداخلية رئيس المجلس الأعلى للإعلام وتتلخص في أن يكون لبعض الضيوف مرافقين من أساتذة الجامعات حسبما يسمح به وقتهم إما بمقابل أو تطوعاً، أو أن يتم ترتيب لقاءات لهؤلاء الضيوف في موسم الحج مع نظرائهم في المملكة لنفيد من خبراتهم وليتعرفوا إلى بلادنا والإنجازات الحضارية الكبيرة والكثيرة التي تمت على مدى سنوات قليلة. فليس الأعلام مجرد صحيفة أو برنامج إذاعي أو تلفازي بل من الأعلام والدعوة الاتصال الشخصي الذي قد يفعل أحياناً مالا تفعله آلاف الكلمات والخطب .والله الموفق

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية