وهل جاء إسماعيل هنية قبل أوانه؟


تقديم : قرأتم الكريمة من سورة الروم (غُلبت الروم في أدنى الأرض، ) وفيها (ويومئذ يفرح المؤمنون) واليوم أشارك المسلمين بنصر إخوتنا في غزة وعلى رأسهم حماس والبطل إسماعيل هنية الحبيب، وكنت قد كتبت المقالة منذ أكثر من سنتين وها أنا أعيدها حباً لهذا الرجل وكيدا لمن يعاديه.

وصلتني رسالة بالبريد الإلكتروني وفيها سؤال: هل تريد أن ترى قصر رئيس الوزراء الفلسطيني؟ لم أعرف ماذا يقصد السؤال؛ هل يتحدثون عن قصر إسماعيل هنية أو قصر سلام فياض (الذي لم يعترض على تدمير إسرائيل لغزة ولكنه الآن يطالب بأموال إعادة الإعمار) أو قصر محمود عباس، وكدت أن أحذف الرسالة دون أن أشاهدها لولا بقية فضول أو حب استطلاع، فقررت أن أفتح الرسالة، فإذ بها تقدم مجموعة من الصور لبيت الدكتور المجاهد العالم الشيخ إسماعيل هنية. وتجولت مع الكاميرا في أرجاء القصر المنيف، فإذ به بيت مثل بيوت الفلسطينين لا يختلف كثيراً ولا قليلاً بل هو في الواقع من أكثر البيوت تواضعاً، وأعجبتني الغرفة ذات الفرش العربي، وليس الفرش العربي الذي نعرفه في المدينة المنورة ويتفنن الناس في تنجيده كل سنة وفي أنواع الأقمشة المستخدمة فإذ بها مراتب من الإسفنج الرفيع التي لا تتجاوز سماكة المرتبة أكثر من خمس إلى عشر سنتيمترات. ولم أر من مظاهر الترف (إن كان يعد ترفاً) إلاّ صور أحد أبناء إسماعيل هنية يجلس إلى الكمبيوتر. 

هذا هو بيت إسماعيل هنية فكيف أحوال إسماعيل هنية في باقي الأوقات؟ لا أزعم لنفسي معرفة دقيقة بتفاصيل حياته ولكني متخصص في التاريخ وقد درست السيرة النبوية ودرّستها، ودرست النظام السياسي في الإسلام مرات عديدة وأعتقد أن من مواصفات من يدرس التاريخ أن يكون لديه خيال خصب ليرى أبعد من الكلمات والأخبار. ولكم أن تتخيلوا عمر بن الخطاب رضي الله عنه نائماً تحت ظل شجرة أو في المسجد لا يحرسه جيش من الحراس أو يحيط به الحراس الشخصيون أو غير ذلك، ولكم أن تتخيلوا أبا بكر الصديق رضي الله عنه يسير في شوارع المدينة المنورة، أو يغدو صباحاً ليحلب بعض شياه الحي الذي كان يسكنه. أما سلوكهم المالي ومعيشتهم فلست بحاجة إلى التفاصيل فلم يكن لأحدهم غرف طعام ولا طباخين ولا سفرجية ولا ولا ولا ، يأكلون من الطعام أبسطه وأخشنه، إن شبعوا يوماً جاعوا أياماً. فمما يحكى أن أحد القادة  أرسل طعاماً من بلاد فارس من طعام المرفهين فسأل وهل كل الجند أكل منه، فلما قيل له لا ، امتنع عن أكله. ولم يكن له حسابات بنكية في سويسرا  أو نيويورك أو لندن، بل كان كل ما يملكون معروفاً ، ولم يصبح أقرباؤهم أثرياء فلا محسوبية ولا يحزنون...

وجاءت كنوز كسرى إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: " إن قوماً أدوا هذا لأمناء" فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه (انظر إلى حب علي لعمر رضي الله عن الجميع) : يا أمير المؤمنين عففت فعفت الرعية ولو رتعت لرتعوا.."

وهكذ في تصوري حياة إسماعيل هنية أو هي قريباً منها إلى درجة أعلنت الحكومات العربية والإسلامية والعالمية الخطر كيف يكون رئيس وزراء ويعيش مع الشعب وبين الشعب لا يأكل إلاّ مما يأكلون ولا يلبس إلاّ كما يلبسون لا يمتاز بثياب خاصة ولا بخياط خاص ولا بأزياء من باريس أو روما أو لندن وإنما هي مما يحيكه أي خياط فلسطيني في غزة...

كيف يكون رئيس وزراء ويؤم الناس في صلاة القيام ويلقي خطبة لا يلحن فيها أبداً، وكيف يلقي خطبة يستشهد فيها بالقرآن كأنه شيخ أزهري أو عالم من الزيتونة (رحم الله الزيتونة حين كانت تخرج العلماء) أو من القرويين ..

إن الهجمة الشرسة على حماس وعلى إسماعيل هنية إنما تذكرني بموقف لسوداني يعيش في المدينة المنورة ويعمل في بيع مواد البناء وكان يحلو لي أن أتبادل معه الحديث عن أحوال السودان، فصرح لي إنه وعائلته من أتباع المهدي منذ ظهور المهدي الجد الذي قاد الثورة ضد بريطانيا، وتوارثوا هذا التأييد حتى المهدي الحالي، ثم أضاف إنه لما جاءت حكومة البشير الأولى ورأى الناس وزراء يعيشون بين الناس ويركبون سيارات عادية وليس لهم حراسات مشددة ولا تمشي خلفهم ولا أمامهم سيارات الأمن ولا الونانات، كما شاهدوا من الوزراء من يصوم يومي الاثنين والخميس يقول الأخ السوداني لا يملك الإنسان عندما يرى حكومات من هذا النوع إلاّ أن يكون مؤيداً لها. وسألت سودانياً آخر عن أوضاع الخرطوم فقال عندما بدأنا الديمقراطية المزيفة وجاء المهدي غاب الأمن عن السودان وكنت لا تستطيع أن تسير في الخرطوم بعد المغرب بكثير..وجاءت حكومة البشير فانتشر الأمن الحقيقي.

وعن حكومة السودان فقد دار نقاش بيني وبين مرافقي الأمريكي عندما كنت ضيف برنامج الزائر الدولي حول ما يقال في الإعلام في العالم ضد السودان، فقلت له أعتقد أن الإعلام العالمي حينما يوجه هجومه إلى جهة فإنني اشك أن هذه الجهة على شيء من الحق، ولكني لن أدافع عن السودان دون أن يكون لدي معلومات دقيقة، وبعد قليل قابلنا مدير معهد دراسات الشرق الأوسط بجامعة كولمبيا البروفيسور ريتشارد بوليت Richard Bulliet،(صاحب كتاب الحضارة الإسلامية المسيحية- ترجم إلى العربية) فدار الحديث عن السودان وسألته ما مصدر الدعاية المضادة للسودان؟ فقال: مصر و إسرائيل، ولم يفصل ولكن الحقيقة أنه يخفى أن مصر لاتطيق نظاماً إسلاميا بالقرب منها، وإسرائيل لا تعادي في الدنيا نظاماً كعدائها لمن يسير في طريق الإسلام.

فهل جاء إسماعيل هنية قبل موعده؟ فهل العالم العربي والإسلامي ليس مستعداً لحكام يسيرون وفق النهج النبوي والراشدي؟ لسنا مستعدين بعد لحاكم نظيف لا يطمع في أموال الشعب ولا يسكن في قصر الشعب ولا تسير أمامه وخلفه سيارات الشعب، ولا يجري الشعب المسكين خلفه يلوح له بالإعلام بالإكراه... لسنا مستعدين بعد لحاكم يقرأ القرآن كما يقرأه العلماء وأجمل وأصدق –وكم من العلماء ليسوا علماء أو هم الملح إذا فسد- لسنا مستعدين لحاكم يقوم الليل مصلياً لا يقوم الليل في سهرة بألوان الطيف أو في صالة قمار هنا أو هناك أو فيما يغضب الله.  لسنا بعد مستعدين لحاكم لا يتكبر علينا ولا يستعلي ولا يعاملنا بمعاملة فرعون (ما أريكم إلاّ ما أرى وما أهديكم إلاّ سبيل الرشاد"

كم أتعجب من ذكر القرآن الكريم لفرعون في آيات كثيرة حتى بلغت سبعاً وستين موضعاً في معظمها في سياقات سياسية. وكأنه لا مدمر للشعوب والنهضة كما هو الاستبداد والطغيان. فهل جاء إسماعيل هنية قبل موعده ليبدأ التاريخ من جديد ولكن العالم كله لا يطيق أن يرى هذا النموذج لدى المسلمين، فالأولى أن يبقى المسلمون تحكمهم حكومات تحقق "الاستقرار" الذي يساعد على تدفق الثروات إلى الغرب ويساعد الغرب على الاستمرار في بيع منتوجاته، وإلى حكومات تأتمر بما يقوله ساكن البيت الأبيض أو غيره..

نعم هل جاء إسماعيل هنية قبل موعده؟ فقد نجحوا في أن لا يصل أمثال إسماعيل هنية إلى بلديات الجزائر فافتعلوا فيها حرباً أهلية حصدت عشرات الآلاف لتبقى سيطرة الجيش والمتفرنسين وغيرهم،، وسعوا إلى أن لا يصل الإسلاميون إلى الحكم في تركيا ولكن خاب ظنهم وقال الأتراك قولتهم بقوة فهاهي تركيا تحقق نمواً اقتصادياً يصل إلى سبعة في المائة وهي نسبة تحسدها عليها كل الدول الأوروبية وغيرها.

وأخيراً اقرأوا قول الله عز وجل (ولو آمن أهل القرى لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض)

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية