مجانين في الفضاء


                                      بسم الله الرحمن الرحيم

                      

       ظهرت على شاشة إحدى القنوات الفضائية امرأة في خريف العمر أو حتى في شتائه ترتدي بزة تشبه الرجال ولها شعر أبيض كالقطن منكوشاً ، تتكلم وتتكلم ولا تتوقف وبصوت مرتفع وتكثر من قول أنا ..أنا  وتقول كلاماً يشبه كلام المجانين. ورأيت قبلها بأيام امرأة قريبة من خريف العمر وإن لم تدخله ، كانت شقراء مليحة تحدثت عن بطولاتها السياسية والاجتماعية. وفي قناة فضائية أخرى تحدث أحدهم أديب ناقد منحرف الفكر والتوجه وقال كلاماً قريباً من الهذيان.
      عندما فكرت في العنوان قلت في نفسي هل يصح أن أصف هؤلاء بالجنون وأنا أعرف من الحديث الشريف أن المؤمن ليس بطعان ولا لعّان ولا فاحش ولا بذيء. ولكن هل في وصف مجنون بالجنون فحش أو إساءة أدب؟ كلاّ والله . إنما هي الحقيقة عارية واضحة جلية.
     هؤلاء المجانين في القنوات الفضائية يقولون كلاماً كثيراً ويتاح لهم من الوقت ما لم أجده متاحاً للعقلاء من أبناء هذه الأمة الخيرة . وأما تفاصيل هذا الجنون فإليكموه مفصلاً تفصيلاً.
     قبل شهر تقريباً استضافت قناة فضائية الكاتب الدكتور كمال أبو ديب وسألته المذيعة عن الاستشراق وتأثيره فقال كلمة عجيبة :"ليس للاستشراق أي أثر في العالم العربي بل نحن العرب أصبحنا نؤثر فيهم وضرب المثل بإدوارد سعيد فهذا مفكر عبقري أصبح إنتاجه يوزع في العالم الغربي ويلقى رواجاً كبيراً . والمثل الثاني هو أحد أطباء القلب المشهورين وهو مجدي يعقوب فهذا الطبيب أصبح من أشهر أطباء القلب في العالم وأن روسيا استعانت به في العملية التي أجريت لرئيس جمهوريتها.
    كيف يكون الرد على هذا الجنون؟ فإذا كان الاستشراق لم يؤثر في العالم العربي الإسلامي فماذا يسمي دعوة جامعة لندن لحضرته أن يكون أستاذاً للأدب العربي في جامعتها لعدة سنوات؟  هل ضاقت الاختيارات على جامعة لندن فلم تجد أحداً غيره ؟ ألم يسأل نفسه لماذا اختاروني ولم يختاروا غيري؟ ألم يسأل لماذا صادق جلال العظم أستاذاً في جامعة برنستون ؟ ولماذا فؤاد عجمي صاحب مركز مرموق في جامعة جون هوبكنز؟  ولماذا يرأس فضلو الرحمن قسم الدراسات الإسلامية  في جامعة شيكاغو ؟ولماذا عزيز العظمة في بون وفي جورج تاون ؟ ولماذا حامد نصر أبو زيد في جامعة ليدن ؟ ولماذا محمد أركون في أكثر من جامعة أوروبية كأن المواهب والعلم قد انحصر فيه؟
      ما ذا يعني أن تستضيف جامعة في بلد عربي كمال أبو ديب عدة سنوات؟ألم تكن صلة الصداقة بينه وبين رئيس تلك الجامعة هي السبب في استضافته ؛ فهما يشتركان في محاربة الثوابت والقيم الإسلامية ويسعيان لتحطيم الثابت والمقدس ويناديان بتفجير اللغة تفجيراً. وأخيراً تحدث هذا المدعو أبو ديب في ملحق لصحيفة محلية فافترى على القرآن الكريم حتى تولى الدكتور مصطفى عبد الواحد الرد عليه وانتقده في أنه أطلق على القرآن مصطلح "نص" وأن هذا النص خاضع لشتى التفسيرات والتأويلات القديمة والحديثة.
      كيف لم يؤثر الاستشراق فينا وهذه المناهج الجامعية وهذا الإنتاج العلمي الغزير لتلاميذ المدرسة الاستشراقية يملأ أرفف المكتبات ويدرسه الطلاب والطالبات العرب والمسلمون في أنحاء العالم الإسلامي، وهاهم تلامذة المستشرقين يعتلون المنابر في شتى أنحاء العالم الإسلامي وبخاصة في هذه الفضائيات التي تصر على أنهم الأصلح ليكونوا ضيوفاً عليها.
     أما المرأة ذات الشعر الأبيض المنفوش نوال السعداوي- فقد قالت كلاماً عجيباً يجب أن نبدأ معها من البداية فهي تفصل بين العقيدة والشريعة؟ وكأنها لم تدرك معنى شهادة أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله. وهي ترى القرآن الكريم كتاباً دينياً يخضع لشتى التفسيرات وفقاً لمقتضيات الواقع وأن القرآن فُسر في بلد فمُنِع بسببه تعدد الزوجات، وكان القرآن في بلد آخر سبباً في السماح بتعدد الزوجات وتحدثت هي وزوجها أن لديهما أرضاً ويريدان أن يرث ابنهما وابنتهما بالتساوي بينما الشرع يعطي الذكر مثل حظ الأنثيين. إذا لم يعجبهما نظام الإرث الإسلامي فليقسماها من الآن! وتحدثت عن المهر وأنه عبارة عن ثمن للمرأة و لا ينبغي للزواج أن يبنى على البيع والشراء. وقالت كلاماً كثيراً عن حقوق المرأة واضطهاد الرجل والمجتمع المسلم للمرأة.
     فهل القنوات الفضائية أصبحت حِمَى مستباح لمثل هؤلاء؟ لقد كانوا يعيثون في الوسائل الإعلامية الأخرى فساداً من صحافة وإذاعة وتلفاز ويؤلفون الكتب التي يجدون دائماً من ينشرها لهم ويجدون من يبيعها ويبتاعها. وجاءت القنوات الفضائية فتسابقت على استضافتهم. لقد شكونا من تسطيح الثقافة والغثاء والغناء في القنوات الفضائية والبرامج الفارغة والعري وغير ذلك ولكن هذه البرامج أخطر من تلك على خطورتها- لأن الأفكار تتغلغل في أذهاننا وقد تؤثر فينا وفي ثوابتنا وقيمنا وسلوكنا، أما مناظر العري فيكون تأثيرها محدوداً بإثارة الغرائز فإن لم تجد منفذاً حلالاً لها فيكون البحث عن الحرام ولكن كما قيل الشبهات في الاعتقاد اكبر أثراً من شبهات السلوك.
      ويبقى أن نتساءل كيف لأصحاب الفكر الإسلامي الصحيح أن يصلوا إلى القنوات الفضائية؟ لا بد من خطة فاعلة للوصول. فإما أن يقدموا أنفسهم أو يتولوا الجمهور تقديمهم بالمطالبة أن يكون لهم مكان. إننا نشاهد الدكتورالقرضاوي والدكتور محمد عمارة وغيرهما في بعض القنوات الفضائية، ولكننا بحاجة إلى من يقتحم هذه القنوات على ما فيها من فساد فإن الداعية مطالب أن ينتقل بدعواه إلى المدعويين. وما زلت أذكر القصة التي كتبها الشيخ علي الطنطاوي بعنوان (شيخ في مرقص) فهل نفعل شيئاً؟

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية