حصاد الفساد والدكتاتورية وحكم الفرد


 

في محاضرة ألقاها الأسبوع الماضي بالقاهرة كشف الدكتور أحمد جويلي الأمين العام لمجلس الوحدة الاقتصادية العربية أن الفجوة الغذائية في العالم العربي بلغت 15 مليار دولار سنوياً، وأن حجم البطالة يتراوح بين 50 و60مليون نسمة وأن نسبة 60% من تعداد هذه البطالة هم من الشباب، الأمر الذي يمثل قنبلة خطيرة لأنها تتزايد بنسبة 3% كل عام.

هذه البيانات المهمة التي جاءت على لسان مسؤول عربي تجسد الوضع المتردي الذي وصل إليه العالم العربي فيما يتعلق بعصب الحياة وهو الغذاء ومجالات العمل، فالأمم التي تعاني من أزمة في غذائها مهددة بالسقوط والتسليم لكل عوامل الابتزاز والإغراء الاستعماري. والأمة التي تصيبها البطالة، خاصة في أعز ما تملك وهم الشباب، أمة مهددة بالانتحار على مذبح المشكلات الاجتماعية والجرائم اللاأخلاقية والعنف والسرقات.

وإذا كان العالم العربي قد أصيب بالداءين معاً.. أزمة الغذاء وأزمة البطالة.. فلا نبالغ إذا كررنا القول إن الوضع خطير والمستقبل سيكون أكثر خطورة إذا لم يتم تدارك الموقف بحلول جذرية وجدية.

لكن أول مقومات العلاج تكمن دائماً في التعرف على مسببات الأزمة لمحاولة تلافيها.. ومن يتأمل في جذور أزمة الغذاء والبطالة التي تعصف بالعالم يجدها تتمثل فيما يلي:

أولاً: غياب الرؤية العربية الاستراتيجية التي تضع حلولاً عملية لمعالجة الأزمات بصفة عامة. ولاشك أن إقامة السوق العربية المشتركة كان يمثل أحد تلك الحلول التي لو تمت لتحركت عجلة الاقتصاد ولأسهمت بنصيب كبير في حل أزمة الغذاء والبطالة، ولكن الدول العربية وفقاً لما قال الدكتور جويلي: "لم تحقق أي نجاح في هذا الصدد منذ تأسيس الجامعة العربية عام 1945".

وبهذه المناسبة يجدر بنا أن نشير إلى غياب الرؤية العربية الجامعة في التعامل مع معظم القضايا العربية المصيرية، فليس هناك رؤية عربية للتعامل مثلاً مع مشكلة الصراع على المياه في المنطقة أو الصراع العربي الصهيوني أو الأمن القومي العربي.. أو غيرها من القضايا .. لقد غاب الفكر الجماعي وغابت الرؤية الموحدة فتبعثرت الأفكار والجهود وعجزت الحلول الفردية عن التصدي للقضايا الكبرى.
          ثانياً: غياب الحريات وتفشي ظاهرة الكبت وسيطرة الحزب الواحد والحاكم الفرد على مقاليد السلطة في العديد من البلدان العربية عبر الأنظمة الثورية العسكرية، أفرز حالة من الجدب الفكري والسلبية الشعبية في التعامل مع القضايا التي تواجه المجتمع، بعد أن انفرد بالحكم طبقة من الدكتاتوريين الذين أمموا كل شيء في البلاد لحسابهم.

ومن ناحية أخرى فإن أنظمة الحكم هذه ورطت بلادها وشعوبها في نزاعات وحروب ومغامرات عسكرية خارج الحدود لا لشيء إلا لإرضاء نزواتها الشيطانية، كما ورطت البلاد في معاهدات سلمية فاشلة مع العدو الصهيوني.. الأمر الذي تسبب في نزح خزانات البلاد وإهلاك أبنائها وضرب اقتصاداتها في مقتل، فسقطت في مستنقع الفقر والجوع والبطالة.. وإن المثال الأوضح أمامنا اليوم هو ما حل بالعراق على أيدي نظام البعث البائد وما جرى لمصر في ظل نظام عبد الناصر ومن بعده وما جرى ويجري في ليبيا وسورية.. وغيرها.

ثالثاً: لقد تكونت في العديد من البلاد العربية في الآونة الأخيرة طبقة من الطفيليين من المفسدين ولصوص المال والمتاجرين بأقوات الشعب وأمواله. وقد عقدت تلك الطبقة حلفاً مع المتنفذين في السلطة، وحدث تحت مظلة هذا الحلف تخريب لخزائن الشعوب تحت أسماء ومبررات خادعة، فلم يعد هناك مجال لسد الفجوة الغذائية ولا مجال لإقامة مشروعات تستوعب ملايين العاطلين عن العمل، ووضعت البلاد أمام أخطر القنابل الموقوتة من الجوع والبطالة وهي كفيلة إن انفجرت بالعصف بالمجتمعات والإتيان عليها.

ومن هنا تظل الأزمة قائمة.. أزمة الغذاء والبطالة .. في العالم العربي طالما بقيت مسبباتها.. ولن تجد طريقها إلى الحل الجذري الناجع إلا بزوال حكم الفرد وانتهاء الحكم الدكتاتوري واسترداد الشعوب حريتها وإفساح الطريق أمامها للمشاركة في صنع القرار ببلادها، وانتقال الحكومات العربية من حالة الفكر الأحادي إلى التفكير المشترك البنّاء الذي ينطلق من عقيدة الإسلام وقيمه لمواجهة القضايا والأزمات الكبرى.

وقبل ذلك وبعده فإن العودة الصادقة إلى الله سبحانه وتعالى وتطبيق شرعه والنزول على أحكامه، لا شك أنها كفيلة بتحقيق الأمن والرخاء والقوة والمنعة. وصدق الله العظيم إذ يقول: ولو أن أهل القرى" آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون (96) (الأعراف) وصدق الله: فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا  يرسل السماء عليكم مدرارا  ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا 12 (نوح).

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية