لماذا تحتاج لندن إلى الإسلام؟ أو هل مستقبل لندن إسلامي؟


 

 تقديم: ربما وربما وضعت هذه المقالة من قبل في هذه المدوّنة، ولكن لعل قِدم تاريخها لم يمكن البعض من الاطلاع عليها، وكنت أبحث عن مقالة (ما ذا يكسب العالم لو عرف الإسلام ولكن في هذه بعض الفائدة إن شاء الله.

فوجئت وأنا أقف أمام رفوف المجلات والصحف في أحد المتاجر اللندنية بمجلة إنجليزية هي تايم آوت  Time Outبعنوان ضخم باللغة العربية (هل مستقبل لندن إسلامي؟)- وبخط جميل- وتاريخ العدد هو6-12يونيه 2007 وهذه مجلة سيارة تعني بالفنون عموماً، وكان العنوان الداخلي للمجلة: (لماذا تحتاج لندن إلى الإسلام؟)، وكاتب المقال هو مايكال هودجز Michael Hodges ، بدأ الكاتب حديثه  بطريقة مسرحية حيث وصف حالة تطبيق القصاص في إحدى ساحات لندن، حيث تصل سيارة السجن وفيها المحكوم عليه أو عليهم بالقصاص، ثم يتم إعداد الساحة لتنفيذ الحكم، ويقف الجمهور لمشاهدة القصاص فمنهم الحزين ومنهم المسرور، ويتم القصاص ويصيح الجمهور الله أكبر،  ثم يعقّب بالقول ليست المسألة بهذه البساطة أو الصورة الدراماتيكية، إنها الصورة التي يرسمها كابوس اليمين المتطرف حيث تهبط عقيدة جديدة وتفرض على مدينة ليبرالية فهؤلاء يرون أن النساء سيكن مواطنات من الدرجة الثانية، والعلاقات بين المثليين تعد جريمة ويطبق قانون الشريعة، ولكن الحقيقة بعيدة جداً عن هذه الصورة المظلمة.

ويضيف الكاتب بأنه ليس هذا هو كل شيء عن الإسلام كما ينظر إليه البعض فعلاقة بريطانيا بالإسلام قديمة فقد كانت في زمن ماض أكبر عاصمة للمسلمين حينما كانت شبه القارة الهندية وبلداناً أخرى في جنوب شرق آسيا تحت حكم التاج البريطاني. واليوم يقطن لندن عدد كبير من المسلمين يصل حسب إحصائيات عام 2001م حوالي 697,083 (310,477رجلاً و 296,606امرأة) ويعيش معظم المسلمين في الجزء الشرقي من لندن، ويقدر المجلس الإسلامي أنه بحلول عام 2012 سيكون عدد المسلمين في مناطق من لندن مائتين وخمسين ألف نسمة. وهناك مشروع لبناء أضخم مسجد في بريطانيا يتسع لأربعين ألف مصل ويصل حجمه إلى حجم ملعب الملاعب الأولمبية التي ستشهد الألعاب الأولمبية عام 2012م. أما في بريطانيا كلها فقد صرح رئيس الوزراء المستقيل توني بلير في كلمته في مؤتمر جامعة كمبريدج حول تدريس الإسلام بأن عدد المسلمين في بريطانيا يبلغ مليوني نسمة.

ولكن بدلاً من الخوف من التغيرات التي سيحدثها هذا الوجود الإسلامي أو الوقوع في النظرة العصبية ضد المسلمين بأنهم جميعاً إرهابيون علينا أن ننظر إلى ما قدمه هذا الدين والفوائد المتوقعة في مجالات مختلفة وهي كالآتي:

- الصحة العامة: وتحدث فيها عن الصلاة، وكيف تساعد الإنسان على تحقيق صحة بدنية من خلال حركة الجسم والمفاصل، كما أن الصلاة تتطلب الوضوء وفي ذلك نظافة للبدن وتخليص الإنجليز من بعض الأمراض الجلدية. ومما يرتبط بالصحة العامة تحريم الكحول وهي من أكبر المصائب التي تواجه المجتمع البريطاني لأن عدد من يموت بسبب الكحول يصل إلى 17,6 لكل مائة ألف وفي مناطق أخرى يصل هذا الرقم إلى 31.6 لكل مائة ألف. وقد بلغت أعداد الوفيات بسبب الكحول 22ألف وفاة، أما ما تنفقه الحكومة على الجرائم المتعلقة بتعاطي الكحول فقد بلغت سبعة بلايين وثلاثمائة ألف جنيه سنوياً.

- البيئة ينظر الإسلام إلى الإنسان على أنه خليفة الله في الأرض، ولذا فهو مؤتمن على أن يحسن للبيئة، وإن أول من اعتنى بالبيئة الرسول صلى الله عليه وسلم حين اتخذ الحمى لترك الحياة الفطرية تعيش دون مضايقات، بل وذكر أن الخطباء في المساجد يؤكدون على احترام البيئة وعدم الإساءة إليها.

- التعليم، فعلى الرغم من أن الطلاب المسلمين في المدارس البريطانية ليسوا على المستوى المطلوب، لكن لا يلام الإسلام على ذلك، وإنما ظروف الطلاب الاجتماعية هي التي جعلتهم يتأخرون وإلاّ فإن هناك قيماً لدى المسلمين تنادي بالانضباط واحترام الذات، ولو تحسنت الظروف الاجتماعية للمسلمين لأبدع أبناؤهم في المدارس.

- الطعام: يأمر الإسلام أتباعه بتناول الطعام الحلال، وبالتالي سوف يتخلص الإنجليز من الطعام الزبالة الذي يتناولونه الآن. كما أن بعض أنواع الطبخ لدى مسلمي جنوب شرق آسيا يقدم طعاماً متوازناً.

- العلاقات بين الأديان: ينادي الإسلام بالحوار بين الأديان، والإسلام دين يدعو إلى التسامح، وقد أطلق على اليهود والنصارى أهل الكتاب وعاشوا في الدولة الإسلامية بسلام، كما أن المسلمين الأقلية الكبرى في الهند عندما كانت تحكم البلاد عاش الهندوس والسيخ بحرية وأمان.

- الفنون: لقد أبدع المسلمون على مدى التاريخ في مجال الفنون، فما زالت آثارهم المعمارية وإبداعاتهم في الصناعات اليدوية مثل السجاد وغيره دليلاً على تشجيع الإسلام للفنون.

- العدالة الاجتماعية: من أبرز ما يمكن أن يحقق العدالة الزكاة التي تبلغ 2.5%، فلو جمعت الزكاة من العاملين في لندن والذين يبلغون حوالي خمسة ملايين، فإن هذا سيوفر أكثر من ثلاثة بلايين جنيه سنوياً.

- العلاقة بين الأجناس: من المعروف عن الإسلام أن الجميع يتساوون فيه، فلا فرق بين أبيض وأسود ولا أحمر وأصفر الكل إخوة.

وقد استضاف المحرر عدداً من المسلمين تحدثوا عن نظرتهم إلى مدينة لندن وعن مستقبل الإسلام فيها فتنوعت الإجابات، وذلك لأن العينة التي اختارها عشوائية فهي تضم أشخاصاً من أصول إسلامية ولكنهم لا يمارس بعضهم الإسلام في حياته كما ينبغي أو يرى أن تلك مسألة شخصية، كما قابل عدداً من البريطانيين الذين تحولوا إلى الإسلام. وقابل بعض الأئمة والعاملين في مجال الدعوة حيث أوضح أحدهم كيف يقضي يومه من صلاة الفجر حتى صلاة العشاء، وما يقوم به من أعمال طوال النهار. كما قدم بعض المواقع في الإنترنت التي أنشأها المسلمون الجدد للإجابة عن تساؤلات هؤلاء عن دينهم الجديد وكذلك تقديم المعلومات لغير المسلمين

وهذه الجوانب التي تناولتها في المقالة السابقة هي: الصحة العامة، والبيئة، والتعليم والعلاقات بين الأديان، والفنون والعدالة الاجتماعية والعلاقات بين الأجناس.

وقد قدمت المجلة مقابلات صحفية مع عدد من المسلمين أجراها كل من راشيل هاليبورتون Rachel Halliburton وربكا تيلور Rebecca Taylor وقام بالتصوير فيل فيسك Phil Fisk وكانت المقابلات مع سياسي وصحفية ورياضية وموسيقي، وبعضهم من المسلمين المهاجرين إلى بريطانيا أو ولد لأبوين مسلمين مهاجرين أو من المسلمين الجدد. وفيما يأتي الأسئلة التي وجهت إليهم:

-       هل مستقبل لندن إسلامي.؟

-       هل ترغب أن ترى مستقبل لندن إسلامي؟

-       ماذا يمكن أن تستفيده لندن من الإسلام؟

-       هل نستطيع أن نكون متأكدين أن النساء المسلمات اللاتي يعشن في لندن لديهن حرية الاختيار؟

-       ما أهم الأشياء الخاطئة عن الإسلام؟

-       هل أنت أو أنتِ متفائل أن علاقات المسلمين مع الشرطة يمكن أن تتطور؟

-       هل تعتقد أن لندن الحديثة متوافقة مع الإسلام؟

-       ما الملابس المناسبة للمرأة حينما تمارس الرياضة؟

           وقد تنوعت الإجابات عن هذه الأسئلة ولكن الملفت للنظر أن الأشخاص الذين    وجهت إليهم الأسئلة كانوا من الأشخاص العاديين أو البعيدين عن دراسة الإسلام الدراسة العلمية المتعمقة، وليس هذا طعناً في فهمهم للإسلام أو في انتقاداً لإجاباتهم وإجاباتهن. ولكن الحقيقة أن بعض هذه الإجابات لم تحمل نظرة عميقة لما يمكن أن يقدمه الإسلام للندن أو للعالم أجمع. وقد كانت الفرصة متاحة لهؤلاء ليتحدثوا عن الإسلام حديثاً واسعاً فمثل هذه الفرصة ينبغي الإفادة منها. وقد كانت المقالة التي سبقت المقابلات أوضح غير أنها أيضاً يمكن أن تكون أكثر وعياً وفهماً لحقيقة الإسلام وما يمكن أن يقدمه.  وكأن البعض كان أيضاً يتخوف على منصبه ووظيفته لو صرّح بكلام أقوى في هذه المسائل.

        وقد تنوعت ردود الأفعال، وإن كانت معظمها من النوع الذي يرى أن الإسلام ليس بديلاً حقيقياً لحل أزمة المادية والاستهلاكية  كما أن أكثر من كاتب في صحيفة التايمز اللندنية يوم 8يونيه 2007م كتب عن الموضوع حيث كتب مك هيوم  Mick Hume يسخر من دعوة الصحيفة إلى التفكير فيما يمكن أن يقدمه الإسلام بالقول ساخراً: "يريد المحرر أن تتحول كل الحانات إلى أماكن لبيع نمارس الرياضة بالغسل خمس مرات في اليوم، وإعادة التدوير وأن نركز على تعليم أطفالنا وأن نعطي الفقراء وأن نحترم المساواة العرقية والدينية"


ثم يقارن الحياة في المدن الإسلامية التي لا يتوفر فيها الخمر ولا المخدرات ولا الحمل لدى المراهقات وإعادة تدوير المخلفات في الأنهار بحياة أهل لندن الطويلة والأكثر صحة والأكثر ثراء  لمحاكاة المعايير في المدن الإسلامية. ويذكر في مكان آخر من مقالته كيف وصف بعض العلماء المسلمين بريطانيا بالفساد والانحلال. وباختصار إنه يطلق على هذا النوع من الكتابة (انفجار قذر للخوف من الإسلام)

وكتبت كريستينا باترسون Christina Patterson في صحيفة التايمز اللندنية أيضاً وفي يوم (15يونيه 2007م) تتعجب من الحديث عن دين جاء قبل عصر "التنوير" والدين الذي لم يحقق العدالة الاجتماعية في دولة عربية كبرى ذكرتها، وانتقدت ما كتبه المحرر حول ما يمكن أن يقدمه الإسلام للندن وأهلها بأسلوب ساخر جداً"

أما رسائل القراء التي وردت في موقع المجلة فقليل جداً منها المؤيد لما قدمته المجلة وأنها مناسبة لعرض الإسلام دون تعصب أو تحيز بينما تحدث مسلم يقول عن نفسه إنه شاذ وهرب من البلاد الإسلامية التي تحرم الشذوذ فكيف ستأتون بالإسلام إلى لندن، وآخر جاء من دولة إسلامية لينعم كما زعم بالعلمانية والحرية ليعود إلى الإسلام. وقال أحد القراء عليكم أن تتكلموا عن المسيح عليه السلام ودينه وليس عن الإسلام. وسخر آخرون.

        وعلى الرغم من إعجابي  أن تثار قضية مثل هذه القضية في مجلة سيارة وأن يتناول الكاتب بالمجالات التي يمكن أن تفيد منها لندن لو أصبحت إسلامية أو ما يمكن أن يقدمه الإسلام للندن فإن الموضوع كان يمكن أن يقدم بأسلوب أعمق، يبدأ من الحديث عما يقدمه الإسلام من عقائد بسيطة وغير معقدة لعلاقة الإنسان بخالقه وبالكون، وعلاقة الإنسان بأخيه الإنسان ورسالة الإسلام إلى البشرية. كان بودي لو تحدث عن الحرية الحقيقية التي يقدمها الإسلام إلى البشرية تلك الحرية التي جعلت بلال بن رباح رضي الله عنه يستعذب كل أنواع العذاب في سبيل الإسلام لأنه تذوق الحرية الحقيقية. والحرية التي قال عنها رسول الجيش الإسلامي ربعي بن عامر رضي الله عنه: "إن الله جاء بنا وابتعثنا لنخرج من يشاء من عبادة العباد إلى عبادة الواحد الأحد ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة"

كما أحب أن أوضح بعض الأمور التي ينبغي أن ينبري لها العلماء المسلمون في بريطانيا لتوضيحها إما في هذه المجلة أو في وسائل الإعلام الأخرى. بل لماذا لا تكون هذه فكرة لعقد مؤتمر عالمي بعنوان (لماذا العالم بحاجة إلى الإسلام؟) ويمكن أن نبني على بعض النقاط التي أوردها الكاتب في مقالته.

        ومع ذلك أحب أن أوضح بعض الأمور التي لم يوفيها الكاتب حقها من  التوضيح ومنها الصحة العامة؛ فقد ذكر فيها الكاتب مسألة الصلاة والوضوء وتحريم الخمور. فالصلاة ليست مسألة رياضة بدنية تعطى المفاصل والعضلات مرونة وصحة، ولكن لها جوانب أخرى مهمة؛ فأولها أنها الصلة بين العبد وربه، فالإنسان الذي يتصل بخالقه خمس مرات في اليوم يستعلى على أوساخ الدنيا وأوضارها، وتسمو نفسه عن الدنايا. فيكون قوياً بالله عز وجل وقد يكون في الصلاة علاج للأمراض النفسية المستعصية وملايين الجنيهات التي تنفق على المهدئات والمسكنات. والصلاة تمنع الجريمة ألم يقل الحق سبحانه وتعالى (ٱتْلُ مَا أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ إِنَّ ٱلصَّلاَةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)(العنكبوت آية 42)

        والصلاة حين تؤدى في جماعة فإنها تربط المسلمين بالمسجد ويتكرر لقاؤهم خمس مرات في اليوم وقد توصل أحد الباحثين إلى نظرية إعلامية طريفة فيما يمكن أن تقدمه هذه اللقاءات من تقوية العلاقات الاجتماعية، فهاهي بريطانيا تشكو اليوم من مشكلة التعايش بين الناس حتى أعدت بعض المجلات تحليلاً لعلاقات الجيران. فلو كان الجيران يلتقون في مسجد أو غير ذلك من اللقاءات لما احتاجوا إلى الشكوى المرة من سوء التصرفات الاجتماعية، حتى إن امرأة تجاوزت الثمانين شكى منها الجيران إلى المحكمة، فقال لها القاضي كنت أود أن يكون حكمي عليك أكثر قسوة لولا اعتبارات السن. وكأنه يقول لها : ألا تستحي من سنّك؟

        وذكر الكاتب تحريم الخمر وأجاد في الاستشهاد بما تنفقه بريطانيا على الجريمة التي تتسبب فيها الخمور، ولكنه لم يقل كم من الأموال ينفق على الخمور؟ ولم يقل كذلك كم من البيوت يهدم بسبب الخمور. أذكر أن برنامجاً تحدث عن الإدمان على الخمور استضاف فتاة عانت من أبوين مدمنين، فعاشت حياة مضطربة إن لم نقل تعيسة فكان مما قالت "إنني ألوم المجتمع الذي سمح لوالدي أن يدمنا على الخمور" وكان هذا الحديث في قناة هيئة التلفزيون البريطانية (القناة الأولى في صيف العام الماضي)

       والإسلام يحرم الخبائث عموماً ومنها لحم الخنزير، ويحرم كل ما هو ضار بالإنسان، بل إن الإسلام يدعو إلى الاقتصاد في الطعام حيث أصبح العالم بعضه يشكو من السمنة في الوقت الذي لا يجد الفقير كسرة خبر في أماكن أخرى، ولو عرف الأغنياء حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي جعلته إحدى كليات الطب شعاراً لها (بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه) لما أسرف في الأكل ولما احتاج إلى علاج لمحاربة السمنة أو الأمراض العضال التي تأتي من الأكل الزبالة كما يطلق عليه الغربيون.

        وقال الكاتب عن العلاقات بين الأديان أن الإسلام أطلق على اليهود والنصارى "أهل الكتاب" وعاشوا في الدولة الإسلامية. ولعل أول تسامح عرفته البشرية كان في الصحيفة التي كتبها الرسول صلى الله عليه وسلم مع اليهود في المدينة التي تبدأ بعبارة "وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود على ....." وفيها أن يتمتعوا بحرية الديانة والحرية الشخصية في الممتلكات والأنفس. وكذلك كانت العهدة العمرية بعد فتح بيت المقدس. ومن أبرز الشواهد أمر الله سبحانه وتعالى (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلاّ بالتي هي أحسن)

        إن كل فقرة مما أورده الكاتب تحتاج إلى تفصيل واسع ولكني أكتفي بالقول إنها لفرصة مواتية أن يعرض الإسلام من خلال هذا المنبر ومن غيره من المنابر فكم يحتاج المسلمون إلى بذل الجهد لإبلاغ كلام الله عز وجل، كما عليهم في الوقت نفسه أن يعودوا إلى ربهم وإلى دينهم فيطبقوا الإسلام في واقعهم في المجالات العقدية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ليكونوا قدوة للعالمين.  

ومسألة حاجة العالم إلى الإسلام ليست وليدة اليوم فقبل سنوات التقيت الشيخ أحمد ديدات رحمه الله في المدينة وبعد حديث عن قسم الاستشراق وتوقعه أننا ندافع عن الإسلام بأسلوب "الدفاع التبريري"، سألته وما العمل فقال:"ينبغي أن نخاطب الغرب قائلين لهم:"انظروا إلى أوضاعكم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، إنكم تعيشون في ضنك مستمر وأزمات متواصلة. هذه حضارتكم قد حطّمت الأسرة؛ فالطلاق لديكم في ارتفاع مستمر، والزواج لم يعد زواجاً حقيقياً فقد ارتفعت نسبة الرجال الذين يعيشون مع نساء دون زواج. ويعاني أطفالكم من العيش بلا آباء، وسجونكم مليئة بالقتلة والمجرمين والمدمنين ومروجي المخدرات، وتعاني مجتمعاتكم من الشذوذ والإدمان على المخدرات والخمور. فما ذا أنتم فاعلون لحل هذه المصائب؟ إن عليكم أن تعرفوا أن الحل لكل هذه الأزمات موجود في الإسلام."

  وفي مناسبة أخرى تحدث السفير الأمريكي المعيّن وايتش فاولر في حفل الاستقبال الذي أقامته القنصلية العامة الأمريكية في جدة للترحيب بمستشارها الجديد للشؤون الإعلامية والثقافية لورا بيرج حيث تحدث عن ولاية جورجيا التي ينحدر منها وتأثير الإسلام فيها. فقد قال السفير بأنه ما إن يتكون مجتمع مسلم في أي منطقة من الولاية حتى تتبدل الأوضاع الاجتماعية فتزداد الروابط الاجتماعية قوة، وتقل نسبة الجريمة، وتنخفض معدلات الإدمان بل تكاد تتلاشى، وباختصار يشهد المجتمع الأمريكي صورة نموذجية في العلاقة الأسرية واحترام الكبير. وقد علّق الدكتور عبد القادر طاش رحمه الله في زاويته في صحيفة المدينة بالقول: "وأعتقد أن مغزى كلمات السفير لا يقتصر على مجرد الإفصاح عن تقديره للإسلام وقيمه السامي، بل إن هناك مغزى آخر مهماً جداً وهو الإشارة إلى حاجة الناس إلى القيم التي يحويها الدين الإسلامي. وهذا يدل على أن الإسلام لا يزال قادراً على أن يقدم للبشرية في العصر الذي نعيش فيه عطاءً زاخراً بالمبادئ والقيم والقواعد الاجتماعية التي هم في أمس الحاجة إليها لعلاج مشكلاتهم المتفاقمة."

وإذا كان واقع الأمة الإسلامية ليس الأنموذج الكامل الذي ينبغي أن يحتذى لكن المسلمين أفراداً وجماعات يقدمون أمثلة رائعة ونماذج مدهشة لتطبيق الإسلام ومن هذه الأمثلة أن أول مؤتمر لاتحاد مسلمي أمريكا الشمالية حضره ثلاثة آلاف وعقد في أحد الفنادق مما دعا مدير الفندق ليستدعي عدداً من رجال الأمن ليراقبوا المسلمين وبعد ثلاثة أيام صرح المدير قائلاً: "لا أدري أهؤلاء ملائكة أم بشر، فقد مرت ثلاثة أيام لم تهرق قطرة خمر واحدة ولم تحدث أي مشاجرة ولا معاكسة وهؤلاء الناس يتحركون للصلاة خمس مرات في اليوم. ليتني لم أستدع الشرطة" .

وفي عام 1413هـ (1993م) أتيحت لي الفرصة أن أطلع على الصحف البريطانية وبخاصة صحيفة التايمز فقرأت مقالة أو مقالات عن إقبال النساء البريطانيات على الإسلام وما وجدنه في الإسلام من راحة نفسية وعقيدة عظيمة، كما أوردت الصحف في ذلك الحين تقارير عن مقاومة المسلمين في مدينة بيرمنجهام بصفة خاصة لبائعات الهوى وبائعي المخدرات وكيف كانوا يقومون بحراسة مناطق سكناهم من هاتين الفئتين ومن المجرمين عموماً مما جعل الحكومة البريطانية تتصل بالمسلمين لتفيد من تجربتهم وخبرتهم لمحاربة الجريمة في أماكن أخرى. بل علمت أن بعض أفراد الشرطة البريطانيين دخلوا الإسلام حينما أرسل بعضهم للتجسس على المسلمين فرأوا حياة نظيفة وصدقاً في التعامل وبعض قيام الليل.

ومن الجوانب الإيجابية لإعلامهم أن مجلة الاقتصادي (الإكونومست) أعدت تقريراً عن الاقتصاد الإسلامي أشادت بما يوفره من فرص حقيقية للاستثمار وما فيه من حرص على قيم العدل والتنمية الحقيقية.

وقبل عدة سنوات وافقت الحكومة البريطانية على إنشاء بنك إسلامي في لندن، ويقوم بجميع المعاملات فيه وفقاً للشريعة الإسلامية. بل من المعروف أن جميع البنوك خصصت قسماً للتعاملات الشرعية وتستشير عدداً من العلماء في هذا المجال.

هذه الأمور تحدث في العالم وبعض أبناء الأمة الذين يتسمون بأسمائنا ويتحدثون بلساننا ينكرون ويصرون في النكير ويرفعون أصواتهم في كل منتدى متعرضين على الإسلام، حتى إن أحدهم وهو عضو في مجلس الشورى وكان أستاذاً للتاريخ في جامعة الملك سعود بأن هؤلاء الإسلاميين يريدون أن يجعلوا الإسلام يتدخل في كل أمر حتى إنهم في جامعة الإمام جعلوا قسماً للاقتصاد الإسلامي، لم يعجبهم الاقتصاد في العالم فيردون أن يجعلوا الاقتصاد إسلامي. وهو وغيره يقولون ما هو أخطر من هذا حتى إن بعضهم نادى بإغلاق مدارس تحفيظ القرآن ولو لم يخش على رأسه لطالب بإيقاف تعلم الدين كلياً. بل إن قناة العربية استضافت أحدهم كان يعيش في داخل الجزيرة العربية ليتحدث عن غرامه وهيامه وعشقه للغرب تاريخاً، وفلسفة ،وتراثاً، وحضارة وواقعاً، حتى إذا قيل له إن لدى القوم انحرافات أخلاقية أو انحلال جنسي وجد من المبررات السخيفة ما لا حاجة إلى إعادته. وهذا المغرم العاشق للغرب لا يرى أن الأمة الإسلامية قدمت شيئاً للحضارة البشرية.

ولذلك فإنني أدعو وبسرعة إلى تفاعل الطبقة المثقفة البريطانية لتقديم إجابات عن الأسئلة وكذلك توضيح النقاط التي لم يتمكن الكاتب من إيرادها مع تقديرنا لجهده الكبير في إثارة موضوع بهذه الحساسية. وأجدها فرصة للدعوة إلى عقد مؤتمر دولي أو أكثر لتناول هذه القضايا.

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية