الإسلام السياسي في القرن العشرين-محاضرة ألقاها رايندهارد شولتز بجامعة برنستون في سبتمبر 1988م


تقديم: زرت جامعة برنستون عام 1408لجمع المادة العلمية وفي أول أيام زيارتي رأيت إعلانا عن هذه المحاضرة، فسارعت للحضور وفي آخر المحاضرة طلبت نصها من المحاضر الذي وافق على مضض، وهو أستاذ ألماني متخصص في الحركات الإسلامية وقد كان متابعاً لها فكانت المحاضرة في أكتوبر وكانت مادته حديثة جداً حتى شهر أغسطس، وعلى الرغم من أنني ترجمتها قديماً ولم أراجعها كما ينبغي، ولكن أليس هذا هو الاستشراق الذي زعموا أنه مات ودفن؟
 

نص المحاضرة

إذا كنا نعني بالسياسة إنها سلوك الطبقة الحاكمة أو النظام تجاه رعاياه أو الأمة أو المجتمع فإن الإسلام كان سياسياً منذ البداية أي منذ بداية الوحي في مكة والمدينة بين 610 و 632 ميلادي. إن العقيدة الإسلامية التقليدية تقضي بأن الله يحكم المجتمع الإسلامي، الأمة، من خلال الوحي الذي وصل إلى ذروته التاريخية في الإسلام. ومع ذلك بأن الله فقط وهو المقدّم من خلال وحيه فإن النظرية الإسلامية التقليدية فإنه ليس هناك إجراء مباشرة تجاه الإنسان. ولذلك فإن الله ليس سياسياً. فهو لا يتدخل في السياسة ولكن السيادة فوق العالم (الحاكمية) له.

إن النظام الرباني الذي يجد التعبير عنه في السيادة (الحاكمية) يظهر في شكله الصلب من خلال التكوين القانوني للمجتمع والذي هو تعبير عن القانون الإلهي أو الشريعة فإذا كان الحاكم مسلماً جيداً فإنه يبني تصرفاته تجاه رعيته على هذا القانون وسياسته من الناحية القانونية "إسلامية" وبكلمات أخرى فإن التعاليم الإسلامية والقانون الإسلامي الذان يصفان الحاكم كخليفة لا يمكن عدها "الإسلام السياسي".

وفي الوقت نفسه فإن هذا يتضمن ما وجود إسلام غير سياسي يهتم بالسلوك الديني اليومي للمسلم وذلك من خلال نقل والإشراف على العلم الديني والعلوم المشتقة منه وبالتالي تركيب المجتمع الإسلامي لقد أعطى علماء الدين أهمية أكيدة لهذا الإسلام غير السياسي ذلك أن الذين قاموا بنقل العلوم الإسلامية بكل تعقيداتها نادراً ما ادعوا ممارسة السياسة أنفسهم أي ممارسة السلطة على الرعاية مستقلين في ذلك عن الحكام. لقد نظروا إلى أن مهمتهم هي ملاحظة تناسب سلوك الحاكم السياسي مع الشرعية أو الإشراف على الرعية في تطبيق القوانين الدينية والممنوعات.

 

تطور الإسلام السياسي:

مثل هذه الخطوط العامة تعطى صورة مختصرة جداً للحاقه. وفي تاريخ الإسلام الطويل فإن الاتجاهات كانت تسير بعكس هذه الثنائية في الحكم تظهر بتكرار. ولم يظهر تغيير عميق إلا في القرن الثامن عشر. ففي أجزاء مختلفة من العالم الإسلامي بدأ المدعويين بالمجددين في الظهور داعين إلى إعادة بناء المجتمع الإسلامي وفقاً للمثاليات الأزلية التي وضعها الرسول محمد لم يكن اهتمامهم منصباً بصورة أولية (أساسية) على أن يروا التعاليم الدينية. ولكنهم رأوا أنهم مدعوون لممارسة السيادة أي أن يتصرفوا بصورة سياسية تجاه مجتمعهم. لقد رأوا أنفسهم ممثلين لمصالح المجتمع في مواجهة القوى الخارجية والأنظمة الحاكمة الأخرى، ولكن أيضاً في مواجهة الحكام المحليين. لقد كون هؤلاء المصلحين – الذين كانوا من الغالب علماء، مطالب جديدة من المجتمع وفقاً للتقاليد الإسلامية. لقد رأوا أنفسهم حكاماً وبالتالي دمجوا السياسة الإسلامية في حقيقتهم الاجتماعية. ومنذ القرن الثامن عشر فإن الأنظمة الحاكمة (وبخاصة الامبراطورية العثمانية وولاياتها المستقلة ذاتياً بدرجة أو أحزاب) لم يكونوا مستفيدين تماماً للتسامح مع الادعاءات الأهلية للسيادة وهذا أجبر "المجددين" في اتخاذ طريق آخر نحو المثال المحمدي والدعوة إلى الانسحاب من المجتمع الخاطئ، وعلى أي حال فإن محمداً قد أجبر على أن يترك مكة إلى المدينة عام 622 عندما رفض أهل مكة وعارضوا رسالته.

إن عملية الانسحاب من المجتمع الخاطئ قد عبرت عن نفسها بالرفض العنيف للثقافة الإسلامية القديمة. لقد بدأ النقد للثقافة موجهاً للطرق الصوفيوة ومن ثم كون عنصراً هاماً في الإسلام السياسي الجديد. وقد بدأ عمليات مشابهة تأخذ طريقها في القرن التاسع عشرب في المراكز الدينية الكبرى. ومرة أخرى ظن العلماء على مسرح الأحداث يدعون إلى الانسحاب من المجتمع التقليدي مبريين الانفصال من خلال النقد المفتوح لثقافة الإسلام التقليدي. وهذه المرة كان تطور المجتمع في المراكز المدنية مسؤولاً عن هذا النقد. وبحلول منتصف القرن التاسع عشر كانت قطاعات اجتماعية جديدة مغايرة بحدة للمجتمعات التقليدية قد بدأت في الظهور نتيجة لتأثير الاستعمار. فقد أوجد الاقتصاد الاستعماري قواعد لثقافة جديدة لا مكان للطرق الصوفية فيه وألقى كذلك جهود العلماء في نقل العلوم الإسلامية والمحافظة عليها.

وأصبح المطلوب الأمن التجديد (الابتداع) والإبداع والأصالة وليس المحافظة على الهيئات التقليدية للتعبير الاجتماعي. وفي ظل هذه القطاعات الاستعمارية نمت مجموعة جديدة هي مجموعة من المثقفين الذين ادعوا أنهم هم التعبير عن الثقافة القومية. لقد ادعوا أنهم أصحاب الحق في تحديد مصالح المجتمع وحتى القيام بأمر الحكم بأنفسهم. ومع أن الحاكم ما زال يتمسك بالقوة الإلهية الموكولة إليه فإن هؤلاء المثقفين قد عدوا أنفسهم ممثلين لبرنامج سياسي والذي بمساعدته سوف يتحول المجتمع إلى مجتمع حديث. لقد فهم إعادة البناء لتضم توسيع القطاع الاستعماري ليشمل الثقافة التقليدية والمنافسة على السيادة من خلال المجتمع الاستعماري نفسه.

وفي البداية لم يلجأ المثقفون إلى الإسلام كوسيلة للتحديث أو محاولة تحريك لهذا الغرض. ولم تبدأ أي إشارة إلى عملية الدمج بين الإسلام كوسيلة للتحديث أو محاولة تحريكه لهذا الغرض. ولم تبدأ أي إشارة إلى عملية الدمج بين الإسلام والتحديث في الظهور إلا في نهاية القرن التاسع عشر. وقد كان هذا نتيجة – ضمن أشياء أخرى – لنجاح بعض العلماء المسلمين في إيجاد مكان لهم في المجتمع الاستعماري وتبني النظرة العالمية و أشكال التعبير التي استخدمها المثقفون. نادى هؤلاء العلماء لإصلاح شامل للمجتمع الإسلامي ومرة أخرى جعلوا النماذج الثقافية التقليدية نقطة الأساس في هجومهم. وبعكس المثقفين فإن العلماء نادراً ما اتحدوا ليكونوا مجموعات مستقلة أو منظمات يمكن أن تتنافس الأحزاب السياسية الموجودة أو المثقفين. وقد مثلت الإيديلوجيات القومية الغالبة انعكاساً أكثر قرباً للتطور الاجتماعي مما قدمته الأشكال المختلفة للإسلام السياسي.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية