الإذاعات الموجهة والإثارة


       بسم الله الرحمن الرحيم

فذلكة: على الرغم من أن المقالة قديمة لكن الموضوع لا يزال قائماً لأن الإعلام لايزال يلعب اللعبة نفسها وأكثر                                 

     في صبيحة يوم الجمعة الموافق 19جمادى الآخرة 1419 كان مؤشر المذياع على إذاعة مونت كارلو، وكان الحديث حول مطالبة امرأتين في مصر بمنصب قاضية ومفتية. لم يكن الأمر مجرد تعليق إخباري ولكنه أشبه بفيلم سينمائي. المذيع يتحدث بصوت مليء بالحماسة وبنبرات عالية وبشيء كثير من الإثارة عن هذه القضية، كان المذيع يعد نفسه طرفاً في القضية التي لابد أن تحسم في نظره لصالح المرأتين أو لصالح (تحرير المرأة).

كان التعليق حول مطالبة الدكتورة سعاد صالح الأستاذة المتخصصة في العلوم الشرعية وصاحبة المؤلفات في الدراسات الإسلامية بمنصب نائب المفتي لتكون متخصصة في الفتوى في شؤون المرأة بخاصة والإفتاء عموماً حيث إنها وصلت إلى درجة عالية من العلم الشرعي. أما المرأة الأخرى التي تحدث عنها المذيع فهي الأستاذة فاطمة لاشين وكانت تطالب بمنصب القضاء وتعتقد أنه ليس في الإسلام أي نص يمنع على المرأة أن تكون قاضية فمادامت قد ارتدت زي المحاماة أو عملت في العدالة الواقفة فلماذا لا يمكن أن تصبح قاضية؟

لم يكن هدف الإذاعة أو المذيعالذي لم يخف توجهاتهنقل الخبر للمستمعين ولكنه كان يحمل رسالة واضحة. فقد خلط الحديث عن مطالبة المرأتين بهذين المنصبين الهامين بالحديث عن الحركات (الأصولية) وزعمه أنها تدعو إلى التخلف واضطهاد المرأة وأن المطالبة هذه المرة لم تأت من صفوف النساء العلمانيات، ولكنها مطالبة صادرة من امرأتين لهما شأنهما في التيار الإسلامي.

ويزعم الخبر أن المفتي لم يستجب لمطالبة الدكتورة سعاد صالح ولا تتوقع الدكتورة أنه سيرد عليها ولذلك فقد حملت قضيتها إلى وسائل الإعلام. وكذلك الأستاذة فاطمة لاشين التي تريد أن تصبح قاضية. أما أن الدكتورة سعاد صالح تريد أن تصبح نائبة للمفتي فأمر داخلي يخص إخواننا في مصر ولكن التاريخ الإسلامي يخبرنا أن الإسلام لم يمنع المرأة أن تصل إلى أعلى مراتب العلم والفتيا فهذه السيدة عائشة رضي الله عنها بخاصة وغيرها من أمهات المؤمنين رضي الله عنهم أجمعين كنّ ينقلن ما عرفنه من الدين إلى الأمة فكم من حديث نجده مروياً عن عائشة أو أم سلمة أو حفصة  أو غيرهن من نساء المسلمين.

وأما أن الإسلام دعا المرأة والرجل لطلب العلم فأمر فهمه المسلمون منذ بداية الإسلام فهذا ابن حزم يقول: "وفرض على كل امرأة التفقه في كل ما يخصها كما  فرض على الرجال،  ففرض على ذات المال منهن معرفة أحكام الزكاة، وفرض عليهن كلهن معرفة أحكام الطهارة والصلاة والصوم وما يحل وما يحرم من المآكل والمشارب والملابس وغير ذلك كالرجال ولا فرق. ولو تفقهت امرأة في علوم الدين لَلَزمنا قبول نذارتها، وقد كان ذلك فهؤلاء أزواج النبي وصواحبه قد نقل عنهن أحكام الدين وقامت الحجة بنقلهن ولا خلاف بين أصحابنا وجميع أهل نحلتنا في ذلك، فمنهن سوى أزواحه عليه السلام :أم سليم، وأم حرام، وأم عطية، وأم كرز وأم شريك وأم الدرداء وأسماء بنت أبي بكر، وفاطمة بنت قيس.." وقد أورد صاحب وفيات الأعيان ترجمات لنساء منهن فخر النساء شهدة بنت أبي نصر الكاتبة: كانت من العلماء وكتبت الخط الجيد وسمع عليها خلق كثير .."  (المفصّل في أحكام المرأة ، عبد الكريم زيدان)

ولو كانت الإذاعة تريد أن تنقل الصورة الصحيحة للموضوع فإنني كنت أتوقع أن أسمع رأي الدكتورة سعاد صالح والأستاذة فاطمة لاشين. فلا بد أن لهما مبرراتهما في هذه المطالبات ولا شيء يمكن أن ينقل الحقيقة غير مصدر الخبرين، وليس من الصعب على الإذاعة أن تصل إلى المرأتين وتطلب رأييهما أو تنقل آرائهما وفقاً للمصادر التي تناولت هذا الموضوع.

لا بد لهذه الإذاعات أن تحترم مسلمات هذه الأمة وثوابتها وتبتعد عن التحيز لأي اتجاه فكري. وإن كانت هذه الإذاعات لا تستطيع التخلص من توجهات قامت أساساً لنشرها فلا أقل من التخفيف من العداء للإسلام ومحاولة العرض المتوازن لقضايانا.

                   

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية