التخطي إلى المحتوى الرئيسي

عندما يحكم الإسلام- الحرية أو التنمية أو تربية العجول




د. عبد الله بن فهد النفيسي

لندن: دار طه (بدون تاريخ)

حاولت أن أجد الكتاب في الإنترنت لأحمّله إلى جهازي، ولكن دون فائدة. أو إنّ صبري نفد بسرعة، فعدت إلى النسخة  الموجودة لدي والتي كنت أقرأ منها لطلابي في مادة (النظام السياسي في الإسلام- سلم 104) وأود أن أقدم بضعة أسطر من هذا الكتاب الرائع:

المدخل (1)

        في عالمنا العربي المعاصر الحافل بضروب العسف والقهر والقمع والظلم والجور والامتهان للإنسان، يحاول النظام السياسي العربي – بشتى راياته ومسمياته – أن يُغرق المواطن في بحر من اليأس والتسليم. اليأس من التغيير الجذري للأوضاع، وبالتالي التسليم لها ولجبروتها. ولا يدّخر النظام السياسي العربي وسعاً في تمرير رسالته اليومية للمواطن: أنه – أي النظام- جاء ليبقى، وليبقى مدى الحياة. ويحاول النظام- أن يحيط نفسه بكافة المتكآت المادية والمعنوية لتأكيد هيبته وقوته وسيطرته على الأوضاع. وأحياناً يجأ –لفرض هيبته- لطريق معاكس،  أقصد التبسّط المبالغ فيه والتواضع غير الطبيعي وغير المعهود منه. هذا النظام: قوي، متماسك، واثق من خطاه، يعرف أهدافه ووسائله، له خطة ، على رأسه رجل فذّ ذكي، مفرط الذكاء، يقظ ، يقرأ كثيراً، يعمل كثيراً وفوق ذلك متيم بحب الشعب وكل ما هو شعبي. هذه هي رسالة- النظام- الإعلامية اليومية. وينقل هذه الرسالة جيش من أجراء النظام: مدرّسين، موظفين، طلاب، طالبات، أئمة مساجد، صحفيين، رؤساء تحرير صحف، مذيعين، ممثلين، بائعات هوى، قوّادين تجار خمور وحشيش، وذهب، و"فعاليات اقتصادية" وما أدراك ما الفعاليات؟

        فسرطان النظام تسلل لكل ضروب الخلايا الاجتماعية. ويدخِل النظام في روع المواطن المستلب عن طريق الجريدة والمذياع والمدرسة والجامعة والتلفاز أن السياسة حشيش، شيء يحظره القانون وتأباه الأعراف الأسرية. وأن للسياسة رجال في الحكم، يعرفون أكثر، ويفهمون أكثر، ويلمّون بالأمور أكثر، ويطلعون أكثر، وحسب المواطن أن يأكل العلف كل يوم ويرعى في المراعي كل يوم، ويحلبه الرعاة كل يوم، وفي آخر النهار يعود للحظيرة كأي سائمة، لا ينطق حرفاً صائباً ولا يكتب جملة مفيدة، يملأ جوفه، وينزو على أنثاه، ويتقلب على ظهره كالبعير في المراغة، ويهذي، ثم ينام من غير أن يتجافى جنبه عن المضجع، ويخر شخير من مات قلبه. هكذا يريدون المواطن العربي. هكذا يكون عندهم صالحاً، لكن- وهذه حقيقة يجب أن يعرفها الكل- ما هكذا أراده الإسلام ولا هكذا أرادته الشريعة الإسلامية. ولا هكذا يكون المواطن في الإسلام.

(2)

        والسياسة-برأيي المتواضع- ليست حشيشاً أو شيء يجب أن يحظره القانون. وإنما السياسة هي الإدارة العامة لشؤون الناس وهذه الإدارة إما تفضي إلى عدل أو إلى ظلم. والقرار السياسي في محصلته النهائية- هو الذي يحدد طبيعة التعليم الذي نتلقاه، وطبيعة الطعام الذي نأكله وطبيعة المسكن الذي نسكنه وطبيعة الطريق الذي نعبره وطبيعة الجريدة التي نقرؤها وطبيعة المذياع الذي نسمعه وطبيعة التلفاز الذي نشاهده وكمية الدراهم التي نحملها في المحفظة.

        نحن مادة القرار السياسي الذي يتخذه الأمير أو الملك أو رئيس الجهورية. نحن المعنيّون به. نحن ضحاياه أو فرسانه. عليه إذن ، فالقرار السياسي ليس شيئاً منعزلاً عنّا،  لا يؤثر فيا أو يتجاوزنا أو يتخطانا ولا يدوس علينا أبداً. إنه قرار لنا أو علينا ولا وسطية في الأمر من هذه الزاوية. وجالس الوزارات ، والوزراء، وجيوشهم الإدارية ووزاراتهم، ما هي إلاّ أدوات لتنفيذ القرار السياسي، أدوات من كونه فكرة تتأرجح في رأس الأمير، أو الملك أو الرئيس إلى وواقع نعيشه، بل حتى في المضاجع والمطابخ. وحيث أن الأمر – أمر السياسة عموماً والقرار السياسي خصوصاً-يمسنا إلى هذه الدرجة، فينبغي أن تتغير نظرتنا للسياسة والحكم أينما كانوا وحيثما حلّوا. وينبغي أن ندرك أننا لا نستطيع – وإن أردنا- أن ننعزل عن السياسة وشؤونها وعن رجال الحكم ونشاطاتهم. وذلك لأن النظام السياسي له قنوات من خلالها يدخل إلى بيوتنا ويجلس معنا بكامل حضوره. وإذا كان الأمر كذلك وبهذه الخطورة فينبغي علنا أن نطالب بحقوقنا عليه ومكاننا منه ومراقبتنا له. والوطن كانتماء – في المحصلة النهائية- ليس قصيدة شعرية ولا نشيداً وطنياً ولا بيرقا ً مطرزاً ولا عرضاً مسرحياً. إنما الوطن هو الأمن والخبز والحرية والمساواة مجتمعة في إطار إنساني.

        غير أن الأمن وحده لا يصنع الوطن والانتماء لأن حظيرة الخنازير فيها أمن. والخبز وحده لا يصنع الوطن والانتماء، لأن كل مواخير العالم فيها خبز.والحرية وحدها لا تصنع الوطن والانتماء، لأن كل  أدغال العالم وأحراشه فيها حرية، والمساواة وحدها لا تصنع الوطن والانتماء، لأن كل سجون العالم ومعتقلاته فيها مساواة"








تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الطبعة: الرابعة. الناشر: دار المعارف بالقاهرة (تاريخ بدون). عدد صفحات الكتاب: 219 صفحة من القطع المتوسط. إعداد: مازن صلاح المطبقاني في 6 ذو القعدة 1407هـ 2 يوليه 1987م بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة : يتحدث فيها المؤلف عن معنى التاريخ، وهل هو علم أم فن، ثم يوضح أهمية دراسة التاريخ وبعض صفات المؤرخ وملامح منهج البحث التاريخي. معنى التاريخ: يرى بعض الكتاب أن التاريخ يشمل على المعلومات التي يمكن معرفتها عن نشأة الكون بما يحويه من أجرام وكواكب ومنها الأرض، وما جرى على سطحها من حوادث الإنسان. ومثال على هذا ما فعله ويلز في كتابه "موجز تاريخ العالم". وهناك رأي آخر وهو أن التاريخ يقتصر على بحث واستقصاء حوادث الماضي، أي كل ما يتعلق بالإنسان منذ بدأ يترك آثاره على الصخر والأرض.       وكلمة تاريخ أو تأريخ وتوريخ تعنى في اللغة العربية الإعلام بالوقت، وقد يدل تاريخ الشيء على غايته ودقته الذي ينتهي إليه زمنه، ويلتحق به ما يتفق من الحوادث والوقائع الجليلة. وهو فن يبحث عن وقائع الزمن من ناحية التعيين والتوقيت، وموضوعه الإنسان والزمان، ومسائله أحواله الم...

وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد.. وما أشبه الليلة بالبارحة

                                      بسم الله الرحمن الرحيم                                  ما أصدق بعض الشعر الجاهلي فهذا الشاعر يصف حال بعض القبائل العربية في الغزو والكر والفر وعشقها للقتال حيث يقول البيت:   وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد إلاّ أخانا. فهم سيقومون بالغزو لا محالة حتى لو كانت الغزوة ضد الأخ القريب. ومنذ أن نزل الاحتلال الأجنبي في ديار المسلمين حتى تحول البعض منّا إلى هذه الصورة البائسة. فتقسمت البلاد وتفسخت إلى أحزاب وفئات متناحرة فأصبح الأخ القريب أشد على أخيه من العدو. بل إن العدو كان يجلس أحياناً ويتفرج على القتال المستحر بين الاخوة وأبناء العمومة وهو في أمان مطمئن إلى أن الحرب التي كانت يجب أن توجه إليه أصبحت بين أبن...

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية

                             يردد الناس دائما الأثر المشهور :(من تعلّمَ لغةَ قوم أمن مكرهم أو أمن شرَّهُم) ويجعلونها مبرراً للدعوة إلى تعلم اللغات الأجنبية أو اللغة الإنجليزية بصفة خاصة. فهل هم على حق في هذه الدعوة؟ نبدأ أولاً بالحديث عن هذا الأثر هل هو حديث صحيح أو لا أصل له؟ فإن كان لا أصل له فهل يعني هذا أن الإسلام لا يشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟ وإن كان صحيحاً فهل الإسلام يحث ويشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟         لنعرف موقف الإسلام من اللغات الأخرى لا بد أن ندرك أن الإسلام دين عالمي جاء لهداية البشرية جمعاء وهذا ما نصت عليه الآيات الكريمة {وما أرسلناك إلاّ كافة للناس بشيراً ونذيراً } (سبأ آية 28) وقوله تعالى { وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين } (الأنبياء آية 107) وجاء في الحديث الشريف (أوتيت خمساً لم يؤتهن نبي من قبلي، وذكر منها وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة). فهل على العالم كـله أن يعرف اللغة العربية؟ وهل يمكن أن نطالب كلَّ...