اليتيمة لابن زريق



لا تعذليـهِ ، فـإن العذلَ يولِـعُهُ    قد قلتِ حقاًّ ولكن ليس يسـمعهُ

جاوزتِ في لومهِ حـدّاً أضرَّ بهِ        من حيث قدرتِ أن اللومَ ينـفعهُ

فاستعملي الرفقَ فـي تأنيبهِ بـدلاً      من عذلهِ فهو مضنى القلبِ موجعهُ

قد كان مضطلعاً بالخطبِ يحملهُ       فضُيِّـقتْ بخطوبِ الدهرِ أضلعُهُ

يكفيــهِ من لوعةِ التشتيتِ أن لهُ      من النَّوى كلَّ يومٍ ما يــروِّعهُ

ما آبَ من سفـرٍ إلاّ  وأزعَجهُ   رأيٌ إلى سَفَرٍ بالعـزمِ يزمـعــهُ

كأنّما هو في حلٍّ ومرتحلٍ           موكَّلٌ بقضاءِ الــلّه يذرعهُ

إنَّ الزمانَ أراهُ في الرحيلِ غنىً ولو إلى السدِّ أضحى وهو يزمعهُ

ومـا مجاهدةُ الإنسانِ توصلـهُ رزقـاً ، ولا دعةُ الإنســانِ تقطـعــهُ

قد وزَّعَ اللّهُ بيـن الخـلقِ رزقهمـو لم يخـلق الـلهُ مـنْ خلـقٍ يُــضيعهُ

لكنهم كلفوا حرصـاً ، فلـست تـرى مسترزقـاً وسوى الـغاياتِ تقنعُـــهُ

والحرصُ في الرزقِ ، والأرزاق قد قسمتْ بغيٌ ؛ ألا إنَّ بغـيَ المـرءِ يصــرعهُ

والدهـــرُ يـعطي الفتى - من حيث يمنعهُ -إرثـاً ، ويمنعُهُ من حيث يطعمـــهُ

أستــودعُ الله في بغدادَ لي قـمراً " بالكرخِ " من فلكِ الأزرارِ مطلعـهُ

ودعــتُهُ وبـودي لو يودعـني  صفوُ الحيـاةِ ، وأنـي لا أودعـهُ

وكم تشبَّث بي يـــومَ الرحيلِ ضحىً  وأدمعي مسـتـهلاتٌ ، وأدمعـهُ

لا أكذبَ اللهُ ، ثوبَ الصبرِ منخرقٌ عنّـي بفــرقـتهِ ، لكن أُرقِّعُــــهُ

إنّي أُوسِّـعُ عذري في جنـايتهِ    بالبيــــنِ عنهُ ، وجـرمي لا يوسِّـعُهُ

رُزِقْتُ مُلكاً فلم أحسن سياستهُ وكلُّ من لا يســـوسُ الــملكَ يــخلعُهُ

ومـن غدا لابســــاً ثوبَ النعيمِ بلا شكرٍ عليـهِ ، فإنَّ اللـه ينزعــهُ

اعتضتُ من وجهِ خلّي بعدَ فرقـتهِ كأساً أُجـرَّعُ منهــا ما أُجـرّعــهُ

كم قـائلِ لي: ذقت الـبين ، قلت لهُ الذنـبُ واللّـه ذنـبي ، لستُ أدفعـهُ

ألا أقمت فكان الرشـدُ أجمـعـهُ ؟ لو أنني يـوم بـانَ الرشــــدُ أتبـعهُ

إنــي لأقـطــعُ أيامي ، وأنـفدُهـا بحسـرةٍ منـه في قلبي تـقطِّعــهُ

بمـن إذا هجــعَ النُّـوامُ بـــتُّ لهُ - بلــوعةٍ مـنهُ - ليلي لستُ أهجـعهُ

لا يطمئنُّ لجـنبي مضجعٌ ، وكذا لا يطمئنُّ لهُ       مذْ بِـنتُ مضجعــــهُ

ما كـنتُ أحسبُ أن الدهرَ يفجعني بـهِ ، ولا أنَّ بـيَ الأيـامَ تـفجعـهُ

حتى جرى البينُ فيمـا بيـننا بيدٍ عسـراءَ ، تمــنعني حظـّـي وتمنعهُ

قد كنتُ من ريبِ دهري جازعاً فزعاً فلمْ أوقَّ الذي قدْ كـنتُ أجزعـهُ

باللّهِ يا منـــزلَ العيشِ الذي درستْ آثارُهُ ، وعفَتْ مذْ بنتُ أربعهُ

هل الـزمانُ معـيدٌ فيكَ لذتـنا أم الليالـي الـتي أمضـتهُ ترجعـهُ

في ذمـــةِ الــلهِ من أصــبحتَ منزلهُ وجاد غيثٌ على مغناكَ يمرعُهُ

من عندهُ ليّ عهدٌ لا يـضـيِّعُهُ كمـا لهُ عهدُ صـدقٍ لا أضـيِّعُهُ

ومن يصدِّعُ قلبي ذكرهُ ، وإذا  جرى على قلبهِ ذكري يصـدِّعهُ

لأصبرنَّ لدهرٍ لا يمتعني    بهِ ، ولا بيَ في حالٍ يمتعهُ

علماً بأن اصطباري معقبٌ فرَجاً فأضيقُ الأمرِ إن فكَّرتَ أوسعهُ

عسى الليالي التي أضنت بفرقتنا     جسمي ، ستجمعني يومـاً وتجمعهُ

وإن تـــغلُ أحـداً منّا منيَّتهُ  فما الذي بقـضاءِ اللهِ يصـنعهُ !



مملكة العجائب لمحمود السمرة

ضاق على الضرغام يوماً غابه *** وانقطعت من رزقه أسبابـــه
فقال للفهد أشِرْ بمـــا ترى *** فقال إن الخير في ترك الشـرى
فمشيا في الأرض حتى وجـدا *** غاباً حوى من الوحـوش عددا
وبصُرا بالقرد وهو يحكـــمُ *** يومئ باللَّحظ ولا يُكــــلِّمُ
منتفخٌ كالليث وهو قـــــردُ *** منفردٌ بالحكم مستبـــــدُ
له بطانةٌ بها الحمــــــارُ *** مدخرٌ للرأي مستشــــــارُ
والبغل فيها الشـــاعرُ المُقدَّم *** وقنفذ الجحر الكمى المعـــلم
والبوم للبشرى بكلِّ خيــــرِ *** والببغاوات لحفظ الســــرِّ
والضفدع الصدَّاح والمغنِّــي *** والذئب قائمٌ بأمر الأفــــنِ
والجرذ القائم بالإصــــلاحِ *** والهرُّ طاهي اللحم في الأفـراحِ
والدبُّ للزمر وقرع الطبـــلِ *** والفيل للألعاب فوق الحبـــلِ
رأى الهزبر ما رأى فــــزأرَ *** وقال للفهد أحقٌ ما نــــرى
فقال يا مولاي حقٌ صـــدقُ *** جميع ما يفعل هــــذا الخلقُ
ليس الذي ترى مــن الغرائب *** فنحن في مملكة العجــائب


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية