سياحتي الخليجية: أبو ظبي والعين ودبي


بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم: كان قد صدر ضدي قرار خنفشاري (معذرة) أن أتحول إلى العمل الإداري عام 1420 تقريباً فقلت للجامعة إن العقد الذي بيني وبينكم أن أكون مدرساً لا إدارياً وإلّا لبقيت في الخطوط السعودية أتمتع بالراتب والمزيا وبعيداً عن النكد المستمر، وراسلت الدكتور محمد الركن ليبحث لي عن دعوة لإلقاء محاضرة في الإمارات فكانت هذه الزيارة حتى إن مسؤول الجامعة أصابه الغيظ كيف أسافر، فقال له العميد طال عمرك معاه جواز سفره وعنده إجازات فلا أستطيع منعه، قل موتوا بغيضكم. وإليكم المقالة :


                   وجئتكم من أبو ظبي

عندما قرأت ما كتبه الزميل عبد الرحمن الأنصاري عن الأيام التي قضاها في ربوع الإمارات العربية المتحدة بعنوان (لو كنت وزيراً) تناول فيها بعض الإنجازات العمرانية والحضارية في الإمارات العربية المتحدة مشيداً بما تحقق على يدي إخواننا في الإمارات في السنوات الماضية تمنيت أن تتاح لي الفرصة لزيارة هذه البلاد، ولم تمض أيام حتى وجدتني أمتطي الطائرة المغادرة إلى دبي تلبية لدعوة كريمة من أخ كريم لقيته قبل أشهر في ربوع الأردن الحبيب.
ذهبت والشوق يحدوني لأطلع على بعض ما كتبه الأخ الأنصاري ولكني رجعت بصور كثيرة لم يتناولها الزميل الفاضل . وأقف عند أول هذه الصور فبالرغم من أنني سافرت من دبي إلى أبو ظبي ليلاً بطريق البر لكني شاهدت الطريق- وهو مضاء- وكأنه في بلد من بلاد أوروبا التي تكثر فيها الأمطار والغابات. فالطريق مشجر بالكامل ولا يقتصر التشجير على مساحة صغيرة على جانبي الطريق بل يكاد يصل عرض المنطقة الخضراء إلى أن يكون غابة صغيرة. وأتيحت لي الفرصة لأشاهد المنظر نفسه وبطريقة أجمل بين أبوظبي والعين حيث سافرت نهاراً فرأيت الخضرة على جانبي الطريق كما رأيت غابات أو ما يشبه الغابات بالقرب من البحر مما يذكرنا بدول جنوب شرق آسيا التي تهطل عليها الأمطار الموسمية الغزيرة فتلتصق الخضرة بالزرقة. فقلت في نفسي وتوارت الصحراء خجلى من الشجر..
وقد كنت في سفر إلى الرياض وكان بجانبي شاب في مقتبل العمر كان يعمل عند رئيس نادي الهلال السابق رحمه الله وكان معه في حادث السيارة. فأشار الشاب إلى أن يفكر في أن الطرق بين مدن المملكة المختلفة ينبغي العمل على تشجيرها حتى تضفي على الطريق شيئاً من المتعة والجمال فيكون سبباً في تهدئة النفوس فيبعث الجمال فيها الهدوء والطمأنينة، وبالتالي يخفف السائقون السرعة التي يبعثها الملل.ونحن والحمد لله نجحنا في مشروعات التشجير في الرياض رغم حرارة الجو وجفافه وشدة القيظ فقد استطاع المسؤولون في الرياض اختيار الأشجار المناسبة والطريقة المناسبة للري بحيث لا يحتاج الأمر إلى كمية كبيرة من المياه. ويشكر معالى المهندس عمر قاضي أمين مكة السابق فقد استطاع أن يزيد المساحة الخضراء في مكة المكرمة والمشاعر المقدسة مئات المرات.
فهل نستطيع أن نعمم هذه التجربة على طرق المملكة المختلفة وبخاصة أننا بصدد إنشاء الطريق السريع بين القصيم والمدينة المنورة إلى ينبع.(كتب المقال قبل أن يتم الطريق) ونظراً لوجود المزارع في المناطق التي يمر بها الطريق فإن المياه متوفرة بالإضافة إلى أن لبعض الإخوة في المملكة تجربة رائدة في الزراعة باستخدام المياه المالحة .
وفي أبوظبي شاطىء يطلق عليه شاطىء السيدات. وكم كنت أود أن أتساءل لماذا شاطىء خاص بالسيدات وكيف يتم إدارة هذا الشاطىء ولماذا فكروا في هذا الأمر فهل يمكن أن تفكر الجهات المسؤولية في المدن الساحلية باقتباس التجربة من إخواننا في أبو ظبي؟ إنها ولا شك فكرة رائدة وفي هذا المجال نتيح الفرصة للنساء وأطفالهن أن ينعمن بالشاطىء دون العيون المزعجة ذلك أن شواطىء العائلات لا يتحقق للمرأة الفرصة أن تنعم بالبحر بحرية.
وقد لفت انتباهي الانضباط المروري وقلة المخالفات فقد وجدت التقيد إلى حد كبير بالسرعة المقررة بين المدن التي لا تتجاوز المئة، كما لم ألاحظ في أثناء زيارتي التي امتدت أسبوعاً إلى وجود أي وقوف مزدوج أو صاحب سيارة يصيح أو يستخدم المنبه يبحث عن شخص وقف خلفه أو سدّ عليه الطريق. وهذا الالتزام بالأنظمة المرورية لا يتطلب الحضور المكثف لرجال الشرطة. ولعلهم احتاجوا لهذا الأمر في بداية تنفيذ النظام أما الآن فإن الشرطة قليلاً ما ترى في الطرق.
وعن الأمن فإنني وجدت أن المتاجر لا تغلق بأبواب حديدية حيث يكتفون بالزجاج ، ولا بد أن كل المتاجر الكبيرة مرتبطة بنظام أمن يوصلها مباشرة بالجهات الأمنية. وقد لاحظت كثرة الغرباء في البلاد وهي مشكلة سكانية أعتقد أن الاخوة في الإمارات بحثوها ووجدوا لها الحلول المناسبة لكنها في الوقت الحاضر لم تؤثر من الناحية الأمنية.
وتنعم أبو ظبي والأمارات الأخرى بدرجة عالية من النظافة، وقد لفت انتباهي بالأمس أن أحدهم وقف قرب الإشارة وفتح النافذة وألقى ببعض الأوراق والقاذورات ولو بدأنا بتطبيق بعض العقوبات على من يفعل مثل هذا فإننا سنصل بإذن الله قريباً إلى مثل هذا المستوى وربما أفضل فهذه البلاد قد خطبت خطوات عظيمة في التعليم والوعي.
كنت أود أن أجعل مقالتي هاتين عن النواحي الفكرية والعلمية في الأمارات ولكني وجدت أن هذه الأمور هي أول ما يلفت انتباه الزائر لأي بلد وبخاصة أننا لم نتعود في البلاد العربية الإسلامية أن نرى مثل هذا المستوى في الانضباط المروري وفي النظام. فهو موجود في بلادنا الحبيبة والجهود التي تبذل كبيرة جداً وتستحق الإشادة والتقدير ولكن لو أضيف إليها بعض العقوبات لمن يخالفها لكناّ تميزنا على غيرنا.
وقفة : تناول الأستاذ مشعل السديري قضية شكوى الطالب من فرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالمدينة المنورة، وعرض وجهة نظر الطالب وطعّم مقالته بشيء من السخرية بالكلية وشيوخها. ونظراً لما نكنّه للأخ مشعل من حب وتقدير على اهتمامه بالقضايا والشكاوى التي تصله فيعرضها أجمل عرض ويحرص على أن يرفع للمسؤولين ظلاماتهم فكم كنت أود أن لا يتناول هذا الموضوع حتى يسمع من الطرفين. وهذا يذكرني بأنني كتبت ذات مرة إلى مدير عام الدفاع المدني أستفسره عن بعض ما قيل حول حريق شب في متاجر بيع المود الغذائية بالجملة في المدينة المنورة قبل أن أطرح الموضوع في زاويتي. وأضيف إن معظم المشايخ في كلية الدعوة يعرفون وسائل الدعوة المعاصرة ولبعضهم مشاركات في القنوات الفضائية ويعرفون أن الخطابة إنما هي وسيلة واحدة. فهل يكتب الأستاذ مشعل إلى الكلية ليعرف رأيها أو يكتب إلى الجامعة في الرياض وهم  يسرهم أن يذبوا الغيبة عن أنفسهم وبخاصة أن جامعة الإمام من الجامعات العريقة في العالم الإسلامي ولا يصح أن يقال عنها ما قاله الأخ مشعل، أو بعضه.
2-
تناولت في الأسطر الماضية بعض المظاهر الحضارية والعمرانية فيما رأيت من الإمارات العربية المتحدة وبالذات في أبو ظبي وفي العين. ولكني سأتحدث في هذه المقالة عن بعض النشاط العلمي والثقافي في أبو ظبي . لقد اطلعت قبل أعوام على أن المجمع الثقافي قد عقد ندوة استمرت عدة أيام حول الشاعر والروائي اليوناني المشهور كازانتزاكي صاحب كتاب (زوربا اليوناني) وعجبت لهذا الاهتمام ولكني لم أستطع أن أصل إلى حكم على توجه النشاطات الثقافية في المجمع حتى تتوفر لدي المعلومات ليس سعياً لتصنيف المجمع فتلك قضية وقع فيها الكثيرون ولا أريد لنفسي أن أكون من المصنفين، ولكن من أجل الفهم. وفي العام الماضي دعي الدكتور سعد البازعي من جامعة الملك سعود بالرياض للحديث حول صورة المسلمين في الآداب الأنجلوسكسونية . ولدى المجمع قائمة طويلة من العلماء البارزين في شتى مجالات المعرفة. ولعل من آخر ضيوف المجمع أستاذ من قسم الاستشراق بكلية الدعوة بالمدينة المنورة ( جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية)
      هذا المجمع ليس قاعة للمحاضرات أو مؤسسة للنشر وتشجيع الثقافة والفنون ولكنه أكبر من هذا بكثير فهو عالم كبير يضم دار الكتب الوطنية التي تحرص على اقتناء كل ما يصدر في عالم المعرفة كما أنها حريصة على جذب القراء بشتى الوسائل. وقد وجدت اهتماماً بالأطفال من سن الرابعة . وفي المجمع صالة تقام فيها المعارض المختلفة كيوم الصحة العالمي وأسبوع المرور وغير ذلك من النشاطات التي تجذب الزوار. ففي معرض الصحة العالمي انتشرت اللوحات الإرشادية وتوزع المشاركون في أنحاء الصالة يقدمون المعلومات عن الصحة لكل من طلبها ، كما توفر عدد من الأطباء لإجراء فحص ضغط الدم وغير ذلك من الفحوص السريعة مجاناً.
     وفي جانب من المجمع الثقافي يقع قصر الإمارة السابق الذي تحول إلى متحف جميل ذكرني بما فعله الدنماركيون في سوق السمك القديم في كوبنهاجن حينما حولوه إلى مكاتب لوزارة الخارجية وأضافوا إليه كل التجهيزات الحديثة من تكييف وتمديدات مختلفة. وقد فعل الإماراتيون بقصر الأمير السابق الشيء نفسه، ثم جعلوه متحفاً يوضح كيف كانت أبو ظبي في السابق والمواقع القديمة وما حل محلها في الحديث. 
      ويتضمن المجمع الثقافي ساحة كبيرة تقام فيها المعارض الدولية للكتاب وإن كانت الشارقة قد سبقتهم في إقامة المعارض الدولية لكن معرض أبو ظبي يتقدم من سنة إلى أخرى وقد شارك فيه في الدورة الأخيرة مئات الناشرين وهم ساعون لتطويره بكل ما أتوا من قوة.
      ولا بد أن أشيد بالرعاية التي ينالها ضيف المجمع منذ توجيه الدعوة إليه والحرص على قدومه وتسهيل أمور سفره ثم إذا حل في ديارهم وجد الكرم العربي الإسلامي الأصيل: يبحثوا عن كل الوسائل التي تجعل زيارته لهم مثمرة حتى وإن تطلبت تكاليف إضافية وترتيبات مع الجهات الإعلامية والثقافية والعلمية في أنحاء الإمارات العربية .
     وكان لي زيارة لجامعة الإمارات العربية المتحدة في العين. وقد تم اختيار العين لتوسط موقعها وسهولة الوصول إليها من جميع الإمارات فهي لا تبعد أكثر من مئة وخمسين كيلاً عن أية إمارة أخرى.بالإضافة إلى أنّ مدينة العين مدينة هادئة صغيرة توفر جواً علمياً للطلاب والباحثين. وفي هذه الجامعة العديد من الكليات لكني زرت منها قسم الدراسات الإسلامية والمكتبة المركزية أو مكتبة زايد المركزية.
          أما قسم الدراسات الإسلامية فيضم عشرين أستاذا بلغ أكثر من نصفهم درجة الأستاذية وهذا من دلائل قوة القسم. وقد لقيت ترحيباً من رئيس القسم الأستاذ الدكتور أحمد الجلي والدكتور أحمد القضاة وبعض أعضاء هيئة التدريس ودار الحديث حول اهتمام القسم بدراسة الاستشراق ووجود مادة بعنوان(الإسلام والاستشراق). وقد قدمت تعريفاً موجزاً بقسم الاستشراق بكلية الدعوة بالمدينة المنورة ومركز البحوث الحضارية والاستشراقية فيه. وأن جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية هي الجامعة الوحيدة في العالم العربي الإسلامي التي أنشأت مثل هذا القسم وابتعثت عدداً من المحاضرين للحصول على الدكتوراه من الخارج كما منحت درجة الدكتوراه لثلاث من محاضرين القسم .
     وكانت الزيارة التالية للمكتبة فقد عرفت المكتبات في الجامعات الغربية وما تقدمه للباحثين من تسهيلات علمية ولكني وجدت أن مكتبة زايد المركزية قد وصلت إلى درجة راقية من التجهيزات والاستعدادات للبحث العلمي. وإن كنّا نشكو في العالم العربي الإسلامي من قلة الاهتمام بالبحث العلمي فإن المكتبة المركزية قد خطت خطوات واسعة في هذا المجال وفيما يأتي بعض الامتيازات التي تقدمها المكتبة:
أولاً:  توفر المكتبة خدمة الإنترنت للباحثين ، كما تم ربط المكتبة مع مركز المكتبات لخط الكمبيوتر المباشر (OCLC) وهو عبارة عن شبكة مكتبات إقليمية تعني بالضبط الببليوغرافي والفهرسة الآلية التعاونية على مستوى العالم
ثانياً: تقديم التدريب المتقدم على استخدام مصادر المعلومات المختلفة المتاحة في المكتبة. ويذكرني هذا بالجولات التي تقدمها مكتبة جامعة برنستون لطلاب المرحلة الجامعية ومرحلة الدراسات العليا في الأيام الأولى لبدء الدراسة. وهناك خدمات أخرى منها خدمة تأمين المقالات وتبادل الإعارة حيث تقدم للأستاذ الجامعي عدداً من المقالات والبحوث وتقدم هذه الخدمة لطلاب التخرج وطلاب الدراسات العليا وغيرهم . وتقوم المكتبة بالتصوير المجاني للطلاب وكذلك لأعضاء هيئة التدريس في حدود معينة . وتشجع المكتبة طلبات الشراء للكتب الجديدة.
      إن إخواننا في الإمارات قد قطعوا شوطاً مباركاً في هذا المجال مما يذكرني بالزيارة التي قمت بها للمكتبات ومراكز البحث العلمي في عاصمتنا المحبوبة الرياض حيث وجدت أننا بحمد الله قد وصلنا إلى درجة عالية من الاهتمام بالعلم والمكتبات. ففي مركز الملك فيصل يتم إدخال معلومات ببليوغرافية حول شتى الموضوعات كل يوم مما يجعل هذا المركز متقدماً على غيره. كما أن الإمكانات المتوفرة لدى مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية تدعو إلى البهجة والسرور والرضا. فهنيئاً للإمارات العربية المتحدة ما وصلوا إليه من تقدم في هذا المجال الحيوي وإلى المزيد والله الموفق.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية