نحن والغرب


نحن والغرب

هل نستطيع أن نبني مع الغرب جسوراً؟ وهل نحن الذين أقمنا الحواجز، أم هم الذين أقاموها؟ هل يرضى الغرب أن نملك ثرواتنا؟ وأن نكون نحن الذين نسيطر عليها؟ الغرب لا يرضى ولا يرضى ولا يرضى، ولكن إذا توفرت لدينا نحن الإرادة لنملك هذه الثروات فهل يستطيع الغرب أن يمنعنا؟

إن للغرب وكلاء في ديارنا يلبسون الدشداشة، أو الثوب أو حتى البنطلون السموكن والبنطلون الجنيز وصيدرية الصيد التي يلبسها بوش،واعترف وزير عربي إنها العولمة أن يقلد بوش، وأن لا يربط ربطة العنق تقليداً لبلير أحياناً، والذين يرتدون الدشداشة ويضعون على رؤوسهم الغترة أو الشماغ والعقال وأحياناً بدون عقال، ويأكلون الكبسة، والمنسف والرز واللحم ويشربون القهوة العربية ويتحدثون باللغة العربية ولكن قلوبهم وأهواءهم غربية تماماً. فالغرب (العظيم) يعرف كيف يسيطر على الأمم الأخرى ليس بالدبابات والطائرات (يلجأ إلى ذلك أحياناً) ولكن عن طريق أبناء تلك البلاد. كم منّا من لا يعرف كيف يتناول وجبة إلاّ بشرب المشروبات الغازية المستوردة؟ كم منّا من أدمن الماينيز والكاتشب والتوباسكو وغير ذلك؟ كم منّا من أصبح لا يصدق الخبر إلاّ إذا أذاعته لندن، ولا يقتنع إلاّ إذا جاء العلم من عندهم؟!! لابد أنكم سمعتم بابن القصيم البار إبراهيم البليهي، وكيف أحب الغرب وتَولَّهَ به. صحيح هو لم يسافر إلى الغرب ولم يعش هناك طويلاً، ولكن نظرته السطحية للأمور -مهما قرأ أرسطو أو أفلاطون أو أفلوطين أو غيرهم- أصابه داء الحب والإعجاب بالغرب.

هؤلاء يعرفون الحقيقة ولكن ما يتوفر لهم من عمولات من هنا وهناك، وما يتوفر لهم من مجد وشهرة وأضواء تجعلهم يقدمون مصالح أسيادهم على مصالحهم ومصالح أهلهم وإخوانهم، وعشيرتهم، هؤلاء الذين وصلوا إلى مناصبهم لحبهم الغرب وخضوعهم له وخوفهم منه لا يمكن أن يقودوا أمتهم ليكون لها مكان تحت الشمس.

تحدث أكثر من باحث عن الموقف الشرعي أو العقدي لعلاقتنا بالغرب، ولكنه حديث خافت خجول، وإن كان قد ذكر أحدهم (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا) . لو كان الأمر بيدي لطلبت إلى الغرب قائمة طويلة من الطلبات أو المصارحة بأنهم يضمرون لنا العداء وإن كان بعضهم يتظاهر بالمودة ألم يقل الله عز وجل عنهم: (يرضونكم بأفواههم وما تخفي صدورهم أكبر).

عندما ذكرت قيام الغرب بمحاربتنا بأبنائنا، فالقائمة طويلة لكل شاذ منحرف من أبناء الأمة، أسرعنا لمحاربته وأسرع الغرب لاحتضانه، ولكن هل كان بالإمكان أن نعاملهم كما عامل الرسول صلى الله عليه وسلم الأعرابي الذي بال في المسجد؟ سارع الصحابة إلى تعنيفه وأوقفهم الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك حتى ينتهي ثم أوضح له ما ينبغي للمساجد من احترام، لقد ذكر الدكتور عبد العزيز التويجري ما فعلته أوروبا لاحتضان تسليمة نسرين البنجلادشية التي شتمت الإسلام وأهانته وتجاوزت حدها في النقد، وكذلك سلمان رشدي وما قدمته له الحكومة البريطانية من حماية حيث خصصت آلاف الجنيهات لحراسته وكأنه ثروة قومية، مع أنه لم يتورع أن يقذف ملكة بريطانيا ويشتمها ويستخدم الألفاظ البذيئة التي يتحدث بها أبناء الشوارع، ومع ذلك استقبل بل كلينتون هذا الكاتب المارق. ولكن هل كان بالإمكان أن نعقد له مناظرة أو أن ندعوه بهدوء للتحاور معه؟ أتريد مالاً وشهرة؟ نعطيك إياها بشرط أن لا تكتب ما يسيء إلى ديننا وعقيدتنا، ولكن ربما أموال الغرب أكثر، نحن نعطي الأموال للذي يشتمنا أحياناً لنتقي شتمه مرة أخرى أو نشتري لسانه كما فعلنا ببعض المنحرفين الذين شتموا أنظمة معينة في العالم العربي أما إذا تعلق الأمر بالإسلام فلا محاولة لكسبهم أو تحيدهم أو دعوتهم. أنا لست صاحب قرار فلا أدري ما فعل أصحاب القرارات بشأن هذا الموضوع.

لقد كانت النبرة الغالبة في المؤتمر الحديث عن كيف نبني الجسور مع الغرب، ولما أتيحت لي الفرصة للتعليق قلت: "دعونا لا ننسى في غمرة الحديث عن بناء الجسور أننا مطالبون بالمحافظة على الهوية العربية الإسلامية، فبناء الجسور لا يعني مطلقاً التنازل عن الهوية، وأود أن أذكر بكتاب حققه الدكتور طه جابر العلواني ووضع له مقدمة رائعة واسم الكتاب (النهي عن الاستعانة والاستنصار في أمور المسلمين بالمشركين والكفار) وتناول الدكتور العلواني في مقدمته مسألة الحاجز النفسي وكيف أن اليهود أقاموا حواجز نفسيه تمنع من اندماجهم بغيرهم وفقدان هويتهم وأبرز هذه الحواجز اعتقادهم أنهم شعب الله المختار، أما النصارى فيرون أن عيسى عليه السلام هو النبي الذي جاء مخلصاً للبشرية وأن رسالته هي الرسالة الصحيحة القائمة على الحب والتسامح. فما بال المسلمين تركوا هذه الحواجز النفسية وأضاع كثير من أبناء المسلمين هويتهم أو قامت المؤسسات الحكومية والدول بالسماح للغربيين بإنشاء المدارس والمعاهد الأجنبية التي تحارب الهوية العربية الإسلامية، وفتح الإعلام العربي المهزوم أبوابه لكل ما يأتي من زبالات الغرب؟!!

وكان من ضمن الحديث عن علاقتنا بالغرب أننا نرسل أبناءنا إلى الغرب ليتعلموا هناك، فيرى البعض أن الغرب يستحق الشكر على إتاحة الفرصة لأبنائنا للدراسة والتعلم، حتى وصل الأمر بالبعض أن يعد هذا جميلاً يستحق الشكر والامتنان ونسي أن جزءاً من العملية أننا ندفع أموالاً طائلة على هذا التعليم وأن جامعات الغرب (بعضها) تحولت إلى مؤسسات تجارية وشركات كبرى تحقق دخلاً كبيراً لبلادها، ولكن الأمر الأخطر أن الذين يدرسون في الغرب يتشبعون بثقافة البلد الذي يدرسون فيه ويصاب بعضهم بالانبهار والهزيمة الداخلية حتى إذا عاد إلى بلاده كان أقرب ما يكون عدواً لبلاده وشوكة في ظهرها، وهو يحسب أنه يحسن صنعاً.

ومن ضمن التعليقات التي قدمتها في المؤتمر أن الدكتور صالح التويجري من جامعة القصيم تحدث في بداية ورقته عن العلاقة بين العلماء والدول أو المثقفين والسياسيين، وقال: إن هؤلاء العلماء يصبحون بين اتجاهين إما اتجاه مصادم ومعارض ومتمرد، أو يصبح انبطاحياً. فقلت له: "أنا لست مع الانبطاحية كما أنني لست من الداعين للتصادم، وكم أود أن تكون الصلة جيدة بين السياسيين والعلماء، وقد شاهدت في أكثر من مؤتمر اهتمام الحكومات الغربية بالاستماع إلى العلماء ومحاولة فهم ما يقدمون، ففي مؤتمر الجامعة اللبنانية الأمريكية في بيروت حول الإعلام والدين في أكتوبر عام 2006م حضرت موظفتان من وزارة الخارجية الأمريكية وموظفان من السفارة الأمريكية في عمان، وفي مؤتمر الرابطة الألمانية لدراسات الشرق الأوسط المعاصر في أكتوبر 2006 أيضاً حول وضعية دراسات الشرق الأوسط حضرت موظفة من وزارة الخارجية الألمانية وقد قلت لها: أجئت للتجسس علينا؟!! فقالت: لا جئت لأعرف ما يدور في المؤتمر. وها نحن تجاوزنا الأربعين باحثاً من السعودية ولم نسمع كلمة من سفارة بلادنا، ولم يرحب بنا أحد، ولم يُرِدْ أحد أن يعرف ماذا نقدم. قد يرسلون أحياناً أشخاصاً ليتجسسوا على المؤتمرات ولكنهم قد لا يكونون مؤهلين لفهم ما يقال.

وقبل عشر سنوات حضرت المؤتمر العالمي الأول حول الإسلام والقرن الواحد والعشرين في جامعة ليدن بهولندا، وكنت الممثل الوحيد للمملكة العربية السعودية وقد خاطبت وزارة الخارجية السفارة بذلك وخوطبت الجامعة بالأمر أيضاً ولم أدري ما مغزى أن تعرف الجامعة أنني أمثل المملكة؟ ولم أسمع كلمة واحدة من السفارة على الرغم من أن أحد موظفي السفارة كان حاضراً (كان طالب دكتوراه) فقلت له: أين السفير السعودي؟ ألم يكن من واجبه أن يرحب بي وأن يأتي للسلام علي؟ وأضفت أرجو أن تنقل هذا لسعادة السفير. وكتب هذا في تقريري الذي وزعته الجامعة على بقية الجامعات والجهات الرسمية. وفي الوقت نفسه حضر وفد كبير من علماء مصر من الأزهر فكان السفير لا يكاد يغادر المؤتمر ودعاهم إلى حفل غداء أو عشاء واعتنى بهم وبشؤونهم. فتساءلت هل مهمة السفير المصري تختلف عن مهمة السفير السعودي؟

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية