البحث العلمي وأرباح البنوك


                 
          أعلن أحد البنوك المحلية عن تحقيقه ربحاً قدره اثنين وثمانين وخمسمائة مليون ريال عن السنة الماضية، ولا شك أن البنوك الأخرى لا تقل عنه فيما حققته من أرباح. وهذا أمر حسن ولكن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن ما المشروعات الاستثمارية التي قامت بها البنوك ووفرت من خلالها فرص العمل للشباب السعودي، وما الأعمال الخيرية أو الخدمات الاجتماعية التي أسهمت فيها هذه البنوك؟
        لقد كتب عدد من الكتّاب في الصحف السعودية يتساءلون عن دور هذه البنوك في الشأن الاجتماعي فما هي القروض التي قدمتها البنوك لصغار المستثمرين؟ وما المشروعات التي أسهمت فيها البنوك لتوفير فرص العمل لليد العاملة المحلية؟ وما المشروعات الخيرية التي أسهمت البنوك في تمويلها عدا بعض المبالغ المتواضعة جداً في الصدقات؟ وما مجالات البحث العلمي التي أسهمت البنوك في تمويلها؟
إن الباحث في نشاطات البحث العلمي في الغرب يجد أن البنوك لها إسهام بارز في تشجيع البحث العلمي وفي الإنفاق على الباحثين وفي تمويل المؤتمرات وفي تمويل نشر الكتب والموسوعات. فهل كثير على بنوكنا المحلية أن يكون لها دور في تنشيط البحث العلمي في المجالات التطبيقية وفي العلوم الاجتماعية. إن الأمة التي تريد أن تنهض حقيقة لا بد أن يساهم أصحاب الثروات في تنشيط البحث العلمي.
لقد عقد في بودابست بالمجر قبل سنة من الآن تقريباً مؤتمر عالمي بعنوان (المؤتمر العالمي للدراسات الأسيوية والشمال أفريقية) وقد حضره ما يزيد على ألف باحث من شتى أنحاء العالم. وكان من الجهات التي أسهمت في تمويل هذا المؤتمر بنك إكسيم Eximbank ومؤسسة هوفمان وشنايدر المالية Hofmann &Schneider Capital AG ويقوم البنك الدولي بتمويل بعض الندوات والمؤتمرات في الجامعات الغربية والمعاهد المتخصصة.
وفي مجال الدراسات العربية الإسلامية (الاستشراق) وجدت أن تمويل البنوك والمؤسسات المالية يسهم إسهاماً كبيراً في تنشيط الحركة العلمية من حيث توفير التمويل الكافي للباحث للقيام بالبحث الميداني من تكاليف السفر والحصول على المراجع وغير ذلك مما يتطلبه البحث العلمي. ومن الطريف أن بعض البنوك المحلية (المشتركة) تقوم بتمويل مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة لندن ومنها على سبيل المثال البنك السعودي البريطاني، والبنك السعودي الأمريكي، وبنك الخليج الدولي، والغرفة التجارية العربية البريطانية والبنك السعودي الدولي.
لقد أقر نظام التعليم العالي مبدأ قبول التبرعات في الجامعات والبحث العلمي ولكن أين يتجه الباحثون للحصول على التمويل لإجراء بحوثهم؟ إن مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية تقوم بدور مهم في تمويل عدد من المشروعات البحثية، ولكن أين دور البنوك المحلية والمؤسسات المالية وكبار رجال الأعمال؟ هل لدى هذه الجهات مكاتب تستقبل طلبات تمويل البحث العلمي؟
سيقوم البنك الإسلامي للتنمية بالتعاون مع مكتبة الملك عبد العزيز العامة بالرياض بتنظيم مؤتمر حول مصادر المعلومات عن العالم الإسلامي وقد فكر أحد الباحثين أن يقوم بدراسة ميدانية لما يكتب عن العالم الإسلامي في المعاهد ومراكز البحوث في أحد العواصم الغربية وتطلب البحث القيام برحلة علمية لجمع المادة العلمية وإجراء اللقاءات مع الباحثين في تلك العاصمة فلم يجد الجهة التي يمكن أن تمول بحثه.
إن البنوك بحاجة إلى أن تتعرف إلى الجهات التي تحتاج إلى المساعدة فتقدم الهبات لشراء الكتب والاشتراك في الدوريات وتمويل عقد الندوات والمؤتمرات. لماذا يلقي الباحث لدينا محاضرة علمية فلا تزيد مكافأته على ألفي ريال مع أنه يبذل أشهراً في الإعداد لمثل هذه المحاضرة في حين لا يقل ما يحصل نظيرة الغربي عن عشرة آلاف ريال على محاضرة مماثلة. إن البنوك يمكنها أن تدعم نشاطات الأندية الأدبية مع أن لهذه الأندية ميزانيات جيدة ولكن لدعم الحركة الفكرية ولتقديم محاضرات علمية رصينة لا بد أن يتم الإنفاق جيداً على الباحثين. وإننا إن قدمنا مكافأة مجزية على المحاضرات فبإمكاننا أن نشترط أن تكون المحاضرة ذات مستوى رفيع.
       



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية