دراستي الجامعية في أمريكا

الانتقال للجامعة 

علم الملحق أنني أنجزت دراسة اللغة في خمسة أشهر ولا بد من دخول الجامعة فأرسلني لمدينة كورفاليس لمزيد من دراسة اللغة ولا أذكر كيف تم تحويلي بعد مدة وجيزة إلى مدينة بورتلاند بولاية أوريجن التي كان فيها برنامج لغة إنجليزية مرتبط بالكلية التي تحولت إلى جامعة في فصل الربيع لعام 1969 فتم تسجيلي في بعض دروس اللغة الإنجليزية ومنها الكتابة والقراءة السريعة وسمح لي بالتسجيل في الجامعة فسجلت في مادة الجغرافيا، وفي هذه الجامعة وجدت أوائل الطلاب في الثانوية العامة فتعجبوا أن معدلي في الثانوية كان أقل منهم بكثير وها أنا أتقدمهم في اللغة وسمح لي التسجيل في مواد جامعية وهم لا يزالون يدرسون اللغة.

وفي مادة الكتابة كانت تدرسنا امرأة عجوز ففي أحد الدروس أعطتنا واجباً فقمت بحلّه بطريقة لفتت انتباهها فكتب لي أرجو أن تستثمر قدراتك فبإمكانك أن تكون طالباً ممتازا

“I wish you would live up to your potential, you could be an “A” Student”

وأمضيت مدة  في دراسة الجغرافيا واللغة الإنجليزية ولكن لم تكن لدي حماسة كبيرة للدراسة أو الحماسة الكافية لأنني أدخل الفصول الدراسية التي لا أعرف فيها أحد ولم أشعر بروح المنافسة والتنافس، كما أن عنصراً جديداً دخل حياني وهو البحث عن الشق الآخر(النساء شقائق الرجال) وكان من أبرز ما يميز حياة الشباب في تلك الأيام التي بدأت فيها الثورة الجنسية السعي وراء النساء من أجل الجنس والتنافس في عدد الخليلات والعشيقات وكنت أرفض الانخراط في هذا التنافس ولكن كان يصيبني الإحباط من عدم القدرة على بناء مثل تلك العلاقات التي كانت تتعارض مع الوازع الديني والوقوع في الزنا...ومن الصعب على من لم يعش تلك التجربة أن يفهم أو يقدّر تلك المعاناة.

وانتهت السنة ووجدت قبولاً في كلية متوسطة (مدتها سنتان) في مدينة صغيرة عدد سكانها عام 1969/1970 لا يتجاوز الثلاثة عشر ألفاً وهي مدينة بند Bend بوسط ولاية أوريجن Oregon وكان تلك الكلية ذات سمعة علمية جيدة. (أصبح عدد سكانها عام 1995 أكثر من سبعين ألفاً)

       بدأت الدراسة بالالتحاق بعدد من المواد العلمية كالجغرافيا وعلم النفس والرياضيات والفيزياء والكيمياء وكان مستواي جيداً أو فوق الجيد بقليل ففي مادة الجغرافيا مثلاً كان يلجأ إلي زملائي من الطلاب السعوديين لأشرح لهم فقد خرجنا لتونا من برنامج اللغة والجغرافيا ليست مادة سهلة بل تتطلب معرفة لغة أكثر مما تتطلبه دراسة الرياضيات والفيزياء وعُرفت بلغتي الجيدة والحمد لله.

     أما مادة علم النفس فكنت الطالب العربي الوحيد وكنت أبذل جهداً طيباً فكتبت بحثاً عن التفرقة العنصرية في أمريكا في عشر صفحات وفي تلك الأيام كان مقبولاً أن تقدم بحثاً بخط اليد وكان لا بد من تعلّم أساسيات البحث العلمي من طريقة البحث عن المراجع وكتابة البحث والتوثيق، وكان أستاذ المادة المستر لاد Ladd وقد اتهم بالشيوعية فيما بعد فطرد من الكلية (ولعل السبب شعبيته بين الطلاب)

     سكنت في مدينة بند مع عائلة أمريكية تسكن قريباً من الكلية حيث كان بإمكاني السير على الأقدام إلى الكلية (وإن كان صعوداً) وبيت الأسرة مبني من الخشب ولكنه مجهز تجهيزاً راقياً ومن ذلك أن المكنسة الكهربائية كانت مركزية حيث يُشبك الأنبوب في الجدار وتضغط الزر فلا حاجة لحمل آلة من مكان إلى مكان، وكانت غرفتي في الطابق السفلي على سطح الأرض لأن المنطقة جبلية وكانت واسعة، وتتكون الأسرة من الأب الخبير في الغابات والمحافظة على البيئة وكان متخصصاً في بعض أنواع الطيور وقد فاز بجائزة على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية على أحد بحوثة وقد تسلّم الجائزة من نيكسون في مدينة بورتلاند، وكان يكتب للمجلات العلمية ويتقاضى خمسمائة دولار على المقالة الواحدة أي أكثر  من ألفي ريال، وكان قليل الكلام كثير الانشغال بمطالعاته وكتبه وسفره. لقد اتسمت علاقته بزوجة باللطف والمودة ولم أشهد بينهما خصاماً أو عراكاً بل تفاهماً وانسجاماً. وكانت تدعوه أبونا كناية عن الاحترام والتوقير. وكان البيت مكوناً من طابقين في الطابق العلوي غرفة نوم رئيسية وغرفة صغيرة وغرفة معيشة ومطبخ، وفي الطابق الأسف موقف للسيارة ومعدات السفر وغرفة كبيرة خصصت للتأجير بعد أن مات ولدهما في حادثة سيارة بسبب الثلوج التي لا تترك المنطقة أو القرية سوى بضعة أشهر.

بدأت وزميل لي من المدينة المنورة، ولكنه بعض مضي شهر أو شهرين ترك السكن مع العائلة لأن الإفطار عبارة عن بيضة واحدة وقطعتي خبر والغداء محدد وكذلك العشاء، أما أن فقبلت لأنني كنت أجد صعوبة في الاختلاط بالطلاب العرب ولأنني لا أملك سيارة بل لم أكن أعرف قيادة السيارات.

     وتحولت مع مرور الزمن من مجرد ساكن مستأجر إلى أحد أبناء الأسرة حتى إنهم قرروا قضاء إجازة مدة أسبوعين فتركاني في منزل قيمته خمسين ألف دولار عام 1969 بالإضافة إلى أثاثهم ومقتنياتهم فكان لي مطلق الحرية في أن آكل ما أشاء من الثلاجة وأطبخ وعادوا فوجدوا أن بيتهم كان في الحفظ والصون والحمد لله فأكملت تلك السنة عندهم.

     كان من ميزات السكن مع العائلة أنني كنت أقضي وقتاً طويلاً في الحديث مع ربّة البيت كل يوم تقريباً كما كنت أتحدث مع الأب في أثناء تناول وجبات الإفطار والعشاء، أما ابنة الأسرة ساندرا فقد كانت تدرس في جامعة أوريجن في مدينة يوجين فكانت تزور والديها في الإجازات ولا يحدث بيني وبينها حديث حياء من الأسرة ولطبيعتي الانطوائية في معظم مراحل حياتي.

     أتممت السنة في بند ورغبت الانتقال إلى جامعة أوريجن في يوجين فسجلت بعض المواد الدراسية في الفصل الصيفي وكانت مادة الأحياء 101 وهي أربع ساعات ويلحق بها ساعة للمعمل كما سجلت في مادة معمل علم النفس ومادة الكتابة الإبداعية.

    وفي أول محاضرة لمادة الأحياء التي تجاوز فيها عدد الطلاب المائة تحدثت المحاضرة عن الفصل بين العلم والدين لمبررات لم أفهمها ولا أذكرها.. ولكني نجحت في المادة بتقدير جيد ولا زالت الشهادات موجودة لدي، واستمتعت بمادة معمل الأحياء فقد كان مدرس المعمل إنجليزي وربما كان طالب دراسات عليا. ومن الموضوعات التي درسناها في المعمل قضية السكان والحد من النسل وقد كلفنا الأستاذ بواجب نكتبه في هذا الموضوع، وكتبت الواجب ومما أذكرة في مقالتي أن قلت إن الاستمرار في تحديد النسل سيؤدي إلى زيادة عدد كبار السن غير المنتجين وتناقص الأيدي المنتجة وهذا يضع على كاهل الدول مسؤولية رعاية كبار السن ويكلفها الكثير، فكتب الأستاذ تعليقاً على ورقتي: أنت تفكر جيداً ولكنك غير منظّم. You think well but you are too disorganized والسبب أنني كتبت الواجب على عجل فلم يكن مرتباً أو منظماً.
    وغامرت بالالتحاق بمادة الكتابة الإبداعية وقمت بالتكاليف وحضرت   المحاضرات وقرأت التكاليف وكتب لي الأستاذ ذات مرة تعليقا "كتابتك سليمة لغوياً وقواعديا ولكنها غريبة" ولا بد ان الغرابة سببها التراكيب والخيالات التي مرجعها إلى ثقافتي العربية أو شخصيتي المختلفة عن طلابه الآخرين، ولكني أتممت المادة وربما حصلت على تقدير جيد جداً وأذكر أن من الأشياء التي قرأتها قصيدة جون دان

John Donne

No man is an island entire of itself; every man

is a piece of the continent, a part of the main;

if a clod be washed away by the sea, Europe

is the less, as well as if a promontory were, as

well as any manner of thy friends or of thine

own were; any man's death diminishes me,

because I am involved in mankind.

And therefore, never send to know for whom

the bell tolls; it tolls for thee.

    وثمة قصيدة أخرى للشاعر نفسه بعنوان (الرجعة)العودة الثانية) حيث يرى أن الفوضى تعم العالم والصقر لا يسمع الصقّار وأن الأشياء تنهار ويضطرب المركز أو القلب وينتشر سفك الدماء في العالم كله، وتغرق البراءة.....

Turning and turning in the widening gyre

The falcon cannot hear the falconer;

Things fall apart; the centre cannot hold;

Mere anarchy is loosed upon the world,

The blood-dimmed tide is loosed, and everywhere

The ceremony of innocence is drowned;

The best lack all conviction, while the worst

Are full of passionate intensity.

Surely some revelation is at hand

 Surely the Second Coming is at hand.

The Second Coming! Hardly are those words out

 

     أحببت جامعة أوريجن في يوجين وأحببت المطر الذي لا يكاد يتوقف معظم أيام السنة فتقدمت للقبول بالجامعة في أحد الأقسام العلمية فلم أحصل على القبول لأن الجامعة في ذلك الوقت كانت تمر بصعوبات مالية لدعم وجود طلاب أجانب.

 ومن معالم الدراسة الصيفية في يوجين أنني كنت أسكن في العمارة نفسها التي كان يسكن فيها الدكتور عبد الله المعجل الذي كان منتسباً للقسم الأدبي في المرحلة الثانوية وفي أثناء دراسة اللغة الإنجليزية سخر منه أحد زملائه أنه لا يفهم في الرياضيات فحصل على درجتي بكالوريوس في الاقتصاد وأخرى في الرياضيات، وعلمت قبل مدة أنه ألف رواية ويظهر أنه من التيار المتأثر بالفكر الغربي والعلمانية وما يُسمّى الليبرالية.

انتهى الصيف فإذ بي أجد قبولاً في جامعة ولاية أريزونا وهي جامعة حكومية كان عدد طلابها في ذلك الحين (1970-1973م) حوالي ثلاثين ألف وقد علمت أنها زادت على الخمسين ألف في هذا الوقت، وعندما وصلت إلى تمبيTempe كان عدد سكانها ستين ألفاً نصفهم من الطلاب وقد أمضيت فيها ثلاث سنين غادرتها يوم 17 رجب 1393هـ، الموافق 16 أغسطس 1973م، 

      كانت جامعة أوريجن بمدينة يوجين من الجامعات التي شهدت الاحتجاجات الطلابية لارتفاع الوعي فيها وقد شهدت جلسة استماع أو محاكمة لأستاذ في الكيمياء كان يقود الاحتجاجات على الطلاب المبتعثين داخلياً من الجيش والأستاذ متخرج في جامعة كُبرى في شرق أمريكا وربما كانت بوردو

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية