مشاهدات وخواطر في عمّان

 

        ما أجمل عمّان حينما تنطلق من مكبرات الصوت في الحي الذي أسكن فيه قبيل صلاة المغرب وأحياناً قبيل صلاة العشاء تلاوات قرآنية رائعة وكأنّ المسؤولين في المساجد القريبة أداروا مؤشر المذياع قبل موعد الأذان بدقائق فكان البرنامج يتضمن تلاوات مختارة من القرآن الكريم. ثم ينطلق بعد ذلك صوت الأذان الموحد في عمّان، وهي بدعة خاصة بالأردن وبمدينة عمّان على وجه الخصوص. وأصوات المؤذنين رائعة فكنت أفكر لو استوردنا هذه البدعة إلى الرياض مدة شهر على أن يكون المؤذن أحد الإخوة المصريين مثل عبد الباسط عبد الصمد رحمه الله أو المنشاوي أو محمد رفعت فهل يقبل الناس بعد ذلك أن يسمعوا الأصوات السيئة؟ وصوت القرآن وتلاواته المختلفة تنقلك إلى عالم رائع من آي الذكر الحكيم أجمل الكلام وأحسن الكلام وأعذب الكلام. ثم يأتي المؤذن ليصدح بتلك الحقيقة الأزلية أن الله أكبر وبالشهادتين ثم الدعوة إلى الصلاة وإلى الفلاح.

        وبعد أن ترفع الإقامة تنخفض أصوات مكبرات الصوت حتى لا تسمع شيئاً من داخل المساجد. وليت الأمر لم يكن كذلك بل سمحوا للمساجد أن تضع الصوت على درجة منخفضة بحيث يسمع التلاوة من يمر بالمسجد أو يكون قريباً على أن لا يصل إلى درجة عالية قد تزعج البعض.

        وعمّان لها تصميم خاص لا يخضع للأشكال الهندسية الجامدة من شوارع متعامدة ومتوازية في شكل مربعات أو مستطيلات كما هو الحال في بعض المدن حيث لم يتح لمهندس أن يُعمل مخيلته أو يجعل في شكل الشوارع بعض الإبداع. صحيح أن الشوارع المتعامدة والمتوازية تسهل الوصول من مكان إلى آخر . فشوارع عمّان منها المستقيم الطويل الذي يمتد عدة كيلومترات ومن ذلك شارع المدينة المنورة وشارع مكة المكرمة وشارع وصفي التل وشارع الملك عبد الله الثاني، أما الشوارع الأخرى ففيها انحناءات ونصف دوائر ولما كانت عمّان مبنية على قمم الجبال فمن الصعب شق الشوارع المستقيمة دائماً ولكن الانحدارات والصعود ليس سهلاً دائماً بل إنه في بعض الأحيان مرهق للسيارات وللسائقين وبخاصة إن كان التغيير (الجيربوكس ) في السيارة عادياً فيمكن أن يطفئ المحرك عدة مرات والمصيبة أن تتدحرج السيارة إلى الخلف. وقد جربت هذا النوع في أبها ولست ماهراً في السياقة مما يجعل الأمر شاقاً حقاً. وأتساءل هل كان بالإمكان تخفيف تلك الانحدارات والصعود؟

        ولقد لفت انتباهي في عمّان لوحة كبيرة تقول (حيّ على الزكاة) ثم تقول اتصل فنحن نأتيك والجهة التي تدعو إلى الزكاة هي مبرة أم علي (لا أدري من هي؟) ولكن هناك لوحات أخرى تدعو إلى الزكاة وأن الزكاة فلاح وبركة. والحقيقة إنها التفاتة رائعة لو تم التجاوب معها تجاوباً صحيحاً لعادت الأمطار إلى الأردن كما كانت قبل عشرين سنة أو أربعين سنة. وأذكر من طفولتي كيف كانت شوارع الكرك تسيل في العام مرة أو مرتين أو عدة مرات كما أن الثلج ينزل كل سنة. والزكاة ركن عظيم يجب أن تحرص عليه الأمة ففي القرآن الكريم (خذ من أموالهم صدقة تزكيهم وتطهرهم بها) وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل رضي الله عنه حين أرسله إلى اليمن أنهم إن قبلوا الشهادتين أن يأخذ من أموالهم فيردها في فقرائهم.

        وفي السعودية يوجد لدينا مصلحة اسمها مصلحة الزكاة والدخل ولا أدري لماذا ربطت الزكاة بالدخل فهل لهذا علاقة بأخذ ضرائب على الأجانب الذين يعملون في البلاد. وكم سمعت من أناس يتهربون من دفع الزكاة فحين تصدر بعض الشركات أو المؤسسات بيانات حساباتها ترى أن معظم الشركات خاسرة أو خسرانة. وحتى الشركات المحترفة بعمل المحاسبة والبيانات الختامية يمكنهم فيما أعلم وضع تلك البيانات حسب رغبة الزبون وهم في الغالب يتقاضون مبالغ طائلة فلم أر أحداً يعمل في هذا المجال لا يعيش في بحبوحة من العيش ويكسب الكثير الكثير.

العلاقة بين الفلسطينيين والأردنيين في الأردن

استضاف معهد الشرق الأوسط في واشنطن العاصمة الأمريكية قبل سنوات صلاح أبو عودة ليكتب كتاباً عن العلاقة بين الفلسطينيين والأردنيين ومن خلال معرفتي بالمعهد وكثير من المعاهد الغربية أعرف أنهم لا يستضيفون إلاّ نموذجاً معيناً. وعندما صدرت دراسة أبو عودة غضب الكثيرون في الأردن. ولأني لم أقرأ الكتاب فلا أستطيع أن أحكم عليه. من المعلوم أن البلاد العربية كانت قد اتخذت قراراً قديماً أن لا تمنح الفلسطينيين الجنسية حتى يظلوا مرتبطين ببلادهم وحتى تبقى القضية حية في نفوسهم وفي نفوس العرب. ولكن الأردن توسع إلى حد ما بمنح الفلسطينيين الجنسية الأردنية ولأسباب كثيرة حتى إنه في الأسابيع الأخيرة منحت عشرات الآلاف من الجوازات الأردنية للفلسطينيين. وهناك حساسية معينة بين الجانبين فمن الفلسطينيين من يحمل الجنسية الأردنية وهو لا يفتأ يذكره بلده السليب ويتصرف بصفته مواطناً صالحاً يخدم الأردن بإخلاص. ولكن ثمة من هؤلاء من ينكر الجميل للأردن بل وصلت الأمور إلى مرحلة سيئة جداً في يوم من الأيام مما أدى إلى قيام المواجهة عام 1970م ويبدو لي أن دعاية الفلسطينيين كانت أقوى ففي أذهان العرب والمسلمين ذكرى أيلول الأسود بينما لا يعرف كثيراً موقف الأردن من تلك الأحداث.

        وعرفت أن بعض الفلسطينيين يتعاملون مع دولة يهود في إسرائيل وقد واجه أحد مدراء المصانع تاجراً فلسطينيا بقوله أنتم توجهون الاتهام لغيركم ببيع فلسطين بينما أنت أيها التاجر الفلسطيني تصر على التعامل مع المصانع اليهودية وتحرم المصانع الأردنية من الفائدة. ولا أدري هل استحى ذلك التاجر أو لا. ومن المعروف عن الفلسطينيين عموماً أو أي شعب في الشتات أنه يصر على التعليم والوصول إلى أعلى درجات العلم والمعرفة، كما لا يلام الفلسطينيون إن تعاطفوا مع أبناء بلدهم ولكن شريطة أن لا يضار صاحب البلد الأصلي. كما عرف عن الفلسطينيين مهارتهم في  التجارة فكم سمعت عن أناس يعيشون في المخيمات بينما يملكون آلاف الدونمات من الأراضي والعمارات وغير ذلك.

        ويقول الأردنيون إن الأردن فيها ثلاث هويات الأردنية والفلسطينية والهوية المزدوجة وهذه التي تحصل بسبب الزواجات المختلطة.

         هذه النعرات تظهر عندما تضعف الرابطة الإسلامية أما إن تمسك الناس بالإسلام فما أجمل تلك الأخوة وما أعظم تلك الروابط، وقد رأيت أمثلة من المتدينين الذين نسوا تلك الانتماءات ووحدهم الانتماء للإسلام. ما أعظم هذا الدين.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية