بين بيركلي وأوكلاند مدينة للهبيّز ومدينة للقتل



اختارت هيئة الإذاعة البريطانية (باللغة الإنجليزية) مدينتين أمريكيتين للحديث عن بعض صور الحياة الاجتماعية فيهما، وقد اهتممت بالإنصات لهذا البرنامج لأسباب كثيرة منها أنني عرفت مدينة بيركلي فقد كانت تمثل لي ولغيري من الطلاب العرب والمسلمين وحتى للأمريكان قمة الجامعات الأمريكية، وأنّ الدراسة في مثل هذه الجامعة تتطلب مستوى علمياً ممتازاً وكان هذا في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات من القرن الماضي بالإضافة إلى بيركلي قد اشتهرت بثورة الطلاب على الأساليب القديمة التي كانت تسيّر بها الجامعات حيث طالب الطلاب بدور أكبر في شؤونهم العلمية والإدارية كأن يكون لهم الحق في مناقشة المناهج وفي تقويم أداء الأساتذة، وقد أعد الطلاب بالفعل دليلاً عن أساتذة الجامعة وقدراتهم العلمية وأساليبهم في التدريس والاختبارات ومدى شدّتهم مع الطلاب أو تساهلهم.
أما مدينة أوكلاند فلم تكن مدينة مشهورة في الفترة التي عشتها في الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن يبدو أن تقرير إذاعة لندن (الإنجليزية) أعطاها أهمية خاصة.
ونعود إلى مدينة بيركلي بولاية كاليفورنيا فبالإضافة إلى شهرة جامعتها العلمية فقد هجمت عليها حركة الهبّيز في الستينيات والسبعينيات، كما رافق هذه الحركة أن أصبحت المدينة مركزاً للشّاذين جسنيا والمشردين والشحاذين. وقد شاهدت عام 1972(في إجازة نهاية العام) انتشار المشردين حتى إن بعضهم كان يتجمع أمام بعض الأبواب حيث كان يقدم لهم الطعام الذي يتبرع به بعض المحسنين، كما ألقى البعض ملابس قديمة على الرصيف ليأخذ منها هؤلاء المشردون ما يستر أبدانهم في الشتاء القارص.
يقول التقرير إن هذه المناظر أخذت في العودة إلى المدينة وأوردت شواهد على ذلك ومنها خروج رجل إلى الشارع عرياناً وكذلك الطالب الذي دخل إلى مدرجات الجامعة عرياناً أيضاً ومن المظاهر الهبية الانغماس في الجنس وسهولة إغراء الفتيات الهبيّات بوجبة أو أقل من ذلك. وفي الهبيّة تمرد على الأسرة والمجتمع، وكأنّ المجتمع الأمريكي ينقصه مثل هذا التمرد.
وخصّ البرنامج مدينة أوكلاند بولاية كاليفورنيا بجزء كبير من وقته حيث أشار أولاً إلى تركيبتها السكانية التي يطغى عليها عنصر السود، ثم انطلق يتحدث عن الجريمة وأنواعها المنتشرة هناك فذكر من ذلك المخدرات والسرقة والاغتصاب والسطو المسلح، فقد تضاعف عدد الذين أطلق عليهم الرصاص ثلاث مرات في السنوات الخمس الأخيرة، واضطرت الحكومة إلى زيادة عدد أفراد الشرطة زيادة كبيرة كما إنها خصصت جزءاً من هذه الشرطة تسير في سيارات غير معلّمة ، وقد أصبح المواطنون لا يثقون حتى في الشرطة لحمايتهم فكل فرد يرى أنه مسؤول عن حماية نفسه وأهله.
ويهمنا بعد هذا العرض الموجز لمحتويات البرنامج أن نتساءل عن أهداف إذاعة لندن من كشف هذه الحقائق عن مدن أمريكية؟ هل خلت شوارع بريطانيا من الاضطهاد العنصري والقتل وهل انحسرت موجة الهبيّز تماماً عن مدن بريطانيا؟ هل تقصد الإذاعة فقط تقديم معلومات للمستمع أن ثمة رسالة معينة خلف مثل هذه البرامج؟
والأمر الثاني ما ذا نفيد نحن أبناء العالم الإسلامي من مثل هذه البرامج؟ لا شك أنها تنبهنا إلى أن التمسك بالإسلام عقيدة وشريعة هو الذي يكفل لمجتمعاتنا السلامة من الجريمة والمخدرات والقتل والانحراف الأخلاقي، كما يجب أن نبحث عن بيركلي الجامعة لماذا أصبحت من كبريات الجامعات الأمريكية والعالمية أيضاً. إن بيركلي تقدم الفرص العلمية للطلاب المتفوقين من جميع الجنسيات وتهيئ لهم الفرصة المناسبة لتحقيق طموحاتهم العلمية بما توفره من مكتبات ومختبرات وأساتذة جامعيين من أعلى المستويات العلمية وحبذا لو حدثنا أحد الأساتذة عن معايير تقويم الجامعات هناك.
والأمريكيون يعرفون تماماً كيف يفيدون من الجامعات وما تضمه بين جنباتها من صفوة العقول من مختلف الجنسيات فلا يبقون البحوث ونتائجها حبيسة الرفوف بل تنتقل إلى صانعي القرار ملخصات وافية عن هذه البحوث.
فلتكن بيركلي مرتعاً للهبّيز وليفعل السود في أوكلاند ما يشاؤون لكن هناك خلف هذه الصورة قضايا كبرى يجب أن ندرسها ونقومها بمعيار الإسلام الذي يدعونا لنكون شهداء على الناس في كل مكان.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية