الغرب والتفكير المنطقي



      يتردد في وسائل الإعلام الغربية المختلفة بين الحين والآخر أن أخشى ما تخشاه الدول الغربية وبخاصة فرنسا انه عندما يحكم الإسلام في بلد ما فإن هذا البلد سيفرغ من أهله تماماً أو من العلمانيين منهم وستكون الهجرة إلى أوروبا بالملايين. وقد كتبت مجلة "المختار"(الريدرز دايجست) Reader's Digest عن امرأة من بلد عربي محافظ طلبت اللجوء السياسي، وترددت السلطات الكندية، وكان المبرر أن السماح لها سيفتح الباب أما الملايين من النساء المسلمات للهجرة لأنهن لا يحصلن على حقوقهن في بلادهن.
     لم يكن يخطر ببالي أن أحلل هذه الافتراءات لأنها تتكرر كثيراً، ولكني بعد أن قرأت مقالة الأستاذ رضا لاري في جريدة المدينة المنورة يوم الأحد 14 شعبان 1415هـ الذي يقول فيه:"إن الطلبة الذين تخرجوا من هذه المدارس الأجنبية اكتسبوا القدرة على التفكير وسبل استخدام العلم فيما يخدم أوطانهم.."وكأن الأستاذ لاري يرى أن هذه المدارس تعلم التفكير وسبل استخدام العلم .قد يكون هذا صحيحا في بعض الأحيان فنعمة التفكير السليم يهبها الله عز وجل من يشاء من عباده سواءً درسوا في مدارس أجنبية أم يعرفوا هذه المدارس مطلقا. والقدرة على التفكير وسبل استخدام العلم تتعطل حينما يتعلق الأمر  إلّا حينما يتعلق الأمر بقضايا الإسلام والمسلمين، وما زلت أذكر حواراً مع أحد خريجي مدرسة الملكة فيكتوريا مجّد فيه إنجازات مصطفى كمال (أتاتورك) وأضفى عليه من صنوف العظمة حتى كدت أظنه يتحدث عن الخلفاء الراشدين. وفي غير مقالة الأستاذ رضا نجد الكثيرين يزعمون أن الغرب هو منبع التفكير العلمي، وحتى إن  زكي نجيب محمود في محاضرة له في النادي الأدبي في جدة قبل أكثر من عشرة أعوام زعم أن البشر ينقسمون إلى ثلاثة أصناف: الأول الأوروبيون يتميزون باستخدام العقل والمنطق فاليونان هي مهد التفكير المنطقي. والقسم الثاني هم العرب وغيرهم الذين تغلب عليهم العاطفة، والقسم الثالث وهم العجم وجنوب شرق آسيا الذين يغلب عليهم الفن والتأمل.
     ولست في مجال الرد على هذه التقسيمات لكني أريد أن أناقش منطقية وعلمية هذه الافتراءات لأننا ابتلينا بأن بعضنا يرى أن كل ما يأتي من الغرب هو الصواب والحق. فهل صحيح أن الناس يفرون من الإسلام إذا حكم؟ وكأني بالغرب في نشره لهذه الفرية كمثل أشعب حين ضاق بالصبيان يطاردونه فحثهم على الذهاب إلى وليمة في أحد البيوت، ولما تركوه فكر قليلا أن الأمر قد يكون صحيحا فلحقهم.
لقد مرت هجرة المسلمين إلى ديار الغرب بعدة مراحل: إحداها أن الغرب كان في حاجة إلى عمالة رخيصة أقرب إلى السخرة فلجأ إلى أبناء المستعمرات فأغراهم بالهجرة إلى بلده لبناء المرافق الأساسية مثل القطارات التحتية وغيرها. وكذلك احتاج إلى أبناء المستعمرات في حروبه؛ فقد فرضت فرنسا التجنيد الإجباري على شعوب مستعمراتها عام 1911، وفي عام 1914 وجدت من هؤلاء مئات الألوف للعمل في جيوشها للدفاع عنها أو للعمل في مصانعها لتغطية النقص الحاصل بسبب الحرب.
      وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية رأت أوروبا أنه لا طاقة لها باستمرار الاحتلال العسكري فوجدت من أهل البلاد المستعمَرة من يستطيع أن يحل محلها وتجد مصالحها من يرعاها. وتوقفت الحروب داخل أوروبا لتشتعل في كل مكان مخلفة أوضاعاً اقتصادية واجتماعية وسياسية صعبة جدا، ولذلك لم يكن من الممكن لذوي الطاقات الفكرية والعلمية المتميزة أن تستمر في العيش في بلادٍ محطمة .
       والحديث عن هجرة العلماء أو ما يطلق عليه نزيف الأدمغة طويل ولا يحتاج إلى تفصيل، فلماذا هاجر هؤلاء والحكومات العربية الإسلامية في غالبها لم تتخل يوما عن المستشارين الغربيين. فهل إذا حكم الإسلام يبق لهؤلاء الوجود الذي يتمتعون به الآن؟
    أما آن أن تسقط أسطورة التفكير الأوروبي العلمي المنطقي، وبخاصة حينما يتعلق الأمر بالإسلام والمسلمين؟ نحن لا نشك في أنهم يتميزون بهذا التفكير في حل مشكلاتهم وقضاياهم الداخلية أما أن يكون هذا الأمر مسلم به على إطلاقه فكلاّ وألف كلا.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية