شلالات أوزود وثلوج أوكيمدن وجداول أوريكا وستي فاطمة (2)



March 12, 2011 at 11:57am
        في أثناء نزولنا إلى مهبط الشلال مررنا بأشجار زيتون معمرة تحجرت بعض جذورها وأصبحت أحافير، ويقول الدليل أن أعمار بعضها تزيد على المئتي سنة، وعرفنا من الدليل أن هذه الأشجار يملكها أشخاص ويتوارثونها أبا عن جد، وأحياناً يمتلك الشجرة أكثر من واحد. ولتمييز الأشجار عن بعضها البعض أو لتحديد عدد من يملكها صبغت أجزاء منها بالأصفر والأزرق وغير ذلك من الألوان. كما أحب أن أضيف أن زيارتنا لمعامل استخراج زيوت أرغان أو أرقان بتخفيف القاف الحجازية يستخرج منه منتوجات تصلح للبشرة والصحة وغير ذلك وأفادونا أن شجرة الأرغان يستفاد من جميع أجزائها.
وأحب ن أعلق على النساء اللاتي يعملن في هذا المعمل فقد كانت معظمهن محجبات كما كنّ يتمتعن بالحياء والذوق وهو يؤكد لي دائماً أن هذه الأمة والحمد لله بخير كما جاء في الحديث الشريف (الخير فيّ وفي أمتي إلى أن تقوم الساعة)

وبعد أن تناولنا الغداء وشربنا الشاي الأخضر كان علينا أن نبدأ في الصعود وقد كنا صعدنا قليلاً فسألت الدليل وقد رأيت طول المسافة التي علينا أن نصعدها كم عدد الدرجات التي علينا أن نصعدها فقال سبعمائة وخمسة وثلاثين درجة فقلت له هل هناك طريقة أخرى للصعود فقال لا، ولكننا سوف نسير ببطء وننتظركم، وهنا تذكرت أنني كنت في  أثناء بحث الماجستير عام 1403هـ (1983م) كنت بحاجة لزيارة مكتبة قصر الحكومة في الجزائر العاصمة وكنت بين خيارين إما أن أنتظر سيارة أجرة عدة ساعات وقد لا أجد سيارة وإمّا أن أصعد الدرج وكان عدد الدرجات لا يقل عن ألف درجة، واضطررت إلى صعود الدرج ولكن كان عمري حينذاك ثلاثاً وثلاثين سنة أما أنا اليوم فثلاث وستين سنة.

وبدأنا الصعود وكان أن توقفنا عدة مرات في أثناء الصعود والحمد لله أن الأمر تم بيسر حتى إننا عندما زرنا أوريكا في اليوم التالي امتنعنا عن الصعود لمشاهدة الشلالات واكتفينا بمشاهدة الجداول والمياه المنسابة في كل مكان حتى إن الماء يسير في الطرق لكثرته.
وفي هذا اليوم ذهبنا إلى منطقة أوكيمدن التي تبعد عن مدينة مراكش سبعين كيلو متر، وهذه المنطقة جبلية وتعد منطقة للتزلج ولما كان الوقت في منتصف شهر فبراير فقد كانت الثلوج قليلة، ولكنها كافية لبعض التزلج. وما أن تصل إلى المنطقة حتى يقبل عليك العاملون في المنطقة لتأجيرك أدوات التزلج أو يعطوك تدريباً موجزاً في التزلج، كما أنه لديهم بعض العربات الصغيرة لتزلج الأطفال وقبل أن نتفق مع صاحب العربات كان قد أخذ فاطمة وهاشم إلى الأعلى وأركبهم في العربات وبدآ بالتزلج. وبدآ بالتزلج فكان منظرهما مضحكاً حين يصدمان أو يخرج أحدهما إلى المنطقة الطينية ولكنهما لعبا حتى شبعا وتوقفا.
وكان في المكان عدد من الباعة المتجولين يبيعون حلياً من الفضة – وقد لا يكون فضة حقاً-وهي ما يسميه المغاربة النقرة.، وهو ما حذرنا منه السائق بأن لا نصدق أن ما يعرضون فضة بالفعل. ولا أدري هل لديهم مناجم فضة أو إنهم أتقنوا صناعة الفضة. ولدي علاقة قديمة بالفضة فجدي والد أمي رحمه الله (عم أبي لأن أمي هي ابنة عم أبي) كان صائغاً وكان يصوغ الفضة فما زلت أذكر مشاهدتي لجدي وهو يسحب أسلاك الفضة عندنا في البت أثناء إقامته في بيتنا. كما أذكر متجره في أحد شوارع الكرك بالأردن. ولكنها مشغولات يدوية جميلة ويشتري منها السواح الأثرياء حين يقارنون العملة المغربية بعملاتهم مثل اليورو والدولار والين. أما أصحاب الريال فيفكرون مرات قبل أن يشتروا. ومن الأشياء بعض الصخور ذات الألوان الجميلة وبخاصة البنفسجي وهي عبارة عن كرة أو كروية الشكل مقسومة إلى قسمين ويمكن استخدامها للديكور. كما كان لدى بعض الباعة الجوز ولم نسألهم عنه، ولكن الباعة حين يكون عدد السواح قليلاً يحاولون البيع بأي طريقة فيخفضون في السعر حتى تشعر إنهم في الأصل كانوا يبالغون جداً. ولا بد في هذه الأماكن من المفاصلة والمساومة ليس حباً في المساومة ولكن لأن الباعة تعودوا على المبالغة في أسعارهم.

ووجود هذا العدد من الباعة المتجولين يثير في نفسي التساؤل هل ما يكسبوه من هذا العمل يكفي لضمان حياة كريمة؟ هل يمكن أن تقوم هيئة السياحة بفتح متاجر لهؤلاء الباعة وتقدمها لهم بأسعار معقولة. كما أتعجب هل الأسعار المبالغ فيها أيضاً تشجع السياحة ولماذا يعيش هؤلاء الناس حياة أقرب إلى الكفاف؟
وفي اليوم التالي استأجرنا سيارة لزيارة أوريكا وجداولها وقرية سيتي فاطمة وهناك شلالات في أوريكا ولكن كما قلت خفنا من الصعود وأنه كان علينا أن نسير على الأقدام ما يزيد على ساعة ونصف لنصل إلى الشلالات واكتفينا برؤية الجداول. وكانت رحلة جميلة توقفنا فيها عند دكان خطاط في قرية ستي فاطمة حيث يكتب للسياح أسماءهم بخط عربي جميل. وتعجبت من المواهب التي لا تجد مكاناً في عالمنا العربي فأعتقد أن مثل هذا الخطاط يمكن أن يقام له معارض في عاصمة بلاده فقد لاحظت أنه يملك موهبة متميزة. وكانت فرصة ليقوم ابني هاشم بالكتابة أمام الخطاط الذي أعجب به فأهداه ريشة من تلك التي يستخدمها الخطاطون المحترفون.
في طريقنا إلى أوريكا سلكنا طريقا طينياً متعرجاً ومليئاً بالحفر والمطبات متوجهين إلى مصنع لمنتوجات الأرقان ويقوم على المصنع جمعية تعاونية نسائية. وأعطتنا إحدى الفتيات شرحاً وافياً لعملية استخراج زيت الأرقان والمنتوجات المختلفة وكانت فرصة أننا اشترينا بعض تلك المنتوجات وكانت معاملتهم مميزة حيث أعطونا خصماً جيداً. وكم أتمنى لو أنهم فعلوا كما فعل أحد المصانع التركية الذي كانت له طاولة في صالة المغادرة ويقومون بعرض منتوجاتهم المستخرجة من زيت الزيتون وهي منتوجات عضوية على الركاب المسافرين.
وفي أوريكا أو ستي فاطمة–أتعجب من وجود الاسمين- تناولنا وجبة في أحد المطاعم وكان سعرها يكاد يوازي ثمن وجبة في أفخم المطاعم في أي عاصمة من العواصم العالمية.  فهل لهيئة السياحة دور في الحد من هذه الأسعار المبالغ فيها أو بعض أنواع النصب؟ وأحياناً أتمنى أن أرى بعض موظفي هذه الهيئة يراقبون ويحاسبون.

وكان الطريق الذي سلكناه إلى المنطقة الجبلية في أوكيمدن ضيقاً وفيه حفر ومطبات وتسير سيارات الشعب الذي يحتفظ بسياراته أكثر من عشر سنوات فتتأثر وتتعثر ناسين كلمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه (لو أن بغلة عثرت في العراق لعلمت أن الله محاسبي عليها لِمَ لمْ تسو لها الطريق يا عمر) فكم يعثر المواطنون العرب في أنحاء العالم العربي ولا هم نالوا درجة بغلة عمر ولا عنزته كما في رواية أخرى.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية