أتاتورك الخالد: دراسة نفسية ذاتية عن مصطفى كمال

أتاتورك الخالد: دراسة نفسية ذاتية عن مصطفى كمال

تأليف فالميك دوفولكان ونورمان أتزكووتز شيكاغو: دار نشر جامعة شيكاغو ، 1984 عرض مريم جميلة ترجمة مازن مطبقاني

العرض:

        ليس الشخص المضطرب عقلياً هو المصاب بالذهان أو الهوس، ذلك أنه ليس مجنوناً على وجه التحديد. فهو يعرف أين هو ومن هو، ويعرف في أي وقت هو، ومن هو، ويعرف في أي وقت من النهار هو.. إنه يعيش في العالم الحقيقي، وليس في هلوسة المصاب بالذهان، ولكن أعراض الاضطراب النفسي تغمر كل شخصيته كما الحال مع الشخص المصاب بالذهان. إنه من المستبعد جداً أن يكون متخلفاً عقلياً لأنه قد يكون على درجة عالية من الذكاء. فعواطفه هي التي ليست غير طبيعية، كما أنه ينقصه النمو الأخلاقي الروحاني، وكذلك طباعه، إنّه جامد وقاس ووحشي ومتحجر القلب بصفة مطلقة، ولا ضمير لديه فيما يتصل بتحقيق أهدافه.. إنّ اهتمامه بالآخرين لا يتعدى فائدتهم لتحقيق أغراضه. وعلى الرغم من أنه واع تماماً لعواقب أعماله الإجرامية على نفسه وعلى ضحاياه إلّا أنه غير قادر على الإحساس بأي شيئ. ولذلك لا يعيقه شيء عن تكرار تصرفاته غير الاجتماعية مرات ومرات. وهو لا يشعر البتّة بالذنب أو بتأنيب الضمير أو الخزي. وهو لا يقبل النقد فإذا ما ارتكب جريمة قتل فإنه لا يأسف على ذلك ولكن يأسف للقبض عليه.

        إنه يرفض النظام الاجتماعي القائم كلياً ويرفض ثقافته وتعاليمة ولا يرى أن عليه أيّ واجب نحوها..إنه شخص عدواني الميول يعيش في ثورات متكررة. ولأنه غير قادر على الإخلاص وعلى تكوين روابط عاطفية مستقرة فإن رغباته الجنسية إباحية لأنه يبحث عن إشباع حسّي مؤقت فلا يهتم بشريكه.(عرفت صدق هذا الأمر من معمّر سوري تجاوز السبعين من عمره)

        وعلى الرغم من عدم توفر إحصائيات معتمدة لعدد من الأشخاص المصابين بالضطراب العقلي، فليس ثمة شك لدى رجال الأمن أن بعض هؤلاء يعد من أخطر الناس. فالسجون في العالم مليئة بهم. قد تصف هذه الصورة الشخصية للمجرم العاتي النمطي بدقة متناهية شخصية أبرز قائد في العالم الإسلامي في القرن العشين وهو مصطفى كما أتاتورك (1881-1938م) وبصفته شخصاً مصاباً بجنون حب الذات طالب مصطفى كمال مواطنيه جميعاً أن يعشقوه وحده دون نقد وللأبد كمنقذ لمواطنيه وكإله ودكتاتور مطلق. فلم يكن هناك قيود خارجية تمنعه من ارتكاب جرائمه على مستوى الوطن كله.

     وتحاول هذه الدراسة لأتاتورك التي يعد مؤلفاها من أتباع سيجموند فرويد الغيورين شرح سيرة حياة أتاتورك العسكرية والسياسية على ضوء علم التحليل النفسي .. ومع ان الكثير من التفسير الفرويدي لحوادث حياة أتاتورك مشكوك فيه ومثير للتساؤلات على الأقل فإن الدراسة تكشف الكثير من التفاصيل الصغيرة المثيرة لحياة أتاتورك الخاصة. وعلى الرغم من أن المؤلفين معجبان بعمق بعبقرية أتاتورك في القيادة وإنجازاته في تحديث تركيا فإنهما لا يحجمان عن الكشف عن كل عيوبه الشخصية وضعفه البشري.

عبادة الغرب

        إن الأفكار البارزة المتلازمة التي كانت تسيطر على حياة أتاتورك كلها هي عبادته للحضارة الغربية وكرهه المرضي للإسلام. وفي الحقيقة فإن كل حياة أتاتورك يمكن وصفها بأنها التعبير الصارخ لرفضه  الكامل للقيم الإسلامية. ويمكن أن نتتبع هذا الكره الحاد إلى أيام طفولته حيث كان هناك خلاف بين أمه التقية الأمية وأبيه الحر التفكير الذي كان يصر على إعطاء ابنه ثقافة غربية، وجدير بالذكر أن الأب كان كابنه مدمنا للخمر حتى إنه بعد فشله في التجارة ظل يتعاطى الخمر حتى مات مبكراً بسببها. وكان أتاتورك الابن يحذو حذو أبيه، فقد أرجع أسباب اعتقادات أمه الدينية العميقة إلى الجهل والخرافات والتعصب.

        كما كانت هناك أسباب أخرى لعدائه للإسلام والتي من السهل فهمها وشرحها فمنها نجد أن العالم الإسلامي تاريخياً وبخاصة الدولة العثمانية كانت ثرواته قرب نهاية القرن الماضي قد وصلت أخفض نقطة حيث مُني العالم الإسلامي بهزائم عسكرية مستمرة على أيدي الغرب المتفوق تكنولوجياً ودائماً على حساب السيادة العثمانية حيث سقطت الدول التي كانت عثمانية دولة دولة تحت الاستعمار الأوروبي وحتى ضمن الحدود المشكوك فيها لما تبقى من الدولة العثمانية. فإن الحكومة عانت من ازدياد الضغوط السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية للقوى الأوروبية. فقد كان الضعف والفساد الداخلي مفرطاً لحد أن "الإمبراطورية العثمانية" وهي البقية الأخيرة للمجد الإسلامي كانت على وشك الانهيار. وفي نفس الوقت فإن الحضارة الأوروبية والغربية قد وصلت ذروتها في التأثير والهيمنة.

        وتحت هذه الظروف فقد كان من الطبيعي على الشاب أتاتورك بخبرته السطحية وثقافته المحدودة أن يربط الإسلام بالتأخر والذل، ويربط الغرب بالتطور والنجاح. وتوصل بهذه المقدمات إلى النتيجة بأن خلاص تركيا يعتمد على تبني الحضارة الغربية والتبرؤ من الإسلام وإنهاء كل  النفوذ الإسلامي من الحياة العامة للأمة.

         ومن أجل هذا الهدف كان أتاتورك مستعداً لاستخدام الأساليب الأكثر عنفاً ووحشية ودموية والقضاء بدون تردد على أي شخص يقف في طريقه.

        هل يمكن اعتبار أتاتورك رجلاً عظيماً؟ ولإعطاء الشيطان حقه كما يقال فإن قيادة أتاتورك العسكرية قد أنقذت السيادة السياسية الأمنة للدولة التركية من الضياع فبدون أتاتورك ربما لم يكن هناك وجود لتركيا اليوم. يستطيع الناقد إلى هذا الحد الاعتراف بعبقرية أتاتورك. ولكن إذا أخذنا في الاعتبار أن الرجل العظيم هو الذي يتجاوز عصره ومكانه فإن نظر أتاتورك القاصر يبدو جليّاً، ذلك أنه لم يكن أفضل من مجرد نتاج ذلك العصر المادي الكافر بالله، فهو لم يستطع مطلقاً أن يرتفع فوق سطحية أو تفاهة الذوق العابث لهذا العصر أو أهوائه المتحيزة.

وقد وضع أتاتورك بإلغائه الخلافة الإسلامية نهاية لهذا التقليد الإسلامي التاريخي. فالاضطهاد المبالغ فيه للدين الإسلامي جعل المسلم المخلص لدينه والمحافظ عليه يشعر بأن الحياة في تركيا أشبه بجهنم على الأرض. ولذلك فيمكننا بمررات كاملة اعتبار أتاتورك الخصم الأكثر عدائية للاسلام من أي أحد آخر.

تأثير كبير

إن تأثير أتاتورك في الذين اقتفوا أثره في التغريب في أسيا وأفريقيا كان كبيراً، ففي الحقيقة إن حكومات الدول القومية الحديثة التي أنشئت بعد العهد الاستعماري في المشرق كله دون استثناء لم تدّخر جهداً في تقليده ومحاكاته. ويبقى أتاتورك إلى هذا اليوم نموذجهم الرفيع والمثالي.

إن هذا الكتاب عن أتاتورك دراسة متأنية فما يلقيه من أضواء ثاقبة على الأسباب الحقيقية التي أدت إلى حتمية ما حدث.

       

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية