الخلافة وطريقة اختيار الخليفة

       والخلافة الإسلامية نظام جديد في جوهره وغاياته ويختلف عن أنظمة الحكم التي كانت معروفة وسائدة في العالم في ذلك الوقت وهما الكسروية والقيصرية ويقال لكل منهما مُلْك. ويراد بالمُلْك هو ذلك النوع من الحكم الاستبدادي المطلق الذي يمكن فيه لفرد أن يتحكم في مصائر أمة ويحكمها وفق هواه دون أن يكون خاضعاً لقانون يعلو إرادته .
      أما في التاريخ الحديث ففي أوروبا ممالك تسمى ممالك دستورية أي أن هناك دستوراً يتحاكم إليه الملك والرعية، ويقال إن الملك يملك ولا يحكم بينما في الملكية السابقة كان الملك يملك ويحكم. وقد فكّر المسلمون في اتخاذ نظام للحكم بعد وفاة الرسول e فوجدوا أن سنة الرسول e الفعلية والعملية هي النموذج الذي عليهم أن يحتذوه كما جاء في حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه (فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي)
   وقد ارتعد رجل في حضرة الرسول e فقال له (ما أنا بملك إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد) وقد خشي عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يكون ملكاً فسأل ذات مرة: "أملك أنا أم خليفة؟" فأجاب سلمان الفارسي رضي الله عنه:" إن أنت جبيت من أرض المسلمين درهماً أو أقل أو أكثر ثم وضعته في غير حقه فأنت ملك" وفي رواية أخرى أن عمر قال ذات مرة: "والله ما أدري أملك أنا أم خليفة فإن كنت ملكاً فهذا أمر عظيم"، فقال أحد الصحابة: "يا أمير المؤمنين إن بينهما فرقاً، فقال عمر وما هو؟ قال: "الخليفة لا يأخذ إلاّ حقاً ولا يضعه إلاّ في حق فأنت بحمد الله كذلك، والملك يعسف الناس فيأخذ من هذا ويعطي هذا."
     وحين  يكون المُلك مهتدياً بالدين " يتحرى الدين ومذاهبه والجري على منهاج الحق فيندرج تحت الخلافة ويكون من توابعها( المقدمة م1ص262) وقد أشار قبل ذلك (ص260) إلى أن "سليمان صلوات الله عليه وأبوه داود انفردا بملك بني اسرائيل لما اقتضته طبيعة الملك فيهم من الانفراد به ، وكانوا ما علمت من النبوة والحق.                 
طريقة اختيار الخليفة:
        بعد إعلان وفاة الرسول e اجتمع نفر من الأنصار في سقيفة بني ساعدة لاختيار خليفة من بينهم فعلم بالأمر بعض المهاجرين وكان منهم أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة عامر بن الجراح فقال أبو بكر لنلحق بإخواننا فإن لهم حقاً في هذا الأمر. وبعد مداولات لم يعرف التاريخ أكثر منها وعياً وعقلانية ومحبة وتحضراً دار نقاش رائع أبدى كل طرف وجهة نظره وانتهى الأمر باختيار أبي بكر رضي الله عنه للخلافة . وفي اليوم التالي تمت البيعة العامة، وخطب الصديق خطبة جامعة أوضحت موقفه من الخلافة والحكم وقد جاء فيها: "إني وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأطيعوني وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة والكذب خيانة. الضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه -إن شـاء  الله - والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه - إن شاء الله-، لا يدع قوم  الجهاد في سبيل الله إلاّ ضربهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم إلاّ عمهم الله بالبلاء. أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فإن عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم".

      ويقول الدكتور العمري تعليقاً على هذه الخطبة بأنها: "تضمنت علاقة الحاكم بالمحكومين، فبيّن أن مجيئه للخلافة بإرادة الأمة وبتعاقد واضح، الطاعة من الناس مقابل التزام الحاكم بالشريعة، ورقابة الأمة على سياسته وإعانته في الخير وتصحيح سياسته إذا انحرف، كما فيها بيان الالتزام بإقامة العدل والجهاد وتنظيف المجتمع من الانحراف الخلقي بالإضافة إلى ما تكشف عنه مقدمة الخطبة من تواضع الصديق الجم ."(ص 46)

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية