خاتمة كتابي (الغرب في مواجهة الإسلام)




            إن الخوف الشديد من اليقظة الإسلامية لما تمثله من تهديد لمصالح أمريكا والغرب هو الباعث على هذه الدراسات المستفيضة للإسلام وللحركات الإسلامية، وإن كانت في الحقيقة ليست تهديدًا لمصلحة أحد إنما هي تهديد للباطل والظلم والاستبداد. وما أجمل ما قاله ابن باديس في هذا المعنى:"نعم نهضتنا نهضة (بنينا على الدين أركانها – فكانت سلامًا على البشرية) لا يخشاها – والله – النصراني لنصرانيته ولا اليهودي ليهوديته بل ولا المجوسي لمجوسيته، ولكن يجب – والله – أن يخشاها الظالم لظلمه والدجال لدجله والخائن لخيانته"[1].

          لقد لاحظنا من خلال هذه الدراسات أن بعض الخبراء يتوقعون وصول الإسلاميين إلى الحكم مؤيدين ذلك بمظاهرة العودة إلى الإسلام في جميع جوانب الحياة من اقتصاد واجتماع ... إلخ بالإضافة إلى فشل الطروحات الأخرى في تقديم الحلول لمشكلات الشعوب الإسلامية، بينما يستبعد بعض الباحثين الغربيين مثل هذا الأمر مشيرين إلى أن علماء السنّة ليسوا كعلماء الشيعة في تأثيرهم ومكانتهم ،ولكن هذا الأمر – في نظرهم – لن يطول حينما يتوجه عدد أكبر من شباب السنّة إلى الدراسات الدينية حتى يؤلفوا طليعة يمكن أن تصل إلى الحكم [2].

      ومهما كان الأمر فإن مما يجب دراسته بعناية قول السفير الأمريكي: "إن الصحوة الإسلامية أو الأصولية حقيقة تعيش معنا وسوف تستمر في صياغتها لسياسة الشرق الأوسط في المستقبل القريب، وسيستمر معظم الأصوليين الإسلاميين في التأكيد القوي على ممارسة شعائرهم الإسلامية والحاجة إلى حياة أكثر إسلامية كما ستسعى معظم التنظيمات الإسلامية إلى إحداث التغيير من أسفل [القاعدة] مع ضرورة أن نضع في الاعتبار المخاطر الناتجة عن قمع الحكومات لهذه التنظيمات[3].

       وفي ختام هذه الدراسة التي أقدمها لأبناء أمتي راجيًا أن نتنبه إلى أننا أمام عدو يقظ، يدرس كل صغيرة وكبيرة مما نقول ونفعل ويضع المخططات الدقيقة كتلك التي ظهرت في الوثائق التي أشرنا إليها في متن الكتاب وحواشيه وجعلنا بعضها ملاحقًا له، كما نود أن نشير إلى وثائق أخرى حول مخططات النصارى الذين يعيشون في البلاد الإسلامية ضد الإسلام والمسلمين .

       ولنا في التاريخ عبرة ،فعندما زحفت الجيوش الإسلامية الصليبية على بلاد المسلمين وجدت في هؤلاء كل عون وتأييد حتى إذا انحسر المد الصليبي وجاءت بعد قرون الحملة الصليبية الفرنسية على مصر بقيادة نابليون فتقدم نصارى الشوام الذين كانوا في مصر بالتعاون مع أقباطها ليكونوا عيونًا وعونًا له ضد المصريين بل ويضطهدون المسلمين متى قدروا على ذلك كما أشار إلى ذلك المؤرخ المصري عبد الرحمن الجبرتي في تاريخ  [4]،هذا وأن أي مراقب واع يدرك مدى الخطورة التي تحملها مخططات النصارى التي تستلهم الغرب النصراني العون والتوجيه والإرشاد [5].

        فعلينا نحن المسلمين أمام هذه الأخطاء أن نسمو فوق خلافاتنا في الرأي والاجتهاد ونحمد الله على أن نتفق عليه هو الأكثر. ولنعد إلى قاعدة المنار المشهورة: " لنعمل سويًّا فيما اتفقنا عليه وليعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه " أو لنتحاور فيما اختلفنا فيه حوار من يسعى إلى الحق لا حوار الالغاء الذي يلغي كل محاور صاحبه قبل البدء. ولنكن على حذر من أن نؤخذ على حين غرة، وإن كان لنا حوار مع الغرب، فإنما يكون لدعوته إلى دين الله. أما مطالبنا وتطلعاتنا فليسوا هم المؤتمنين على أمورنا. ((وَاللهُ غَالبٌ عَلَى أَمْره وَلَكنَّ أَكْثَرَ النَّاس لَا يَعْلَمُونَ)).

((وَقُل الحَقُّ من رَّبّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ))

 



[1] عمار الطالبي. ابن باديس حياته وآثاره. جـ 3 ص 560 عن البصائر: قسنطينة (الجزائر) العدد 83 في 20 رجب 1356 هـ - 30 سبتمبر 1937 م .
[2] دكمجيان. مرجع سابق ص 243 وأما الأسباب الأخرى فهي وقوف كثير من الأنظمة الإسلامية في وجه الصحوة بتأييد وتوجيه من الغرب.
[3] خضر. مرجع سابق. الحلقة الأولى ص 29 (السفير إيليتس ) .
[4] عبد الرحمن الجبرتي. تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار. المجلد الثاني ص 179 – 476.
[5] انظر: الملحق الخامس نقلًا عن كتاب إبراهيم السليمان الجبهان. ما يجب أن يعرفه المسلم من حقائق عن النصرانية من حقائق عن النصرانية والتبشير ص 30 -34 .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية