تقرير عن ورش العمل حول الشرق الأوسط بمركز روبرت شومان للبحوث بالمعهد الجامعي بفلورنسا


 

 

 
بسم الله الرحمن الرحيم

     أعلن قبل مدة عن منتديات المعهد الجامعي بفلورنسا([1]) التي يطلق عليها منتديات البحر المتوسط وهذه المنتديات إنما هي ورش عمل يجتمع في كل ورشة عشرة إلى اثني عشر شخصاً يبحثون في قضايا تخص مجتمعات البحر المتوسط، وقد بدأ عقدها منذ سبع سنوات، أي منذ عام 2000م. وتكون المنتدى هذا العام (2006م) من إحدى عشرة ورشة منها في الاقتصاد وفي السياسة وفي الاجتماع وفي تقنية المعلومات وفي المسائل الحدودية وفي العمران والفن.

         واجتمع شمل المشاركين والمستمعين (وعددهم المستمعين قليل) في تلك الليلة على الساعة السابعة للاستماع إلى المحاضرة الافتتاحية للدكتورة سعاد جوسف بعنوان: "أبيض وأسود: تمثيل العرب والمسلمين الأمريكيين والإسلام في الصحافة الأمريكية المطبوعة) والدكتورة سعاد هي مديرة دراسات الشرق الأوسط وشرق وجنوب آسيا في قسم علم الإنسان بجامعة كاليفورنيا بمدينة ديفيس. وهي حاصلة على الدكتوراه من جامعة كولومبيا بنيويورك عام 1975 وتقوم بتدريس علم الإنثروبولوجي ودراسات المرأة والجندر في جامعة ديفس، وهي المحررة الرئيسة لموسوعة المرأة والثقافة الإسلامية التي تصدر عن دار بريل، وهي مؤسسة وأول رئيسة لرابطة دراسات المرأة في الشرق الأوسط.

قدمت الدكتورة جوزيف دراسة ميدانية عن تمثيل العرب والمسلمين الأمريكيين والإسلام في أكبر صحيفتين أمريكيتين هما نيويورك تايمز والواشنطن بوست، وكان مجمل عرضها أن هاتين الصحيفتين أساءتا كثيراً لصورة العرب والمسلمين الأمريكيين وللإسلام عموماً. ولم يسمح الوقت إلاّ بسؤالين أو تعليقين كنت أحدهما حيث سألتها هل هناك رد فعل من المسلمين والعرب على هذه الصحف وما رد فعل هذه الصحف على ردود الأفعال تلك. فأجابت إن هاتين الصحيفتين لا يهمهما كثيراً ردود الأفعال، كما قلت إذا كانت الصحيفتان تقدمان هذه الصورة السيئة فأين الجهود العربية والمسلمة في توضيح صورتهم وصورة الإسلام، أعرف أن المؤتمر السنوي لرابطة المسلمين في أمريكا الشمالية يستقطب أكثر من خمس عشرة ألف مشارك وهم يقدمون صورة رائعة للإسلام، أين الأفلام الوثائقية عنه المسلمين. وكان ردها جيداً بأن الجهود كبيرة والقضية بقدر ما هي مؤلمة فإن المستقبل مشرق.


انطلقت منذ اليوم الأول أشغال الورش المختلفة التي بلغت إحدى عشرة ورشة أذكر فيما يأتي بعضها:

الأولى: الإقليمية والأقلمة في الشرق الأوسط: بحث في النواحي النظرية والعملية.

الثانية: النتائج القانونية الاجتماعية للهجرة في منطقة الشرق الأوسط.

الثالثة: التقسيم أو المشاركة السياسية: إدارة الحدود والأراضي في عالم معولم.

الرابعة: من المحلية إلى العولمة: الفنون المرئية في شرق البحر المتوسط بين الأسواق العالمية والتوقعات المحلية.

الخامسة: مناظرة حول الأسرة في الشرق الأوسط.

السادسة: المشاركة السياسية تحت الحكم الشمولي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

السابعة: النقد الثقافي والنقد الجندري في الشرق الأوسط: إسهام الفكري النسوي (نسبة إلى حركة تحرير المرأة) للنقد الثقافي في المجتمعات المتوسطية.

الثامنة: المناقشات العامة حول الإسلام في أوربا: لماذا وكيف أصبح المهاجرون مسلمين.
     شاركت في معظم جلسات الورشة الخاصة بموضوع الأسرة وذلك لأنني كنت قد قرأت بعض الأوراق، وكان يهمني أن أعرف ماذا يقولون عن الأسرة في الشرق الأوسط. وقد تناولت هذه البحوث قضايا حول الأسرة في عدن منذ نهاية عهد الاستعمار حتى العصر الحاضر، كما تناولت قضايا التشريعات الخاصة بالأسرة في كل من إيران ومصر وجنوب تركيا. وقدمت باحثتان موضوعين عن الأسرة من خلال مسالة الميراث إحداهما عن الوقف من خلال فتاوى الوزاني في المغرب العربي، بينما كان البحث الآخر حول القضايا الأسرية من خلال وثائق المحاكم المصرية في أواخر العهد العثماني. وتناولت باحثة أمريكية موضوع الحركات المطالبة بحقوق المرأة في المغرب العربي، وكيف أن الأسرة تشكل عائقاً نحو تحقيق المرأة بعض حقوقها.
لاحظت في أثناء استماعي إلى الحديث عن المرأة غياب المعرفة الشرعية المستندة إلى نصوص الكتاب والسنّة أو نماذج من حياة السلف في القرون التي كان التطبيق الإسلامي في أعلى مستوى له. وقد ذكرت لهم أن قضية الوقف مرتبطة بقضية شرعية وهي قول الرسول صلى الله عليه وسلم (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلاّ من ثلاث: علم ينتفع به، وولد صالح يدعو له وصدقة جارية) وعمل الخير أيضاً ينطلق من قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟، فقالوا مالنا يا رسول الله، فقال لهم (مالك ما أنفقت، ومال وارثك ما أبقيت)

       وأخبرتني رئيسة الجلسة أنها تنوي البدء في دراسة الفقه، فقلت لها هذا قرار سليم، ولكن إحدى المشاركات قالت إنها لا تحتاج إلى الاستشهاد بالنصوص الإسلامية من حديث أو قرآن.

وحدث أن انتقلت إلى جلسة أخرى وهي حول الجندر، وفي تلك الجلسة استمعت إلى بحثين أحدهما عن المدونة المغربية لإدماج المرأة المغربية في التنمية، وهي مدونة كثر حولها النقاش في المغرب، وقد اعترض عليها العلماء ورأوا فيها خروجاً عن الشريعة الإسلامية في عدد من المواضع. وقدم البحث باحث وباحثة من المغرب. وكانت المرأة أكثر تحدثاً. وكانت تتحدث بلهجة المنتصر أن المدونة قد أصبحت قانوناً وأن الحكومة المغربية استطاعت أن تسكت أصوات المعارضة الإسلامية. وذكرت من المدونة أنها لم تسمح للرجل بالزواج من ثانية إلاّ بموافقة الزوجة الأولى، وأن الطلاق لا يمكن أن يقع إلاّ أمام المحكمة، وتحدثا عن حقوق أخرى، ولكنهما كانا ينتظران أن تساوي المدونة بين الرجل والمرأة في الميرات. وانتقدت المدوّنة أو قانون الأحوال الشخصية الأخير مسألة عقد النكاح أو عقد يسمح للرجل بالممارسة الجنسية بل هو عقد زواج. وتعجبت أن الأمة قبلت هذه التسمية ألف وأربعمائة سنة ويأتي من يعترض اليوم على التسمية وحتى على المضمون، ناسين أن القرآن سمّاه (ميثاقاً غليظاً) ووصف العلاقة بين الرجل والمرأة بالمودة والرحمة وقال عن الزواج (هنّ لباس لكم وأنتم لباس لهن) وانظر كيف قُدّمت المرأة في اللباس. واعترضوا على مسألة الطاعة، ومطالبة المرأة بطاعة الزوج. وانتقدوا الاستعمار بأنه كرّس ذكورية المجتمع، مع أن بذور حركة ما يسمّى تحرير المرأة جاء به الاستعمار. ونسوا أن المؤتمر العالمي الثالث للمرأة عقد في الجزائر في مدينة قسنطينة عام 1934م، وغابت عنه المرأة الجزائرية التي رضيت بالحجاب عدا نساء قليلات كنّ متغربات.

ولم أتحدث في أثناء الجلسة لأنني كنت أشعر أنني لو قلت شيئاً لأخرجوني من القاعة، فما كان الجو مناسباً لأي اعتراض. ولكن خارج القاعة شاء الله أن يكون معي كتيب صغير بعنوان (موقفنا من المشروع الوطني لإدماج المرأة في التنمية)، فقدمت الكتيب إلى رئيسة الجلسة، فقالت ما هذا الكتيب؟ قلت لها إنه رأي للعلماء المغاربة يعترضون على المدوّنة. فقالت لماذا تروج لهم؟ قلت لها أنا لا أروج لهم ورأيي أنه لا رأي لي حتى أقرأ المشروع كاملاً، ولكن في جلسة علمية كان ينبغي أن يكون هناك توازن في عرض وجهات النظر. فكما سمحت بوجهة النظر المؤدية للمشروع كان ينبغي وجود الرأي المعارض. ولعلي أكتب رسالة إلكترونية لتلك المرأة. وسألتها ألا تريدين أن تعرفي الرأي الآخر؟

أما البحث الثاني الذي سمعته فهو حول النساء السحاقيات، بين العلن والخفاء. وكانت الباحثة سورية، وكأنها كانت تشيد بهذا الأمر وذكرت العديد من الكاتبات اللاتي كتبن عن العلاقات الجنسية بين النساء أو ميل بعض النساء لبنات جنسهن، وذكرت من الكاتبات حنان الشيخ وليلي أحمد وغيرها وذكرت من الروايات باب الواد وحجر الضحى وغيرها. وأذكر أن مؤسسة بريطانية مسرحية قدمت إحدى مسرحيات حنان الشيخ في لندن، وافتخرت بها إحدى الصحف العربية الصادرة في الغرب وكأن الأمر فتح كبير مع أن الغرب لا يحتفي إلاً بمن شذ أو انحرف من أبناء الأمة.

وبالمناسبة فإن المشرفين على المؤتمر يقدمون دعماً مالياً لمن يقدم بحثاً مقابل البحث وكذلك مقابل المصروفات التي تحملها، وفي نهاية تلك الجلسة قالت الرئيسة إليزابيث كسّاب قوموا بنا نحصل على نقودنا من المسؤول المالي فاليوم هو اليوم الأخير. وقلت في نفسي ليتهم حفظوا كرامة الباحثين وقدموا إليهم ما يسمّى مكافأة بطريقة أخرى لا تضطرهم إلى الوقوف بباب المسؤول المالي.

أما الورشة التي كنت أرغب في حضورها فهي بعنوان "المشاركة السياسية تحت النظام الشمولي" وهي برئاسة كل من سلوى زرهوني من جامعة محمد الخامس بالرباط وإلين لست أوكار من جامعة ييل Yale بالولايات المتحدة، وتقول مقدمة الورشة إن المشاركة السياسية في الأنظمة الشمولية قد بدأت في العالم العربي الإسلامي ببعض المشاركة السياسية والحديث عن الانتخابات وغير ذلك ولكن هذه المشاركة السياسية قليلاً ما تُناقش أو تبحث في المنتديات العلمية. وسيكون الحديث عن المشاركة السياسية في المؤسسات السياسية أو غيرها، وتتناول الورشة المفاهيم الخاصة بالمشاركة السياسية وتعريفها. وهل ما يحدث من بعض المشاركة السياسية هو حقيقة مشاركة أو مجرد ديكور. وتناولت الأوراق المشاركة السياسية عموماً وكذلك التجارب في دول معينة كالأردن ومصر، وكذلك الحديث عن وسائل الإعلام وأثرها في نشر التوعية بأهمية المشاركة السياسية. ومن أبرز الباحثين والباحثات الذين واللاتي قدموا بحوثهم ليل الحمّاد من البنك الدولي بواشنطن حيث كان عنوان بحثها:" المشاركة السياسية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: توسعة الشبكة."

لقد قرأت في الأوراق وفي الوجوه أن توجه الغالبية العظمى من المشاركين هي الوجهة الغربية العلمانية، ونحن نتفق معهم في قضايا معينة كحديث المحاضرة الافتتاحية عن الصورة السلبية التي تعكسها كبريات الصحف الإسلامية للعرب والمسلمين الأمريكيين والإسلام، أو ضرورة زيادة المشاركة السياسية، أو رفع الحيف عن المرأة وعن الرجل، ولكننا لا نتفق معهم في المرجعية. وقد توصلت إلى قرار يحتاج إلى تفكير طويل هل أستمر في حضور مثل هذه المنتديات لا تتاح لي الفرصة قليلاً أو كثيراً لأعرض وجهة نظر الإسلام أو أن الإسلام هو الحل الحقيقي لمشكلات الأمة. أو عليّ أن أنتقل لدراسة الغرب من خلال المؤتمرات الكثيرة التي تعقد هنا أو هناك، وهل سأجد الطريق مفتوحاً للمشاركة معهم في دراسة مشكلاتهم وقضاياهم؟ هذا سيحتاج منّي إلى تفكير طويل وعميق واستشارة ممن هم أعلم وأحكم، 

        قبل أن أشرع في السفر إلى إيطاليا تلقيت دعوة من مركز دراسات الشرق الحديثة لحضور محاضرة حول (الحرية الأكاديمية في الجامعات الأمريكية بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001م) يقدمها البروفيسور بشارة دوماني أستاذ التاريخ بجامعة كاليفورنيا- بيركلي . ودوماني هو المحرر لكتاب حول الحرية الأكاديمة التي تتعرض لهجوم ضخم منذ أحداث سبتمبر، وقد بدأ مركز برلين بإرسال دعوات أو أخبار المحاضرات منذ عقدت في الرياض في العام الماضي ندوة حول ألمانيا والثقافة العربية وقدمت فيها ورقة حول موقع (القنطرة) الذي أسسته وزارة الخارجية الألمانية للحوار مع العالم الإسلامي. وقابلت عدداً من أساتذة الجامعات الألمانية ومنهم أساتذة من مركز الدراسات الشرقية الحديثة ZMO.

ورأيت أن فلورنسا أو بالأحرى مونتي كاتيني (وهي المكان الذي عقدت فيه ورش العمل) القريب من بيزا وفلورنسا (مطارها كان مغلقاً) يمكن أن تكون قريبة من برلين بألمانيا، وسألت الوكالة السياحية في الرياض أن تسأل لي عن تذاكر القطار من إيطاليا إلى ألمانيا، ولكني بدأت أسأل بعد وصولي بقليل عن طريقة الوصول إلى ألمانيا وذهبت إلى وكالة سياحية فقالوا التذكرة من بيزا إلى ميونخ فبرلين في الطيران الألماني أربعمائة وثلاثين يورو وهناك ضرائب تبلغ سبعين يورو، والمكتب السياحي يتقاضى خمسين يورو عمولة ولا بد من الدفع بالنقد. ففكرت في الأمر قليلاً ولكني رجعت إلى الفندق وطلبت من موظف الاستقبال أن يحجر لي مع الشركة الألمانية وفي المطار أشتري التذكرة. ولكني قلت لنفسي أحاول مع إحدى موظفات المؤتمر بسؤالها عن أفضل طريقة للسفر إلى برلين، فقالت هناك شركات رخيصة كلما تحتاج إليه أن تحجز عن طريق الإنترنت وتسدد ببطاقة الائتمان وفي المطار يعطونك بطاقة صعود وليس في الطائرة مقاعد محددة ولا خدمة على الطائرة إلاّ أن تدفع. وكانت قيمة التذكرة حوالي عشرين بالمائة من التذكرة العادية. وقررت السفر بهذه الوسيلة. وقامت الموظفة بعمل الحجز وأيضاً إرسال رسالة بالبريد الإلكتروني إلى برلين ليحجزوا لي في الفندق، وشكرتها على هذه الخدمات فقالت هذه وظيفتنا. ورغم علمي بأن هذا ليس عملها فهي من المنظمين للندوات، ولكن الغربيين يسعون إلى خدمة الباحثين. وتذكرت أمر الإركاب في جامعتي وكيف عليّ أن أمر على أربعة أو خمسة مكاتب لأحصل على التوقيعات العظيمة ونسخ أمر الإركاب ثم الانطلاق إلى مكتب الخطوط لوضع السعر، فقلت ما أرخص وقت الأستاذ الجامعي عندنا. حتى إنني قلت لأحد الموظفين لماذا تضطرون أستاذاً كبيراً في السنّ مثلي للقيام بكل هذه الإجراءات. فرد علي بسكوت جميل وكأنه يقول إن أردت السفر فعليك القيام بهذه الإجراءات وإلاّ سافر على حسابك.
      وفي اليوم الذي كان سبق سفري إلى ألمانيا قرر مجموعة من المشاركين في ورش العمل زيارة مدينة فلورنسا، وهناك قطار كل ساعة ينطلق من مونتي كاتيني وفلورنسا من المدن الإيطالية السياحية الجميلة، فهي تقع في منطقة توسكاني المشهورة تاريخياً وفيها عدد من المباني الكنسية الكبرى التي يحب السيّاح أن يقضوا وقتاً ينظروا ما فيها من تماثيل وصور. وفيها طبيعة خلابة وأسواق جميلة. ومن أسواقها المتاجر المفتوحة. وفيها بضائع يمكن أن تكون أسعارها طيبة. كما في فلورنسا جسر جميل على نهرها وعلى الجسر بنيت بعض المساكن ليسكن فيها الباعة على الجسر وفي الأماكن القريبة. كما لاحظت وجود اليد العاملة الأجنبية من كل دول العالم. كما لاحظت بعض الأفارقة الذين يبيعون الساعات الرخيصة والأحزمة ويتجولون في الشوارع يتحدثون فيما بينهم اللغات الإفريقية ولكنهم يتحدثون الإيطالية. قد يكون بعض هؤلاء ممن ليس لديهم إقامات نظامية ولكنهم يعملون في كل مكان.

كانت الطائرة مزدحمة وأكثر من فيها شباب لا يهتمون كثيراً بالنظام ويتدافعون، ولكن الطائرة جيدة من حيث الشكل ولا بد أن لديهم معايير فنية تجعلها صالحة للطيران، والأعمار بيد الله فقط تسقط الطائرة الجديدة وتبقى الطائرة القديمة في الجو، وقد ينفجر الإطار الجديد والإطار القديم تسير بها مئات الكيلومترات. فعندما تأتي المنية لا يردها لا طائرة جديدة ولا سيارة مصفحة ولا حرس وقد سمعت مثلاً يقول: "يموت الحارس ويبقى المحروس"
       وحتى لا أبحث عن فندق بعد وصولي طلبت من إدارة مركز الدراسات الشرقية الحديثة في برلين أن يحجزوا لي في فندق قريب من مقر المحاضرة، وفعلوا ذلك وكان الفندق بالفعل قريباً، ولكني قمت في الصباح الباكر وكان الجو ماطراً وسرت في الشوارع القريبة، حتى إذا ضعت أو ظننت أنني ضعت أخذت تاكسي ليأخذني إلى مقر المحاضرة. وهناك عرفت كيف أرجع إلى الفندق. وعرفت أن الشارع الرئيسي في المنطقة اسمه فردريك أو فردريتش سترات، وفيه محطة قطار المترو كبيرة تنطلق منها خطوط عديدة إلى معظم مناطق برلين الشرقية والغربية.

وفي أثناء تجوالي في برلين الشرقية وجدت أن فيها بعض الكآبة والمشروعات غير المكتملة والأراضي غير المعمورة أو البور، كما وجدت أن أعمدة الإشارات الضوئية غير مثبتة في الأرض وإنما موضوعة على الرصيف وعليها أجسام ثقيلة لتثبيتها. لم أجد منتصف برلين الشرقية مزدحماً أو فيه تلك الحيوية والنشاط التي أعرفها في المدن الأوروبية التي زرتها، حتى باليرمو عاصمة جزيرة صقلية رغم تخلفها عن بقية المدن الأوروبية لكن فيها حيوية الشرق والعالم العربي.
      أما الفندق الذي نزلت فيه فتملكه كنيسة أو شركة كنسية حيث فيه قاعة للصلاة النصرانية يتوسط أحد جدرانها صليب كبير. ولو لم أنزل إلى غرفة الإنترنت لما رأيت تلك الغرفة. ووجدت في الغرفة إنجيل لم أعرف لأول وهلة أنه إنجيل لكثرة الصور الفوتوغرافية فيه، ومن الصور صورة خرائط جغرافية وصور لأشخاص في مهن مختلفة، وصور لرياضيين وصور لعروس وغيرها من الصور. ولكني فحصت عناوين الفصول فعرفت أنه الإنجيل. وفي داخله كرت صغير يقول قبل أن تبدأ برحلتك السياحية للتجول في المدينة زر الكنيسة في الفندق أو ابدأ يومك بالعبادة. وهنا تساءلت هل يمكن لجمعية خيرية إسلامية أن تستثمر أموالها في الصناعة الفندقية؟ هل يسمح لها عدو "الإرهاب" الكبير أن تمارس التجارة. ومن الجميل في الفندق رغم أن فيه قنوات تلفزيونية ألمانية تعرض إعلانات للجنس لكنه يمتنع عن وضع قناة التلفزيون المدفوع للأفلام بأنواعها. كما علمت في زيارتي ذات مرة لجامعة نيويورك أن الجامعة تستثمر بعض أموالها في قطاع الفنادق وذلك حينما طلبت منهم أن يستضيفوني لأحضر ندوة عندهم. فهم عادة يكتفون بالمشاركات المحلية لأن أمريكا قارة ولكني أصررت أن أشارك وبشرط أن تكون الاستضافة فأفادتني المديرة المشاركة أن الجامعة تملك أسهماً في الفندق. أين استثمارات جامعاتنا حتى تنفق على الأساتذة والبحث العلمي بسخاء؟

      وفي أثناء تجوالي في برلين الشرقية وجدت أن بعض الشركات الكبرى أسست مقار لها في هذا الجزء كما هي خطة لنقل برلين الشرقية من حياة التقشف والفقر التي كانت فيها إلى حياة الترف والرفاهية للغرب، وربما يوجد الآن أثرياء في برلين الشرقية لكنهم أكثر في الغربية. كما شاهدت لوحة على مبني للمركز الفرنسي الألماني لبحوث العلوم الاجتماعية. وكم كان بودي أن أدخله لأتعرف على نشاطاتهم وما يقومون به من أعمال. لكن الفكرة أعجبتني فأين مراكز البحوث المشتركة في بلادنا العربية الإسلامية. والطريف أن اسم المركز مكتوب باللغتين الفرنسية والألمانية
        كان موعد المحاضرة التي قدمت من أجلها إلى برلين هي (الحرية الأكاديمية في الولايات المتحدة بين الإكراه والخصخصة: دراسة حالة الدراسات الشرق أوسطية والإسلامية في الجامعات الأمريكية بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001م" الساعة السابعة مساءً وقد حضرت قبل الموعد بقليل وفي أثناء تجولي في ممرات المبنى الذي تقام فيه المحاضرة رأيت إعلاناً عن أربع محاضرات لمركز الدراسات البريطانية ودونت بعض العناوين ووقع في نفسي رغبة في زيارة هذا المركز لأعرف كيف يدرس الألمان البريطانيين.

أما المحاضر فهو البروفيسور بشارة دوماني المولود في السعودية وعاش فيها حتى سن الثالثة عشرة ثم انتقل إلى لبنان ومنها إلى أمريكا حيث يعمل في قسم التاريخ بجامعة كاليفورنيا فرع بيركلي. وقد أشرف الدكتور دوماني على تحرير كتاب عن الحرية الأكاديمية في أمريكا بعد 11سبتمبر، ويتكون الكتاب من قسمين رئيسين أحدهما يتناول الجانب النظري في الحديث عن الحرية الأكاديمية عموماً وفي أمريكيا خصوصاً، ثم في قسمه الثاني يتناول الهجوم على هذه الحرية من جهات عدة منها المحافظين الجدد وأصحاب الشركات والمؤسسات المالية والمؤسسات والجمعيات الخيرية.

وعندما حان موعد النقاش طلبت الإذن لأسأل فقلت له: "كنت أتوقع منك أن تذكر أسماء بارزة في الهجوم على الحرية الأكاديمية مثل برنارد لويس ومارتن كريمر ودانيال بايبس وليزا أندرسون، وتذكر موقع كامبس واتشCampus-watch.com وموقع مشروع ديفيد David Project. أما الهجوم على الإسلام فهو أقدم بكثير من الهجوم على الحرية الأكاديمية وأذكر محاضرة برنارد لويس في الكونجرس الأمريكي عام 1990م التي عنونها نظرة المسلمين للحضارة الغربية ولماذا يكره المسلمون الغرب؟ ونشرها بعد ذلك في مقالة في مجلة كبرى ـThe New Republic بعنوان "جذور الغيظ الإسلامي" ولويس هو مخترع مصطلح "صدام الحضارات" الذي أخذه منه صموئيل هتنفتون عام 1993م. وزاد العداء للإسلام بعد سقوط الشيوعية وانتهاء الحرب الباردة. وهنا تدخلت مديرة الحوار -لأنها ألمانية ولأسباب تخصها –ربما لأن الألمان يحذرون من اليهوذ- لقالت لا نحب هنا ذكر أسماء الأشخاص. وأجاب المتحدث باقتضاب، ولكنه فيما بعد عندما تحدث عن الكتاب وأشار إلى بحث لجويل بنين Joel Beninعن هؤلاء وأنه ذكرهم واحداً واحداً. وبنين يهودي وكان رئيس رابطة دراسات الشرق الأوسط ولا يتعاطف مع إسرائيل لذلك يهاجمه الصهاينة ويهاجمهم.
كانت مديرة مركز الدراسات الشرقية الحديثة ZMO أولريكا فريتاخ قد اتصلت بي في الفندق ترحب بي وتعرض عليّ أي مساعدة، ثم اتصلت بعدها باحثة جزائرية اسمها نورا لافي أستاذة للتاريخ تكرر الترحيب وتدعوني في اليوم التالي للمشاركة في ورشة عمل غير رسمية مدة ثلاث ساعات يشارك فيها المحاضر بشارة دوماني حول التاريخ الاجتماعي للدولة العثمانية، وأن أتناول الغداء معهم. فشكرتهم على الترحيب وقلت يسرني أن أحضر وأن أستمع.

وبعد نهاية المحاضرة انتقل عدد من الباحثين والعاملين في المركز للترحيب بالمحاضر في عشاء في مطعم فخم قريب من مكان المحاضرة. واستمرت حفلة العشاء حتى الثانية عشر ليلاً، وسألت عن الذهاب إلى الفندق مشياً وأنه لا خوف من ذلك. فقيل لي إن البلاد أمان. وكان الأمر كما قالوا فقد مشيت ما يقارب الربع ساعة ورأيت الناس يتحركون في الشوارع المحيطة.

     ذكرت أنني وصلت قبل موعد المحاضرة لأعرف المكان بدقة وحتى لا أتأخر عن البداية، وفي أثناء تجولي في المبني رأيت إعلاناً من مركز الدراسات البريطانية، وأخذت القلم ودونت عناوين المحاضرات ومنها ما يأتي:

1-    نهاية اللعبة ضيقة الأفق: اللاعبون الأجانب في بريطانيا بالمقارنة مع ألمانيا يقدمها البروفسور بيير لانفرانشي أستاذ البحث التاريخي في المركز الدولي لتاريخ الرياضات والثقافة بجامعة دومونتفورب بمدينة ليستر البريطانية. 24 أبريل 2006م

2-    متى كان أول كأس عالمي حقيقي؟ 8مايو 2006م

3-    الرياضة والبطل الإنجليزي15 مايو 2006م.

4-     المواطنة والهجرة في بريطانيا ما بعد الحرب: الأصول المؤسساتية لأمة متعددة الثقافات ويقدمها الدكتور راندال هانس كرسي كندا للبحوث في الهجرة والحكم بجامعة تورونتو بكندا. 29مايو 2006.

                رأيت هذه العناوين ووقع في نفسي لو وجدت الوقت والطريقة لزيارة المركز ومعرفة تفاصيل أكثر عنه. وفي اليوم التالي بدأت الساعة الثامنة حيث ذهبت إلى محطة المترو وكنت قد اشتريت تذكرة ليوم كامل من الفندق، وعرفت المحطة التي سأنزل فيها والاتجاه، وكان الاتجاه اسمه وانزي WannseeK والمحطة هي محكة نيكولازي Nikolassee وبعدها أسير في الطريق الذي يقع في المنتصف إذا خرجت من المحطة حيث هناك أربعة طرق كلها تتشعب بعد الخروج. وسرت وتذكرت تعليمات الدكتورة نورا لافي باني سأجد درجاً فعلي أن أصعد الدرج، المهم وكان جزء من خريطة برلين الخاص بذلك الحي معي وأعرف اسم الشارع فسرت حتى وصلت إلى المكان الذي يقع في وسط حي سكني يتكون من مجموعة من الفلل في وسط غابة جميلة، فلا تجد بقالة ولا دكان من أي نوع حتى المشي على الأقدام فلم أجد أحداً. والمكان هادئ حداً يساعد على التركيز والبحث.

و كانت الساعة الثامنة والنصف صباحاً أي أنني وصلت قبل معظم الباحثين والعاملين في المركز عدا المديرة والسكرتيرة التي رأتني غريباً فقالت أتريد مقابلة المديرة؟ قلت نعم إن كان وقتها يسمح بذلك فأوصلتني إلى مكتب المديرة فرايتاخ التي رحبت بحضوري وذكرت لي أننا نستطيع أن نتحدث الآن قبل بدء ورشة العمل التي دعيت لها وكانت تبدأ على العاشرة تماماً.

      وصولي مبكراً كان مفيداً، وهكذا أحاول في سفري أن أنطلق إلى الموعد قبل ساعة أو ساعتين حتى إذا حدث أن ضعت وجدت الوقت لتصحيح الخطأ وقد أجد فوائد من الحضور مبكراً.

اللقاء مع فرايتاخ كان مثمراً حيث تحدثت معها عن قضايا التعاون العلمي والثقافي مع مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، واتفقنا على عدة أمور لتعزيز التعاون العلمي. وفي أثناء الحديث ذكرت لها أنني رأيت إعلاناً لمركز الدراسات البريطانية ولدي رغبة لزيارته، قالت أتصل لك بهم فزوجي يعمل هناك، وبالفعل رتبت لي موعداً على الساعة الرابعة عصراً.

وعلى الساعة العاشرة بدأت ورشة العمل العلمية المعنونة بـ "التاريخ الاجتماعي للشرق الأدنى خلال عصر الدولة العثمانية" وشارك فيها عدد من الباحثين من جامعة برلين الحرة، ومن مركز الدراسات الشرقية الحديثة (برلين) وبشارة دوماني من جامعة كاليفورنيا، كما شارك فيها باحثون ينتسبون لجامعات أخرى. وبدأت ورشة العمل. وكان الحديث عن الوثائق العثمانية وبخاصة سجلات المحاكم، والقضايا التي يرفعها بعض أفراد الأسرة ضد بعضهم، وكذلك الوثائق الخاصة بالأفراد. وكيف يتصرف الناس أمام المحكمة وكيف هم في حياتهم العادية. وتحدث كل واحد منهم عن البحث الذي يقوم به. وكان في بداية الجلسة تعارف حيث قدم كل شخص نفسه والجهة التي ينتمي إليها واهتماماته العلمية. وذكرت اهتمامي بالاستشراق الذي أرى ضرورة تحويله إلى الاهتمام بالغرب. فما كان من إحدى الباحثات في علم الإنسان إلاّ أن قالت " من الضروري أن تقومون بدراسات حولنا، وحبذا لو كان عندك طلاب ليأتوا إلى ألمانيا لدراسة المجتمع الألماني وثقافته وعقائده وغير ذلك.

انطلقت بعد الندوة لأذهب لموعدي مع مدير مركز الدراسات البريطانية. ووصلت قبل الموعد بقليل وبحثت عن الغرفة. وكان اللقاء مثمراً حيث أمطرتهم بأسئلة عن البرنامج، وعن الطلاب والمناهج والنشاطات والمطبوعات ونوعية الطلاب والتدريب العملي الذي يتلقاه الطلاب، كما أكدوا لي أن زيارتي لو كانت مرتبة من قبل لأطلعوني على المحاضرات وعلى تفاصيل المناهج من الأساتذة حيث كان لديهم عطلة في تلك الأيام.
    وقدموا لي كتيباً عن العشر سنوات الأولى من حياة المركز. ويهمني أن أقدم هذه المعلومات لعل عين مسؤول تقع عليها فيسعى إلى تطبيق الفكرة، فهذا المركز أنشئ بعد انهيار جدار برلين حيث أسهم مكتب العلاقات البريطاني حيث كانت لبريطانيا قوات عسكرية في تلك المنطقة (لحماية برلين الغربية من الشيوعية)

افتتح المركز في يونيه 1995م بحضور السفير البريطاني وحاكم مقاطعة بريلن، وقد كان للملكة البريطانية كلمة في أثناء زيارتها الرسمية لألمانيا عام 1992م تشجع قيام مثل هذا المركز، كما زار ولي العهد البريطاني المركز في السنة التي افتتح فيها. والمركز مرتبط بجامعة هبمولت Humboldt . أما مجلس أمناء المركز فيتكون من عشرة أعضاء بعضهم أساتذة جامعات والبعض الآخر مسؤولين في القطاع السياسي والاقتصادي البريطاني والألماني ورئيس مجلس الأمناء هو السير بول ليفر Sir Paul Lever KCMG ومن الأعضاء رئيس المجلس الثقافي البريطاني في ألمانيا مايكال بيرد Michael Bird

والمركز يقدم برنامج ماجستير في الدراسات البريطانية تتضمن دراسة منهجية مدتها سنة، ثم فترة تدريبية في مؤسسة بريطانية (مثل هيئة الإذاعة البريطانية، أو الخارجية البريطانية أو مجلس النواب ومجلس اللوردات أو الغرف التجارية البريطانية، وغيرها من المؤسسات. ويقبل الطلاب من أي تخصص كان فلا مانع أن يكون الطالب متخصصاً في الهندسة أو الكيمياء أو الطب أو الفيزياء فالمهم أنه يريد أن يعرف بريطانيا أكثر ، أو يطمح للعمل في بريطانيا فحين يتقدم لوظيفة هناك ومعه درجة علمية في هذا التخصص يكون ذلك أدعى لقبوله.

ويبلغ عدد الطلاب الحالي خمسة وعشرون طالباً، رغم أن عدد المتقدمين للبرنامج أكثر من مائة وعشرين طالباً، لقد أصبح للبرنامج سمعة علمية كبيرة. لذلك فشروط القبول ليست سهلة من ناحية القدرات العلمية والعقلية. والطلاب ينتمون إلى دول عديدة منها الولايات المتحدة الأمريكية وأوكرانيا والفلبين والبوسنة وكندا وفرنسا وبلغاريا وبولندا وروسيا وكرواتيا والصرب وألمانيا والصين. وليس بينهم أحد من العرب وربما كان البوسنيون مسلمين.

ويذكر التقرير السنوي لعام 2005م نشاطات أعضاء هيئة التدريس والمؤتمرات التي حضروها واللجان التي شاركوا فيها والكتب والمقالات والبحوث التي نشروها.فمن هذه النشاطات على سبيل المثال ترؤس البروفيسور دانمان Dannemann الاجتماع السنوي للرابطة الألمانية للدراسات البريطانية لدراسة التاريخ والسياسة وكان عنوان اللقاء: "تحديث بريطانيا: تأثير حرب العمال الجديد"

وللمركز ندوة سنوية تصدر بحوثها في كتاب وقد أهديت أربعاً منها وعناوينها كالآتي:
1-
الثقافات البرلمانية: وجهات النظر البريطانية والألمانية.
2-
مستقبل دولة الرعاية

3-مناظرة حول الإعلام: وجهات النظر البريطانية والألمانية

5-    قانون الجمعيات الخيرية والتغيير: وجهات النظر البريطانية والألمانية.

وكانت رحلة العودة من برلين إلى المملكة تنطلق الساعة السابعة وأربعين دقيقة، فقد اضطررت إلى الخروج مبكراً وكان سائق سيارة الأجرة رجلاً عجوزاً يسير ببطء حتى إن بعض الإشارات تصبح حمراء قبل وصولنا إليها بوقت قصير، فقلت أهو عيب في الإشارات كما عندنا هي دائماً حمراء أي ليس لها نظام تسير عليه أو أن السائق يتعمد السير ببطء حتى تزداد الأجرة. لا أدري. وبالرغم من وصولي مبكراً فقد كان هناك عدد من الرحلات قبل رحلتي وحاولت أن أسافر قبل الموعد حتى لا أحتاج إلى الركض في مطار فرانكفورت، ولكن قيل لي إن جميع الرحلات مملوءة بالكامل. وهذا عجيب رغم أن اليوم كان أربعاء فهو ليس عطلة نهاية الأسبوع ، ولكن ربما كان عندهم موسم لا أعرفه.
     وتأخر إقلاع الرحلة ووصلت فرانكفورت ولم يكن باقياً على موعد الرحلة إلى الرياض سوى عشرة دقائق فاضطررت إلى السير بسرعة حتى إذا وصلت مكتب الخطوط الألمانية قالوا لي إن الرحلة تأجلت ربع ساعة. وبعد ذلك عرفت أن الطائرة تأخرت بسبب الركاب القادمين من مدن ألمانية أخرى أو من خارج ألمانيا.

ماذا أفدت من هذه الرحلة وما فيها من متع ومشاق:

أولاً: زرت أربع مدن في أقل من عشرة أيام حيث زرت بيزا وبرجها المائل، ومونتي كاتيني وفلورنسا وبرلين ( الشرقية والغربية)

ثاينا: اطلعت على النشاطات الاستشراقية في كل من إيطاليا وألمانيا، وتعجبت لماذا ينفق الغرب كل تلك الأموال لدراستنا، ويستضيف باحثين عرب ومسلمين ليقدموا دراسات وبحوث عن بلادهم

ثالثا: المدن مثل الأحياء، بعضها للفقراء المساكين وبعضها للأثرياء المترفين، فبيزا مسكينة بينما مونتي كاتيني للأثرياء المترفين.

رابعاً: أسست لصلات علمية أرجو أن تستمر ويكون فيها فرصة لتقديم معلومات عن الإسلام وشريعته إلى الغربيين وتقديم وجهة نطر لا يسمعونها عادة، حيث إن معظم من التقيت هم من المتأثرين بالفكر الغربي.



1-  تأسس المعهد الجامعي الأوروبي عام 1976م من قبل الدول الأوروبية الأعضاء في الاتحاد الأوروبي حينذاك، وهو معد لأعداد طلاب الدكتوراه والبحوث في أعلى مستواها، ولديهم الآن مائة وخمسين طالباً يعدون لدرجة الدكتوراه. ومن فروع المعهد مركز روبرت شومان للدراسات المتقدمة Robert Schuman ويرأسه هلن ولاسHellen Wallace وهذا المركز مخصص للباحثين فيما بعد الدكتوراه. وقد تأسس المركز عام 1992م. ومن أقسام المركز القانون، والاقتصاد والتاريخ والحضارة والعلوم السياسية والاجتماعية. ويعمل فيه أساتذة متفرغون وأساتذة يعملون بتفرغ جزئي. ولدى المركز مشروعات بتمويل من اللجنة الأوروبية منها عن نماذج جديدة للحكومات، والمواطنة والديموقراطية في أوروبا، وبحوث أخرى حول أوربا الشرقية والقيم الاجتماعية والسياسية في ثمانية عشرة دولة من دول الاتحاد وجنوب شرق آسيا.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية