الجزء الثاني من لقاء المستقلة


و           أواصل الحديث عن الفرق بين الاستشراق الفرنسي والإنجليزي؛ ففرنسا كانت أصرح ومن ذلك أنها كانت تصر على عدم التصريح أو السماح للجزائريين بفتح المدارس كما كانت تمارس مضايقة العلماء وتسعى بشتى الوسائل في فرض الفرنسة وهذا ما أكده الدكتور أحمد بن نعمان حين ذكر في لقاء في قناة إقرأ أن ديجول الذي ينسب إليه أنه أعطى الجزائر الاستقلال أخذ أكثر من ثلاثين ألف من شباب الجزائر عشية الاستقلال ليتعلموا في فرنسا..حتى إذا عاد الاستقلال إلى الجزائر ..عاد معه هؤلاء العدد الضخم الذي تعلم في فرنسا ..وأصبحت لهم السيطرة على البلاد كما نشاهد هذه الأيام.

بالإضافة إلى الجنرالات..

-   الجنرالات أيضا تخرجوا من الأكاديميات الفرنسية، ويحكمون الشعب الجزائري ظاهرا بعقلية جزائرية وباطنا بعقلية استعمارية.

-    ننتقلا الآن إلى كتابك الذي كتبته عن عبد الحميد بن باديس ..العالم الرباني والزعيم السياسي .فلماذا اخترت هذا العالم بالذات؟

-   عندما درست جمعية العلماء المسلمين الجزائرية كان لا بد أن أتعرف إلى شخصية رئيس الجمعية ولد هذا الرجل سنة 1307هـ 1889م وبعد أن حفظ القرآن في سن الثالثة عشر انطلق إلى تونس ليدرس في الزيتونة، وبعد أن أنهى دراسته في الزيتونة ذهب إلى المدينة المنورة، وعاش هناك ثلاثة أشهر لتلقي العلم، وكان اللقاء بينه وبين الإبراهيمي .. شخصية ابن باديس شخصية كما يقولون (كارزمية ) ..لها تأثير عجيب جدا ..يعني هذا الرجل الذي أنا وصفته بدقة الحجم وصغره ..حتى أتخيل فيه ملامح دقة ساقي عبد لله بن مسعود رضي الله عنه

-        رضي الله عنه ..

-   هذا الرجل هو الذي دق مسامير نعش فرنسا في الجزائر يعني حتى عندما يقولون كيف تحررت الجزائر من فرنسا..فلا بد من العودة إلى شخصية الشيخ عبد الحميد بن باديس الرجل الذي كان يعمل ليل نهار كان لديه طاقة غير عادية، ومن شده إخلاصه للجزائر يم يستطع أن يكون زوجاً، ويعيش حياة زوجية عادية مثل بقية الناس ..تزوج وبعد قليل طلق زوجته ..وعاش للدعوة كان يعيش في غرفة صغيرة فوق الجامع الأخضر..ويعطي من الدروس خمسة عشر درسا يوميا وكان يقوم برحلات حول الجزائر حتى إنه زار الجزائر من أقصاها إلى أقصاها: يتصل بالناس ويحاضر ويدرس، ويقود وينظم..ثم عندما تقرأ ما كتبه وما جمع من كتاباته ..في مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير .. ومجالس التذكير من كلام البشير النذير تجد ثروة رائعة من العلم والمعرفة الإضافة إلى الجهاد العجيب ..في محاربة الاستعمار، إنه كان يقلق فرنسا حقيقة.

-   يعني يمكن أن نقول أنه اقتدى بالإمامين أحمد بن حنبل وابن تيمية رحمهما الله ..طبعا هما المعروف لم يتزوجا ولم يتفرغا للعائلة –الإمام ابن تيمية رحمه الله لا خلاف أنه لم يتزوج أم الإمام أحمد بن حنبل فقد كان له ولد فكان يكنى بأكبر أبنائه صالح واشتهر ابنه عبد الله الذي كتب المسند عن أبيه -..ولا لهذه الأمور ..لأن القضايا الكبرى فعلا تتطلب كافة الوقت بالنسبة لحياة الإنسان..قضية الاستشراق ..أنت بعد ذلك ركزت على الاستشراق بشكل كبير .. مصطلح الاستشراق هو مصطلح عائم ..حقيقة هذا المصطلح يعني مثل مصطلح الاستعمار..كلمة استعمار جاية من التعمير ..بينما الاستعمار الاحتلال هو للتخريب وليس للتعمير ..فقضية الاستشراق قضية هذا المصطلح ..أنا أجد أن فيه خلط كبير ..حينما نقول المستشرق الروسي.. طيب هذا لم يستشرق باتجاه الشرق وإنما اتجه جنوبا ..أو المستشرق الياباني الذي يتجه غربا ..إذا كلمة استشراق بحد ذاتها ليست دقيقة من حيث المصطلح، هنالك من استخدم مصطلح المستعربين ..إذا كان يبحث في الشؤون العربية فيمكن أن نقول مستعرب، لكن ماذا نقول عمن يبحث في الشئون الإسلامية هل نقول متأسلم بيما هو يسعى لتدمير الإسلام ..يعني الحقيقة أنا أجد أنه لا زال لدينا أزمة في المصطلحات، أيضا لأن هذه المصطلحات أيضا لم نصنعها نحن ..وإنما صنعت في الخارج ثم صدرت إلينا ..ورددت عندنا ..قضية الاستشراق هنالك كتاب لأحد المشايخ في دمشق ..يقول :أجنحة المكر الثلاثة

هو الشيخ عبد الرحمن بن حبنكة الميداني

-   يقول الاستعمار والاستشراق والتبشير ..فما هي العلاقة الحقيقية بين الاستشراق والتبشير والاستعمار ؟..أو الاستخراب أنا أسميه أفضل ..

-   نبدأ أولا بكلمة استشراق، العجيب أن الكتابات كثيرة التي تبدأ بتعريف الاستشراق ..تبدأ من الناحية اللغوية .استشرق الألف والسين والتاء طلب علوم الشرق ..

-        الأحرف الزائدة

-   الأحرف الزائدة، لكن الحقيقة أن كلمة استشراق في أصلها اللغوي .. في المعاجم الأوربية ..كما بحث فيها الدكتور السيد محمد الشاهد بأنها تعني المعرفة، والنور والضياء فالشرق هو منبع النور والضياء، والهداية والعلم

-        والرسالات السماوية ..

-   والرسالات السماوية ..فلذلك عندما بدأ الأوروبيون نهضتهم..من أين يأتوا بالمعرفة والعلم؟ كان لا بد أن يتجهوا إلى العالم الإسلامي ..ليطلبوا النور والهداية .. ولذلك الكلمة (orient) (orientate) و (orientation) تعني الموظف عندما يبدأ في وظيفة جديدة يعطى دورة أو تدريب على التعلم أو فهم الشيء ..فالاستشراق في أصله هو محاولة المعرفة والفهم والاستنارة ..كما هو الإشراق والإغراب أو الشروق مقابل الغروب ..والضياء مقابل الظلام ..فهذا هو أصل كلمة استشراق ..لكن بعد ذلك أدخلوا فيها ناحية التعريف اللغوي ..و متى دخلت في قاموس لاروس ..في القرن الثامن عشر ..إنما الأصل طلب الغربيين للنور والهداية والمعرفة والعلم من العالم الإسلامي، وعندما ترى أن النهضة الأوربية قامت على ترجمة تراث الأمة الإسلامية في جميع العلوم ..حتى إنهم في بعض العلوم سرقوا بعض الإنجازات العلمية العربية عندما ترجموها ونسبوها إلى أنفسهم..مثل اكتشاف دورة الدم لابن النفيس.

-        وكروية الأرض ..

-   وغيرها من المعارف، فهذا بالنسبة للمصطلح ..الأمر الآخر هناك تعريفات أخرى للاستشراق ..كتبها أو ذكرها إدوارد سعيد في كتابه المشهور الاستشراق سنة 1978م..وربط فيها بين لعلم والمعرفة والهيمنة والسيطرة،أو تمثيل الآخر، ثم هناك تعريف للدكتور أحمد عبد الحميد غراب يحدد فيه أن الاستشراق هو بحوث ودراسات يقوم بها أكاديميون نصارى من أهل الكتاب (يهود ونصارى) بهدف كذا وكذا، والاستشراق مصطلح الأوربيون رفضوه عام 1973م في المؤتمر الدولي للجمعية العالمية للاستشراق ..الذي عقد في باريس وكان بمناسبة مرور مائة سنة على بداية هذه المؤتمرات، رفضوا كلمة استشراق وبدأوا يستخدمون ألفاظاً أخرى ومنها العلوم الإنسانية حول العالم الإسلامي ..دراسات الشرق الأوسط، الدراسات الإقليمية، وغيرها من المصطلحات ..لكن الأصل في الاستشراق هو ارتباط دراسة اللغة العربية واللغات الإسلامية ,,كالأوردو والتركية والفارسية ..ودراسة فقه اللغة ..الشخص ينطلق من معرفة اللغة إلى البحث في كل شيء يخص الإسلام والمسلمين ..الآن يعني هناك من يرفض مصطلح الاستشراق وهم بخاصة الدول الغربية بريطانيا وأمريكا ..وبعض الباحثين الغربيين في ألمانيا وغيرها من الدول ..لكن هذا المصطلح موجود في روسيا، وفي ألمانيا ثمة جمعية استشراقية أيضاً

-   فما الاستشراق ..ما أهداف الاستشراق؟ هي دراسات حول العالم الإسلامي ..سواء قام بها روسي أو حتى قام بها صيني ..الآن عندك دراسات الشرق الوسط في الصين ..ودراسات للشرق الوسط والعالم الإسلامي في اليابان ..

-        حتى الاتحاد السوفيتي السابق كانت فيه جمعية المستشرقين السوفيت ..وكانت ضخمة جدا ..

-        والجمعية الأمريكية للمستشرقين.

-   ترجمت كتب كثيرة في كافة المجالات ..يعني هنالك يعني كلمة استشراق حينما نقول اتجاه الشرق أنا أرى أيضا أن هذا الشيء لا يعبر بشكل دقيق لأن قنوات الاتصال بين العالم العربي والإسلامي ..وأوربا التي بدأت في وقت مبكر ..كانت إما عبر الأندلس بواسطة هذا الجيل الذي تخرج من المهجنين..الذين كانوا يتقنون اللغة العربية ويتقنون اللغات المحلية وكانوا عبارة عن صلة وصل مابين الثقافة العربية في الأندلس ومابين الثقافات الأوربية .. أيضا مدارس الأندلس لعبت دورا أساسيا في تعليم الأوربيين..والكتب التي يهتم بها الأوربيون وترجموها إلى اللاتينية..بالإضافة كانت هناك قضية الحرب الصليبية ..أثناء الحملات الصليبية كانت هناك قنوات اتصال ..بدأت مثلا في فرسان القديس يوحنا فرسان مالطا ..هذه المنظمة التي بدأت كمنظمة صحية ولكن في الحقيقة كانت تضم أيضا مستشرقين .. كانوا يبحثون بكل شيء وكانوا يرسمون الخرائط ويدرسون المجتمع، ويتسللون تحت مسميات مستشفيات (hospitals)، وكان هناك في مرحلة لاحقة قضية صقلية،  التي شكلت أيضا عبارة عن صلة وصل، .يعني لا نستطيع نحن أن نقول الاستشراق بدأ في القرن كذا .. واستمر في قرن كذا ورفض في قرن كذا ..وإنما هو الحقيقة عبارة عن اتصال بين الأمم بشكل سابق وبشكل لاحق وبشكل مستمر.. وهنالك نقطتان نقطة أهداف الاستشراق ونقطة مناهج البحث .. أنا لا أرى أي خطورة في مناهج البحث ..التي يمكن أن نستفيد منها واستفدنا منها أيضا..لكن قضية الأهداف لا تتطابق مع مناهج البحث .. فما رأيك في قضية الفصل بين أهداف الاستشراق و بين مناهج بحث الاستشراق.

-   أولا الاستشراق بدأ بقرارات بابوية ..يعني الذي دعا أوربا إلى الاهتمام بالعالم الإسلامي ..وبترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة اللاتينية وبعد ذلك للغات الأوربية المختلفة ..كان بقرارات بابوية، وأيضا كان هناك قرار بابوي في القرن الثالث عشر بإنشاء ست كراسي لدراسة اللغة العربية، في باريس ولندن وروما وسالونيكا وباليرمو ..والمهم إنه كان هناك توجيه كنسي للاهتمام بالعالم الإسلامي..ولأن الكنيسة رأت ما كان تحت يديها من بلاد نصرانية.. أوكانت نصرانية كالشام ومصر وشمال أفريقيا قدأصبح منطقة مسلمة فكان لا بد أن يعرفوا ..فهي مراحل:

المرحلة الأولى: دعوة من الكنيسة لدراسة العالم الإسلامي، ودراسة النصوص الإسلامية، ومحاولة مجادلة المسلمين وتشويه صورة الإسلام في نظر الأوربيين حتى لا ينجذبوا لهذا الدين الذي اكتسح الممالك النصرانية، صحيح أن بعض القرارات البابوية لم تنفذ مباشرة.. يعني في بريطانيا في سنة 1632م أنشئ كرسي الدراسات العربية في جامعة كمبريدج وفي سنة 1636م في جامعة أكسفورد، ولم تصبح الدراسة العربية والإسلامية أو الدراسة عن العالم العربي والإسلامي دراسات منهجية لها أقسامها إلا في آخر القرن الثامن عشر .. عندما أنشئ في باريس في سنة 1795م معهد دراسة اللغات الشرقية الحية ..والذي ترأسه المستشرق سيلفستر دو ساسي، الأصل أن الاستشراق نشأ في أحضان الكنيسة .. وبالتركيز على الجانب الديني في مواجهة هذا الدين المنطلق بسرعة ..الذي اكتسح أوروبا ..ثم إنه لما فشلت الحملات الصليبية..رأى هؤلاء أن هذا الدين لا يقاوم ولا بد إذا من معرفته والاستمرار في دراسته ..ثم جاءت مرحلة الاستعمار والمرحلة الاقتصادية وحتى الوقت الحاضر ..

-   هذا بالنسبة للكنيسة الكاثوليكية التي تتخذ من روما مركزا لها ولكن الكنيسة الأرثوذكسية لها تجربة سابقة على ذلك ..قضية الجدال الذي كان يحصل بين المسلمين وبين المسيحيين الأرثوذكس بالنسبة لزمن القياصرة الذين كانوا يتخذون من بيزنطة أي القسطنطينية أو إسطنبول مركزا لهم ..فقد حفظت لنا في كتب التراث الكثير من المناظرات التي حصلت بين الإمام الباقلاني الذي كان يرسله العباسيون ليناقش الروم حتى في أماكنهم وهنالك أشياء مشهورة حول ذلك فقضية الجدل والنقاش كان موجود ومستمر من قبل تلك الفترة .. لكن قضية القرار الذي جاء بعد ذلك بالنسبة لروما ..هو قرار لاحق لما سبقه وبالتأكيد له خطة ومناهج مختلفة هما كان سابقا ..بعد هذا النقاش في قضية الاستشراق وأهداف الاستشراق ماذا يقابل هذا الاستشراق ..يعني لدينا الآن قسم كبير يصفون أنفسهم بأنهم من المتنورين..باعتبارهم درسوا مثلا في الغرب ..   ونجد أن البعض منهم قد انسلخ عن مجتمعه.. يعني وبشكل أدق ما يطلق على المستشرقين يعني هؤلاء المستشرقون يخدمون بلادهم ..بكافة تحركاتهم الظاهرة والباطنة، المعلنة وغير المعلنة ..لكن المقابل من الجهة الثانية ..يهيء من أبناء المسلمين ومن أبناء العرب الذين يغرّبون أنا أرى أنهم يتغربون عن مجتمعهم ولا يخدمون المجتمع الذي ابتعثهم، وإنما يتم توظيف هؤلاء سواء علموا أم لم يعلموا لخدمة الاستشراق فما رأيك بهذا الطرح الذي بالطبع لم يسر بعض المتغربين

-        المغرّبين أو المستغربين ..

-   أود أولا أن أشير إلى كتاب الشيخ محمود شاكر رحمه الله (رسالة في الطريق إلى ثقافتنا) ..مقدمة كتابه عن المتنبي .. في هذا الكتاب الرائع تناول قضية البعثات من مصر إلى فرنسا يعني الشيخ رفاعة وما بعده ..

-   نعم ، الشيخ محمود شاكر يقول : أن نابليون عندما غادر مصر ..طلب من نائبه أن يرسل له خمسمائة من المشائخ والنبلاء المصريين .. ليعيشوا في فرنسا بعض الوقت ..سنة أو سنتين فإذا عادوا إلى مصر كانوا عونا لفرنسا ضد بلادهم ..لم يتيسر لنائب نابليون أن يرسل خمسمائة من المشائخ فجاء محمد علي باشا سرششمة لا أدري معنى الكلمة!! ..

-        هاهاها

-   هي مذكورة في كتاب محمود شاكر ..وكان هذا القائد الذي يصفه أو وصفه محمود شاكر ..بأنه كان استغلالي كان يعير أذنيه للقناصل الأجانب..أو كان خاضعا لمشورتهم ..فأشاروا عليه بإرسال مجموعة من أبناء المصريين إلى فرنسا ..والشيخ محمد الصباغ أيضا له كتيب صغير الابتعاث ومخاطره ..قال لماذا كل هذه البعثات إلى فرنسا بعد الثورة الفرنسية ..يقول لأن فرنسا كانت قد خرجت من سيطرة على الكنيسة، وبدأ فيها شيء من الانحلال الأخلاقي ..ورفض الدين، فجاءت البعثات من مصر، ومن إيران ومن تركيا ومن المغرب العربي يقول محمود شاكر:  هؤلاء عندما ذهبوا إلى فرنسا كان هناك مشرفا فرنسيا عليهم .. الأمر نفسه ينطبق على المبتعثين من المغرب ومن تركيا ومن إيران ..حتى أن برنارد لويس يسخر من الأتراك الذين كانوا يعلمون الدنيا وكانوا يحكمون العالم ولكن على الرغم من هذه الكبرياء أصبحوا تلامذة عند أعدائهم الكفار كما يقول ..

-        طبعا هذا كلام برنارد لويس

-   ويقول أيضاً: وهؤلاء المدربون الذين جاءوا لتعليم الأتراك أشرف المهن وهي الحربية كما يقول ..لم يأتوا فقط لتعليم الحربية وإنما جاءوا معهم بكتب فولتير وموليير وغيرها من الأدب الفرنسي. 

-   إذا كان مقصودا من البعثات أن يغرب عدد من أبناء الأمة ليكونوا شوكة في ظهرها وجمال الدين الأفغاني يقول في كتاب العروة الوثقى أن هؤلاء شكلوا قوة للإدخال الغرب إلى بلادنا .. القضية خطيرة ..محمد المنوني أيضا في كتابه يقظة المغرب العربي الحديث ..عن عدد من المبتعثين أنهم بعد أن أنهوا دراستهم طلب المشرف عليهم أن يبقوا مدة من الوقت ليتشبعوا بحضارة فرنسا ..يتشبعوا  بالرقص يتشبعوا بأشياء أخرى التي سماها الطهطاوي الشلبنة وغيرها.

-   طبعا الشيخ رفاعة له مقال يمدح الرقص الفرنسي ويمدح أريحية الشاب الفرنسي الذي يعانق الفتاة على المسرح وإلى آخره ..يعني هذا شيء.. لكن هنا أنا أحب أن أوضح شيئاُ أن محمد علي باشا لم يكن باشا إطلاقا وإنما جاء من أسرة من الأناضول من قرب قونيا وجاءت هذه الأسرة مع عمه طوسون الذي استلم وظيفة متسلم في مدينة قولة التي هي الآن في اليونان ولذلك الأتراك يسمون قوللّي ..وهناك  ارتكب عمّه خيانة عظمى ويرجح أنها التعامل مع الدول الأجنبية ..فتم استدعاؤه إلى اسطنبول وأعدم هناك، وهو فيما بعد جاء مع الباشبزق الذين أرسلوهم .. يعني عبارة عن ميليشيا لمقاومة الحملة الفرنسية ولم يشاركوا ولا في معركة ..ومن هناك هو دخل في السلك الفرنسي بشكل سري وتآمر على الثورة المصرية وعلى رأسها الشيخ عمر مكرم ..الذي ذاق الأمرين على يد محمد علي باشا .. و الأسباب محمد علي باشا كان من أتباع الطريقة البكتاشية ولم يكن من المسلمين السنة، وهنالك بحوث عنه أنه ارتكب  العديد من المجازر في السودان وفي جزيرة العرب وفي سورية في الأناضول، يعني كان حتى حربا على المسلمين، كان أعنف بعشرات المرات من الحملة الفرنسية .. ودمر في بلاد المسلمين أكثر بكثير مما أحدثه الفرنسيون أو غيرهم من الأوربيين ..ولذلك يعني هنا هذه لمجرد التوضيح ..وبعد ذلك طبعا دخل في الأزهر وسلم رئاسة الأزهر للشيخ حسن العطار وما أدراك ما حسن العطار يعني ..يعني هو أسوأ من أي مستشرق في العالم ..

-   والحقيقة كان هناك جانب آخر لمسألة الابتعاث ..يعني بالإضافة للذين ابتعثوا ..أنشئت المدارس والجامعات والمعاهد الغربية في البلاد الإسلامية ؛ مثل الكلية الأمريكية التي أنشئت في تركيا في إزمير ثم انتقلت إلى بيروت، ثم أنشئت الجامعة الأمريكية في بيروت ..والجامعة الأمريكية في القاهرة ..

-        والجامعة الأمريكية في أنقرة ..

-   أنشأت جامعات أمريكية وأجنبية وهناك تنافس حتى بين الأوربيين أنشأت جامعة ألمانية في مصر ..والمفرنسون أو الذين يميلون إلى الثقافة الفرنسية يريدون أن ينشئوا جامعة فرنسية في مصر وغير ذلك ..وكلية فيكتوريا التي امتدحها كرومر ..ونشأ فيها عدد كبير من أبناء المسلمين من وقت مبكر ..فهذا أيضا جانب آخر من جانب الذين تغربوا ..لكن سنأتي إلى مصطلح آخر غير التغريب وهو الاستغراب وهو موضوع آخر ..

-        لديك كتاب بحوث في الاستشراق الأمريكي ..فلماذا خصصت الاستشراق الأمريكي بهذا الكتاب ..

-   مع أن برنارد لويس الذي درست كتاباته .. عاش في بريطانيا ثم انتقل إلى أمريكا عام 1974م فكان لا بد من معرفة البلاد التي عاش فيها والاستشراق الأمريكي ..هو ما زال على قيد الحياة هو من مواليد 1916م وتجاوز الآن أظن وصل إلى التسعين ..عاش في أمريكا من سنة 1974م وأنا عندما ذهبت لمقابلته في أمريكا سنة 88 م 1408هـ فاهتمامي بالاستشراق الأمريكي هو استمرار لاهتمامي ببرنارد لويس ثم إن الاستشراق الأمريكي أو الدراسات العربية والإسلامية أو الدراسات الإقليمية في أمريكا.. هي من أقوى مجالات الدراسات الغربية في العالم الإسلامي في الوقت الحاضر ..فلذلك عندما زرت جامعة بريستون سنة 1988م أعددت محاضرة بعنوان من آفاق الاستشراق الأمريكي المعاصر ..ثم أضفت بحثين له، وهو ترجمة لبحث أو لدراسة حول الدراسات العربية والإسلامية في الجامعات الأمريكية وكندا ..وأيضا بحث آخر عن بعض ملامح الاستشراق الأمريكي المعاصر ..وهو مازال اهتمامي حتى الوقت الحاضر ..ولي فيه بعض البحوث الأخرى غير ما في هذا الكتاب..

-   نرحب بكم مشاهدينا الكرام من جديد ونتابع النقاش مع الدكتور مازن مطبقاني حول الاستشراق وغير ذلك من المواضيع ..التي اهتم بها كمؤرخ وككاتب و إذاعي وكاتب صحفي .. لديك كتاب: (أثر المملكة العربية السعودية الرائد في الاهتمام بالدراسات الاستشراقية في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز يرحمه الله) ما هو الأثر الحقيقي؟ هل هناك فارق ما بين تأثير المملكة العربية السعودية وغيرها من الدول العربية والإسلامية؟

-         أنا شهادتي مجروحة إلى حد ما لكن

-        الإنسان عندما يكون موضوعياً فما يكون هناك جرح شهادته.

-   لكن للإنصاف المملكة العربية السعودية لها دور رائد في الاهتمام بالدراسات الغربية حول العالم الإسلامي..ففي عام 1401هـ 1981م أنشئت وحدة دراسات الاستشراق والتنصير في عمادة البحث العلمي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض ..وفي 1403هـ انتقلوا إلى إنشاء قسم الاستشراق وهذا القسم الوحيد الفريد في العالم الإسلامي الذي يعطي الماجستير والدكتوراه في مجال دراسة الغربيين للإسلام دراسة المستشرقين لما كتبوه عن الإسلام والمسلمين ..وبرنامج الماجستير كان من سنتين يكون بعده رسالة وأنجزت في هذا القسم أكثر من أربعين رسالة ماجستير حول قضايا مختلفة في الاستشراق والتنصير وأكثر من عشرة أو خمسة عشر رسالة دكتوراه، ثم إن الاهتمام بالاستشراق في المملكة العربية السعودية لم يقتصر على هذا القسم وهو قسم رائد جدا ومهم جدا لولا أن ظروف انتقاله إلى جامعة طيبة حاليا وأرجو أن تتاح الفرصة لإعادة تنشيط هذا القسم من جديد وأن يكون فيه كادر .. وأن يكون اختيار الطلاب على مستوى عالي من القدرات العقلية واللغوية ..ثم هناك اهتمامات بالاستشراق في المملكة العربية السعودية من خلال ندوات الجنادرية التي خصصت أكثر من حلقة منها للعلاقة بين الإسلام والغرب ..وأيضا مكتبة الملك عبد العزيز لها ندوات سنوية في حوار الحضارات .. ثم إنه ظهر عدد من الباحثين في المملكة العربية السعودية كتبوا عن الاستشراق .. لكن  هذا القسم وهذا الاهتمام لم يتوفر اهتمام مثله في دولة أخرى حتى أنه أحد الطلاب في جامعة الأزهر في المنصورة اسمه إبراهيم السباعي أعد رسالة ماجستير عن جهود علماء المسلمين المعاصرين في مواجهة الاستشراق ..وخص المملكة العربية السعودية بمساحة كبيرة من رسالته ..فأنا إحقاقا أو تنبيها لهذا الاهتمام العلمي الموضوعي، أيضا لفت انتباهي أنه أحد الباحثين البريطاني، زار المملكة ودخل إحدى المكتبات وقال يوجد (موضة) الاهتمام بالاستشراق فالكتب المهتمة بالاستشراق موجودة بجوار الكتب عن الأفكار الهدامة والمذاهب الهدامة ..فسمى المسألة (موضة) فريد هاليداي في أحد كتبه، وهذه من عيوب المنهجية بعض الغربيين في منهجيتهم إنه فقط زار المكتبة ولم يبحث هل في السعودية من اهتم بالاستشراق أو بالدراسات الغربية للإسلام اهتماما علميا فقال هذه (موضة) فأنا أردت أن أجيب أن المسألة ليست (موضة) وهناك رسائل ماجستير ودكتوراه تناولت قضايا أساسية في اهتمامات المستشرقين ..مثل عدد من الرسائل عن دائرة المعارف الإسلامية .. عدد من الرسائل عن مستشرقين معينين فلذلك أعددت هذا الكتاب.

-   أصلا دائرة المعارف الإسلامية من أخطر ما أنتجه المستشرقون ولا سيما ما ترجم منها بشكل حرفي دون تمحيص ..حيث هناك الكثير من المواد التي لا تخلو من التحامل على العرب وعلى المسلمين ..

-   ونحن الآن فعلا بحاجة ماسة إلى دائرة معارف إسلامية ..في تركيا يعدون دائرة معارف إسلامية جديدة صدر منها بحدود ثلاثة وثلاثين مجلد وهي مستمرة وستكتمل وبالألوان وإلى آخره وطبعا فيها الكثير من المعلومات التي تناقض إلى أبعد الحدود دائرة المعارف الإسلامية التي صدرت عن المستشرقين ..فالعالم الإسلامي الآن بحاجة ..خصوصا العرب لا يوجد عندنا دائرة معارف إسلامية حقيقية ولذلك نجد أن من يبحث أحيانا عن أي قضية في الإسلام لا يجد له مصدراً في متناول اليد .. دوائر المعارف تسهل هذه العملية ..

-   مفتاح لكن يقدم لك المعلومة بأقصر الطرق.. هذا غير متوفر ولذلك تجد الآن عندنا في العالم العربي خصوصا ..أن هناك من يهرف بما لا يعرف ..وتجد حتى في أشياء يعني تصل لدرجة الفتوى غير المشروعة.

-   على كل الأحوال أنت كتبت كتاب حول العالم الإسلامي في دراسات معاهد البحوث ..والدراسات في واشنطن عفوا الأميركية كيف وجدت هذه الدراسات ؟

-   كنت بدأت أعد بحثا قصيرا لتقديمه في أحد المؤتمرات عن العالم الإسلامي في معاهد البحوث ومراكز البحوث والأقسام العلمية في واشنطن  ..

-        يعني كيف كانوا يتناولون العالم الإسلامي ؟

-   لفت اهتمامي أو انتباهي إلى أن واشنطن ينظر إليها كعاصمة سياسية..ولكنها في الحقيقة مليئة بمراكز البحوث ومراكز الـ(think tanks) التفكير والإعداد السياسي ..ومليئة بأقسام الدراسات العربية والإسلامية مثل جامعة جورج تاون وجون هوبكنز والجامعة الأمريكية وجامعة واشنطن جورج واشنطن أو جامعة واشنطن.

 

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية