مقالة أعجبتني عن الدراسات الإمريكية فمتى يُستجاب لهذه النداءات؟


مركز الدراسات الأمريكية

تقرير واشنطن  محمد المنشاوي

خلال زيارة قصيرة للقاهرة الأسبوع الماضي، جمعني نقاش مع مجموعة من الإعلاميين والأكاديميين، تأكدت من خلاله عدم وجود مراكز متخصصة في دراسة الشئون الأمريكية، ورغم تأكيد البعض أن هناك مركزين للدراسات الأمريكية، الأول في جامعة القاهرة والثاني في الجامعة الأمريكية، إلا أن المناقشة عدتهما في سجل الأموات نظرا لعدم وجود أي تأثير حقيقي لهما

      ويعد استمرار غياب وجود مراكز دراسات متخصصة في الشئون الأمريكية ظاهرة غامضة لا يمكن فهمها، كون ذلك يمثل فجوة خطيرة لا تصب في خدمة مصالحنا المباشرة، ولا يتفق مع مسعى الحكومة المصرية وتجمعات رجال الأعمال في علاقات أفضل مع واشنطن. ويعتبر غياب وجود فرق شابة من الباحثين المصريين، تنحصر مهمتهم الأساسية في التخصص فقط في الشئون الأمريكية، فراغاً استراتيجيا خطيراً ندفع ثمنه كل يوم. في الوقت نفسه تمتلئ واشنطن بمن يطلق عليهم صوابا أو خطأ خبراء وباحثين في الشئون المصرية والشرق أوسطية، يتمتعون بنفوذ كبير في تشكيل العلاقات المصرية الأمريكية بما يدرسونه ويقدمونه في صورة تقارير أو بدائل لسياسات تتعلق بالتعامل مع قضايا مصر والمنطقة لصانعي القرار الأمريكي، كما أنهم يساهمون في تشكيل فهم الشعب الأمريكي لقضايانا من خلال ظهورهم المتكرر في وسائل الإعلام الأمريكية. "جماعة عمل مصر" التي تعدها الحكومة المصرية عدوا لها داخل واشنطن، ما هي إلا مجموعة من الخبراء والباحثين (قليل منهم فقط متخصص في الشأن المصري)، إلا أنها تسبب الكثير من الصداع للعلاقات المصرية الأمريكية.

       هناك في الولايات المتحدة من درس "نظام اختيار العمد في صعيد مصر" ومنهم من درس "روايات الدكتور علاء الأسواني"، ومنهم من يدرس محاكم الأسرة المصرية"، ويراكم كل هذا معرفة حقيقية قوية بالشئون المصرية، أما نحن فقد اختزلنا معارفنا بالولايات المتحدة في محاولة فهم سياساتها في فلسطين والعراق وأفغانستان. لماذا لا توجد غرف تجارية مشتركة بين محافظة دمياط وولاية بنسلفانيا أو برامج تبادل أساتذة بين جامعة المنوفية وجامعة ولاية أوهايو!في وقت توجد الكثير من هذه النماذج من الاحتكاك والتواصل مع نظرائهم في إسرائيل.

        مركز أبحاث متخصص يضم عشرات الباحثين والمتخصصين في الشئون الأمريكية من المتفرغين، ممن يمكن تجميعهم من جهات عديدة على رأسها كلية الاقتصاد العلوم السياسية أو الجامعة الأمريكية، أو من بين آلاف المصريين ممن تلقوا تعليمهم هناك. يتفرغ هؤلاء الباحثون بعد أن يتم تقسيمهم للتخصص في عدد معين من الولايات الأمريكية الخمسين، ودراسة موضوعات أمريكية محددة من بين الأديان أو السينما والأقليات أو الكتاب أو الإعلام أو التكنولوجيا أو الكونجرس أو السينما . الخ.

         وينتظم هؤلاء الباحثون في عملهم البحثي بصفة يومية مستقرة ودائمة، ويحتكون بالولايات التي سيتخصصون فيها (نعم يجب أن يكون هناك متخصصين في ولاية كاليفورنيا أو ولاية أوكلاهوما!) ويتواصلون مع جامعاتها، ويتعرفون على وسائل الإعلام بها، وبأهم شركاتها ومؤسساتها وسياسيوها. ويتيح "مركز الدراسات الأمريكية المفترض" لباحثيه فرص السفر والمشاركة في برامج دراسات في جامعات تلك الولايات ومراكزها البحثية.

                 وبعد فترة قصيرة من الزمن (سنتين مثلا) يبدأ المركز في تقديم رؤى موضوعية وغير حكومية تتعرض للعديد من القضايا الهامة المصرية الأمريكية الغير مفهومة لنا، مثل قضية "اتفاقية التجارة الحرة" التي تريدها القاهرة وترفضها واشنطن، أو قضية "مستقبل العلاقات العسكرية بين الدولتين" أو "قضية التبادل البحثي والأكاديمي". وهناك العديد من الجهات التي ستستفيد من مؤسسية وجهود هذا المركز، بدءا من الجهات الحكومية المتعددة التي تتعامل مع واشنطن، إلى تجمعات رجال الأعمال التي لهم مصالح واضحة هنا وهناك، والإعلام الذي سيتوفر له خبراء حقيقيين في الشأن الأمريكي.

      ويجب الابتعاد عن الطبيعة "الموسمية" للمركز الجديد وأن يعمل بصورة دائمة بعيدا عن مناسبة معينة أو مبادرة مؤقتة. وستتمتع جهود المركز الجديد بطبيعة "مؤسسية" و"مستمرة"، وتبتعد عن جهود "العلاقات العامة المؤقتة" التي يقوم بها الكثيرين ممن لهم علاقات مع الولايات المتحدة.
          إلا أنه لا يجب سجن فرق العمل البحثية في إطار الاطلاع والمعرفة النظري فقط، ومثاليا سيتم الاستعانة بهم من جهات حكومية أو الغرف التجارية أو مؤسسات الأعمال الكبيرة من أجل الاستفادة المباشرة بهم، وهذا النموذج موجود بوضوح في الولايات المتحدة، إذ أن الباحث يعمل لعدة سنوات في الحكومة أو جامعة أو مؤسسة أعمال، ثم يعود للعمل البحثي مدعما بثراء الخبرة العملية والحكومية.
        الكثيرون ينتظرون ويحلمون بتغير جوهري في السياسة الخارجية الأمريكية من أجل فرض سلام عادل في الشرق الأوسط! وعدم التدخل في شئوننا الداخلية! ومثل هذه الأحلام مجرد أوهام، وأجدر بنا أن نتخلص من الخوف المتحكم في تعاملنا مع الولايات المتحدة، وأن نبدأ قدر المستطاع بمحاولة المشاركة والتأثير في عملية صنع القرار السياسي الأمريكي، وأول هذه الخطوات وأهمها هو وجود الكثيرين من المتخصصين والفاهمين للشأن الأمريكي بتفاصيله وخباياه.

        ويعد عنصر التمويل تحديا أساسيا للمركز المقترح، إلا أنها يمكن أن تأتي من رسوم العضوية ومحصلة بيع المطبوعات التي يصدرها المركز، كذلك يمكن أن يغدق العديد من أثرياء المجتمع المصري ممن لهم اهتمام بالشأن العام ، إلى جانب كبريات الشركات المصرية التي لها مصالح في السوق الأمريكية من أجل تأسيس مثل هذا المركز الغير حكومي.

     ومن المهم بمكان أن لا ننغلق على دراسة وفهم الولايات المتحدة فقط، الصين وحدها أيضا تستحق مركزا مستقلا لدراستها، وكذلك القوى الصاعدة مثل البرازيل وجنوب أفريقيا وتركيا والهند التي ما زلنا لا نعلم عن تجاربهم الكثير.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية