دولة المدينة لم تطلب الاعتراف من أحد






الإصلاح العدد 298، 28/7-3/8/1994م

      هل يرضى الغرب عن قيام دولة إسلامية أصولية نموذجية؟ سؤال وجيه قدّمه رئيس تحرير مجلة المجتمع  في مقالين، وهو لم ينته بعد من تفاصيل الموضوع، فهل حقاً يهم الدول الإسلامية إذا أذن الله لها أن تقوم أن يعترف بها الغرب؟ ولأنه لا ينبغي لمسلم أن يقدم بين يدي الله ورسوله، فها هي الآيات الكريمة التي توضح موقف الغرب النصراني من الإسلام والمسلمين:
-(ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملّتهم، ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير)
-(ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا)
-(كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلّاً ولا ذمة، يُرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم  فاسقون)
-(لا يرقبون في مؤمن إلّاً ولا ذمة وأولئك هم المعتدون)
     لقد مضت الدعوة الإسلامية في مكة المكرمة عشر سنين تهتم بجانب التربية الإيمانية والأخلاقية حتى إذا جاء وفد المدينة المنورة وبايعوا البيعة الأولى ثم جاءوا بعدد أكبر تجاوز الثمانين وبايعوا البيعة الثانية، وكانت تقتضي هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة وكان العباس بن عبد المطلب يحضر تلك البيعة فأراد أن يستوثق لابن أخيه، فخاطبهم عن استعدادهم لحرب العالم كله، فكان مما قال: أتعلمون على ما بايعتم الرجل، لقد بايعتموه على حرب الأحمر والأصفر" وكان للشيخ حسن أيوب وقفه عند هذه البيعة في إحدى خطبه الجمعية التي تناول فيها مسألة الإيمان فكان يقول "هؤلاء ثمانون رجلاً وعدة نساء يقفون في وجه العالم كله، وليس لهم في هذه البيعة إلّا الجنة"
     وهاجر المصطفى صلى الله عليه وسلم بعد أن اطمأن لهجرة أصحابه وسلامتهم فأسس دولته، ولم تتعد أعمالها تقوية دعائم الدولة في محيطها المحلي، وكانت دولة المجوس ودولة الروم تعرف أخبار الدول الفتية لاستمرار قوافل التجارة بين الجزيرة وهاتين الدولتين حتى إذا عُقد صلح الحديبية بين المسلمين  وقريش بعث صلى الله عليه وسلم رسله لدعوة الملوك والأمراء، فذهبت الرسل إلى كسرى وقيصر والمقوقس والنجاشي وغيرهم من الملوك والأمراء لم يمنعه من ذلك أن هذه الدول العظمى سترفض الدعوة. فقد تردد هرقل في قبول الدعوة وإن كان عارفاً أنها دعوة صادقة، حتى إنه قال:"وإن يكن ما تقول حقاً فسيملك موضع قدمي هاتين"، أما كسرى فمزّق رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم مما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو عليه بأن يمزّق الله ملكه، ولم يكتف كسرى بذلك بل بعث رسولاً إلى عامله على الثمن ليلقي القبض على صاحب الدعوة عليه الصلاة والسلام، فردّه ردّاً لطيفاً مخبراً إياه أن سيده قد قُتلَ تلك الليلة.
        ولا بد أن نتوقف قليلاً عند مسألة إرسال الرسل إلى الملوك والأمراء، لقد كان العرب فيما مضى ينظرون إلى هذه الدول على أنها دول عظمى ذات تاريخ طويل في مؤسسات الدولة، وأنها ذات جيوش ضخمة، ولمّا تأسست دولة المدينة لم يتجاوز أي جيش من جيوشها الثلاثين ألفاً بينما استطاع الفرس والروم تقديم مئات الألوف، ولا بد أن تذكر هذه القوة العددية ليس مجال التفوق الوحيد بل كان لهذه الدول القدرة في مجال الأسلحة والمعدات الحربية.
دولة المدينة
    نعم تأسست دولة المدينة المنورة ولم تبعث من يطلب الاعتراف، لقد طلبت من ملوك هذه الدول العظمى وأتباعها أن يدخلوا في الإسلام "أسلم تسلم"، وهذا يعني أنكم إن لم تدخلوا دولة الإسلام فلا سلامة لكم، ولم يغب عن ملوك هذه الدول معنى رسائل الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن المسلمين حينما أسسوا دولتهم ما كانوا يعرفون التراجع أو النظر إلى الوراء..بل كانوا يعملون على تحقيق قول الله عز وجل (الذين إن مكّناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، ولله عاقبة الأمور)
    يسعى الغرب بكل ما يستطيع أن يمنع قيام دولة الإسلام كما حاولت قريش وكما حرص كسرى وقيصر، وكان هؤلاء يعملون وفقاً لإمكاناتهم المادية الأرضية ودولة الإسلام كانت دائماً موصولة الأسباب بالله عز وجل، فليخطط الغرب ما شاء أن يخطط وليتآمر وليصرح فدولة الإسلام قائمة بإذن الله، وأنها حين تقوم لن تسعى لاعتراف أحد بل ستسعى لدعوتهم للدخول تحت لواء الإسلام الدين الخاتم دين العدل والحق والحرية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية