زيارة بدر حامد الحربي


زيارة بدر حامد الحربي يوم الأربعاء 4 ذو القعدة 1433هـ
       حينما تزور الدكتور مازن مطبقاني في بيته، وحينما لا تهتدي إلى منزله فيسرع إليك على عجل باحثاً عنك على ناصية الشارع لابساً طاقيته "المشخلة" مصطحباً أحد أطفاله في مقعد السيارة الخلفي، وحينما يلمحك متوقفاً عند أحد المواضع المتفق عليها بينك وبينه، سيلوّح بيده إليك بطريقة عفوية محببه، وحين يسألك -وهو يعالج فتح باب المنزل-عن عملك ويجيبك مداعباً بأن العلماء قاسوا عقول الناس فوجدوا أصغرهم عقولاً ...المعلمين! فإنك لن تغضب؛ إذا كنت تفهم أريحية الدكتور وتبسطه، وروح الدعابة التي تشكل مناحي مهمه في شخصيته!
       ولأنك انسان ثقيل، وتحب تكرار الكلام في الموضوع ذاته، وحالما تستقر جالساً في مجلسه الودود؛ ولأنك تحب أن تستعرض ثقافتك، وتبدد تلك التهمة التي أطلقها ضمنياً، أو ربما تريد أن تشعره بأنك تنتمي لهذه الفئة من الناحية الفيزيائية فقط؛ فأكد على ملاحظته تلك، وأذكر له قصة المرأة التي شكت إلى باديس بن حبوس (من قواد البربر) عقوق ابنها، فأمر بضرب عنقه فقالت: صفحت عنه، قال: ما أنا بمعلم كتاب؛ وضرب عنقه!
       الدكتور مازن الذي سيعتذر منك بأدب لثقلٍ في لسانه بسبب جلطة ألمت به مؤخراً، لن يمنعه هذا من التحليق بك في سماوات الاستشراق والمستشرقين، وتجاربه الشخصية في المؤتمرات العلمية ورحلاته ومناقشاته المتعددة معهم، سيحدثك عن "مونتقمري وات" المبشر المسيحي والمستشرق وصديق "مسؤول كبير" الذي سأله في أحد المؤتمرات وهو يجلس بجانبه: " مازن ألا ترى أن عقوبه (الرسول) لبني قريضة قاسية جدا؟!." فأجابه: "قبل أن تسأل هذا السؤال تحتاج أن تجاوب على سؤال أكبر هل هو نبي؟ أم لا؟". وسيشرح لك الدكتور بأن القضية قضية خيانة عظمى في فترة لا يسمح فيها سوى بالحسم!
        وسيحدثك عن المؤتمر الذي حضره في ألمانيا ونقاشاته مع أحد المحاضرين عن سقوط الليبرالية المدعومة من قبل الحكومات في البلدان العربية ومع ذلك تفوق عليها المد الاسلامي في معارض الكتاب وحراك الشارع! وعن نفس المحاضر كيف سأل الدكتور وأجاب بنفس الوقت: "تعرف يا دكتور مازن من نجم المؤتمر؟ … أنا وأنت!".
       وسيحدثك عن شاب عربي، في اسبانيا من الجيل الثالث، لايحسن العربية، في مؤتمر آخر في اسبانيا؛ يحاول اثبات أن: لا دوله في الاسلام، ويستشهد بقيادات فكريه من مثل علي أمين وعلي عبد الرازق وصادق جلال العظم وآخرين … وجاءت مداخلة الدكتور بطريقه صادمه وجريئة؛ ليعلن بالمؤتمر، الذي يفترض انه استشراقي بحت؛ بأنه يشم من كلام الباحث رائحة "الاستشراق"! وسيؤكد لك الدكتور بأن استخدامه لهذه العباره، في هذا السياق؛ له دلاله سلبية صارخه، يعرفها جميع من كان حاضرا للمناقشه، ثم استطراده سائلا المحاضر: "هل تريد أن تغطي الشمس بغربال؟" وكيف أنه تحدث عن القرآن وما فيه من معالجات قضائية للأفراد، ومناقشات سياسية للطواغيت؛ من أمثال فرعون، واسهابه في الحديث عن الدول الاسلامية منذ عهد النبوة، وعلى مر التاريخ، التي كانت تحكم بالشريعة، وأن الاسماء التي ذكرها المحاضر ليست لقادة فكر حر؛ وإنما أدوات تبرزها السلطة! وسيحدثك أنه كان يحاورهم بأسلوب قوي ومقنع جداً ولا يركن للين معهم ولا الضعف! وستضحك من استدعائه للفظة "عُتل" في وصف بعض المستشرقين مقارنة بضعف الطلاب المسلمين الذين يدرسون على أيديهم، وكيف أن هؤلاء يستفيدون منهم في أبحاث محددة نتيجة لقربهم من بيئتهم الاسلامية، ثم إنهم فيما عدا ذلك -غالباً-ما يجعلونهم يُعدون اطروحات تافهة؛ مقارنة باطروحات زملائهم الذين هم من بني جلدتهم!
      وسيتطرق إلى نفي الفكرة السائدة حول أن علم الاستشراق في طريقه للانحسار، مستشهداً بعشرات المؤتمرات والدراسات والمنح ومراكز البحث في الجامعات الغربية، وكيف انه على صله قوية بالمستشرقين، وتصله منهم دعوات ورسائل بصفة اسبوعية. غير أنه سيؤكد بأن الاستشراق تفرع وظهرت منه تخصصات متعدده، فحين تواجد في مؤتمر ألماني هالَه كيف تخصص بعضهم في دراسه الحياة الاجتماعية في الدوله العثمانية، من خلال : نخل و تفحص، ما يعرف بالارشيف العثماني، والمشتمل على الوثائق التي تصدرها الجهات الحكومية، مثل المحاكم و القطاعات الادارية و العسكرية الأخرى.
      وسيحدثك الدكتور عن أهمية اجادة اللغة الانجليزية بطلاقة؛ لخوض هذا المجال، وعن تطلعه للإعداد برنامج إذاعي أو تلفزيوني، ليفيد في هذا العلم الذي يُعد هو من رواده في بلادنا، و صاحب أول اطروحة دكتوراه درست المستشرقين.
       وسيتناول معك جوانب متعددة حول ابحاثه ومشاريعه العلمية الشخصية، بحيث يجعل الوقت يمر عليك بسرعة، وأنت تحاول تارة أن تستمع له وتارة أن تشاركه الحوار لكيلا تكون سلبياً أو عالة عليه ما استطعت!
      وستلاحظ الأدب الجم الذي اشتمل عليه أحد ابنائه على صغر سنه، ومشاركته والده الحديث حينما يتطرق للجوانب العائلية؛ وستربط ذلك -بلا ريب -بأسلوب التربية الذي يعتمده الدكتور "ابو غيث" مع ابنائه والذي يدفعهم من خلاله بالثقة بأنفسهم بحيث صارت ابنته ذات الثلاثة سنوات مشغوله داخل المنزل في اعداد رحلتها المزعومة نحو الفضاء الخارجي!
مازن مطبقاني أتسمح لي ألا أشكرك بل أستأذنك بالاحتفاظ بالمقالة كاملة فقليل ممن زارني رأى أن الزيارة تستحق أن يكتب عنها، لك الفضل والمحبة

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية