منهجية التعاون العلمي بين المؤسسات العلمية جامعات الغربية والعربية: الواقع والمثال


 

 
 
بسم الله الرحمن الرحيم

 

مقدمة


               ما زالت الجامعات منارات للعلم والحضارة في كل مكان تسعى إلى نشر العلم والمعرفة، وكأنها إحدى الوسائل لتحقيق التعارف بين الشعوب والأمم كما جاء في الآية الكريمة (وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا)، ويتم ذلك بصورة واضحة في أقسام الدراسات الإقليمية ودراسات المناطق. فهناك آلاف الأقسام العلمية في الجامعات الغربية من أوروبية وأمريكية تهتم بدراسة العالم العربي والإسلامي. كما أن الغرب الذي كان محتلاً لمعظم أجزاء العالم الإسلامي سعى إلى أن ينقل إليه كثيراً من آثار البلاد التي كان يحتلها، فامتلأت متاحف العالم الغربي بالآثار والمقتنيات، كما امتلأت إدارات الوثائق بالوثائق العربية والإسلامية، ومن أبرز الأمثلة على ذلك متحف لندن، والأرشيف الفرنسي لما وراء البحار في مدينة إكس إن بروفانس Aix En Provence، بالإضافة إلى دور الوثائق الأخرى هنا وهناك، ولعل أكبر مجموعة للبرديات العربية هي الموجودة في فينا. وأما المخطوطات فلها قصة أخرى حين بدأ الغربيون يجوبون البلاد العربية والإسلامية يحصلون على كل ما وقعت عليه أيديهم من مخطوطاتنا بكل وسيلة ممكنة، فأقاموا لها المكتبات، وخصصوا لها الفهارس الكبرى.
        صحيح أن العالم العربي لم يقم بواجبه في السعي إلى التعارف كما ينبغي، ولكن كان البديل (الناقص) أن الدول الأوروبية حين احتلت بلادنا أنشأت المعاهد الخاصة التي درس فيها نفر من المسلمين عرفوا من تاريخ أوروبا وثقافتها وحضارتها أكثر مما عرفوا من تاريخ بلادهم وحضارتهم. بل وصل الأمر ببعض أبناء البلاد التي استعمرها الفرنسيون أن كانوا ينشدون (بلاد الغال بلادي والغال هم أجدادي)، ثم كانت مسألة الابتعاث حين أرسل العالم العربي والإسلامي الآلاف من أبنائه للدراسة في الغرب فعاشوا فيه سنوات عرفوه معرفة جيدة. كما أن بعض المؤسسات العلمية الغربية سعت إلى إنشاء المعاهد والجامعات في بلادنا. ومن أبرزها الجامعة الأمريكية التي بدأت بفرعين في لبنان والقاهرة وثالث في أنقره أصبح لها الآن فروع عديدة في دول الخليج العربي مثل دبي والكويت والشارقة وأبوظبي. وفتحت جامعات أجنبية بأسماء محلية؛ لأنها أخذت بالمناهج الغربية، وجعلت لغة التعليم هي الإنجليزية أو الفرنسية.
        كما أن المسلمين سعوا إلى إنشاء معاهد ومراكز بحوث في عدد من الجامعات الغربية تسعى إلى نشر المعرفة بالإسلام وبالعالم الإسلامي، ولكنها تحترم لغة البلاد، فلا يكون التعليم إلاّ بلغة تلك البلاد، ولا يكون النشاط إلاّ بها على العكس من جامعاتهم ومعاهدهم في بلادنا.
        وهذا التواصل والمعرفة هدفهما تحقيق بناء الجسور بين العالم العربي  والغرب، فكم من هذه الأهداف تحقق في أرض الواقع؟ وما المأمول أن يتحقق لو سعينا سعياً حقيقياً ليكون التعاون والتواصل مبنياً على أصول علمية حقيقية.
        وهذه الورقة التي تسعى إلى تناول منهجية التعاون العلمي بين الغرب والبلاد العربية سوف تركز على أمثلة من الواقع عاشها مقدم هذه الورقة من خلال أكثر من رحلة إلى الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، وكذلك من خلال متابعاته للنشاطات العلمية في مجال الدراسات العربية الإسلامية والنشاطات الثقافية عموماً في الغرب، والتي تتعلق بالعالم العربي. وستنقسم الورقة -كما يشير العنوان- إلى قسمين رئيسين: هما الحديث عن الواقع ثم الحديث عن المثال. ولا تزعم هذه الورقة الإحاطة بالواقع تماماً، لأن بضعة رحلات إلى أوروبا وأمريكا لا تكفي لوضع صورة كاملة لكنها تبرز جوانب من الواقع الذي عرفه مقدم الورقة، وإلا فإن في الواقع صوراً جميلة لكنها قليلة أو استثنائية .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية