مؤتمر عالمي حول الإسلام في هولندا(2-3)


                                 

 

 

             تناولت في المقالة الأولى من هذه السلسلة اهتمام الغرب باستشراف مستقبل العالم الإسلامي وتحـدثت عن الجلسة الافتتاحية وما قدّم فيها من خطب وكلمات وكذلك المحاضرة الافتتاحية .وفي هذه المقالة أتناول عدداً من البحوث التي ألقيت في المؤتمر.

   كان من الصعب حضور كل المحاضرات لأن الجلسات كانت تعقد متزامنة لذلك من الصعب الخروج برأي أو حكم على مجمل المؤتمر دون الاطلاع على أكبر عدد من المحاضرات وهو ما يتطلب وقتاً وجهداً. ولكن ما لا يدرك كله لا يترك جلّه.

       ففي الساعة الواحدة والنصف من يوم الثلاثاء بدأت جلسات المؤتمر وفي محور الإسلام و التنمية قدّم نصر حامد أبو زيد- الأستاذ الزائر بجامعة ليدن- بحثاً بعنوان (الإسلام والتحديث) تناول فيه تعريف التحديث بأنه إجراء لإنشاء نظام سياسي واقتصادي وثقافي واجتماعي ليحل محل نظام أصبح جامداً وأن لكل مجتمع حداثته أو تحديثه الخاص به.-وهنا مكمن الخطورة فالنظام الإسلامي لا يمكن أن يصبح جامداً في أي وقت- أما عن تحديث الإسلام في بدايته فذكر أنه جاء لتحديث المجتمع الجاهلي وان الجاهلية ليست مقابل العلم ولكنها سلوك اجتماعي وتوجه عقدي يخالف الإسلام. وركز كثيراً على الفروق بين المجتمع الإسلامي القائم على قيم تخالف قيم العصبية القبلية. . وذكر في محاضرته الفرق الإسلامية مثل الشيعة والخوارج والمعتزلة،و أشاد بالمعتزلة كما يفعل كثير من المستشرقين بأنهم الحزب الليبرالي أو أصحاب التفكير الحر وزعم أن الاعتزال بدأ حركة سياسية تهدف إلى محاربة الدولة الأموية.

        وطلبت التعليق فقلت بأن تحديث الإسلام لم يكن في يوم من الأيام خاصاً بالمجتمع القبلي الجاهلي في جزيرة العرب بل هو تحديث وإصلاح لما كان العالم أجمع يعاني منه من انحرافات عقدية وسياسية واقتصادية واجتماعية . وذكرت له أن رسالة الإسلام هي للعالم أجمع . وأوضحت بأن القرآن الكريم اهتم ببيـان انحرافات بني إسرائيل العقدية والاجتماعية والسياسية فمن ذلك قتلهم الأنبياء وقولهم على الله غير الحق وأكل الربا وغير ذلك. وأضفت بان القرآن ذكر الانحرافات الاقتصادية لقوم شعيب والانحرافات العقدية والسياسية لفرعون.

         ومجمل القول حول محاضرة أبو زيد أنها لم تكن بالقوة من الناحية العلمية التي تبرر لجامعة ليدن استضافته وهذا ما ذكره لي أخ جزائري بأنه لم يجد في هذه المحاضرة فائدة كبيرة. ولكن لعل أبو زيد يخاطب الغربيين فيروا بأن كل ما يقوله جديد بالنسبة لهم.

       ومن المحاضرات التي ألقيت في هذا المؤتمر محاضرة بعنوان ( فشل البديل الليبرالي) للباحث الهولندي من جامعة ليدن جوهانز جانسن تناول فيها قضية واحدة وهي لماذا فشل الليبراليون في أن يحركوا الجماهير للقبول بمشروعهم بالرغم من أن كتبهم تجد رواجاً وتطبع المرة تلو المرة.وتحدث عن كتاب فؤاد غلام (الإخوان وأنا من المنشية إلى المنصة)

     وتناول المحاضر كتابات من سمّاهم بالنخبة من أمثال مصطفى امين ونوال السعداوي وفؤاد زكريا وسعد الدين إبراهيم ومحمد سعيد العشماوي وغيرهم،  وأن هذه الكتابات لم تستطع أن توجد تياراً يستطيع منافسة المشروع الإسلامي أو يقاوم الحركات الإسلامية التي يسمونها بالأصولية الإسلامية أو الإسلام السياسي.

         ولم تصل المحاضرة إلى وضع النقاط على الحروف بالنسبة لفشل المشروع الليبرالي . وقد ردّ أحد الحضور وهو الأستاذ عبد العزيز شادي -الذي يحضر للدكتوراه في العلوم السياسية في جامعة ليدن- بأن معلومات المحاضر غير دقيقة فكتب هؤلاء ليس لها رواج الكتب الإسلامية وهي غالباً باهظة الثمن وأسلوبها يتسم بالغموض .بينما الكتب الإسلامية واضحة الأسلوب رخيصة الأثمان لأن مؤلفيها أصحاب دعوة لا يريدون الكسب المادي.

          وأتيحت لي الفرصة للتعليق فبدأت بإبداء إعجابي بعنوان المحاضرة وذكرت أن العنوان (فشل المشروع  الليبرالي ) يتضمن حكماً عليهم وهو حكم صحيح وأنا أؤيده -وإن كان هذا عكس ما قصده المحاضر- .ثم قلت له :" لقد ذكرت مجموعة من الأسماء :مصطفى أمين ، وفؤاد زكريا وسعد الدين إبراهيـم وغيرهم بأنهم النخبة ولكن هذه ليست نخبة حقيقية بل نخبة زائفة لأنها مصنوعة في الخارج بمعنى أن ثقافتها غربية وتوجهاتها علمانية غربية .ثم هناك مجموعات شبيهة بها في معظم البلاد العربية الإسلامية درست في المعاهد الأجنبية أو تلقت تعليمها في الخارج وتأثرت بالفكر الغربي. وأضفت بأن علينا أن نحدد معاني المصطلحات التي نستخدمها.

    وحتى لا آخذ أكثر من الوقت المحدد للتعليق فقد توقفت ولو أتيحت لي الفرصة لقلت له بأن النخبة أو الصفوة هم علماء الأمة العاملون أو العلماء الربانيون كما يسميهم القرآن الكريم .أو النخبة هي أصحاب الأيادي المتوضئة والوجوه الوضيئة التي يشع منها نور الإيمان .ولقد كانت النخبة في مجتمع المدينة المنورة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم هي كبار الصحابة وأصحاب السابقة في الإسلام. بل يرى البعض أن النخبة هي أهل بدر من المهاجرين والأنصار أو هم أصحاب بيعة الرضوان. فهذه هي المعايير الإسلامية في تحديد  النخبة . والنخبة في المجتمع الإسلامي هي التي تبذل في سبيل رفعة مجتمعها وتقدمه لا تتسلط عليه فكرياً وتتعالى عليه كما هو الحال فيمن يطلق عليهم الغربيون النخبة.وقد ذكر الباحث الغربي أن هؤلاء يعيشون في بروج عاجية لا يعرفون حقاً معاناة شعوبهم . فكيف بالله يستحقون لقب النخبة؟  ولكن تعالي بعض الغربيين جعله يصر على استخدام مصطلح النخبة لوصف من وصف وأضاف بأنه إذا لم يكن مصطفى أمين من النخبة فمن النخبة!! فهذا  التعالي والعنجهية جعلاه لا تقبل بالرأي الآخر,

    وقفة: لفت انتباهي أكثر من قارىء إلى أنه كان عليّ أن أتصدى للباحثة الباكستانية رفعت حسن حين طعنت في الحديث الشريف في الجلسة الافتتاحية . ولكن نظراً لأن هذه أول مرة أحضر فيها مؤتمراً عالمياً في بلد أوروبي وكانت القاعة مزدحمة بالحضور فقد شعرت بشيء من التردد ، ولكن أحمد الله عز وجل أن قمت بشيء من الواجب في الجلسات الأخرى.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية