الدرس الثالث في الابتعاث: اكسروا القواعد أيها الطلاب


الدرس الثالث في الابتعاث

اكسروا القواعد أيها الطلاب...

منذ بدأ الابتعاث وانطلقت البعثات إلى الدول الأوروبية وأمريكا وغيرها، أبدعت عقلية الطلاب المبتعثين العرب والمسلمين وبخاصة السعوديين على بناء قواعد جعلوها راسخة ثابتة لا يخالفونها أبداً وكأنها أصبحت أوامر وحي يجب اتباعه وعدم الحيد عنه.
ومن هذه القواعد التجمع في مدينة من المدن وبخاصة في الجامعات الأقل صعوبة والأكثر تواضعاً في مستواها. وعندما يجتمع الطلاب السعودييون في مكان واحد، فلو أراد أحدهم أن يستخرج رخصة قيادة على سبيل المثال فإنه لا يذهب إلى أحد مواطني تلك الدولة فيسأله (الآن يمكن أن يستشير الإنترنت) كيف تستخرجون الرخصة بل يبحث عن سعودي سبقه فيأخذ منه المعلومات كافة.. ولو قلنا هذا أمر لا بأس به ليسهل عليه فهم المتطلبات، ولكنه يعمد على أن يذهب معه زميل آخر ليقوم بأداء المهمة.

ومن مظاهر التصاق الطلاب السعوديين بعضهم ببعض أنهم يختارون الأساتذة أنفسهم، وأحيانا حتى في المواد الاختيارية لا يغامر السعودي بالتسجيل في مادة جديدة لم يسبق للسعوديين دراستها. وقد بلغ من الاتكالية والحرص على أن لايقوم طالب سعودي بعمل إلّا ومعه رفيق أن قال لي فلسطيني مقيم في أريزونا وفي مدينة تمبي Tempeبخاصة أتحدى أن يستطيع شاب سعودي إنجاز أي عمل وحده.

اكسروا هذه القاعدة وليمارس كل واحد حياته وحدة دون الاتكالية على الآخرين ففي ذلك فوائد وفوائد.
ومن القواعد المتينة التي أسسها الطلبة المبتعثون أن يجتمعوا معاً في كل وقت وحين حتى إن نسبة احتكاكهم بسكان البلد الأصليين لا تكاد تصل إلى عشرة بالمائة فهم لا يجتمعون في الفصول وحدها بل يجتمعون أيضاً خارج قاعات المحاضرات ويجتمع بعضهم ليلياً ..ولا زلت أذكر حلقات البلوت، وهوس أحدهم بالبلوت حتى إنه كان يحمل أوراق اللعب معه في كل الأوقات. ولا أخفيكم أنني شخصياً لم أتعلم البلوت إلّا في أمريكا وكانت هي الشهادة الوحيدة التي عدت بها بعد خمس سنوات ومعرفة لعبة البلوت (وإتقان اللغة الإنجليزية)
اكسروا هذه القاعدة وخففوا أو خفضوا نسبة تعاملكم بعضكم ببعض، وارفعوا نسبة معرفتكم بالشعب الذي تقيمون بين ظهرانيه ولكن ذلك بعدة طرق..ابدأ بالحديث مع زملائك الأوروبيين والأمريكان، تعرّف إليهم شخيصاً من حيث أسرته وعرقته بها، ومه حيث اختيار الجامعة والتخصص. كن فضوليا إلى أبعد درجات الفضول ، تحدث معه عن علاقته بأمه وأبيه، وعن علاقاته بأخوانه وأخواته وجيرانه وزملائه. وربما بادلك فضولاً بفضول فتكون لديك الفرصة تحدّثه عن نفسك وأسرتك وعن علاقاتك بوالديك وأقربائك. ستجد صعوبة في الحديث وفي البحث عن المفردات ولكن قد تستطيع اليوم أن تعبّر عن عشرين في المائة مما تعرف، ولكن هذه النسبة سوف تتطور إلى أن تكون قادراً على التعبير عن نفسك مائة بالمائة.
اكسر القواعد واشتر الصحيفة المحلية، واقرأ أخبار المجتمع والقضايا الكبرى التي تهمه، وستجد صعوبة وغموضاً فاختر أحد زملائك وناقش معه بعض تلك القضايا واستوضج ما غمض عليك منها. وابحث في الصحف المحلية ليس عن القضايا الدولية الكبرى أو الصغرى، فصحف أوربا وأمريكا لا تحفل كثيراً بالعالم. ابحث عن القضايا المحلية التي تتعلق بالمجتمع نظامه، ابحث عن المزايا والعيوب وافهم المزايا فهماً جيداً فقد تتاح لك الفرصة أن تطبق بعض ما رأيت مما يمكن أن يسهّل حياتنا جميعاً وإن وجدت ما ترى أنه عيوب أو نواقص فاطرح الأسئلة بعد الأسئلة لتفهم لماذا وصلوا إلى تلك الحال.
اكسر القاعدة التي تقول إنك جئت من أجل الشهادة التي تحصل بها على وظيفة في بلادك إذا عدت إليها، فلو كلّفك الأستاذ قراءة مائة صفحة اقرأ مائة أخى إلى جوارها ولم أقل اقرأ عشر صفحات أو عشرين صفحة بل تطلع إلى أن تبذل قصارى جهدك لتتفوق على نفسك أولاً وتتوفوق على أقرانك الأمريكان أو الأوروبيين أو غيرهم.
اقرأ المحاضرة أو عنها قبل أن تأتي إلى قاعة المحاضرات، وكن  جاهزاً في طرح الأسئلة الذكية العميقة فقد تضمن درجة الامتياز بحضورك الحقيقي في قاعة المحاضرات وكم أستاذ يؤثر فيه الانطباع أكثر مما تؤثر فيه أوراق الامتحان.
اكسر القاعدة وعش في المكتبة أكثر مما تعيش في بيتك أو خارجه، فما هي إلّا سنوات محدودة ولن تتكرر الفرصة لك لتعيش في المكتبة بعد التخرج بل قد لا تتاح لك فرصة قراءة كتاب واحد أو حتى مقالة.
اكسر القاعدة وانضم إلى الجمعيات العلمية والنودي الطلابية، كن عضواً في اتحاد الطلاب في الجامعة  وتعرف إلى هذه الاتحادات ماذا تفعل وكيف تتكون وكيف تتم الانتخابات، فلديك خمس سنوت أو أكثر بإمكانك أن تتقن لعبة الانتخابات.
ويوجد في أمريكا عدد من محطات الإذاعة والتلفاز الجادة ففي مجال الإذاعة هناك الإذاعة القومية العامة (NPR) وأما المحطات التلفازية العامة فأذكر عندما كنت مقيماً في مدينة تمبي بولاية أرزيونا أن المحطة العامة كانت تبث من جامعة أريزونا الحكومية ASU حين كان التلفزيون لا يزيد على 12 أو 13 قناة، وكان القناة الثامنة. وكانت هذه المحطة تقدم مناظرات متلفزة حول قضايا كثيرة ومنها الصراع مع إسرائيل وبعد أن تنتهي المناظرة يطلب من الجمهور أن يبدي رأيه. وفي تلك الأيام (1968-73)ما كان من الممكن أن يعلن أحد تعاطفه أو تأييده للفلسطينيين وهكذا كانت المحطة هي الوحيدة التي يسمع فيها الصوت الآخر كما كانت تقدم معلومات دقيقة عن حياة الأمريكيين.
اكسر القاعده وإذهب إلى مكتب الطلاب الأجانب وأعلن عن استعدادك للحديث عن بلادك، وكن جاهزاً بالمعلومات الطريفة والجديدة عن بلادك، ولا تصور لأحد أننا ملائكة نمشي على الأرض ولكن كن واقعياً حدثهم عن مبادئنا وقيمنا وثوابتنا ومسلماتنا وكم نحن ملتزمين أو مقصرين في كل ذلك، حدثهم عن  تطلعاتنا وآمالنا وحبنا للتعاون لك ما فيه خير البشرية وتحقيق الأمن والسلام.
لا تكن ناقداً لبلادك لشعورك أنه لا يراقبك أحد فنشر غسيلنا في الخارج لن يساعد في إصلاح إوضاعنا، وليس من الشجاعة أن تُكثر النقد إذا كنت خارج البلاد وتلوذ بالصمت إذا رجعت.
احرص على الدورات والبرامج التدريبية التي يمكن أن تساهم في تطوير شخصيتك وإفادتك لمستقبلك حتى لو لم تكن في ميدانك المباشر فكم من دورة أو محاضرة قلبت حياة الإنسان رأسا على عقب.
احرص على الإفادة من الفرص التي توفرها لك الجامعة لحضور الندوات والمؤتمرات حتى لو لم تحصل من الملحق على التمويل فليكن ذلك من جيبك الخاص أو من مساعدات الجامعة إن وجدت. فثقافة المؤتمرات غائبة أو شبه غائبة في بلادنا، وهي أساسية عندهم فاحرص عليها ولا تفوت أية فرصة. وكن إيجابيا فحضورك بورقة أو بجزء من بحثك يساعدك على الإجابة عن أسئلة كثيرة وقد تلتقي بمن هو أعلم من مشرفك وأساتذتك.
اكسر القاعدة وعد إلى بلادك طموحاً متفائلاً وحتى مقاتلاً لتنفيذ ما تعلمت مما لا يخالف ثوابتنا وشريعتنا.مأأ

 

 

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية