القول الفصل في تعليم اللغة الإنجليزية في الصفوف الابتدائية



     كتب أحد كتاب الأعمدة الأسبوعية في صحيفة المدينة المنورة يدعو إلى إدخال مادة اللغة الإنجليزية إلى مناهج الصفوف الابتدائية وبرر ذلك بأن هذه اللغة أضحت ضرورية في عالم اليوم، وأننا لا بد أن نقضي على الضعف المزمن في هذه المادة في المرحلة المتوسطة والثانوية بتدريسها منذ سنٍّ مبكرة. وختم مقالته بحكم عجيب وهو حتمية الأخذ برأيه أو رأي المؤيدين له.
ولم يتوقف الأمر عند تعليم اللغة الإنجليزية فقد طلعت علينا كاتبة أخرى وأظنها أستاذة جامعية باقتراح مفاده أن تسمح الجهات المسؤولة بافتتاح فروع لبعض المدارس والجامعات الأجنبية في بلادنا. وهذه المدارس التي تجعل لغة التعليم الأساسية إحدى اللغات الأجنبية إما الفرنسية أو الإنجليزية بل إن بعضها يعاقب من يتحدث العربية فيها.
وإنني أتساءل لماذا هذا الاندفاع العجيب وراء تعليم اللغات الأجنبية؟ صحيح أننا نستشهد دائماً بمقولة ابن خلدون المشهورة "والمغلوب مولع دائماً بتقليد الغالب في لغته ولباسه...إلخ" ولكن هذه المقولة وإن عبّرت عن الواقع الذي استقرأه ابن خلدون من التاريخ لكنها ليست مبرراً ليستمر المغلوب في وضعه ويستمر الغالب غالباً. ونستشهد بما نظنه حديثاً شريفاً (من تعلّم لغة قوم أمن مكرهم)
وإن الإصرار على الدعوة إلى تعليم اللغة الإنجليزية أو أي لغة أوروبية أخرى في الصفوف الابتدائية لا بد أن تتوقف من خلال الحوار الهادف البناء. فالذين يرون أن يبدأ تعليم اللغة في الصفوف الابتدائية يؤكدون أن توزيع اهتمام الطفل بين لغتين أو ما يسمى الازدواجية أو الثنائية اللغوية يغفلون أن هذا يضر باللغة الأم أي اللغة العربية. ولا شك أن الطفل سوف يتساءل (في عقله الباطن) لماذا يصر المعلمون على تعليمنا هذه اللغة الغريبة؟ وربما ربط الطفل تعليم اللغة مع أفلام الكرتون ومع الأفلام الأجنبية التي يشاهدها في التلفاز أو وسائل العرض الأخرى وبالتالي سيربط بين مظاهر التمدن والحضارة المادية وبين هذه اللغة أو يربط بين اللغة وأفلام الكرتون والأفلام الأخرى وما فيها من عنف وأفكار وأخلاق.
أما المحظور الثاني في تعليم اللغة الإنجليزية فهو أن اللغة إنما هي وعاء للثقافة والحضارة للأمم التي تتكلم بها. فما زالت الكتب التي تُعلِّم اللغة الإنجليزية من تأليف الإنجليز والأمريكان، والمحاذير كثيرة عقدية واجتماعية وأخلاقية. ويؤكد  هذه الفكرة أن المراكز الثقافية التي تقدم دورات في اللغة الفرنسية تقدمها بعنوان الثقافة والحضارة الفرنسية والمحاذير أن كتب هذه اللغة تركز على قيم معينة أبرزها: المادية حيث الاهتمام بالأشياء والممتلكات والمتع المادية وتغرس الفردية والأنانية. كذلك ليس في كتب تعليم اللغة الأجنبية ما يربط الطالب بعقيدته فلا يوجد ذكر لله عز وجل أو الممارسات الإسلامية من صلاة أو صيام أو عبادة، كما يبث تعليم اللغة الأجنبية جعل الاختلاط أمراً اعتيادياً فهذا مجتمعهم فالقصص عن الطفل والطفلة حتى رأينا الغرام العجيب في فيلم عدنان ولينا (غُيّرت الأسماء)
ويتساءل الذين لا يرون تعليم اللغة الإنجليزية لماذا الإصرار على تعليمها هل المقصود أن نلتحق بالأمم الراقية والاطلاع على الإنتاج العلمي؟ فلماذا لا تنفق هذه الجهود في ترجمة العلوم النافعة من اللغات الأوروبية إلى لغتنا. فبدلاً من إعداد آلاف المعلمين لتدريس اللغة الأجنبية في الصفوف الابتدائية فيمكن التركيز على تمكين عدد منهم وإنشاء المؤسسات الضخمة للترجمة والتأليف. لقد أنفقت هذه الأمة الكثير في ترجمة الآداب والفنون، ولو بذلت بعض هذا الجهد في ترجمة كتب الطب والهندسة والفيزياء والكيمياء لما احتاج طلاب الجامعات أن يدرسوا المرحلة الجامعية باللغات الأوروبية.
وإن الثابت حتى الآن أن عدد الحصص المقدم من الصف الأول إعدادي حتى نهاية المرحلة الثانوية كفيل ليس بتعليم لغة واحدة بل عدة لغات، ولكن لماذا نظل نشكو من الضعف المزمن؟ مع أن تعليم لغة أجنبية لا يحتاج من الفرد المتوسط الذكاء أكثر من ستة أشهر إلى سنة بعد الثانوية يصبح بعدها قادراً على دخول الجامعة.
ليت أساتذة التربية ومدرسي اللغة الإنجليزية  يدلون بدلوهم في هذه القضية الحساسة. أما رأيي المتواضع فهو أننا بحاجة إلى رأي حاسم في هذه القضية التي طال الأخذ والرد فيها. ولن يأخذ بأيدينا إلى التقدم أن نتكلم لغة أجنبية ولكن أن نعرف أسرار التقدم والنهوض وهي موجودة في كتابنا الحكيم الذي يدعو إلى عمارة الأرض على أسس تختلف عن عمارة الغرب  التي تكاد دماراً وليس عمارة، فهل من مستجيب..؟

 

 

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية