تلخيص محاضرة بعنوان: حوار مع مستشرق أو خبر لصحفي كسول



المحاضر: د. مازن صلاح المطبقاني الأستاذ المساعد بقسم الاستشراق بكلية الدعوة بالمدينة المنورة (جامعة الإمام محمد بن سعود الاسلامية)

الموقع: مركز حي الأزهري التابع لجمعية الخدمات الاجتماعية .


      في إطار النشاطات الثقافية التي يقيمها مركز حي الأزهري بالمدينة المنورة فقد دعا المركز الدكتور مازن مطبقاني لإلقاء محاضرة في مجال تخصصه الذي أعد فيه بحث الدكتوراه ونشرته مكتبة الملك فهد بعنوان الاستشراق والاتجاهات الفكرية في التاريخ الاسلامي-دراسة تطبيقية على كتابات المستشرق برنارد لويس وللدكتور مطبقاني مؤلفات أخرى ومساهمات صحفية معروفة. وكانت الدعوة مفتوحة لسكان حي الأزهري وغيرهم من سكان المدينة المنورة. وفيما يأتي ملخص لمحاضرة الدكتور مازن مطبقاني :

    بدأ الدكتور مازن مطبقاني متسائلاً هل ستكون المحاضرة حواراً مع مستشرق بعنية أو مع الاستشراق بعامة، وأوضح بأن المحاضرة ستكون حول الموضوعين وأشار أولاً إلى أن الغرب رفص هذا الاسم في المؤتمر الدولي للجمعية الدولية للمستشرقين الذي عقد في باريس عام 1393هـ،1973م) وأصبحت الدراسات الاستشراقية تعرف بدراسات العلوم الانسانية الخاصة بالعالم الاسلامي) ولذلك فهم يغضبون الآن إن أطلق على أحدهم اسم مستشرق.

     ثم تناول الدكتور مطبقاني تعريفات الاستشراق التي أوردها الدكتور أحمد عبد الحميد غراب في كتابه رؤية إسلامية للاستشراق في طبعته الثانية كما أشار إلى تعريف البرفسور إدوارد سعيد. وملخص تعريف الدكتور غراب أن الاستشراق عبارة عن دراسات أكاديمية يقوم بها علماء من الكفار(أهل الكتاب) حول العالم الاسلامي في جميع المجالات بهدف السيطرة على العالم الاسلامي والعمل على وضع نظريات تبرر هذه التبعية والهيمنة، ومنطلق هذه الدراسات التفوق الغربي على العالم الإسلامي. وأما الدكتور إدوارد سعيد فيرى أن الاستشراق منهج فكري غربي ينزع إلى الهيمنة والسيطرة ويؤكد نزعة التفوق الغربي. ولكن الدكتور مطبقاني يرى أن التعريفات ينبغي أن لا تكون محملة بأحكام مسبقة عن هذه الدراسات كما إن الاستشراق ليس فقط الدراسات الأكاديمية التي يجريها علماء الغرب بل هي كل نشاط فكري يتناول العالم العربي الاسلامي وقضاياه العقدية والفكرية والثقافية. ويتخذ هذا النشاط الفكري ما تنشره الصحف الغربية عن الاسلام والمسلمين وكذلك ما تبثه الإذاعات الموجهة باللغة العربية كإذاعة لندن وإذاعة صوت أمريكا وإذاعة مونتي كارلو وإذاعة ألمانيا وغيرها من الإذاعات الغربية. ويدخل ضمن النشاط الاستشراقي كذلك الأفلام السينمائية وأفلام الكرتون .ويدخل في هذا النشاط المؤتمرات والندوات التي تعقد هنا وهناك لدراسة أحوال المسلمين وكذلك نشاطات الاستخبارات الغربية.

    ثم تحدث الدكتور مطبقاني عن أن اسم الاستشراق لم ينطلق في الأصل من التحديد الجغرافي للعالم الاسلامي ولكن كلمة استشراق في اللغات الأوروبية المختلفة من لاتينية وألمانية وفرنسية وانجليزية تعني البحث عن العلم والمعرفة والهداية كما أن الصباح يعني الشروق والضياء بعكس ما يعنيه الغروب. كما إنه من المعروف أن الموظف الجديد في أي إدارة يتم تنويره بعمل الادارة ومجالاتها وكذلك الطالب الجامعي الجديد في بعض الجامعات يمضي سنة يطلق عليها السنة الاعدادية وهي في الانجليزي (Orientation). وهذا لا يعني براءة الاسشتراق من أنه بدأ في أحضان الكنيسة لأهداف تنصيرية ثم استعمارية واقتصادية وسياسية.

    ثم تناول الدكتور مطبقاني بالحديث صلته بالاستشراق فكان أول  مرة تعرف فيها على هذا الاسم في كتاب التوحيد والتهذيب في السنة الثانوية الثالثة في القسم العلمي عام 1388 حيث كان الكتاب يحتوي على بعض آراء  المستشرقين الايجابية في الاسلام ، وكأنّ ذلك كان اعداداً للطلاب حينما يبتعثون إلى الغرب أن يعرفوا ما يدافعون به عن دينهم ، ولكنها كانت جرعة قليلة جداً لا تكفي للوقوف في وجه ذلك التيار القوي. وكانت المرة الثانية التي اطلع فيها على الاستشراق دون أن يعلم أن ذلك استشراقاً حينما التحق بجامعة بورتلاند الحكومية حيث يوجد في مكتبة الجامعة قسماً للكتب العربية ووجد في تلك المكتبة بعض الكتب الاسلامية ولفت انتباهه حرص المكتبة على بعض المجلات مثل الشبكة والموعد وغيرها من المجلات السيئة التي تبث القصص الغرامية الخليعة وكذلك وجد أن المكتبة تقتني بعض الكتب التراثية السيئة.

    ولما عاد إلى المملكة والتحق بقسم التاريخ منتسباً كان الكتاب المقرر في مادة السيرة وتاريخ الخلفاء الراشدين هو كتاب الدكتور حسن ابراهيم حسن تاريخ الاسلام السياسي وهو كتاب يتبنى بعض آراء المستشرقين ومن ذلك قولهم أن إرسال أبي بكر الصديق رضي الله عنه الجيوش للفتوحات إنما كان القصد منه إشغال القبائل بالحروب بدل أن يثيروا القلاقل في الدولة. وكذلك ما استشهد به في مسألة انهيار سد مأرب بأقوال المستشرقين وتقديم ذلك على ما جاء في القرآن الكريم.وقد اختصر السيرة النبوية إلى الحديث فقط عن الغزوات :بدر فأحد فالحندق فالحديبية ففتح مكة فحنين فخيبر فتبوك 000الخ.

   وفي مادة تاريخ الدولة العثمانية وجد أن الأستاذ الذي كان يدرّس المادة الدكتور حسن حبشي كتب في مذكرته عند الحديث عن فتح القسطنطينيه بأن بطل الموقف الحقيقي هو الامبراطور البيزنطي لما تمتع به من شجاعة وتضحيةوإقدام ، فكتب له  ورقة يقول فيها: أستاذي العزيز أنت تعلّم طلاباً مسلمين وفي بلد إسلامي كان الأولى أن تربطهم بالبطل الحقيقي الذي يمكن لهم أن يتعاطفوا معه وهو السلطان محمد الفاتح حيث كان شاباً في الرابعة والعشرين من عمره وكان يتمتع بعبقرية سياسية وعسكرية وحربية فقد استطاع أن يبني جيشاً قوياً وأن يعقد المعاهدات مع الدول المحيطة بالقسنطينية مما جعل الامبراطور البيزنطي في وضع شبه يائس، ونحن لا ننكر بطولة الامبراطور في الدفاع عن مدينته لكن السلطان هو البطل. وتقبل الدكتور حسن حبشي-أستاذ المادة- هذا النقد بروح طيبة.

    وتحدث مطبقاني عن  أهمية  تكثيف وجود العلماء المسلمين في الجامعات الغربية وفي مراكز البحوث وفي الندوات والمؤتمرات التي تعقد في الغرب ليقوموا بمهمة تبليغ الدعوة الى العالم أجمع كما جاء في قوله تعالى {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعن} وقوله صلى الله عليه وسلم ( نضّر الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها فبلغها إلى من لم يسمعها فربّ مبلّغ أوعى من سامع أو رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه) وفي الوقت نفسه يقوم هؤلاء العلماء بتصحيح صورة الاسلام في نظر الغرب عن طريق المحاضرات والاشراف على الرسائل العلمية والتأليف. فما تزال الكتب حول الاسلام معظمها مكتوبة بأقلام غير إسلامية .

     ثم تحقيقاً لعنوان المحاضرة تحدث الدكتور مطبقاني عن المستشرق الإنجليزي الأصل اليهودي الملة الأمريكي الجنسية برنارد لويس وذكر طرفاً من سيرته ونشاطاته االعلمية وأبدى الدكتور مازن تعجبه من نشاط لويس حيث إنه يعدل جيشاً من الأساتذة بكثرة بحوثه ومحاضراته ومقالاته الصحافية والمؤتمرات التي حضرها  والرسائل العلمية التي أشرف عليها. كما اشار إلى أن لويس عرف لدى تلاميذه والعاملين معه بالرقة واللطف في التعامل .

       ومن مؤلفات لويس ما يأتي: أصول الإسماعيلية ( وهو بحثه للدكتوراة وطعن فيه في المصادر السنية عن هذه النحلة)2- العرب في التاريخ، وهو كتاب صغير موجه لعامة القراء ليس فيه أي توثيق ولكنه مليء بالدس والتشويه للتاريخ الاسلامي.3-المسلمون في التاريخ وهو عبارة عن محموعة من البحوث ليس بينها رابطة علمية.4-اليهود في الاسلام 5-اللون والعرق في الاسلام وقد أصدره لمواجهة موجة إقبال الأمريكيين من أصل أفريقي على الإسلام ليزعم بأن في الاسلام تفرقة على أساس اللون والعرق. ثم أعاد طبع الكتاب مؤخراً بعنوان اللون والعرق في الشرق الأوسط.6-اكتشاف المسلمين لأوروبا وزعم فيه أن المسلمين لم يهتموا بدراسة أوروبا لأنهم كانوا يعتقدون بأن لا يحتاجون إلى التعرف على الآخرين.7- الحشاشين أو الحشيشية أول فرقة ثورية في الاسلام . 8- الغرب والشرق الأوسط وهو عبارة عن مجموعة من الأحاديث ألقاها على طلبة إحدى الجامعات الأمريكية عام 1963. 9- الغرب والاسلام 10-اللغة السياسية في الاسلام وهو دراسة في الفكر السياسي تناول فيها الحديث عن الحركات الاسلامية المعاصرة.

   ونشر لويس العديد من البحوث الأخرى والمقالات الصحافية في عدد من المجلات والدوريات والصحف الغربية وقد اهتم في السنوات الأخيرة بالحركات الاسلامي وجعل هدفه الأساس إثارة الغرب ضد الاسلام والحركات الاسلامية وهو ما يسمى الخطر الاسلامي على الغرب وكان ذلك في محاضرته التي ألقاها في مكتبة الكونجرس الأمريكي عام 1990 ثم نشرها في مجلة نيو رببليكان New Republican بعنوان (جذور الغيظ الإسلامي)

    أما اللقاء مع لويس فقد كان في المرة الأولى عام 1408هـ حيث درات المراسلات بينه وبين الدكتور مازن وحاول لويس أن يتمنع بعدة حجج أولاً أن الكتابة حول منهجه لا تكفي لتكون رسالة دكتوراة وثانياً أنه يريد أن يطلع على فصل مما كتبه الطالب حتى يقرر فيما إذا كان الطالب متحيزاً ضده يوكتب كتابة عاطفية ضد الاستشراق .ولما كان مطبقاني في طور جمع المادة العلمية وشعر بأن المحاولة معه لم تنجح فقد قرر السفر وهناك وجد لويس غائباً في مهمة علمية في جنوب شرق آسيا فكانت فرصة للالتقاء بزملائه وأصدقائه الذين شعروا بأن الطالب لا يحمل أي عداء للمستشرقين وأن على لويس أن يقابله وبالفعل تمت المقابلة وقدم له مطبقاني الأسئلة الآتية التي أجاب عنها لويس وسجلها مطبقاني بآلة التسجيل وكانت وثقة من وثائق بحثه للدكتوراة.

   والأسئلة هي :1- لقد فهمت من رسائلك أن منهجك لا يختلف عن غيرك من العلماء في " العالم الحر" ومع ذلك فهل تعتقد أنه ثمة مزايا خاصة يتصف بها منهجك وما هذه المزايا؟

     وأجاب لويس بأن منهجه ومنهج غيره لا يختلف عند دراسة أي موضوع فهو منهج واحد قائم على جمع الأدلة والاثباتات وتكوين الرأي أو الرؤية للموضوع. ولكن التاريخ الاسلامي في نظر لويس يفتقد للوثائق بسبب الظروف السياسية التي مرت بالعالم الاسلامي ، وأشار إلى أن الحديث النبوي لا يمكن الاعتماد عليه لأن فيه الصحيح والضعيف ويمكن الاعتماد على الطبقات لأنه لا مصلحة لأحد في تزييف الطبقات.

   وكان بالامكان الرد على لويس ولكن الخطة كانت الحصول على أكبر قدر من المعلومات منه والرد عليه في الرسالة، وبالنسبة للوثائق فإنها وإن ضاعت أصول كثير منها فقد دونها العلماء في كتبهم وهاهو الشيخ الدكتور حميد الله يصدر كتاباً في وثائق العهد النبوي ويصدر ماهر حمادة عدة مجلدات في وثائق التاريخ الاسلامي وما تزال أوراق البردي تحمل آلاف الوثائق التي تحتاج إلى دراسة. أما زعمه أن الحديث لا يمكن أن يعتمد كمصدر للتاريخ فهذه مغالطة كبرى فإن الجهود التي بذلها العلماء المسلمون للحفاظ على الحديث وتوضيح الحديث الصحيح من الحسن من الضعيف لا توجد لدى أمة أخرى فلذلك فإن الثقة بالحديث عند المسلمين تصل إلى درجة اليقين . أما تفضيله للطبقات فهو خطأ منهجي ذلك أن الطبقات نفسها لا بد من تطبيق معايير مصطلح الحديث عليها ومع ذلك فإن من أبرز خصائص هذه الأمة الصدق والأمانة .

     وتضمن الحوار مع المستشرق سؤاله عن أستاتذته الذين تأثر بهم فذكر بعض المستشرقين الفرنسيين من أمثال لويس ماسنيون وتأثره بكبار المستشرقين من أمثال نولدكه وبيكر ودي خويه وسنوك هورخرونيه وغيرهم. ومن الأسئلة كذلك سؤال عن التغيرات التي حدثت في منهجه فذكر أن تقدمه في السن وخبرته ونضوجه كان لها الأثر الكبير في التغيرات في منهجه.وسأله المحاضر أيضاً عن انتقاده لبعض المستشرقين بالحواشي المثقلة الخادعة مع أنهم يكتبون كتابة متعصبة وأن لويس نفسه لا يوثق أحياناً وتكون حواشيه أحياناً غنية بالمعلومات ، فأشار إلى أنه لم يوثق في كتابه العرب في التاريخ لأنه كتاب لعامة القراء وانتقد المستشرق البلجيكي لا مانس على هذا المنهج.

     ملاحظات : كانت القاعة التي تتسع لحوالي مئتي شخص مليئة بالكامل ، وقد أعقب المحاضرة مناقشة أثرت الموضوع من بعض أساتذة الجامعة الإسلامية وطلابها وكذلك بعض طلبة كلية الدعوة بجامعة الإمام محمد بن سعود الاسلامية .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية