أسلمة التكنولوجيا بقلم المهندس أمين حمّاد


قضية العدد

 

                                                      

الإشكالية
        بينما النقاش حول طبيعة النشاط التكنولوجي، و خصائص التكنولوجيا والعوائق الاجتماعية التي تدعم أو تحد من تفهم نقل تكنولوجيا بعينها، فإننا بحاجة إلى خطط ثابتة من أجل تيسير عملية نقل التكنولوجيا. تسهيل عملية انتقال مُيسرة و ناعمة من المالكون الحقيقيون للتكنولوجيا الحالية (الدول المصنعة) إلى المستخدمين      لتلك  التكنولوجيا الجديدة (الدول المستهلكة و نحن منهم)، فإن ذلك بحاجة إلى خطة إستخطاطية (إستراتيجية) بعيدة المدى. و نظراً لأن البحث و التطوير و التصنيع يتم في بلاد على أغلبيتها غير مسلمة، إلا أن معظم هذه التكنولوجيا لا تأخذ بعين الاعتبارعاداتنا و تقاليدنا المبنية على أسس إسلامية.

مقدمــة
        حينما بدأ التطور العلمي في العصور الوسطى كان على أيدي المسلمين ولازالت شواهدهم الحضارية في أوروبا تدل على ذلك، كما أن المكتبات الكبرى في أنحاء مختلفة من العالم تفخر بمخطوطات تعود إلى العصر الذهبي للأمة الإسلامية في خاطرتي هذه أنا لست بصدد التحدث عن الأسباب التي أدت إلى تأخر المسلمين وتقدم غيرهم في مجال العلوم والتكنولوجيا، ولكني أحاول أن أسلط ولو قليلا من الضوء على كيف يستفيد المسلمون من هذه العلوم دون أن يكون هذا الاستيراد للتكنولوجيا هو نوع من الغزو الجديد لديننا وثقافتنا و حضارتنا نستطيع أن نسميه غزو تكنولوجي وسيتم أخذ شبكة الإنترنت كمثال في هذا التقرير

تعريف التكنولوجيا :

نعرفها أنها الأشياء التي تختلقها الحضارة من أجل زيادة الإنتاج و جعل الحياة التي نعيشها أكثر سهولة و حسب قاموس مريم-ويبستر على الإنترنت، فعن تعريف التكنولوجيا التطبيق العملي للمعلومات خاصة في حقول معينة أسلوب إتْماْمِ مهمة خاصة باستعمال طرق تقنية و معلومات عنها النواحي التخصصية في مجال معين من أجل الوصول  إلى الهدف المنظور.

نقل التكنولوجيــــا

نقل التكنولوجيا تعني حركة أو انتقال الإبداع التكنولوجي من مرحلة التصميم و التطوير إلى التطبيق التجاري. و إذا ما تمت بنجاح، فإنها تشمل حماية حقوق الإبداع و الاختراع من خلال الحصول على ترخيص لهذا المنتج و ترخيص للمنشأ التجاري الذي سيتعامل مع المنتج من أجل إيصاله إلى السوق و بالتالي إلى المستهلك إنه دائماً يُعتقد أن نقل الإبداع يتم بعملية سهلة، كما لو أنه بالسحر، إلى المستهلك. و لكن في التطبيق فإن عملية نقل التكنولوجيا تتم بصعوبة. و إذا تمت بنجاح، فإن عملية النقل قد تأخذ ما بين أيام قلائل إلى عقود أو أقل كأسابيع. و عند عمل هذه الإستخطاطيات، هناك أسئلة يجب أن يتم الإجابة عليها و منها: من الذي سيستخدم هذه التكنولوجيا؟ ما هو مستواهم التكنولوجي الحالي؟ من هم المساهمون في الشركات؟ و متخذو القرار؟ والأشخاص أصحاب النفوذ؟ و أولياء الأمور؟ هل المستهلك لديه الوعي الكافي لاستخدام تلك التكنولوجيا؟ و ماذا لو أساء استخدامها؟

 ما هي المصادر المالية المتوفرة عندهم الآن؟ و هل هذه المصادر ستكون كافية لنقل التكنولوجيا ( و أسلمتها)؟ ما هي الأشياء التي ستتأثر بهذا النقل (بأسلمة أو بدون أسلمة) للتكنولوجيا؟و هل لديهم الكادر العلمي المؤهل و الكافي لمراقبة على الأقل ما يتم استيراده من تكنولوجيا. الفرق بين العولمة والأسلمة:

      العولمة هي الذوبان والانصهار في كل ما ينقل إلينا من حضارات بحيث نبقى دائماً تحت حضارة مهيمنة و هي الآن الحضارة الأنجلوساكسونية أو الأمريكية أما الأسلمة فيقول الكاتب الإسلامي محمد قطب يقول في كتابه القيّم واقعنا المعاصر: "أن أسوء ما عمله المسلمون في العصر العباسي أنهم ترجموا الفلسفة من الحضارة الرومانية دون أسلمتها يعني أنهم لم يقوموا بإخضاعها للشرع"، و يقول الشهيد الدكتور عمر الفاروقي رئيس المعهد الأمريكي للبحوث الإسلامية الذي اغتالته المنظمات الصهيونية هو وزوجته عام 86 في أمريكا، في كتابه أسلمة المعرفة، أننا لن نتقدم بشكل صحيح إلاّ إذا أخضعنا كل العلوم الحالية و التي تصدر من الغرب الغير مسلم إلى عملية أسلمة بحيث يكون الفيصل في هذه العلوم هو الشرع أولاً و أخيراً، مثل الاقتصاد و الفلسفة و علم النفس و الهندسة الوراثية...ألخ كثير من الناس ينظر للأسلمة على أننا نأخذ الحضارة من الغرب ولابد أن نصنع نحن حضارة بأنفسنا، فهل إذا لم نكن قادرين الآن على مواكبة العصر نقف مكتوفي الأيدي؟ إن الحضارات تكون تراكمية وكل حضارة تستفيد من التي قبلها ولكن نحن كمسلمين تضبطنا قيم وثوابت إسلامية وشرعيه من أجل الحفاظ عليها يجب أن نأسلم هذه التكنولوجيا ونخترع ونبدع في إيجاد البدائل 0 يقول الشيخ القرضاوي في واقع المسلمين في العلوم والتكنولوجيا : أن العلم للجميع ولا يرتبط بأناس أو بدين أو بوطن، العلم خذه من أي وعاء، فالنبي صلى الله عليه وسلم استفاد من الأسرى في غزوة بدر وطلب مِن مَن لا يملك الفدية بالمال أن يعلم عشرة من أبناء المسلمين الكتابة، والصحابي الجليل زيد بن ثابت تعلم على أيدي المشركين، المهم كيف نستفيد من هذا العلم؟

 شبكة الإنترنـــت:

        قبل ثلاثة عقود أرسل البروفيسور لينارد كلاينروك تلك الرسالة الإلكترونية الأولى من جامعة كاليفورنيا في لوس انجلوس الى جهاز آخر في مركز الأبحاث في ستانفورد بالقرب من سان فرانسيسكو بكاليفورنيا، مما يجعله في نظر الكثيرين والد الإنترنت، ورغم العطل الذي أصاب الجهازين بعد إتمام الاتصال بلحظات قليلة إلا أنه كان كافيا وأساسا لشبكة تطورت فيما بعد الإنترنت بتعريف مبسط : هي شبكة معلوماتية عالمية تربط بين عدد كبير من أجهزة الحواسيب في شتى أنحاء العالم ويستطيع من خلالها عشرات الملايين من الناس أن يتبادلوا المعلومات بطريقة سهلة وسريعة ومنخفضة التكاليف نسبيا وهي تحتوي على كم هائل من المعلومات على شكل نصوص أو صور أو رسوم أو تسهيلات صوتية أو فيديو0000 الخ هذه المعلومات تكون في شتى مجالات الحياة من طب و اقتصاد واجتماع وتاريخ ودعاية وإعلان وأخبار وكذلك لها استخدامات علمية وأكاديمية ولها استخدامات ترفيهية إضافة إلى و وجود مجموعات حوارية في ما يربو على 55 ألف تخصص مختلف، و كذلك البريد الإلكتروني و أساليب الدردشة و الحوارات الهاتفية المجانية بالصوت و الصوت و الصورة ناهيكم عن الكم الهائل من الفساد الأخلاقي الموجود بها أو المتوفر عن طريقها.

         لماذا نحتاج لأسلمة الإنترنت : يستخدم الإنترنت أكثر من مائتي مليون شخص ونحن في عيد الإنترنت الثلاثين بحيث تعد أسرع وسائل الاتصال نموا في التاريخ و يقدر عدد المستخدمين العرب الآن بستمائة ألف شخص في كل الوطن العربي. إنها وسيلة جديدة لمخاطبة العالم يكون عن طريقها نشر وتوصيل كلمة الإسلام للشعوب يقوم الكثير من المستشرقين والمنحرفين عن الإسلام بإظهار صفحات كثيرة عن الإسلام ونشر المعلومات الخاطئة الغير موثقة إسلاميا، و عليه إذا لم نقم بأسلمة الإنترنت والوقوف للدفاع عن إسلامنا وتوضيح الصحيح وزهق الأباطيل فسيقوم اليهود والنصارى بالتمادي بنشر هذه الأباطيل و التي قد تنطلي على الكثيرين . قديما كنا نقاتل أما اليوم فهذا هو أحد أبواب الجهاد التي على علماء الحواسيب أن يخوضوها، ولكل عصر جهاده.

          ملايين المعلومات التي تنشرها الشبكة والتي لا يمكن أن تصل إليك بأسرع من هذه الطريقة وأسهلها والتي تفيدنا كثيرًا في البحث العلمي والتجريبي نستطيع من خلال شبكة الإنترنت أن نعرض مكتبة للكتب الإسلامية والتي يستطيع أي قارئ شراءها عبر الشبكة وتصله في أسرع وقت عبر البريد يستطيع أي مستفيد أن يرسل ويسأل أهل الذكر عبر البريد الإلكتروني أو المواقع الخاصة بذلك ليحصل على فتوى معينة أو حكم شرعي بأبسط الطرق. نشر المواقع الإسلامية النافعة والتحذير من المواقع الغير موثقة المصدر أو التي تسيء للإسلام ومن أولى الطرق التي نحتاجها لأسلمة الإنترنت هي تقنينه والحد من سلبياتها و اللا أخلاقيات التي تبث من خلالها يقول الأستاذ محمد سعيد "أنا ضد أن يكون للأبناء والبنات هاتف محمول أو ما يسمى بالجوال ولكنني في نفس الوقت أجده ضرورة من ضروريات هذا العصر ولقد أعجبتني فكرة إحدى البلاد حيث يتمكن وليِّ الأمر شراء هاتف لابنه أو بنته و أن يختار ثلاثة أرقام مثلا معروفة مسبقا كهاتف جوال الأم وجوال الأب وهاتف المنزل بحيث تضاف فاتورتها على الهاتف العادي مثلا و بالتالي يُضمن أن يتصل الأهل بابنهم ويستطيع الابن أن يتصل بأهله دون الاهتمام بالفاتورة ودون تمكنه من حرية الاستخدام المطلقة .

        وأنا أرى بأن تقنين استخدام الإنترنت رغم أنه ليس أسهل عملياً من تقنين وجود تلفاز بالمنزل يستقبل جميع المحطات الفضائحية، إلاّ أنه يمكننا أن نقوم بتشغيل برنامج قوي جدا كما تفعل "إسرائيل" حيث يقوم برنامجها بمراقبة جميع الرسائل القادمة والذاهبة وكذلك برامج الدردشة المباشرة ويقوم بتصنيفها و البحث عن الكلمات المتعلقة بالإرهاب (من وجهة نظرهم) ،كما ورد بمجلة بي سي العربية عدد شهر إبريل\نيسان 1996، فلماذا لا يحاول العلماء المسلمون تشغيل برنامج للآداب الإسلامية 0 ولماذا لا نحاول فتح شركات إنترنت عربية تُأسلم الوضع الراهن للإنترنت وتحد من سلبياته كأن تقوم هذه الشركات بوضع كلمة سر أو كلمة مرور لمنع الدخول على المواقع التي تبث سمومها عبر لحضارة لتنال من شبابنا المسلم و تمنع البريد المجاني لصغار السن و مراقبة البريد بما في تلك الصور.

       الخلاصة من أجل أن نبقى على نفس وتيرة التطور مع العالم المتقدم، و لكن مع الحفاظ على الأجيال القادمة ضمن الإطار  الإسلامي لعاداتنا و تقاليدينا، فإننا يجب أن نُخضع كل ما نستورده من مُصنعات و تقنيات إلى الشرع حتى لو اضطررنا إلى الطلب من المصنع أن يعيد تعديل منتجه، و إلاّ فإننا سنتأثر بشكل كبير بالتغير الاجتماعي الحاصل الآن نتيجة المحطات الفضائحية و سوء استخدام الجوال و الإنترنت، بل و المصيبة الأكبر أن هناك من يسيء استخدام تكنولوجيا علاج العقم و الأغذية المهندسة وراثياً. و إذا لم نقم بعمل سريع و دؤوب لأسلمة التكنولوجيا فإن التغير الاجتماعي و فقداننا لديننا و حضارتنا سيكون أسرع مما نتوقع.وكما أننا نقترح أن نستخدم الإنترنت لنشر الدين، نقترح أن نقنن نشره للفساد بين شبابنا تماماً مثلما نقترح أن نقنن إرسال المحطات الفضائحية فإننا نقترح أن يتم تقنين الأجهزة المستوردة لاستقبال المحطات الفضائية بحيث لا تستقبل إلاّ محطات نرضى عنها.

الاستنتاج
     يجب أن تقوم مؤسسات المواصفات و المقاييس بفرض نظم معينة على الشركات الموردة لنا منتجاتها على أن: تطور و تطوع التكنولوجيا بحيث تلائم المجتمع ثقافة و حضارةً، و بين إذا كان المجتمع بحاجة إلى من يسوقه تجاه التطور. و عليها أن تضع المستهلك بعين الاعتبار أثناء التصميم لتضمن تلبية رغباتنا. يجب إيجاد البحوث و التدريب لدعم و تمكين عملية نقل المعلومات مع أسلمتها. و من هنا فإنني أقترح فتح المجال للعقول الإسلامية المهاجرة بالعودة إلى البلاد العربية للمساهمة في عمليات البحث و التطوير لوضع مواصفات و مقاييس إسلامية للتكنولوجيا. إن قوة عامل التغير (التجارية) هو الذي يملي نجاح أو فشل نقل(أسلمة) التكنولوجيا عند الشركات العالمية. و تسهيل عملية الاتصالات بين الناس ذوي النفوذ، و أصحاب الأسهم بالشركات، ومتخذي القرار الذين هم جزء من هذه القضية، و تنمية العلاقة التعاونية بينهم هامة جدا لتطوير حلول (إسلامية) لهذه المجتمعات ً. من أجل فرض معاملة ثقافة و قيم المستهلك بكل احترام على الشركات المصنعة. و من هنا يبرز دور ولي أمر العائلة لفرض القيّم الإسلامية في بيته، و رئيس الشركة المستوردة و رئيس مؤسسة المواصفات و المقاييس و الوزراء المسؤولون، بالاشتراك مع علماء الدين، و في النهاية دور ولي أمر البلاد.

أميـن حمـاد: نوفمبر 1999 وكلية التقنية بالمدينة المنورة

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية