الجزء الثاني من لقاء منتدى طالبات وطلاب جامعة الملك سعود




     سؤال: خلال مسيرتك الزاخرة بالعطــاء... ما الشيء الذي كنت راضيا عنه؟ وما الشيء الذي لازلت تسعى لتحقيقه أو تتمنى تحقيقه؟
سؤال آخر: على مستوى التجمع وبالأخص قسم الحوار العام ... ما الذي يجعلنا نرتقي بالحوار العام؟ وما الذي يزعجك فيه؟   باحثة اقتصادية

الإجابة

     لا يمكن للإنسان أن يستمر في حياته ونشاطه دون أن يكون ثمة ما يرضى عنه، أول ما أعتقد أنه يستحق الرضى وشكر الله عز وجل أن وهبني والدين كانا حانين علي وأحسنا تربيتي وكدت أخص أبي ولكني أقول كلاهما قدّم ما أتمنى أن يقدمه كل أب وأم لأبنائه. فوالدي رحمه الله قدم لي تربية أخلاقية تميزت بالحث على الأخلاق الفاضلة من حياء وعفة وصدق وأمانة، وربّاني على الطموح وكان له رحمه الله أسلوباً غير مباشر لا أعرف له مثالاً فقد كان يتمثل قول الشاعر

ولقد لحنت لكم كيما تفهموا   واللحن تفهمه ذوو الألباب

     أو القول الآخر(واللبيب من الإشارة يفهم) والتربية بالقدوة. أما أمي فأسأل الله أن يهبها الصحة والعافية (الآن يرحمها ويرحم أبي رحمة واسعة) فهي نبع الحنان الفياض والدعاء الذي لا ينقطع بالإضافة إلى صفات الصدق والأمانة والعفة. وفي وقت من الأوقات كانت ظروف حياتنا المادية صعبة ولكني تعلمت منها عفة النفس التي هي عندي أغلى من كل أموال الدنيا وكنوزها.
        وأنا راض أيضاً عن توفيق الله عز وجل لي بما وهبني من موهبة الكتابة وحب العلم وأنا أدرك (وما أوتيتم من العلم إلاّ قليلاً) وكذلك (وفوق كل ذي علم عليم) ولكن هذا العلم القليل إن أحسنت تقديمه وأكرمني الله بحسن النية فهو الفوز العظيم وأنا به راض راض راض.
      أما ما أحب تحقيقه فأقول مع الشاعر (ما أضيق العمر لولا فسحة الأمل) فالمشروعات كثيرة والأفكار أكثر من الأوقات ولا تنكئي الأجراح لأقول كم هي الأشياء التي أود فعلها وتحتاج طاقات كبيرة وهمة عالية وأنا المسكين في مجال الهمة والعزيمة.

 س: ما رأيكم فيما يحصل اليوم من نزاعات وتجاذبات بين من يدعون أنهم (ملتزمين ومتشددين) وبين من يدعون (التحرر والانفتاح)، كيف نستطيع نحن العامة العيش في سلام وسط هذه المعمعة والجعجعة السائدة في مجتمعنا؟ وكيف نتعامل مع آحادي التفكير (من يظنون أنهم أوصياء علينا)، نأمل منكم إكسابنا بعض الأفكار من خبرتكم في الحياة في مواجهة هذه التوترات المجتمعية.

      الصراع بين الحق والباطل قديم وليس من الصعب أن يعرف الإنسان أين الحق فقد أخبرنا الصادق المصدوق بقوله (تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلاّ هالك)، فأعتقد أن الحق أبلج وواضح وهو ما جاء في الكتاب والسنة، والخير كل الخير في التمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. والتشدد والمتزمت (وليس الملتزم) إنسان من صفاته الرفق والحلم والصبر والرقة والرأفة والرحمة بالمسلمين. والمعمعة التي نعيشها معروفة الأطراف التي تديرها فحيثما رأيت رواجاً إعلامياً لفكر معين في بعض القنوات ووسائل الإعلام المنحرفة عرفت أن صاحبه ليس بشيء أو على شيء. صحيح أننا نقول عرفت الرجال بالحق وليس الحق بالرجال، ولكن الأشياء متمايزة وواضحة. لا بد أن يكون بين أصحاب الاتجاه المتدين الملتزم من تثقين به أو تثق به فالزمه. كم الإنسان منّا بحاجة إلى شيخ حكيم يثق به عندما تتعدد الطرق. ومع كل ذلك تذكر حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم حينما خط عدة خطوط وأشار إلى أحدها أنه الطريق المستقيم، ونصيحته صلى الله عليه وسلم (قل آمنت بالله ثم استقم.)

س:الكثير يعزي فشل العملية التعليمية إلى طريقة ونوع الطرح المتبادل بين أطرافها كـمن يقول إن التعليم في بلادنا ديدنه التلقين والاستماع فقط بعيداً عن التشارك والنقاش .وإن كنت أرى أكثر أعضاء هيئة التدريس انتهجوا سياسة النقاش المفتوح كـ طريقة مستحدثة لإيصال المعلومات بشكل مقنع وسلس ..ما تعليقك على من يعيب بأسلوب التعليم في بلادنا وأين يكمن الخلل بنظرك؟  و كيف تصنف منهجيتك في التعليم ؟

     ما زلنا نعاني من الطريقة القديمة فهو جيل كبير في الحجم والتأثير الذي لا يعرف غير طريقة التلقين والحفظ، وما زلنا بحاجة إلى مشوار طويل لنتخلص من هذه الطريقة. ولكن لا بد أن نعرف أن بعض التلقين مطلوب وكذلك الحفظ، وكم نبهت طلابي إلى حفظ نصوص معينة وأن الحفظ يقوي الذاكرة ويقوي اللغة ويزيد حصيلة الإنسان من المعارف. والحفظ جزء من الذكاء ولا بد من تنمية الذكاء. لكن الاقتصار على الحفظ والتكرار يضر بالعملية التعليمية. ومن الصعب الحكم على العملية التعليمية كلها دون دراسة وتحقيق. وأما سؤالك عن الخلل في أسلوب التعليم فمرة أخرى لست خبيراً تربويا لأحكم ولكن أقول من خبرتي أنني أعاني من الطلاب الذين لا هم لهم إلاّ حفظ مذكرة محدودة الصفحات أو الغش في الامتحان أو حتى النوم. وبالأمس القريب كان أحد الطلاب نائماً معظم المحاضرة وقررت أن أتركه نائماً لا أدري لماذا فقد كانت شعبة لطلاب الدراسات الإسلامية ووجدت أن حفظهم للأحاديث أو الآيات محدود جداً ومعرفتهم بواقع الأمة وقضاياها محدود فكأنما جاءوا ليحفظوا بعض المتون ويأخذوا الشهادة أما العلم فبينهم وبينه أمداً بعيداً.



    س:الدكتور مازن الرجل الذي بلغ من الكبر عتيا وخبرة وعلما، بعد كل هذه السنون هل تستطيع أن تعطينا أهم ثلاث نصائح بعد عمر طويل كهذا؟ ثلاث تعتقد أنها أهم نقاط هي خلاصة تجربة؟

تحية لك على البعد يا محمد كم أتمنى أن أتجول معك في شوارع المدينة التي أنت فيها نتجاذب أطراف الحديث وأتعلم منك بعض الحكمة في التعامل الرسمي التي أشعر أنني يمكن أن أكون تلميذك فيه، وأحياناً يصيبني العناد فأقول لا لا ليقبلوني كما أنا. ولعلك تبحث لي عن مؤتمر وتقترح عليّ الحضور...

      أسئلتك صعبة يا بني يا محمد ثلاث نصائح فقط أجعلها خلاصة تجربتي بعد أن بلغت من الكبر عتيا... وهل تعرف معنى عتياً؟ وهل بلغتها يا محمد أمستعجل أنت عليّ؟ ومع ذلك فسواء بلغتها أو لم ..فالأمر سيان. والعتيا لفظة قرآنية وردت في وصف زكريا عليه السلام (إنّي وهنَ العظم مني واشتعل الرأس شيباً وقد بلغت من الكبر عتيا)

      ومعناها: "يقال: عتا الشيخ يعتو عتيا وعسيا: إذا انتهى سنه وكبر، وشيخ عات وعاس: إذا صار إلى حالة اليبس والجفاف .(ووالله لم أصل إلى هذه المرحلة بعد..)

      ثلاث نصائح تذكرني بمن حمل صندوق القوارير مقابل ثلاث نصائح وفي النهاية رمى الصناديق من فوق رأسه، وقال: من قال لك إنه بقيت قارورة واحدة لم تنكسر فلا تصدقه. ومع ذلك فسألبي ولكن إياك أن تكتفي بها فعند غيري من الحكمة أكثر مني ولا تتوقف.

الأولى: فلا تقنع بما دون النجوم.... ما أنت في كل بلدة وما تبغي جلّ ما يسمى، كن كالسيل إن اعترضته الصخور التف حولها وسار في طريقه.

الثانية: كن طيب النفس نقي السريرة فإنك تستطيع ذلك وذلك أدعى أن تعيش في طمأنينة يحسدك عليها العالم كله، وهي سبب في دخول الجنة ومن يستطيعها؟

الثالثة: والداك والداك والداك قال لي ابن خالي ألم تسمع وتقرأ وتعرف (الجنّة تحت أقدام الأمهات) هل قبّلت باطن قدم الوالدة؟ جرب هذا... فعلتها ذات مرة فحاولت سحب رجلها وكادت تبكي رحمها الله 

س2: د. مازن: سؤال على السريع. ومع هذا التاريخ الحافل بالانجاز.. هل سبق وأن فشل الدكتور مازن؟

    هل فشل الدكتور مازن؟ يقولون الأصح أخفق؟ نعم وكم من مرة، وأنت لم تسأل متى أخفقت وكيف وماذا فعلت بعد الإخفاق؟ لن أجيبك لأن هذه أسئلة أخرى ولم تسألها. ويقولون بالإنجليزي وأنت هناك You Bet you. ولكن هل تكتب هكذا لا أعرف ولكن هي جملة للتأكيد أن الإجابة بنعم وألف نعم أخفقت وما أجمل الإخفاقات التي مرت بي.(وبس)

س:دائماً عندما أقرا موضوعاتك كنت تتطرق لنصائح والدك رحمه الله وأسكنه فسيح جناته وجمعك به في أعلى الجنان يا دكتور هل لك أن تذكر لي من ذاكرتك نصائح أبيك لا أدري لماذا هذا السؤال لكن أحب أن أستمع إلى نصائح من هم أكبر مني سناً وأحمل بعض المحبة لأبيك من خلال نصائحه وقليلاً من الآباء في هذا الزمن من توجد عنده نصائح جوهريه كتلك التي كان يذكرها أباك فهل لي بتلك النصائح ؟

نصائح أبي كثيرة وأبرزها التركيز على الأخلاق وإليك بعض الأقوال التي  حفظتها عنه رحمه الله:

-  الحياء خير كلّه، والحياء لا يأتي إلاّ بخير، والحياء جميل وفي الرجال أجمل.

- التحذير من الكذب: من أراد أن يلعنَ نفسه فليكذب.

-   الشرف والعفة: إذا غامرت في شرف مروم فلا تقنع بما دون النجوم

-الطموح: يقولون لي ما أنت في كل بلدة،وما تبغي؟ أبتغي جلّ ما يُسمى

-الخمرة: ودع الخمرة إن كنت فتى   كيف يسعى في جنون من عقل.

-الشجاعة: ترى الرجل الطرير فتزدريه    وفي أثوابه أسد هصور

وأيضاً بيت الشعر الذي عجزه: خشاش كرأس الحيّة المتوقد.

- عدم التعجل في تناول الأكل والانتظار ( فأعجل القوم أجشع)

-عدم إحراج البائع إن أراد أن يعطيك سعراً طيباً (ما أُخذ بسيف الحياء فهو حرام)

- الأدب:كن ابن من شئت واكتسب أدباً    يغنيك محموده عن النسب.

-وفي الأخلاق أيضاً: كم ذا يكابد عاشق مصر كثيرة العشاق

والناس هذا حظه علم وذا مال وذاك مكارم الأخلاق

فإذا رزقت خليقة محمودة فقد اصطفاك مقسم الأرزاق.

    س:تحدثت عن طفولتك بالأردن لكن ربما لم أقرأ عن فتره شبابك بالمدينة المنورة فهل لي ببعض من سيرتك بالمدينة المنورة إذا تكرمت؟ .

     أما عن مرحلة المراهقة في المدينة المنورة فبدأت بدراسة أسابيع في مدرسة الفهدية بالمدينة المنورة، وكان من طرائفها أن أستاذ اللغة العربية واسمه (الذيب) كان يغرم الطلاب إن أخطأوا في اللغة وإن عاندت أو أصررت أنك لم تخطئ فالعصا موجودة. ولم أوافقه في أنني أخطأت فطلب مني أن أفتح يدي فرفضت فضربني على صدري وظهري فعندما عدت إلى البيت رأى والدي آثار الضرب فأخذني إلى إدارة التعليم ليشاهدوا قسوة الأستاذ. ولم يجدد عقده في تلك السنة وأناله الله جزاء ما فعل حيث تعرض للضرب في الحج. وهنا قضية مهمة أنني كنت لا أخرج من البيت فما أن يحل المغرب حتى أكون عدت إلى البيت، ولم يكن لي إلاّ عدد محدود جداً من الأصدقاء ولا أكثر من الخروج. ولم أهرب من المدرسة إلى مزرعة من المزارع (البلدان، ولم أتعلم السباحة) وكنت في المراتب الأولى في أثناء دراستي حتى إنني أنافس على الأول أو الثاني ولا أتعدها.

   في تلك المرحلة كان أبي يعطيني حرية أكثر مما كنت أتوقع، ولكنه كان يربي لدي الثقة بالنفس حتى إنه سمح لي أن اذهب إلى السينما مع بعض زملائه في شركة الكهرباء، وسمح لي بالذهاب إلى العمرة مع زميل آخر واسمه العم عبد الله عنبر خان وهو رجل فاضل. وكان يسمح لي بالرحلات المدرسية وكنت لا أبتعد عن مكان وجود الأساتذة فلا أغامر في الابتعاد.

     كنت أحب القراءة وكان يهدي إلي الكتب وحتى بعض أصدقاء والدي عرف هذا فكان الأستاذ عبد الله نيازي قد أهدى إلي كتاب الدكتور أحمد زكي مع الله في السماء وهو في علم الفلك.

س: كيف لي بأن أحصن إخوتي (12 -17) من الفرق (كالعلمانية (وغيرها؟بأسلوب سهل وواضح ؟  "قلب العنا"

      مسألة التحصين مسألة خطيرة وهي بالتعرف على الإسلام بطريقة جميلة وسهلة ومشوقة ومحببة. يا ليتنا نقرأ السيرة النبوية بشروحها ونقرأ سير الصحابة رضوان الله عليهم ونقرأ التفسير. لو أننا عرفنا الإسلام من خلال هذا التاريخ العظيم وكيف كان مجتمع الأمة الإسلامية في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام لأحببنا الإسلام حباً يملك شغاف قلوبنا. وأصدقك القول إني أبكي أحياناً حين أتذكر هذا الجيل، في محاضرة قبل أسبوعين مر ذكر أبي بكر الصديق فبكيت، ومرة تحدثت عن تقسيم الغنائم بعد غزوة حنين وكيف أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعط الأنصار وقالوا في نفسهم شيئاً فجمعهم وتحدث إليهم ورأيت صوراً من الحب والوفاء لا يعرفها التاريخ بين قائد وشعبه أو عظيم وصحبه وصحابته. وتذكري كيف كان صلى الله عليه وسلم يتذكر خديجة رضي الله عنها ويحبها، وتذكري علاقته بفاطمة رضي الله عنها أعظم حب من أعظم أب لأعظم ابنة.  لو عرفنا الإسلام لما أردنا به بديلاً.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية