تعزيز الهوية الوطنية العربية الإسلامية لدى أبناء المبتعثين-طلال بن محمد السيف


جريدة الشرق -مداولات-٢٠١٢/١٠/٨

      سألت مختبراً ابناً لأحد أصدقائي أن يكمل سورة الطارق فلم يستطع ثم تحولت إلى سورة الفلق فلم يفعل فسورة الناس ولم يفلح بأن يكمل لي آية واحدة. والعجب أن هذا الابن في الصف الرابع أو الخامس الابتدائي.  وحالة هذا الطفل ليست الأسوأ بين أقرانه فهو يتكلم شيئا من العربية ويحفظ سورة الفاتحة وهناك من لم يسعفه حظه وتربيته لأقل من ذلك فكثير منهم بدأ حياته الدراسية في الغربة ولا يزال. وقد يكون لدينا الكثير من أمثال هذا الطفل وأسوأ كذلك. فعدد المبتعثين ومرافقيهم قد يجاوز المائتي ألف. فالعدد كبير إذا جمعنا معهم أيضاً أبناء الجالية السعودية من غير المبتعثين. وكثير من الآباء حين يكونون في الغربة يحرصون على تعليم أبنائهم لغة ثانية في سنهم المبكرة وعلى تعليمهم علوما نافعة. وهذا بلاشك مرجو منه أن يعود بالنفع على الأبناء، خصوصا مع تطور المدارس وجودة النظم التعليمية في تلك البلاد. وبالمقابل فهناك غفلة عن تعليم الأبناء ما يحفظ لهم هويتهم الوطنية والعربية والإسلامية.
 وبحسب كثير من المبتعثين ومديري المراكز التعليمية في المدارس السعودية فإن حال الأبناء حيال هويتهم لا يسر. وأقصد بالهوية ذلك المكون الرئيس للشخصية بعناصرها الثلاثة الأساسية وهي الدين واللغة والعادات. وهذه الثلاثة جميعا تنزاح بقانون الإحلال -إن لم تعزز- وتحل محلها لغة القوم وعاداتهم وقد يحل دينهم.
 والطفل في المدارس الغربية يدرس من الصباح الباكر إلى قبيل المغرب باللغة الإنجليزية ومن ثم يخالط زملاء لا يتحدثون لغته -بدفع من الوالدين أحيانا-. وأكثر الأطفال في هذه الحال ليس لهم من وقت لتعلم ما يحفظ لهم هويتهم إلا بضع سويعات في يوم واحد أسبوعيا وبعدد أسابيع قليلة في المدارس السعودية. ومع تقليص أعداد ودور المدارس السعودية فإن أثرها أيضاً تقلص بشكل كبير وملحوظ. فهذه المدارس هي النافذة الرسمية الوحيدة إلى دين ولغة ووطن هؤلاء الأطفال.
 وقد سمعت قصصا ووقفت على حالات كثيرة تعتبر مؤشرات لخطر يجب اعتباره. فأحد الأبناء يقول لأبيه إنه ينتظر السانت كروز ليضع له الهدايا في الكريسماس. وآخر قد اتخذ له خليلة Girlfriend. وثالثة تخاف من العودة لبلدها لأنها لن تتحجب والسبب عدم تعودها لا عدم قناعتها. وآخر يعتبر أنّه اعتاد على تقاليد وعادات أخرى.
 بل وصلت القضية إلى أن تحذر المدارس في تلك البلاد أولياء الأمور من هذا الأمر. فتحذرهم من أن يتحدثوا مع أطفالهم باللغة الإنجليزية بأن يقولوا اتركوا تعليم اللغة الإنجليزية علينا وعلموهم لغتهم الأم.
 وحين نطرح المشكلة فإننا نلفت الانتباه وننشد حلا توافقيا بين جهود الحكومة من هذا الجانب ممثلة في الملحقيات الثقافية والمدارس السعودية والأندية التابعة لها أن يكون هدفها الأول هو تعزيز الهوية الوطنية العربية الإسلامية لدى أبنائها. ومن جانب آخر بتشجيع الآباء للحرص على إدراك أبنائهم ببرامج أسرية تربوية تجعلهم أكثر ارتباطا ببلادهم ولغتهم وعاداتهم وقبل ذلك بدينهم.
 وقد أعجبني أحد الآباء الذي عود أبناءه وبناته على اجتماع أسبوعي يقرئهم سورة قصيرة ويقرأ عليهم قصة أدبية أو تاريخية أو يدربهم على بعض الواجبات كالوضوء وصفة الصلاة.
 إننا حين نناقش هذا البعد الذي يعيشه أبناؤنا في بلاد الابتعاث فإننا ننظر إلى حال ما بعد الابتعاث. فدوام هذا الوضع وتفاقمه سيحدث انفصاما ثقافيا يعيشه هؤلاء عند رجوعهم.
 فلا نريد أن نزرع بأيدينا بذرة يكون حصادها جيلاً غير منتمٍ لبلاده ولغته ودينه.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية