المعايير الثقافية: العنف يعيث في الأرض فساداً- القسم الخامس


 

إلى أي مدى وصل الإعلام؟ تقدمت المحطة التلفازية العامة KQED عام 1991طلباً إلى المحكمة لتعطيها الإذن بعرض عمليات الإعدام العامة مبررة ذلك بأن هذا يقع تحت المادة الأولى من الحقوق، وحق الجمهور "أن يعرف" وقد رفضت محكمة كاليفورنيا العلياAngelo and Hollis,1991).) ويمكن للإنسان أن يتخيل أن الأطفال ومن هم دون العشرين نسخوا هذه الإعدامات لتشاهد فيما بعد.
يذكرنا ميدفيد Medvedفي كتابه هوليوود وأمريكا الصادر عام 1992 أن "أكاديمية الأفلام والفنون والعلم قد منحت واحدة من أكثر جوائزها وجاهة لصمت الحملان" (ص.164). وهذا واحد من أفضل الأمثلة على المدى الذي تذهب إليه وسائل الإعلام لتقديم المثلث الذي يقول إن الجمهور يتشوق إليه كما يظهر في صمت الحملان. ففي هذا الفيلم يعرض على الجمهور عملية التشريح كما يقدم للجمهور جسد الضحية المنتفخ والعاري ويظهر الجثمان أخضراً وأسوداً وأزرقا، وجلد الجثمان ممزق في أماكن كثيرة من قبل مجرم مجهول، فالجمهور لا يحضر عملية التشريح فقط بل إنهم يشاركون في إجراءات التشريح البطيئة ومنهجية التشريح. ويجب علينا هنا أن نتساءل عن الحاجة لمثل هذه العملية لتكون جزءاً من قائمة الترفيه الذي يقدمها الإعلام العام؟
ويضيف ميدفيد (1992) "هذا الانجذاب نحو امتداح أكثر أشكال الترفيه إثارة وإزعاجاً أصبح الآن هو الذي يسيطر على صناعة السينما، وأصبح واضحاً بمالا مزيد عليه أن هذا الاتجاه يتضمن أكثر من مجرد قبول القبح على أنه جزء من الواقع بل زاد إلى تمجيدها بصفتها المثال الأعلى للجمال"(ص163( وبصفتنا باحثين ومربين وأطباء وممارسين فإننا نحتاج أن نفحص لماذا يبدو أن مجتمعنا يحتاج إلى أن ينظر إلى هذه الأنواع من الأحداث على أنها الشيء الطبيعي وليس الاستثناء المتطرف.
وقد أصبخ استنكار الناقد ستيفن فاربر Stephen Farber لفيلم صمت الحملان منسياً ضمن الجوائز والتكريم التي نالها الفيلم. ونظراً لكثرة الجوائز فقد كان من المستحيل مراجعته على أنه منحرف وقطعة عوجاء من الحياة التي قدمها. ويؤكد ميدفيد Medved على أن المجد الذي ناله ليس على الرغم من قبحة ولكن لأنه كذلك  )ص. 162، 243).
ويقرر ميدفيد (1992) أن الدافع القوي لأحداث هزة لدى المشاهدين بلغت مداها في السنوات الخمس الماضية، ويضع الخطوط العامة لعدد من القصص في السنوات الخمس الماضية التي تظهر أكل لحوم البشر على أنها جزء أساسي من خط القصة. ومن الأمثلة على هذا الجنون في صناعة الأفلام تظهر في كثير من الأفلام التي أنتجت مؤخرا بما في ذلك Cape Fear وFried Green Tomatoو Lucky Stiffو Consuming Passionو Society, Eat the Rich, The People Under the Stairs, and Alive,وغيرها كثير. ويبدو أن صانعي الأفلام لديهم حاجة لارتكاب الإهانة بهذه الطريقة.(Medved, p. 245)
ويذكر ميدفيد (1992) "أنّ بعض صنّاع السينما يستخدمون الآن مزيجاً من جنس المحارم وأكل لحوم البشر لجذب المشاهدين، ونتعرض لهذا الاتجاه في أفلام‘Voyager’ and ‘Sleepwalkers.’فتمجيد القبح ليس له حدود" (ص. 251)
ويصرح فاربر الناقد السينمائي الذي سبق ذكره في مجلة كاليفورنيا أنه "أصبح من اللياقة أن تمتدح فيلما لأنه عدمي ومروع وبلا أحساس." وأن أعظم الأفلام هي القتل بالدم البارد للفساد البشري (Medved, 1992, p. 162.)
وينظر علماء النفس إلى أن أكل لحوم البشر على أنها الغضب الأكبر النهائي ويريدنا الإعلام الجماهيري أن نعطى هذه الفكرة الموثوقية في ثقافتنا. ويتحدث أصحاب صناعة السينما في الرد على أتهامهم بأنهم يروجون للعنف خلال عرضه المستمر بلسان حاد قائلين:
1-"لم يدمّر أحد تدميراً جدياُ بسبب المناظر المتوالية أو الموضعات الهادئة في الأفلام" و
2-"إن إنتاجهم أكثر إزعاجاً وعنفاً والمحتوى الجنسي أكثر وضوحاً مما كان في السابق أنهم يستجيبون بطريقة أمينة وفنية للاتجاهات القوية في مجتمعنا"(Medved, 1992, p. 358).
هل يمكن حقيقة أن يكون أكل لحوم البشر متفش في الولايات المتحدة الأمريكية؟ أين هم أولئك الناس، ولماذا لم يخبرنا أحد بهذه المشكلة الاجتماعية المتفشية؟
ويذكر ميدفيد (1992) أنه في الأدبيات العلمية هناك براهين أكثر للارتباط بين عنف الإعلام والسلوك العدائي والعنيف. ومن بين الدراسات التي تمت في هذا المجال:تقرير الطبيب العام، وقد دامت دراسته خمس سنوات أعدتها رابطة علماء النفس الأمريكية تقدم أدلة دامعة للعلاقة بين مشاهدة العنف في التلفزيون وتبني مواقف عدائية وقيماً ونماذج سلوك عدائية وبخاصة لدى الأطفال. (Medved, 1992, p. 365).
ويحذر جننق براينتJennings Bryantمن جامعة ألباما Alabama من التأثيرات المتصاعدة حيث البناء المعرفي يتراكم غالبا دون أن يمكن اختراقه من نزول الماء الحمضي على التلفاز نقطة نقطة، ويحذر أن الآثار المتراكمة للتعرض ثابتة وبخاصة في مرحلة المراهقة (Medved, 1992, p. 365).
ويحذر باحثون آخرون أن الرسائل العنيفة موجهة للصغار جداً، وتعرض أساساً في البرامج الموجهة للأطفال، وليس الأطفال وحدهم الذين يتأثرون بمشاهدة العنف. ويؤكد راديشي Radecchi أن البالغين الذين يشاهدون التلفاز هم الأكثر ميلاً لشراء المسدسات ويؤيدون الحلول العسكرية لمشكلات العالم وكذلك يخطئون في تقدير كمية العنف في العالم (Medved 1992)
لا يمكن الهروب من تأثير الإعلام الإلكتروني ذلك أن هذا الإعلام يتسرب إلى نسيج المجتمع، وكلنا قابلون للتعرض لهذه الرسائل ولا نستطيع أن ندفن رؤسنا في الرمال ذلك أن الأدلة تأتينا من كل الاتجاهات في شكل سلوك أولئك الذين نتعامل معهم يومياً. وقد أشارت مقالة في مجلة التايمTime أن الأطفال يُغذون غذاءً مستمراً من العنف الذي يتم تمجيدة وأن "أفلام الكرتون التلفازية تظهر شخصيات تفقد الإنسانية وتشبه الآلات مثل الترانسفومر (المحولات) وشخصيات القوبتس تقوم بأعمال تدميرية. ولكن المشاهدين لا يرون أي عواقب لذلك حيث إن الضحايا لا ينزفون ولا يعانون. وبوصول الطفل سن السادسة عشرة يكون قد شاهد مئتي ألف حادث عنف بما فيه 33ألف حالة قتل" (Toufexis, 1989, p. 168).
وترسل الرسائل إلى الأطفال من ألحان موسيقى الروك(لفرق بنادق وزهور) وكتب الرسوم الكرتونية وأفلام القتل بالسكاكين الحادة التي تتضمن المناظر الفاضحة المثيرة جنسيا من التشويه والاغتصاب أو القتل أن هذا هو ما ينبغي أن يكون سلوكهم. هذا هو المفروض عليهم فعله، ويقول توفيكسToufexis "يصبح الأطفال ببساطة مؤيدين وليس المخالفين"(ص. 168) هذه هي الرسالة الثقافية التي يتعلمها الأطفال.

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية