التاريخ الخفي للحادي عشر من سبتمبر 2001مراجعة: عبدالسلام محمد الهتاري-


 

تحرير: بول زارمبكا

الناشر: إلسيفير،  2006

يأتي هذا الكتاب ضمن سلسلة بحوث في الإقتصاد السياسي التي تنشرها إلسيفير، وهو مؤلف من مجموعة من البحوث قام بها عدد من الباحثين المهتمين بتاريخ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 وما تمخضت عنه من نتائج وخيمة استهدفت في الأساس العالم الإسلامي ورمت إلى تغيير طبيعة النظرة  إلى الإسلام كدين؛ وكذلك ملابسات ذلك الحدث  الذي يعتبر أبرز نفطة تحول في علاقة الغرب بالشرق الإسلامي وتداعيات ذلك التحول على مستقبل علاقة الإسلام بالأديان والحضارات الأخرى. لقد استطاع الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية أن يجند العالم بأسره بما في ذلك الدول الإسلامية في معسكر كبير في ما يسمى "الحرب على الإرهاب" ، إذ قام بوش بتقسيم العالم إلى معسكرين لا ثالث لهما: معسكر الخير الذي يضم الولايات المتحدة وحلفائها ومعسكر الشر ويضم كل من لم يدخل تحت لواء الولايات المتحدة الأمريكية، في ثنائية صلبة لا تقبل الجدل ولا تسمح حتى بالحياد إذ أطلق بوش الغطرسة الأمريكية على إرسالها للعالم أجمع في خطاب لا يخلو من التهديد: "من لم يكن معنا فهو ضدنا". فسارعت دول العالم، وفي مقدمتها الدول الإسلامية، بتأييد حملة بوش على ما أسماه "قوى الظلام" و"الإرهاب" و "الرجعية"، إلخ. والإنضواء تحت رايته. فشنت الولايات المتحدة الأمريكية هجمة شرسة على الإسلام والمسلمين بذريعة الحرب على الإرهاب الذي أصبح مرادفاًُ للإسلام في الخطاب  الغربي، بل والعالمي، السياسي والإعلامي والأكاديمي على حد سواء. فعلى الصعيد السياسي لا تخلو خطابات المسؤولين من التنويه لربط الإرهاب بالإسلام وإن تظاهرت بغير ذلك، ودور وسائل الإعلام في الحديث عن بن لادن وتنظيمه المزعوم أعطياه بعداً أسطورياً لا يضاهيه التنين الصيني ولا قوات العالم السفلي. أما على الصعيد الأكاديمي والفكري فقد بلغت محصلة ما كتب عن  الإرهاب باللغة الإنجليزية وحدها أكثر من 5000 كتاب، معظمها يربط بين الإسلام والإرهاب.  

وهذا لا يعني بطبيعة الحال أن إلصاق تهمة الإرهاب بالإسلام جديدة على الخطاب الغربي فقد كانت حاضرة فيه حضوراً ملحوظاً منذ الثمانينيات، ولكنها أصبحت أكثر حدة بل واحتلت أولوية مفردات ذلك الخطاب منذ الحادي عشر من سبتمبر، حيث قامت الولايات المتحدة بشن ما أسمته بالحرب ضد الإرهاب بشكل سافر وغير مسبوق  في تاريخ علاقة العالم اِلإسلامي بالولايات المتحدة على وجه التحديد. ولعل إحدى أهم آثار الربط الأمريكي بين الإسلام والإرهاب هي عولمة هذا الربط، والذي يأتي في إطار عولمة المشروع الحضاري  الغربي بشكل عام، حيث أصبح ربط الإرهاب بالإسلام أو على الأقل ربط الإرهاب بتنظيم القاعدة المزعوم ـومن ثم ربطه بالإسلام على أية حال ـ هو الأسلوب المقبول والمتبنى في جميع وسائل الإعلام العالمية، ومنها العربية للأسف الشديد، دون تمحيص للأحداث أو حتى التعبير عن الشك في مصداقية تقارير الإدارة الأمريكية.

لقد اكتنف أحداث الحادي عشر من سبتمبر الكثير من الغموض وعدم الشفافية من جانب الإدارة الأمريكية في تحقيقاتها وتقاريرها وتصريحاتها في الكشف عن هويات مرتكبي أحداث الحادي عشر من سبتمبر. ولم يتساءل سوى قلة من المفكرين المسلمين وغير المسلمين على حد سواء عن مدى مصداقية الإدارة الأمريكية في زعمها عن أن تنظيم القاعدة هو المسؤول عن تلك الهجمات. فيما سارعت الأغلبية القصوى من المفكرين العرب ووسائل الإعلام العربية إلى تبني النموذج الأمريكي وإعلان ابن لادن مسؤولاً عن تلك الهجمات دونما تروٍ أو تمحيص أو حتى إزواء حاجب استنكاراً لتلك المغالطة الأمريكية؛ بل بلغ الأمر أبعد من ذلك إذ سارعت الدول العربية والإسلامية عموماً للاصطفاف خلف أبطال الكابوي معبرين عن إخلاصهم في حملة الحرب على الإرهاب مسخرين في سبيل  ذلك كل إمكاناتهم.

يأتي هذا الكتاب ليقتلع الأسطورة الأمريكية عن الحادي عشر من سبتمبر من جذورها ويميط اللثام عن مسرحية العصر ويطرح الحقيقة عارية مجردة أمام القارئ إذ يطلعه بأسلوب علمي هادئ على واحدة من أفظع جرائم بوش الصغير وأكثرها انتهازية وهي ارتكاب جرائم إبادية كي يتخذها مطية لارتكاب جرائم أفظع في "حرب صليبية" جديدة ضد العالم الإسلامي كما أطلق عليها في خطابه الذي ألقاه بمناسبة استئناف القوات الأمريكية وحلفائها شن الحرب على أفغانستان. ينطلق المؤلفون من فرضية التشكيك بالإدعاء الأمريكي الرسمي أن "تنظيم القاعدة" كان المسؤول عن تلك الهجمات، ثم يتدرج في تفنيد التصريحات الأمريكية ونتائج تحقيقات لجنة الحادي عشر من سبتمبر بحشد عدد كبير من الحقائق التي تم تجاهلها عمداً أو إسقاطها أو التغطية عليها من قبل الإدارة الأمريكية و لجنة التحقيقات مثل الكشف عن الهويات الحقيقية لخاطفي الطائرات المزعومين وتتبع سيرتهم قبل تلك الأحداث مبيناً علاقتهم بشخصيات كبيرة داخل الإدارة الأمريكية، وتدعيم تلك الحقائق بأدلة علمية صارمة وبشهادات شهود عيان تم التعتيم عليها أيضاً، وكل هذا بتدرج منطقي وتسلسل زمني جذاب.

يتناول الجزء الأول من الكتاب دراسة تفصيلية لخاطفي الطائرات مبيناً التناقضات في التقارير الأمريكية الرسمية وتعديل القائمة الأولية للـ "إف. بي. آي." (مكتب التحقيقات الفيدرالي) بأسماء الخاطفين. ثم يتناول شخصيات الخاطفين بالدراسة والتحليل ويركز على أنشطتهم داخل الولايات المتحدة وخارجها وعلاقة بعضهم بمسؤولين كبار في الإدارة الأمريكية. ومن الحقائق المهمة التي يتوصل إليها الباحث هي أن الإدارة الأمريكية غررت بمجموعة من عملائها الذين انتحلوا شخصيات أناس آخرين وسهلت لهم تنفيذ الهجمات على برجي مركز التجارة العالمي  والبنتاجون.  ويستدل الباحث على ذلك بأن عشرة من التسعة عشر خاطفاً الزعومين ثبت أنهم أحياء بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. يثير الباحث عدداً من الإشكاليات المتعلقة بهويات الخاطفين وخلفياتهم وأنشطتهم والدقة في ضرب الأهداف المزمعة ثم يناقشها بأسلوب علمي ويدعمها بشهادات الخبراء المتخصصين في مجالات علمية عديدة تبين زيف التقارير الرسمية للإدارة الأمريكية  ولجنة الحادي عشر من سبتمبر؛ كما يورد الباحث شهادات عدد من الذين عرفوا الخاطفين واحتكوا بهم وتعاملوا معهم ليستنتج أن هؤلاء أشخاص مرتزقة انتحلوا شخصيات أناس آخرين أبرياء بمساعدة الـ "سي آي اي" والـ  "إف بي آي".

يعود الباحث ليبدي هشاشة الأدلة الأمريكية مبيناً مشاكل التوثيق لا سيما في أشرطة الفيديو التي تظهر بعض الخاطفين المزعومين أثناء استكمال إجراءاتهم في المطارات والصعود إلى الطائرات التي يبيتون اختطافها. وكذلك شريط الفيديو الذي يظهر فيه بن لادن معلناً مسؤولية "تنظيم القاعدة" عن الهجمات والذي يظهر بجلاء الاستخفاف الأمريكي بالعالم أجمع  حين يمرر عليه مسرحية هزلية على أنها حقيقة ثابتة. ومن الأمثلة الطريفة التي يوردها الباحث زعم الإدارة الأمريكية عثور سلطات المطار على وصية محمد عطا التي وضعها في إحدى حقائبه؛ ويعلق على ذلك قائلاً: "إذا كان عطا يعلم بأنه سيقوم بخطف طائرة الخطوط الجوية الأمريكية (الرحلة 11) والارتطام بها، وبأن كل شيئ سيحترق إلى آخر ذرة (ولا شك في علمه بذلك)، فلماذا إذن سيأخذ وصيته ضمن أشياء أخرى في أمتعته؟"

يشمل الجزء الثاني من الكتاب ثلاث دراسات تتركز في مجملها على صباح الحادي عشر من سبتمبر، إذ تتناول كل دراسة جانباً مما حصل في ذلك اليوم. وتسرد الفصول الثلاثة تفاصيل دقيقة عن الأحداث وتناقشها بشكل موضوعي وتخلص إلى الاستنتاج بأن الهجمات من صنع الـ "إف بي آي" والـ "سي آي اي". يتناول الفصل الأول تحليلاً مفصلاً لعمليات اختطاف الطائرات وضرب الأهداف؛ بينما يركز الفصل  الثاني على انهيار برجي مركز التجارة العالمي والمبنى رقم 7، مبنياً على أن هدم هذه المباني تم بما يسمى بطريقة "التهديم المنظم"، ويسوق أحد عشر مظهراً لمثل هذا التقويض المنظم ويدعمها بشهادات الخبراء وروايات شهود العيان التي أغفلتها الإدارة الأمريكية وتقارير لجنة التحقيقات. يعرض الفصل الثالث للتدريبات العسكرية عشية الحادي عشر من سبتمبر والتي تواصلت حتى في ذلك اليوم حيث جسدت تلك التدريبات تواطؤ الإدارة الأمريكية وارتكابها لتلك الهجمات.

يضع الجزء الثالث من الكتاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر في سياقها التاريخي متناولاً اختلاق الإدارة الأمريكية لما أسمته "تنظيم القاعدة" إبان نهاية الحرب الباردة  وبحثها عن عدو جديد، وماكيافيللية إرهاب الدولة في اختلاقها لذرائع لتنفيذ مخططاتها الاستعمارية والتزييف الرسمي للتاريخ، ثم تضخيم ظاهرة "رهاب الإسلام" (الإسلاموفوبيا) كذريعة للتوسع الأمريكي الإمبريالي على التوالي. ويشكل هذا الجزء جوهر الكتاب إذ يعطيه بعداً فكرياً وعمقاً أدبياً يرتفع به فوق الأسلوب الإستجوابي المحض؛ كما أنه يأخذ القارئ بعيداً عن ضوضاء مسرح الأحداث وصخبها ليخاطبه خطاباً فكرياً يتسم بالعمق والفهم الشامل لمجريات التاريخ الإمبريالي ووسائله وأدواته وأهدافه. وبهذا فهو يوصل القارئ إلى فهم أبعاد السياسة الأمريكية الإمبريالية وانتهازيتها إذ يستشرف مستقبل تلك السياسة بغرض إيقاظ الضمير الإنساني بشكل عام والضمير الغربي بشكل خاص للوقوف في وجه تلك المطامع الإمبريالية والتنبه إلى مثالبها.

إن الكتاب قراءة متأنية للسياسة الإنتهازية الأمريكية وسعيها الحثيث لتحقيق أطماعها بأساليب بشعة جاعلة من إفلاسها الأخلاقي الوسيلة الأولى في هذا الطريق. كما يشكل الكتاب أيضاً دعوة لإعادة النظر في مفاهيم الإرهاب وتنظيم القاعدة والحرب على الإرهاب وظاهرة رهاب الإسلام، إلخ، ووضع الأمور في مسارها الصحيح. نأمل أن يحدث هذا الكتاب مراجعة الإعلام العربي والفكر العربي والحكومات العربية لهذه المفاهيم بدلاً من الترويج لأساطير "تنظيم القاعدة" و "الحرب على الإرهاب" وغيرها من المفاهيم التي تم صكها في دهاليز البيت البيض ومراكز البحوث التابعة له.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية