الإعلانات في الأردن داء أصاب الجميعا


          ما كدنا نستقر في الشقة حتى بدأت تغزونا صحف الإعلان المجانية، وقد قرأت ذات مرة أن الصين واليابان تتابع كل منهما ما يصدر من صحف في البلد الآخر ويقرؤون كل شيء في تلك الصحف حتى القصص الكرتونية (لم تبدأ في صحفنا العربية بعد، وإن كانت صحيفة أرب نيوز لديها مثل هذا) والإعلانات. فقررت أن أمضى وقتاً مع صحيفة الوسيط الإعلانية وصحيفة أخرى أظنها الممتاز.

          تصفحت الجريدة فوجدت أن الغلاف الأخير (عادة قراءة الصحف من الأخير حين كانت الصحف تختار المتميزين من الصحف لتلك المساحة) يحمل إعلاناً لإحدى شركات الهاتف المحمول أو النقال أو الخلوي. وكان الإعلان عن جوائز بمئات الآلاف من الدنانير وصورة رجل مبتسم رافعاً قبضتيه علامة الكسب والفوز بكل تلك الأموال. والإعلان مكتوب بالعامية ( صيف أغنى من ما بتتصور بمئات آلاف الدنانير من .....) وكل ما عليك فعله أن تضغط على الرقم 242، ومن الطريف أن هذا الرقم هو قرار مجلس الأمن الذي يطالب انسحاب إسرائيل من أراض عربية (وليس من الأراضي العربية التي احتلتها عام 1967م، وكأن ما قبل ذلك حلال عليهم) فلماذا يربطون الفوز بالآلاف برقم مشؤوم.

          ولفت انتباهي كثرة إعلانات التدريب وتطوير الذات وزيادة القدرات الذهنية وتطوير الذات ويقول أحد هذه الإعلانات إنك حين تلتحق بدوراتنا تستطيع أن تستوعب المواد الدراسية وتصبح الكيمياء والفيزياء والرياضيات كأنها شربة ماء، ويقول الإعلان إن بعض من التحق بدوراتنا حققوا درجات 50/50 في هذه المواد (مع أن طريقة حساب الدرجات من 100). فأحد إعلانات التدريب الذهني وزيادة القدرات التذكرية يقول الإعلان 78940398529هل تريد أن تحفظ هذا الرقم بمجرد سماعه مرة واحدة نحن نقدم لك دورة مهارات الحفظ والتذكر لمن هم في سن ما بين السادسة عشرة والستين (خرجت من المقصودين بالإعلان) ويضيف الإعلان: هل تريد أن يكون ابنك الأول في صفه؟ دورة حفظ كتب الثانوية (أما الفهم والاستيعاب فيفتح الله) ويقدمون لك رجلاً طوالاً (أو هكذا يبدو) بلحية كأنها مرسومة بالقلم وابتسامة ويطلقون عليه الخبير الدولي الدكتور فلان. وأحب أحياناً أن أطبق معايير علم الفراسة فأرى فيه شيئاً من النصب والاحتيال.

          وأعجبني من إعلانات التدريب والإعلانات العلمية ناد يقدم دورات في حفظ القرآن الكريم مستشهدين بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم (خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه) ولكن أزعجني أن مدرسة تعلن عن نفسها أنها تتميز بالاهتمام الجاد والحرص على تنمية القيم الوطنية الأصيلة والدينية. فقلت ألا يكفي أن يربّى الإنسان على قيم الإسلام فهي أعظم من الوطنية وهل ثمة قيم وطنية أصيلة واخرى زائفة؟

          وهناك دورات لتطوير الذات في مجالات يطلبها سوق العمل (مصيبة كبرى في العالم الرأسمالي) فما عليك سوى أن تلتحق ببرامجنا لتضمن الوظيفة وفي عالمنا العربي المبتلى بالبطالة أو البطالة المتفشية فالناس أو كثير منهم يحلم بالوظيفة. ومن الدورات لتطوير الذات تعلم مهارات الحاسب والطيران واللغة الإنجليزية (لو أصبحنا كلنا نتحدث الإنجليزية هل سنصنع الصواريخ والطائرات والسيارات، ولو كان ذلك صحيحاً لما رأيت أفارقة في تلك القارة يرطنون الفرنسية والإنجليزية وحالهم هي حالهم.

          وثمة نوع آخر من الإعلانات وهي إعلانات الأكل وعلى الرغم من أنني دونت أسماء المطاعم المعلنة فلن أقدم لهم دعاية لا مجانية ولا مدفوعة فعدد المطاعم المعلنة كثير كثير جداً وكأننا لا تقودنا إلاّ بطوننا، وكأنه لم يعد في البيوت طبخ ولا طعام. وهذه مصيبة تعاني منها دول كثيرة حيث عزوف ربّات البيوت عن الطبخ إن بقي ربّات بيوت. ومازلت أذكر أحد المطاعم في جدة التي تأتيه المعلمات والمعلمون وأزواج النساء العاملات وغير العاملات حتى أصبح المطعم يتفنن في طبخ كل ما يخطر على بالك من طبيخ البيوت.(بامية، ملوخية، كوسى محشي، رجلة، سبانخ، مكرونة ومكرونة بالباشميل، وغيرها.

          ونوع آخر من الإعلانات هو عن الأثاث الجديد والأثاث المستعمل وفي زمن العيشة الضنكى والأزمات الاقتصادية هنا وهناك فقد أصبح سعر الأثاث الجديد باهظاً فلا بد من البحث عن المستعمل. ولكن خبراء الصحّة يحذرون من الأثاث المستعمل أن يكون مليئاً بالجراثيم.

          وشدّ ما أزعجني إعلانات الاتصالات أو شركات الهاتف النقال بصفة خاصة وهذه الشركات شرسة بمعنى الكلمة ولقد أصبحنا في زمن الكلام وهل هكذا نحن أمة كلام أو يصدق علينا قول الشاعر وما ترانا نقول إلاّ معاداً من قولنا تكرارا. أو كما يقول الشاعر الشعبي (ما حلى كلام العرب لولا تراديده)

          ومن الجهات التي تعلن بغزارة أو بكثافة إعلانات السياحة والسفر والناس لا يكادون يستطيعون المشي على الأقدام وهؤلاء يعطونهم الفرصة للحلم برحلة إلى المالديف والسيشل وهونولولو وغيرها  فمن الدول التي تضمنتها الإعلانات: إسبانيا وتركيا وتايلاند وسيريلانكا ولبنان وأمريكا ولندن وباريس والقدس لقضاء ليلة القدر وعيد الفطر في القدس المحتل.

          ولفت نظري أيضاً إعلانات الرياضة وهو أمر لطيف أن يتعلم الإنسان رياضات الدفاع عن النفس والسباحة وقد استخدم أحد الإعلانات القول المنسوب لعمر بن الخطاب رضي الله عنه (علّموا أبناءكم الرماية والسباحة وركوب الخيل)

          وكان ثمة جانب وددت أن أتصفحه أكثر وهو الإعلانات الفردية ولكني أعرف بعضها فهناك من يريد أن يشتري سيارة أو أية آلة أخرى فيضع المواصفات التي يريد، وهناك من يعلن عن بيع سياراته وقد وجدت تلك الإعلانات مبوبة وفقاً لأنواع السيارات. والغالب في الباعة أنهم يذكرون أن سياراتهم في حالة ممتازة والقليل من يذكر أنها جيدة أو متوسطة مثلاً. ولا أدري هل لدينا ثقافة بيان العيب؟ ففي أسواق حراج السيارات في بلادنا يقول الدلاّل السيارة مصدومة مبوّشة أي تحتاج إلى توظيب كامل (عمرة عند المصريين) ثم يضيف الحاضر الناظر . فأتعجب أننا في السعودية نتعلم في المدارس أن على البائع أن يبين عيب السلعة وإلاّ كان من حق المشتري إعادة السلعة أو أخذ أرش العيب إن قبلها. ونعرف أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن التصرية (لن أشرحها)

           وما لم أجده في هذه الإعلانات المجانية إعلانات الزواج ولعل لها صحف أخرى لم أطلع عليها ولكن هذا الباب من الأبواب المهمة في صحف الإعلانات المجانية في الغرب رجال يبحثون عن نساء ونساء يبحثن عن رجال وعلى الرغم من توفر فرص اللقاء بينهم ولكن أتعجب من إصرارهم على هذه الإعلانات. (ثم صارت الإعلانات في الغرب عن العلاقات الشاذة المنحرفة)

          وثمة نوع من الإعلانات أو الدعاية لم يزعجنا كثيراً وهو مندوبي الدعاية الجوالين حيث طرق الباب أحدهم وقال بأدب احترامات سيدي وآسف على الإزعاج وقبل أن يكمل قلت له إقامتنا في هذه البلاد مؤقتة ولا يهمنا ما تقدمه. وكان المزعج التوقيت فقد كنّا نتناول طعام الغداء فما كنت مستعداً لأقطع طعامي لأستمع إليه.

         

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية