لو لم يكن اسمي فرانسوا

                                       بسم الله الرحمن الرحيم

 من الأمور التي يتميز بها الإعلام الغربي في وسائله المختلفة من إذاعة وتلفاز أنه يسعى إلى المتخصصين ليسألهم رأيهم في القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تهم جمهور المشاهدين والمستمعين. وحول أوضاع الجزائريين في فرنسا كان لهيئة الإذاعة البريطانية لقاء مع البروفيسور فرانسوا بورغات حول معاملة الحكومة الفرنسية للمسلمين المقيمين في فرنسا سواءً من ذوي الأصل المغاربي أو الفرنسيين الأصليين فأبدي فرانسوا رأياً صريحاً بأن المسلمين يعانون من أنواع كثيرة من التفرقة ضدهم. وأضاف لو لم يكن اسمي فرانسوا لاعتقلتني السلطات الفرنسية منذ زمن بعيد فهم لا يعجبهم أن ينتقدهم أحد بمثل انتقاداتي.

     وقبل أيام استضاف أحد برامج راديو وتلفزيون العرب عدداً من المغتربين في فرنسا وأوروبا وتحدث أحدهم عن الهجمة الكبيرة ضد الإسلام والمسلمين وكان متحمساً جداً ضد ما يعانيه المسلمون من معاملة سيئة. ومما ذكره أن أكثر من مليوني جزائري يعيشون في فرنسا منذ استقلال الجزائر بعد أن كانوا يحاربون في صف القوات الفرنسية ضد الجزائريين أنفسهم، هؤلاء –كما قال المتحدث- يعانون معاناة شديدة في الوقت الذي كان على فرنسا أن تحسن إليهم وتكافئهم على ما قدموه من خدمات لها. فها هم لا يستطيعون الرجوع إلى الجزائر ولا يستطيعون تحقيق حياة كريمة في فرنسا.

وذكر المتحدث في البرنامج الفضائي (ليت البرنامج يضع لوحة بالأسماء) أن معاداة الإسلام والمسلمين هي ديدن وسائل الإعلام الفرنسية ومن الأمثلة على ذلك أن صحيفة الحرية (Liberasion) الفرنسية نشرت خبراً عن قيام عامل مسلم جزائري بقتل زوجته لأنه شك في سلوكها وأنه استند إلى القرآن الكريم في ذلك. وقال المتحدث بأنه اتصل بالصحيفة وطلب التحدث إلى المحرر المسؤول، وسأله هل يمكن أن تخبرني عن النص القرآني الذي استند إليه القاتل في قتل زوجته فها هو المصحف بين يدي، ثم أضاف ولكني أجد أن القرآن لم يسمح له بقتلها وإنما طلب منه أن يأتي بأربعة شهداء وأن يرفع أمرها إلى القضاء الإسلامي. وهنا بدأ المحرر بتوجيه سيل من الشتائم للمتصل. وأضاف المتحدث يمكنك في فرنسا أن تصل إلى أعلى درجات المجتمع إذا كنت عربياً وكان اسمك جورج أو ميتشال أمّا أن يكون اسمك محمد أو محمود أو حامد فمن المستحيل أن يتقبلك المجتمع الفرنسي.

    وقريباً من هذا الحديث ما ذكره البروفيسور المسلم الألماني مراد هوفمان رحمه الله في محاضرته القيمة التي ألقاها في مهرجان الجنادرية قبل عدة أعوام بعنوان (العقلية الأوروبية والإسلام ) تناول فيها ما أطلق عليه السوق المركزي للأديان وتنوع المعتقدات في المجتمعات الأوروبية وأنها أصبحت تعددية بالفعل كما نادي الملك البروسي فردريك الثاني في القرن الثامن عشر بأنه يجب أن يسمح لكل إنسان أن يسعى إلى الخلاص بطريقته الخاصة وقد حدث هذا بالفعل وختم عبارته بالقول: "يمكنك أن تتبع الماركسية الجديدة… أو أن لا تتبع أي دين أو تكون ملحداً أو لا أدرياً ولا أحد يهتم بذلك ولكن عليك أن تحذر شيئاً واحداً : أن لا تكون مسلماً. وفي الحقيقة إن التعددية الحديثة وتسامحها المطلق يختفيان بحدة في وجه الإسلام."

 وقدم هوفمان أمثلة على عدم تسامح المجتمعات الأوروبية مع الإسلام ومن ذلك أنك إن أردت أن تبني مسجداً فلا بد أن تتدخل البلدية بحساب كل متر من ارتفاع المنارة ويزعمون أن مصانع الإسمنت وغلايات الغاز تناسب البيئة الأوروبية وليس المنارة. ولو كنت مسلماً فعليك أن تحصل على تصريح للحصول على لحم حلال ويرفض طلبك بينما يستثنى اليهودي من الذبح بحجة أنه من الشعائر الدينية.

ولمزيد من الأمثلة فانظر كيف يعامل الإعلام الإرهاب والتطرف فإنه لم يطلق قط على هتلر بأنه "كاثوليكي" أو ستالين "النصراني الأرثودوكسي"، ولم يطلق على فرانكو "الكاثوليكي الفاشي". ولكن إن ظهر مسلم مسلح فسوف يطلق عليه " مسلم متطرف" حتى لو كان ملحداً أو شيوعياً أو نصرانيا فلسطينيا".

     تناولت في السطور السابقة صوراً من نظرة الغرب إلى الإسلام ومدى حقيقة تسامحهم وأكمل اليوم ببعض النماذج التي ذكرها الدكتور مراد هوفمان في محاضرته القيمة التي ألقاها في الجنادرية، كما أنقل بعض المقتطفات التي أوردها فهمي هويدي في مقالته في مجلة المجلة(16-22أغسطس1998) نقلاً عن كتاب هوفمان الجديد بعنوان: الطريق إلى مكة الذي صدر عن دار الشروق بالقاهرة.

 لقد ذكر هوفمان أنه حاول عزل جذور معاداة الإسلام في الغرب فحددها بأربعة عوامل هي: العقلية الغامضة والأبلسة، والعقلية الصليبية، والصدمة الصليبية وداء الإهانة والحسد بما في ذلك الغيرة الجنسية ورابعاً القلق الخاص من العرب والأتراك.  ويضيف بأن هذه العناصر الأربعة هي التي تكون العقلية الأوروبية ولا يعني ذلك أن عداء الإسلام يجري في الدم ولكن هذه العناصر متوارثة وهي التي تكون الذاكرة الجمعية للأمة.

 وتناول نظرة أوروبا إلى انتشار الإسلام باكتساح الممالك النصرانية ودخول كثير من النصارى الإسلام بالزعم أنه انتشر بالنار والسيف ومع بطلان هذا الافتراء تاريخياً إلاّ أن هذا الاعتقاد مازال موجوداً لدى البعض. أما الدفاع الآخر فإن أوروبا توجهت إلى الطعن في نبي الإسلام حتى إن المستشرقة الألمانية كتبت تقول :" لم يعرف التاريخ شخصية أثارت من الخوف والكراهية وحتى الاحتقار أكثر من شخصية محمد(صلى الله عليه وسلم ) في العالم النصراني وحتى دانتي في الكوميديا الإلهية عبّر عما يشعر به عدد كبير من النصارى في القرون الوسطى" ويضيف هوفمان بأن هذه النظرة ما تزال قائمة والدليل على ذلك ما كتبه سلمان رشدي واحتفال أوروبا به حتى عندما قالت آنا ماري شميل أن ما كتبه رشدي آذى مشاعر ملايين المسلمين انطلقت نيران الانتقاد لها في ألمانيا مما يبرهن أنه حتى في عام 1995 ما تزال غير صحيح سياسياً إظهار أي تعاطف وتفهم للإسلام."

وتناول هوفمان العقلية الغربية التي ترى أن أوروبا هي مركز العالم وأن جذور الحضارة الأوروبية تعود إلى اللاتين واليونان متجاهلين تماماً التأثير الإسلامي مقنعين أنفسهم أن حضارتهم أو ما يطلق عليه (مشروع التحديث) من الأفضل أن نطلق عليها طريقة الحياة الأمريكية) هي الأفضل وهي قمة الحضارة ولا بد أن تسود العالم.

وتناول هوفمان العقلية الصليبية وتأثيرها في نظرة الأوروبيين إلى الإسلام وقال :" إن العقلية الصليبية مستيقظة جداً وحية وهي التي تفسر الإمبريالية الثقافية التي ظهرت في كتابة فرانسيس فوكوياما وصموئيل هنتنجتون. وتتلخص نظرتهم بأن العالم الإسلامي سوف يختفي عاجلاً أو آجلاً أو يصبح هامشياً وهذه الأفكار يمكن أن نعيدها إلى تفكير ما يمسى عصر التنوير الأوروبي."

ومهما كانت الأوضاع فعلينا أن ننظر بعدل إلى المسألة فقد أتيح للمسلمين من حرية العبادة في أوروبا وممارسة الحياة الكريمة ما لم يتح لهم في عدد من الدول العربية الإسلامية. وقد حصلوا على اعتراف بعض الولايات الألمانية التي قدمت الدعم للمدارس الإسلامية وحصل مثل هذا في بريطانيا بعد معركة طويلة قادها يوسف إسلام. ولذلك فإن ما كتبه الأستاذ عبد الحليم خفاجي بعنوان المستقبل للإسلام في أوروبا وكذلك ما صرّح الدكتور حتحوت (ونقله الدكتور زهير السباعي في مقالته (المدينة المنورة 23ربيع الآخر 1419) بأن أمريكا أرض خصبة لبث الدعوة فيها حتى ظهر من بين المسؤولين الأمريكيين من يعلن بأن الإسلام إذا انتشر في منطقة فإنها تصبح متميزة بالروابط الاجتماعية القوية بين أفرادها وتصبح نظيفة من الجريمة والمخدرات والزنا (تصريح للسفير الأمريكي في لقاء في جدة قبل سنتين أو أكثر)

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية