لقاء منتدى طلاب وطالبات جامعة الإمام

تقديم: كنت ذات يوم نشطاً في منتديات الطلاب قبل أن أنشط في تويتر وفيس بوك والمدونة، ورغب طلاب وطالبات جامعة الإمام استضافتي في منتداهم فأمطروني أسئلة وأمطرتهم إجابات، وكان بعضها صريح ظننت أن المنتدى لا يتحمله، ولكني عرفت ان الدكتور عبد الملك آل الشيخ كان مشرفاً عليه وقد أكون مخطئا فكان لهم بعض الحرية وإليكم اللقاء في جزئه الأول لأنه طويل


      الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً وبعد

      فأتقدم لكم في هذا المنتدى المبارك الذي فتح أبواب الحب والخير والبركة لي ولجميع الأعضاء بكل الشكر والتقدير والثناء، وأثني على الجهود الطيبة من الأعضاء جميعاً بلا استثناء، وإن كنت لا بد أن  أخص المشرفين فلهم جهد مبارك ملموس ومحسوس. وأشكركم على أن اخترتموني لأكون ضيفاً أرجو أن أكون ضيفاً خفيفاً. وما زلت أذكر كلمة لأبي رحمه الله (يخرج الضيف بذنوب أهل البيت) وسمعتها وأنا في سن صغير فكنت أتخيل الضيف يحمل تلك الذنوب، ولما كبرت علمت أن الله يغفر لأهل البيت إن هم أكرموا الضيف. وكيف لا وهم إن فعلوا ذلك استجابة لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بإكرام الضيف فلهم الأجر بذلك. وعندما قرأت جامع العلوم والحكم وكان أول حديث هو حديث (عن أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما الأعمال بالنيات ) الحديث فحتى لو أطفأ السراج وهو ينوي الامتثال لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فله بذلك أجر، ولو ارتدى الحذاء الأيمن قبل الأيسر أو لو جلس لربط الحذاء امتثالاً لكان له به أجر، وكذلك المضيف حين يكرم ضيفه أو يعطيه جائزته.

     ومن حقوق الضيف أن يتغاضى المضيف عن زلاته .. وقدمت هذه الكلمات حتى تسامحوني لو قصرت في الإجابة وسأحاول أن لا أقصر..وفيما يأتي الأسئلة كما جاءت منكم وإجابتي عنها:

     قبل أن أبدأ الإجابة أحب أن أقول كلمة عن اختيار المعرفّات أو الأسماء المستعارة، فأنتم تحبون اللغة العربية وأنا كذلك، وهذا منتدى طلاب جامعة الإمام التي عرفت بالتعليم الشرعي، فلماذا الأسماء الأجنبية، فأرجو أن يصدر قانون في هذا المنتدى وفي المنتديات العربية بضرورة استخدام أسماء عربية. هل في الدنيا لغة أجمل من اللغة العربية ولو كان في غيرها مليون شكسبير أو ملتون أو جوته أو غيرهم فلغتنا هي لغة أعظم كتاب أو كما سمّاه أحدهم كتاب الكتب.

س:  تابعت الكثير من مواضيعك المطروحة هنا و أغلبها عن تعرضك للظلم إن كان في تأخير ترقيتك أو منعك من السفر لحضور الندوات أو غيرها من العقبات في مسيرتك العلمية و ذلك لأنك كما يقال (لا تخشى في الله لومة لائم( سؤالي دكتور هل لو عاد الزمن بك إلى الوراء ستتخذ ذات الموقف ؟

    أولاً عبارة (لا أخشى في الله لومة لائم) كبيرة جداً علي، وإن كنت مارستها بعض الشيء ولكن أولئك الذين لا يخشون في الله لومة لائم لهم مواصفات لا أملكها، إنه إيمان يحرك الجبال ويهزها، إيمان يغير الشعوب والأحوال. أما أن أتخذ المواقف نفسها، فأعتقد أنه مهما كنت مقتنعاً من صواب ما فعلت فلا بد أن هناك بعض التصرفات التي كانت تحتاج إلى حكمة أكثر، ولكن كلما أقوله عن مواقفي أن فيها توفيق من الله عز وجل وحفظ. وإن نعم الله عز وجل عليّ كثيرة على الرغم مما تعرضت له من مصاعب. وما زلت أذكر أحد زملائي من الخطوط السعودية واسمه وجيه عبد الرحمن باريان عندما حدثته عن بعض ما واجهت في الكلية فقال لي: مازن استمر في هذا المكان فإنه ابتلاء وأرجو الله أن يكتب لك الأجر، فهل كان الأمر كذلك لن أستطيع أن أحكم وأرجو الله أن يجعل نياتنا كلنا خالصة لوجهه الكريم.

س: هل ندمت لأنك واجهت المسؤولين بأخطائهم و تعرضت لما تعرضت إليه؟!

     لا لم أندم وأتمنى أحياناً لو كنت أكثر جرأة وشجاعة. لقد قال لي مرة الشيخ صالح سعود العلي بعد أن قضيت سنة في الرياض بعد نقلي التعسفي من المدينة المنورة بعد خلاف مع عميد المعهد قبل عام 1410هـ"ولا بد أنك قد تأدبت أو إن السّنة كانت كافية لتأديبك"،  فلم أقل شيئاً لأني كنت أريد أن أرجع إلى المدينة بعد أن قضيت سنة بعيداً عن أولادي وبيتي. كنت أتمنى لو قلت له: عيب يا شيخ صالح أن تقول مثل هذا الكلام، فأنا جئتكم وقد أدبني والدي، ومن قال إن مخالفة الرئيس في العمل سوء أدب. ولكن غيرها من المواقف لم أندم عليه والحمد الله على كل حال.
س: هل تتعلم من أبنائك؟

    نعم أتعلم منهم، وأذكر أن ابنتي أروى كانت تحضر معي خطبة الجمعة في مسجد الجمجوم في جدة وسألتها سؤالاً بعد الصلاة فقالت لي: أبي تعرف حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه) وهناك مواقف تعلمت من أبنائي فلهم خبرات لم أكسبها وعرفوا أشياء لم تصل إلى علمي.

س: بين التقديس المبالغ للعلماء و بين التشكيك بهم لدعم توجهات فكرية د. مطبقاني ما هو مفهومك لـ (لحوم العلماء مسمومة) ؟!

     إن من أهم ما يميز الأمة التي تريد أن تنهض وترتقي هي أن تقدر العلماء وتحترمهم، أليس هذا ما قرره القرآن من رفع شأن العلماء، وجعل الله عز وجل مكانة عالية للعلماء حينما قال في القرآن الكريم: (إنما يخشى اللهَ من عبادة العلماء) فأي أمة هذه التي تلوك ألسنتها لحوم علمائها لهي أمة متخلفة سيئة. لم ترتق هذه الأمة إلاّ حينما كان للعلماء مكانة بارزة. وهذه العبارة أفهم منها أن العلماء الذين أثنى عليهم الله عز وجل لن يرضى سبحانه وتعالى أن يكونوا عرضة للسفهاء، ولذلك سيخذل من يتعرض لهم بسوء.

س: لماذا اخترت برنارد لويس لتناقش أعماله في رسالة الدكتوراة ؟ و ما رأيك بكتابات مخالفه و منافسه (إن صحت التسمية) إدوارد سعيد؟

      كان اختيار برنارد لويس بناء على اقتراح الدكتور محمد حرب الذي عاصر معاناتي في اختيار موضوع رسالة الدكتوراه، فقد كان الأصل أو النظام يحتم أن أواصل في شمال أفريقيا أو الاستشراق الفرنسي لأن رسالة الماجستير كانت حول جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ودورها في الحركة الوطنية الجزائرية، ولكن كان لعميد المعهد حينذاك رأي مختلف وأن هذا الأمر يشبه (غنم جحا) – ولا أدري من أين عرف  غنم جحا- فعانيت طويلاً مع أساليب لم تكن شريفة ولا نظيفة في إبعادي عن ذلك التخصص. وهنا كنت في زيارة للدكتور محمد حرب في بيته في المدينة فاقترح دراسة برنارد لويس وبخاصة أن لويس كتب عن الدولة العثمانية وعن تركيا الحديثة ولكن كانت له كتابات كثيرة في التاريخ الإسلامي. ومن هنا ولد موضوع لويس، وقمت خلال مدة بقراءة كل ما كان في مكتبتي حول برنارد لويس وكل الإشارات في الهوامش حول لويس. وقدمت الخطة في ثلاثة أشهر وقبلت وكانت من أسرع الخطط قبولاً، وحين أرادوا أن يمنّوا علي بقبول الخطة بسرعة قلت لهم قرأت مدة ثلاثة أشهر بمعدل ثماني ساعات يومياً، ولم أحب أن أكون مغروراً  فأضيف (وبفهم).

    أما الفرق بينه وبين إدوارد سعيد فسعيد رجل أدرك خطورة الاستشراق في نظرته إلى الشرق عموماً وإلى الإسلام والمسلمين وربط بين المعرفة والسيطرة والاستبداد وعرف كيف أن المستشرقين في غالبيتهم العظمى كانوا أدوات في أيدي الحكومات الاستعمارية. وقد ركز دراسته على الاستشراق الإنجليزي والفرنسي ونال لويس هجوماً قوياً في كتاب إدوارد سعيد مما أغاظ لويس وجعله يكتب ضد سعيد ولكن بعد أربع سنوات مقالة طويلة ودار سجال على صفحات نشرة نيويورك تايمز لعرض الكتب. حتى إنه قيل لو كان إدوارد سعيد مسلماً لترحمنا عليه. وكان سعيد أكثر دفاعاً عن الإسلام من كثير من أبناء المسلمين المتغربين.

س: تتقن الإنجليزية و حصلت على دورة في تعليم اللغة الفرنسية هل تتقن غيرها من اللغات ؟!

      أعتقد أنني أتقن اللغة الإنجليزية أما الفرنسية فلا أعرف منها إلاّ القليل جداً وهذا ما كنت أتمنى  لو عاد بي الزمن لتعلمت عشر لغات,

س: لاحظت لقراءتي لسيرتك أنك انعطفت من الطيران إلى الاستشراق ما سر هذا الميل ؟

     كنت في الطيران كالطير في غير سربه، فقد كنت أكاديمياً بين أناس عمليين، ومع ذلك فقد تعلمت الكثير وكنت أفهم عملي جيداً ولكني بعد أن شعرت بلذة طلب العلم وأنا أعد رسالة الماجستير وأسافر هنا وهناك للبحث العلمي شعرت أن مكاني الحقيقي هو الجامعة. ولذلك ما إن حصلت على الدرجة  حتى بدأت البحث عن المكان المناسب، وكان لدي رغبة أن أعيش في المدينة المنورة وأكون قريباً من والدي حتى إنني لم أفكر يوماً أن أمتلك قطعة أرض في جدة أو أن يكون لي فيها بيت. وتقدمت إلى كلية الدعوة أو المعهد العالي للدعوة الإسلامية للحصول على الدكتوراه في الاستشراق وكان هناك من زكّاني عند مدير المعهد وأحمد الله على أنني انتقلت.

س: متى بدأت القراءة؟

    بدأت القراءة منذ وقت مبكر جداً فما زلت أذكر أنني كنت وأنا في الصف الثالث الابتدائي يستهويني أن أقرأ كتب الصفوف الأعلى، ثم بدأ والدي يأتي ببعض قصص الأنبياء لعبد الحميد جودة السحّار، وربما كنت في الرابع الابتدائي حينها.

س: وما الكتاب الذي قرأته أكثر من مرة غير القرآن الكريم؟

    لا أذكر كتاباً بعينه قرأته أكثر من مرة، ولكن هناك كتب يمكن الرجوع إليها أكثر من مرة حين يحتاج الإنسان إلى بحث نقطة معينة.

س: وما أول كتاب اقتنيته؟

    من الصعب أن أذكر كتاباً معيناً ولكن كان لدي كتاب (كيف الدراسة؟) ومازال لدى ابني غيث وعليه بعض الجداول التي كنت أعدها لتنظيم ساعات الدراسة، مع أنني أعتقد أنني لم أكن ألتزم بتلك الساعات، ولكن مجرد التفكير في تنظيم الوقت والمحاولة كان أمراً غير معروف في مجتمعنا في ذلك الوقت وربما حتى الآن.

س: وبمعدل كم تقرأ يوميا؟

    تختلف ساعات القراءة من يوم لآخر ولكن لا تقل عن ثلاث ساعات يومياً بين قراءة وكتابة.

س: وما أول كتاب اقتنيته؟

    من الصعب أن أذكر كتاباً معيناً ولكن كان لدي كتاب (كيف الدراسة؟) ومازال لدى ابني غيث وعليه بعض الجداول التي كنت أعدها لتنظيم ساعات الدراسة، مع أنني أعتقد أنني لم أكن ألتزم بتلك الساعات، ولكن مجرد التفكير في تنظيم الوقت والمحاولة كان أمراً غير معروف في مجتمعنا في ذلك الوقت وربما حتى الآن.

س:وهل توافق على أن يقرأ الإنسان كل شيء حتى لو لم يفهم فالمهم أن يقرأ والفهم يكون بقدر المستطاع ؟

   يجب على القارئ أن يعرف ما يقرأ حتى لا يكون في ذلك إضاعة لوقته، ولكني مع ذلك فمن أنصار القراءة، والقراءة، والقراءة. وقد كان لوالدي رحمه الله نصيحة سمعها من أحد أساتذته وهي لو لقيت ورقة في الطريق فالتقطها وليس مطلوباً أن تقرأ كل كلمة فلو قرأت الكلمة الأولى من كل سطر لزادت معرفتك عدة كلمات أو عدة تعابير جديدة. وأحياناً يقرأ الإنسان ما لا يخصه من معرفة أو موضوع جديد عليه فربما وجد فيه متعة وفائدة حتى لو لم يفهمه جيداً.

س: وعند قراءتك لكتاب ما هل تدون ملاحظتك ورأيك؟ أو بطريقة أخرى ما هي طريقتك في القراءة؟

    كنت أقرأ قديماً للقراءة ووجدت لدي أوراقاً فيها تعليقات على بعض الكتب ولعلي أفردها بمقال فيما بعد إن شاء الله. ولكني لا أكتب على الكتب فقد تعلمت من ابن عمتي المهندس إبراهيم الموصلي أن لا أخربش على أي كتاب وكم أتضايق عندما أرى خربشة على أي كتاب. وقد أعرت كتاباً لشخص فوضع خطوط تحت بعض الأسطر فغضبت منه جداً.

    أما الآن فأنا أقرأ عندما أعد بحثاً فلا أجد نفسي أقرأ كتاباً من أوله لأخره إلاّ قليلاً. وليس لي طريقة خاصة في القراءة فأقرأ جالساً على المكتب أو مستلقياً على المقعد وليس لي قراءة في السرير كما يفعل الناس فأحمد الله أنني حين أصل إلى السرير يسبقني النوم إليه، أو كما تقول زوجتي خديجة أن لدي زراً أديره عندما أريد النوم. وبالأمس نمت نوماً عميقاً قبل صلاة الجمعة وأنا جالس على الكرسي.

س: وهل عندك مكتبة خاصة أم اعتمادك على المكتبات العامة؟ وأي المكتبات تزور؟ وإن كان لك مكتبة خاصة منذ بدأت بجمع الكتب؟ وما الوقت المناسب للقراءة بالنسبة لك؟ وهل عندك خطة لما تقرأ؟ وهل باب الإعارة مفتوح عندك أم مغلق؟ لأسباب لا تخفى فقلة وعي بعض الناس تجعلك تقرر كهذا القرار.

    نعم عندي مكتبة خاصة، وأزور المكتبات العامة والمكتبات التجارية فهناك متعة عجيبة حين تقف أمام الرفوف تتصفح الكتب، فكم من إبداع جاء في أثناء التصفح. فكنت أتصفح الرسائل العلمية في جامعة برنستون ذات يوم فوجدت رسالة عن التنصير فأخذت نسخة منها وقمت فيما بعد بترجمتها، وكنت أمام الرفوف في مكان آخر فوجدت كتاباً مطبوعاً طباعة حجرية في الهند قبل أكثر من مائة سنة فأخذت نسخة منه ولما استشرت المتخصصين في التحقيق وجدت أنه يستحق التحقيق ففعلت ذلك. أما منذ متى بدأت جمع الكتب فمن المرحلة الثانوية ثم عندما كنت في الجامعة في  أمريكا، وفي أثناء عملي في الخطوط السعودية فقد كانت عندي مكتبة خاصة دائماً حتى وأنا موظف في الخطوط السعودية. ومن الطريف أن مشرفي قال لي ذات مرة عليك أن توثق ما تكتب وأعرف أنك لا تحتاج أن تخرج من البيت. وكان صادقاً. الوقت المناسب للقراءة هو كل وقت تكون عيناك مفتوحتان. ليس لي خطة للقراءة الآن إلاّ ما يناسب ما أعد من بحث. ومكتبتي الآن ليست منظمة بل هي مركومة بعضها فوق بعض لأني لا أملك منزلاً واسعاً وإن كان عندي مكتبة عملية للكتب التي أحتاجها بسرعة وعندي مكتبة تنتظر أن يكون لي منزل إن شاء الله ومكان واسع لأضع فيه المكتبة. أعرت كثيراً وضاعت بعض كتبي ولكن لست نادماً جداً فالله يعوض ما أفقد والحمد لله. ولكن ألوم من أخذ مني كتاباً ولم يعده بأنه إذا كان عامدا فتلك سرقة، وإن كان ناسياً فليهتم بحقوق الآخرين.

س: وما الكتب التي تنصح بها لتميزها؟ أو من المؤلفون الذين تأمل اقتناء كتبهم؟.

     يعتمد الأمر على التخصص الذي تريد القراءة فيه. ولكني بدأت القراءة بكتب محمد قطب وسيد قطب والغزالي والقرضاوي وحسن البنا، وكتب القصة مثل نجيب محفوظ ومحمد عبد الحليم عبد الله ويوسف السباعي وتوفيق الحكيم وأحمد علي باكثير وغيرهم واقتنيت معظم كتب هؤلاء ولكني احتفظ بالكتب الإسلامية ليست القصص والروايات.

س:لكل مرحلة أهداف وطموحات هل عانيت كثيرا في تحقيق أهدافك؟ وأكرر كثيرا أما المعاناة فمتوقعة وتعتبر شيء عادي جدا، وما العوائق التي وقفت عثرة في سيرك؟ وكيف قاومتها؟

    أحياناً أشعر أن المعاناة إنما هي التي جعلت للإنجاز طعماً، نعم عانيت أولاً من نفسي من طبيعتي التي لا تعرف اللف والدوران أو المرونة والمجاملة وحتى وصفني أبي رحمه الله ذات مرة بأنني "جلف" ولكنه أضاف أنت لا تعرف من أين تؤكل الكتف، أنت باحث ويمكن أن تصبح عالماً ولكنك ضعيف في التعامل الاجتماعي. العوائق كثيرة في أنه كان بالإمكان أن تكون جامعة الإمام أكثر إنصافاً في السماح لي بالنشاط العلمي الذي هو حق للأستاذ وكنت أعتقد أنه يجب أن يكون مفخرة لهم. ولكن قاتل الله الحسد والحقد. كثيرة هي الفرص التي أضاعتها مثل هذه العوائق. ذات يوم حصلت على الموافقة برحلة علمية فكانت تمويل الرحلة أن أعطيت راتب الطالب المبتعث وهو ألفين وستمائة ريال في الشهر وكانت الرحلة إلى بريطانيا وأمريكا، فكيف بربكم يكفي مثل هذا المبلغ. إني سأسائل مسؤول الجامعة الذي اقترح هذا المبلغ في حين ربما أعطى غيري انتداباً. أليس هذا من الظلم؟ طلبت الإذن لمؤتمرات كثيرة وهي ضمن المسموح به أو المعقول ولكن بعض تلك المعاملات كان يكتب عليها للحفظ وبعضها ربما تنتهي في سلات المهملات أو فقط مجرد أن يكون الطلب من المدينة المنورة أو من مازن مطبقاني كان ينظر إليها على أنها مرفوضة.

    والعقبات جميلة لأنها كما قال عمر المختار رحمه الله (الضربة التي لا تقتلني تقويني) وقد كانت زوجتي خديجة أم هاشم تصف الأمر بقولها أنت كنت  كمن يحاول الركض ولكنه مربوط بحبل يشده إلى الخلف. تلقيت والحمد لله كثيراً من هذه الضربات. صحيح أنها في النهاية عطلتني بعض الشيء.

     أما كيف قاومتها فهو بالتمرد كثيراً وبمحاولة استخدام النظام لصالحي وبالصبر والعزيمة والدعاء والاجتهاد وبالمغامرة. وكم أحب أن أتحدث عن تجربتي في إلقاء المحاضرات العامة، فقد زرت رئيس النادي الأدبي في المدينة المنورة الأستاذ محمد هاشم رشيد وعرضت عليه أن ألقي محاضرة في النادي بعنوان (من آفاق الاستشراق الأمريكي المعاصر) –وكانت مكتوبة- وذهبت إلى الدكتور أحمد الخراط لتصويبها لغوياً، ثم ذهبت إلى الدكتور محمد كامل خطاب –أستاذ الإعلام والمذيع المتميز رحمه الله- ليساعدني في طريقة الإلقاء، وقال لي الدكتور خطّاب، إياك أن تعتذر في بداية المحاضرة عن ضعفها أو التقصير فيعطي انطباعاً سيئاً ، كن قوياً من اللحظة الأولى.

    وذهبت لألقي المحاضرة الأولى أقرأ كل كلمة فيها- كان الجو ماطراً تلك الليلة وكان هناك خسوف للقمر- فأمسكت بالملف وكانت يدي أقسى من الطاولة الخشب، وشربت الماء كثيراً ولكن لم يظهر أنني كنت متردداً وكان في الحضور بعض كبار الأساتذة في المدينة المنورة من الجامعة الإسلامية وكلية الدعوة وغيرهم. ومرت بسلام، ولكني حين أشاهد الشريط أقول : من قال لهذا الغشيم أن يلقي محاضرة. وكانت المحاضرة الثانية بعد أربع سنوات في النادي الأدبي في الشرقية وبوساطة الدكتور عبد الواحد الحميد الذي تعرفت عليه من خلال تعليقه على أحد مقالاتي في زاويته اليومية في جريدة عكاظ، وحضرها الدكتور زهير السباعي، وجمعت بين القراءة والارتجال.

        وكانت المحاضرة الثالثة بعد فترة قصيرة في النادي الأدبي في أبها فارتجلتها كلها وإن قرأت بعض الاقتباسات، وكانت كما قال المقدم –والذي توسط لي لإلقاء المحاضرة- الدكتور إسماعيل البشري، لقد كان الجمهور متيقظاً فقد استطعت أن تشد الجمهور تماماً. ولعلي من هنا أصبحت أكثر ثقة بنفسي في إلقاء المحاضرات العامة.

س: وهل أنت ممن يشكل أهدافه بحسب واقعه أم أن طموحاتك أعلى بكثير من واقعك؟ وما أفضل الطرق للتخلص من العقبات التي تقف في وجه الطموح؟

      لا أجلس وأفكر في مسألة الأهداف. هناك هدف سام وهو أن يكون الإنسان مرضياً لربه مفيداً لأمته، وما دمت دخلت المجال العلمي الأكاديمي فلا بد أن يكون الهدف أن تحقق إنجازات علمية في هذا المجال. أما القول إن الطموحات أكبر من واقعي فما الواقع؟ لا لن أسمح للواقع أن يثنيني عن عزمي وأهدافي. ولو كنت أخشى أن طموحاتي أكبر من واقعي لما حققت شيئاً. وأفضل الوسائل للتخلص من العقبات أن تعمل وأن تستغل كل فرصة للعمل.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية