الجزء الرابع من لقاء مع طلاب وطالبات جامعة الإمام في منتداهم




السؤال الأول: أمطر علينا وابلا كثيرا أو قليلا عن من أطلقت عليهم في أحد مقالتك وصدقت في تسميتك (السلفية المزيفة ) الذين سيطروا على زمام الأمور في جامعة الإمام ما مبادئهم ؟ ولماذا ينتهجون هذا النهج؟ وكيف يُتركون هكذا؟ و كل شيء عنهم من باب الإحاطة بما ليس لي به علم.

      ما هذا السؤال مثل هذه القضايا محرجة ومزعجة وخطيرة. ولهذا أخرت الإجابة عنها حتى أستجمع شجاعتي وأين هي تلك الشجاعة وهل تركت لنا الأيام شجاعة أو جرأة أو قوة؟ ومع كل هذا فسوف أستعين بالله وأحدثك عما شهدت وكما جاء في الآية الكريمة ، وما شهدنا إلاّ بما علمنا، وإليك بعض التفاصيل؛ دعاني حامد الفريدي الذي كان أستاذا في مدرسة ابتدائية ويعمل محرراً متعاوناً مع صحيفة المدينة المنورة لعشاء في بيته جمع أقطاب المدخليين في المدينة أو السلفيين الجدد أو السلفيين المتطرفين وكانوا ربيع بن هادي المدخلي وابنه محمد والشيخ السحيمي والشيخ الحربي (أحدهم كفيف) ومعهم عبد الله الرفاعي (وكان في بداية رئاسته لتحرير صحيفة المسلمون بعد الدكتور عبد القادر طاش الذي جعل تلك الصحفية إسلامية تقرأ في كل أنحاء العالم الإسلامي وارتفع توزيعها ومبيعاتها بعد أن كانت صحيفة السحر والشعوذة والإعلان عن أماكن الفجور في عهد صلاح قبضايا (فيما أذكر)

       واستمرت جلسة العشاء ثلاث ساعات كاملات كانت من أسوأ ثلاث ساعات في حياتي، لم يترك المشايخ الأربعة عالماً من الأمة الإسلامية إلاّ سفهوه ولا تياراً إلاّ نسبوا له من الأخطاء وقالوا فيه ما لم يقله مالك في الخمر، وخصوا الإخوان المسلمين بهجوم خاص من سيد قطب رحمه الله إلى محمد قطب وغيرهم، وتناولوا أساليب الإخوان في الدعوة وذكروا الأناشيد وأنها ميوعة وتخنث وكيف أن الصغار عندما ينشدون يثيرون الغرائز وغير ذلك. ولم أنبس ببنة شفه، ويمكن أن تكون أول مرة أعرف معنى هذا التعبير، وسألني في النهاية الشيخ ربيع، ما رأيك أنت في هذه المسائل؟ قلت له اسمع أنا تخصصي استشراق وليس لي علاقة بكل ما قلت، ويعلم الله أنني تهربت من الدخول معهم في أي نقاش، لأن أي نقاش مع هؤلاء محسوم بأنهم على صواب وكل من عداهم في العالم مخطئ.

      يا سيدي هذه السلفية تسيدت في يوم الأيام فأغلقت المراكز الصيفية (وأعادتها الحكومة عندما رأت أن الشباب فسدوا وضلوا وضاعوا دون تلك المراكز، وكنت مديراً للمركز الصيفي في المدينة المنورة فكتبت مقالتين أتحدث عن تلك التجربة الرائعة) وعندما سيطروا وتسيدوا أيضاً عبثوا في جامعة الإمام وحولوا أعداداً من الأساتذة إلى العمل الإداري وكذلك عدداً من أساتذة المعاهد العلمية. وأحدثك عن أحدهم وهي الأستاذ فهد المغذوي لأني أعرفه شخصياً فقد عيّن مديراً للمعهد العلمي بالمدينة المنورة، وقام بالعمل خير قيام، ونال خطابات شكر من مدير الجامعة الدكتور عبد الله الشبل، وما هي إلاّ أيام بعد تلك الخطابات والإنجازات يطلب منه أن يتحول إلى العمل الإداري وينتقل أو يندب إلى كلية الدعوة للعمل في الامتحانات ويكون دوامه من الساعة الثامنة حتى الواحدة والنصف أو الثانية بعد الظهر.

     عندما تسيد هؤلاء عبثوا بالعملية التعليمية فجاءوا إلى المكتبة وقسموها إلى قسم عام وقسم سمّوه محدود الاطلاع، ولو كان الأمر بيدهم لأغلقوا المكتبات كلها وهذا ذكرني بالصيدليات قديما حيث كان هناك صندوقان أحدهما مكتوب عليه (سموم ثقيلة) والآخر (سموم خفيفة) والأول لونه أحمر والثاني أزرق.

     ماذا أقول لك عن هذه الطائفة التي جعلت همها الأول الزعم بأنها تنادي بطاعة ولي الأمر وقد صورتها كالرجل الذي اتخذ دباً حيواناً أليفا كما يتخذ الناس الكلب والقط، وفي ذات يوم كان الرجل يقيل تحت ظل شجرة فجاءت ذبابة فوقفت على أنف الرجل، فحمل الدب حجراً ورماه على الذبابة فقتل صاحبه، فقالوا (عدو عاقل خير من صديق جاهل) وذهبت مثلاً.

    وأخيراً يا صديقي العزيز صاحب الاسم المستعار (تراهم يعرفونك من الأي بي IP) لأن كل جهاز في الدنيا له آي بي خاص به ، أقول لك ألا تعرف قول الشاعر

قالت الضفدع قولاً رددته الحكماء في فمي ماء وهل يحكي من في فيه ماء؟


س : حدثنا عن طفولتك وأيام الأردن، ما أفكارك يوم كنت صغيرا؟ و طموحاتك؟

     لم يكن هناك ما يميز طفولتي في الأردن سوى أن تلك الأيام كانت التربية فيها حزم وصرامة وشدة، هناك احترام المعلّم والكبير، ولكن لا بد أن أذكر أن والدي رحمه الله علّمني الشجاعة الأدبية، فقد رجعت يوماً إلى البيت وكنت في الصف الثالث الابتدائي أشكو أن معلم التربية البدنية صار يدرس جميع المواد من حساب وقراءة ودين وغير ذلك، فجاء والدي إلى المدرسة في اليوم التالي وأخبر مدير المدرسة فناداني المدير وأمام جميع الأساتذة سألوني عن انتقادي لأستاذ التربية البدنية وقيامه بتدريس جميع المواد، فأخبرتهم فشرحوا لي أن الأستاذ لديه القدرة على تدريس جميع المواد. فمازلت أتعجب لماذا فعل والدي هذا الأمر والآن أفهم أنه أراد مني أن أكون قادراً على إبداء رأيي بقوة وشجاعة أمام الجميع. فكم من الآباء من يحفل برأي ابنه؟ وكانت تلك الأيام فيها درجة عالية من العفة والأخلاق.

       أما طموحاتي فكنت مثل غيري أفكر بالطب والهندسة ولكن كان في داخلي أن أكون إنساناً مهماً، ولعل السبب أيضاً أنني بدأت بقراءة قصص الأنبياء، وتلك القصص تقدم لك أعلى النماذج البشرية التي اختارها الله عز وجل لتحمل رسالته، فكنت أتطلع أن تكون لي رسالة أحملها أسوة بالأنبياء والصالحين. ولكن بعد الطفولة الأولى انتقلنا إلى المدينة المنورة وكنت أتابع مجلة العربي فقرأت مقالة بعنوان (ماذا يعني أن تكون شخصاً يشار إليك بالبنان) للدكتور أحمد زكي ولعلها أثرت فيّ في أن أصل إلى مثل هذا المستوى.

س: متى ولد مركز المدينة المنورة؟ وهل لك معين في الإشراف عليه ؟ وماذا عن مستقبله؟ ألم تراودك فكرة نقله من العالم الافتراضي إلى الواقع ويصبح المركز رائدا في الاستشراق لا غنى لكل باحث عنه أنا متفائلة أنه سيكون عالميا .

     بدأت فكرة المركز عندما قدمت محاضرة في منتدى الأستاذ محمد الصيني في الإنترنت عن الإسلام في الإنترنت في أوائل دخول الإنترنت إلى المملكة، ورأيت مواقع أساتذة في الغرب فحلمت أو فكرت أن يكون لي موقع خاص بي، وشاء الله أن أتعرف إلى محاسب سوداني يعمل في شركة الجزيرة ويعمل على تصميم مواقع في الإنترنت. فزارني وأعطيته مجموعة من الأسطوانات (الديسكات) الصغيرة وفيها مادة علمية، كما قدمت له مجموعة من مؤلفاتي وغير ذلك وبدأ العمل في تصميم أول موقع لي وهو www.mrs.8k.com وهناك موقع أيضاً هو www.mazen-center.8m.com ولكنه ضاع ولعلي أستعيده. ساعدت زوجتي خديجة رفوح في تصحيح كثير من المادة العلمية في الموقع، وصممت موقعاً أطلقناه ثم ضاع، ولكن ليس ثمة مساعد، وقد حصلت على دعم متفرق من عدة جهات.

    أما متى يصبح الموقع مركزاً على أرض الواقع فهذا هو الطموح وقريباً إن شاء الله تسمع أخباراً طيبة حول الموضوع.

س: بما أنك كاتب وكاتب متميز ، كيف تقيّم مقالاتك ؟ وهل هناك علاقة بين الكاتب الجيد والمتكلم الجيد صاحب الإلقاء الرائع ؟

    لا أقول عن نفسي كاتباً متميزاً وأترك لغيري أن يقول ذلك، ولكن عندما أكتب المقالة أشعر كأنني أول مرة أكتب، فأحاول أن أكون جيداً. لا علاقة بين الكاتب الجيد والمتحدث الجيد فقد يمتلك الشخص الموهبتين وقد يمتلك موهبة واحدة. فيكون كاتباً جيداً ولا يكون متحدثاً جيداً. والعكس. ولكن عندما يكون متحدثاً جيداً ولا يكون عنده صبر على الكتابة والمراجعة فتحب أن تسمعه أكثر من أن تقرا له.

س: في منتدى آخر قرأت موضوعا يتكلم عن العالم محمود شاكر ، في نظرك لماذا يكثر ظهور النابغين من مصر دون غيرها وكنت ُ سألت في ذلك المنتدى وقيل أن الأزهر له دور عظيم .

     سبقت مصر في نهضتها العلمية معظم الدول العربية، والشعب المصري وصل سبعين مليوناً فليس من الغريب أن يظهر فيه هذا العدد الكبير من العلماء، وفي يوم من الأيام كان المسجد النبوي يعج بالعباقرة والعظام، وكذلك المسجد الحرام وأذكر عبارة للدكتور عبد الوهاب أبو سليمان (عوام مكة علماء) والسبب أنهم يحضرون كثيراً من حلقات العلم في المسجد الحرام حين كان المسجد الحرام جامعة عالمية فيأخذون من كل علم بنصيب.

س: كلمة تشجيعية لكل محبط و محبطة

    الكلمة التي أقولها لكل محبط ومحبطة هي لا يُحبَط إلاّ من كان عنده استعداد لقبول الإحباط. لماذا أترك الآخرين يحبطونني، ليكن لدينا الاستعداد لمواجهة كل الظروف والعقبات. لأخبرك بقضية كنّا في المعهد العالي للدعوة الإسلامية وكانت قد انتشرت صرعة المنهج أو موضة الحديث عن المنهج، فقررت أن أقرأ كل ما تحت يدي من كتب عن المناهج، بل قمت بإعداد ملخصات لبعض الكتب في المناهج حتى تشبع ذهني بالقضية. لقد كنت أسهر الليل، وأنا أقول لمن يعتقد أن هناك ما يحبط كن كالماء أو كالسيل إن اعترضته صخرة سار في حولها أو وجد له طريق آخر.

س: المرأة هي الوطن الأول لكل العالم، لذلك ُتطلق عبارة (الوطن الأم) كناية على أن الأم هي الوطن الأول لكل مولود، ماذا تأمل من المرأة المسلمة ؟

     كنت أستمع لمحاضرة للأستاذ عبد الحليم خفاجي صاحب كتاب حوار مع الشيوعيين في أقبية السجون، والداعية الإسلامي في ألمانيا منذ أكثر من عشرين سنة، وصاحب كتاب المستقبل للإسلام في أوروبا عن المرأة المسلمة، وذكر امرأة تدعى أم أحمد نذرت نفسها في عهد جمال عبد الناصر لرعاية أسر المسجونين في سجون عبد الناصر الذي زعموا لنا أنه الذي أعاد للأمة العربية كرامتها وأنه الذي رفع رأس العرب وأنه وأنه إلى ما نهاية من الألقاب. هذا الرجل الذي سجن عدداً كبيراً من خيرة المصريين لأنه قالوا ربنا الله بزعمه الباطل أنه كانوا يتآمرون عليه وعلى حكمه وأنه رجعيون متخلفون يريدون للإسلام أن يحكم حياة الشعب المصري. أم أحمد هذه كانت تقوم برعاية عشرات أو مئات أو حتى الألوف من الأسر المصرية في أثناء سجن عائل تلك الأسر. لقد كانت هذه الأسر معرضة للضياع والدمار والتشرد لولا أن الله عز وجل ساق إليهم أم أحمد. ولو كانت أم أحمد في شعب غير الشعب العربي لخلدوا قصتها بعشرات الأفلام والروايات والقصص. انظر إلى الغرب ما فعل بالأم (عندهم) تريزا ، لقد خلدوا اسمها حتى على فرش الأسنان التي نستعملها في العالم العربي حتى تجد هذه الفرش في كل المحلات وبأشكال كثيرة جداً وبنوعية ممتازة حتى لا يكاد يخلو بيت مسلم من تريزا.

       تحدث الخفاجي عن أم أحمد واحدة وأنا على يقين أن هناك عشرات من النساء من كنّ مثل أم أحمد  وربما أكثر تضحية  وشهامة وكرم. وانظري إلى أن التاريخ لم يذكر اسمها ولا أين كانت تسكن، لقد قامت امرأة واحدة من الإخوان الذين دخلوا السجون بالعشرات ليجدوا اليوم هجوماً لم تعرفة فئة أو طائفة أخرى. هؤلاء الذين كانوا قد قدموا للشعب المصري والعربي والمسلم في كل مكان أنموذجاً رائعاً من التضحية. كم منهم من قتله الطاغية وكم منهم من مات تحت التعذيب. ليتنا نسمع بعض خطب الشيخ كشك عمّا كان يجري في تلك السجون. وليت تلك المحاضرات التي كان يلقيها الأستاذ محمد قطب في قاعة المحاضرات بجامعة الملك عبد العزيز دونت كتابياً لنعرف ما عانت الأسرة المصرية طوال عهد عبد الناصر وما تزال تعانيه إلى اليوم لأن الحكم العسكري لم ينتهي من مصر حتى اليوم.

       المرأة المسلمة يا أختاه لم تغب عن الساحة الجهادية والساحة الدعوية والساحة الفكرية في العالم الإسلامي. لقد سئل جنرال فرنسي عن سبب هزيمة فرنسا في الجزائر، فقال المرأة الجزائرية. حين انشغل الرجال سبعة أعوام بأيامها ولياليها في قتال فرنسا ومعها الغرب كله من كان يرعى المقاتل الجزائري ومن كان يقوم بأدوار مباركة في المعركة مثل المرأة والطفل الجزائري. لئن ظهر فيلم أو فيلمين عن الثورة الجزائرية فإنها والحق يقال يجب أن يستمر الحديث عنها.

        وللمرأة الفلسطينية مكانة بارزة في جهاد شعب فلسطين منذ الاحتلال وإلى اليوم. ولست هنا لأكتب تاريخا ً للمرأة المسلمة، ولكن لأقول إنني لم أفقد ثقتي بمكانة المرأة المسلمة لا في القديم ولا في الحديث، ودعك من الفضائيات وعشرات المغنين والمغنيات والسهرات الخليعة التي تبثها القنوات الفضائية الماجنة، فهذه فئة محدودة وإن كثر عددها لكن الخير كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم (الخير فيّ وفي أمتى إلى أن تقوم الساعة) ومهما طال أمد الفساد واستشرى فإن الأمة بخير وإلى خير. ولا أقول هذا حتى نستكين وننام بل أمام المرأة المسلمة عمل كبير وكثير ومهمة تحتاج إلى جهود ضخمة، وهي قادرة عليها.

     أعجبني كلمة تقول (المرأة نصف المجتمع وتلد نصفه) فإذن كأن المرأة المجتمع كله. وقد أكد القرآن على مكانة المرأة حيث ضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون ومريم ابنة عمران. وانظري إلى الآية العظيمة (يا مريم إن الله اصطفاك وطَهَّرك واصطفاك على نساء العالمين) وخص النساء بعدد من السور ، سورة مريم وسورة النساء، وسورة الطلاق، وسورة التحريم. وكانت سورة النساء تتحدث في موضوع تلوكه الألسنة الجاهلة أو المتعصبة ضد الإسلام ألا وهو الميراث وكأن جعل سورة النساء لتوضيح تشريعات الميراث للرد العملي على ما للمرأة من مكانة.

    المرأة يا سيدتي كانت من آخر ما تحدث به الرسول صلى الله عليه وسلم قبل وفاته حين قالوا (استوصوا بالنساء خيراً) ويكفي قوله صلى الله عليه وسلم (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي) وتصف عائشة رضي الله عنها الرسول في بيته فتقول (كان صلى الله عليه وسلم في مهنة أهله....) وكم توقفت عند (في مهنة أهله) لم تقل كان يساعد أهله في أعمال المنزل.. وكان يمكن أن يكون هذا الأمر صحيحاً ولكن وصفها أعظم وأدق من بعض الأعمال المنزلية ، وحين تقول (في) وهذا في عرف اللغويين (الاستغراق).

    لقد زرت مركز الدراسات العربية المعاصرة في جامعة جورجتاون (اليسوعية) والذي ينال تبرعات سخية من العرب ومن أبناء المملكة بصفة خاصة فكان لي لقاء مع رئيسة المركز البروفيسورة باربرا ستوواسر. فقدمت لي نسخة من كتابها ( المرأة في القرآن والسنة والتقاليد أو التراث) فقلت لها أريد أن أعطيك صورتين من صور تعامل الإسلام مع المرأة قبل أن أقرأ كتابك، أما الصورة الأولى فهي: كان صلى الله عليه وسلم يقبل نساءه وهو صائم وهو أملك لإربه) وعلقت هذه قبلة في أثناء عبادة روحية تدل على المحبة والمودة والحنان والعاطفة الصادقة، وهي ليست مثل قبل رجالكم للنساء في الشوارع والطرقات وفي السيارات وعند محطات القطار والباصات أو المطارات، التي تنم في الغالب عن الغريزة والشهوة، فأيهما أكثر احتراماً وتقديراً للمرأة؟ ما عندنا أو ما عندكم؟ أما الصورة الثانية فتقول السيدة عائشة رضي الله عنها أن أول شيء كان يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته أن يتسوك، يريد أن يكون بأبي هو وأمي في أطيب رائحة وأزكاها (ومن أطيب منه رائحة وأزكى) بينما رجالكم في الغرب يتسوكون بعد الاستيقاظ من النوم وبعد الطعام وقبل الخروج إلى موعد، فأيهما أكثر احتراماً وتقديراً للمرأة؟ فذهلت البروفيسورة ستواسر وسألت مرافقي: هل هذا الشخص من السعودية أو هل هو من المدينة المنورة حقاً؟

       وبعد ذلك وجدت صوراً أخرى في جمال هذه الصورة وروعتها ومنها أنه صلى الله عليه وسلم كان يخرج رأسه وهو معتكف في العشر الأواخر من رمضان فترجله السيدة عائشة رضي الله عنها. وفي صورة أخرى تقول السيدة عائشة رضي الله عنها (طيّبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الطيب المطيب بأبي هو وأمي لإحرامه قبل إحرامه) فمنْ من النساء من تطيب زوجها اليوم؟ يمسك المسكين بقارورة البخاخ فيبخ على نفسه عدة بخات ويمضي.. وهل ترى المرأة زوجها طيب الرائحة وهل هو طيب الرائحة والروح فعلاً؟

     على المرأة المسلمة دور كبير وما أجمل نصيحة تلك المرأة المسلمة التي قدمتها لابنتها قبل زواجها وحمّلتها المسؤولية الأولى عن نجاح البيت حين قالت (كوني له أرضاً يكن لك سماء، كوني له مهاداً يكن لك عمادا، كوني له أمة يصر لك على الفور عبداً) ولا أريد أن أكمل بقية النصيحة التي ليتنا نعلمها لبناتنا حين يتزوجن حتى لا يعدن بعد أيام. وليتنا نعلم أبناءنا كيف يكونون رجالاً حقاً يكرمون المرأة ويستوصون بها خيراً كما أمر سيد الخلق صلى الله عليه وسلم.



س: يعتمد برنارد لويس في كتاباته على الأرشيف مما أكسب أعماله المصداقية المطلقة لدى المتلقي فأين برأيك الخلل ؟! هل اعتماده على المصادر، أي أن الخلل في المصادر أم من تعميمه المطلق على جميع المسلمين حيث أنه يتناول حدثا معينا فيجعلها صفة مطلقة على جميع العرب والمسلمين !

      إن عملي في دراسة كتابات لويس كان مخصصاً للقضايا التي تخص الإسلام عقيدة وشريعة مثل الفكر السياسي، وفي التاريخ الإسلامي المبكر وفي السيرة وبعض القضايا المعاصرة كالعلمانية والتغريب والحركات السياسية المعاصرة. ولذلك لم أتطرق إلى استخدامه للوثائق وبخاصة أن الوثائق التي عمل فيها لويس كانت في معظمها هي الوثائق العثمانية وهذا بعيد عن تخصصي وموضوع رسالتي. ولكن لا شك أن نبيل رضوان (فيما أذكر الذي ترجم كتابه عن الدولة التركية الحديثة) ناقش هذا الأمر وربما ناقشه أيضاً سمير عبد ربه وسليمان ناينق وكذلك عبد اللطيف طيباوي.

     والوثائق ليست كل التاريخ الإسلامي وليست كل ما كتب حوله لويس فلذلك كان المجال واسعاً لدراسة لويس دون التعرض لاستخدامه للوثائق. ولكنه بلا شك أفاد من الوثائق وأعطته سمعة علمية استغلها استغلالاً خبيثاً في أن بث في كتبه الأخرى كل السموم الممكنة من الدفاع عن إسرائيل والطعن في الدول الإسلامية المختلفة وبالتالي الطعن في الإسلام وبخاصة في أحاديثه عن جعل أهل الذمة مواطنين من درجة ثانية وغير ذلك من الافتراءات على التاريخ الإسلامي وعلى الإسلام.

السؤال الثاني: هل قرأت كتاب بيرنارد لويس The Political Language of Islam ؟ إن كانت الإجابة بنعم فما رأيك بالطريقة التي تناول فيها بعض المصطلحات ؟ حتى أنه في مقدمة كتابه أرجع أصل كلمة العرب إلى اللغة العبرية !

      نعم قرأت الكتاب منذ مدة طويلة وحبذا لو رجعت إلى رسالتي للدكتوراه فهي في مكتبة الملك فهد التي نشرتها عام 1415هـ ثم صودرت لأسباب لا أزال لا أعلمها، ولكن توجد الرسالة في مكتبة جامعة الإمام وفي مكتبة عمادة البحث العلمي. لقد تناول مصطلحات كثيرة رددت على بعضها وبخاصة في الفكر السياسي مثل: الحرية، والحرية السياسية وحرية التعبير، وناقش إدوارد سعيد بعض المصطلحات في كتابة الاستشراق في الطبعة الإنجليزية من الصفحة 315 إلى 321 (ست صفحات كاملة)

    لويس يمتلك ناصية القلم وهو صاحب أسلوب أدبي راق وسهل وعميق في الوقت نفسه، ويستطيع خداع الكثير بتلميحاته وذكائه، ولكن الذي يتمعن فيما يقول يدرك الخلل. وقد ظهر في التلفزيون وعلى الرغم من أن زوجتي لا تعرف الإنجليزية لكنها قالت يستطيع بدهاء أن يتهرب من الإجابة عن السؤال الموجه إليه وأن يقول ما يريد.

س: يقول مايكل هيرش عن بيرنارد لويس (who knows everything and debates  nothing) هل تتفق معه ؟

      إذا كان المقصود أنه لا يقطع برأي في أي مسألة من المسائل فليس صحيحاً لأن لويس لديه فكر واضح وقضية واحدة لا يحيد عنها ويجند لها كل ما يملك من موهبة في الكتابة وفي الحديث ليؤكدها باستمرار. وهو أحياناً يوغل في التبسيط حتى يريح المستمع والقارئ بأن هذه هي الحقائق ولا شيء سواها. ولكن قرأت ذات مرة أن لويس ليس باحثاً أو عالماً ولكنه محام ممتاز.

س: ما رأيك بكتابات ادوارد سعيد حول الإسلام! و لم برأيك اشتهرت كتاباته والمناقشة في أعماله بخصوص الإسلام بينما لم ينل ذات الشهرة غيره من الكتّاب المسلمين ,, هل يعود ذلك لأنه مسيحي ؟ أم لأسلوبه في الكتابة التي أثارت دهشة النقاد ؟!

    لقد أجبت عن مثل هذا السؤال في مقالة طويلة نشرتها في جريدة الحياة السعودية اللندنية رداً على مقالة طويلة للويس نضار (فيما أذكر) أبدع إدوارد سعيد في الدفاع عن الإسلام وعن العالم العربي وفي نقد الاستشراق والمستشرقين. وهناك عبارة قيلت وحضرتني وهي (لو كان إدوارد سعيد مسلماً لترحمت عليه) كما قال صلى الله عليه وسلم عن حاتم الطائي. يا سيدتي انتشر كتاب إدوارد سعيد لأنه كتبه باللغة الإنجليزية وبأسلوب قوي وجميل وصريح في ربطه الاستشراق بالهيمنة والسيطرة مستخدماً نظرية ميشال فوكو في هذا المجال. ونال الشهرة لأنه أستاذ في جامعة كولمبيا وليس لأنه نصراني وإن كان هذا يمكن أن يكون فيه بعض الحق. ولكن أيضاً إدوارد سعيد وضح عيوبهم في تغطية أخبار الإسلام وإخفائها ولكنه لم يقدم الإسلام لأنه ليس مختصاً به ولا يعرفه.

س: يعتمد ادوارد سعيد في دفاعه على الهجوم ,, فهل تتفق معه على أن خير وسيلة للدفاع هي الهجوم ؟!

       ليست القضية قضية هجوم أو دفاع، لقد اعتاد الغربيون أن مخالبنا مقلمة أو أننا بلا مخالب فقد تعودناً أن نكون في حال الدفاع قروناً عديدة، وقد قال لي الشيخ أحمد ديدات رحمه الله حينما قابلته في المدينة المنورة لأدعوه لإلقاء محاضرة في قسم الاستشراق، فقال لي كأنكم في هذا القسم تنتظرون المستشرقين يشتمون الإسلام ويصفونه بأوصاف مثل اضطهاد المرأة والتخلف فتردون لا الإسلام ليس كذلك، قال الطريقة المناسبة أن تقول لهم أنتم تعانون من كذا وكذا فكم عدد المدمنين على الخمر أو المدمنين على المخدرات أو عدد حالات الجريمة أو التفكك الأسري في أمريكا مثلاً إن الحل لأحوالكم في الإسلام. فليست القضية قضية هجوم بقدر ما هي الطريقة القرآنية في توضيح عيوب الكافرين ومثالبهم وأنهم كالأنعام بل هم أضل قبل أن يتهموا المسلمين بما ليس فيهم.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية