السؤال القديم (السعادة-....الإنسان)


                            
 
بعض الشعر يبقى في الذاكرة زمناً طويلاً مهما تقادم العهد به ومن ذلك أنني حفظت قول الشاعر ( وما السعادة يا قلبي سوى وهم .....) ونسيت هذا البيت وكذلك التفكير في السعادة وفلسفتها حتى تيسر لي أن أقرأ كتاب ابن حزم رحمه الله (في الأخلاق والسير) فوجدته يتحدث عن الهموم وأنواعها وعن الأخلاق وكيفية إصلاحها وإصلاح عيوب النفس.وكيف استطاع هو التغلب على بعض طباعه التي تأصلت فيها.
وكان من حديثه عن الهموم أنه ذكر أن كل بني البشر تشغلهم الهموم المختلفة كل بحسب بيئته وتربيته وتنشئته. فمن الناس من همه جمع المال أو الزواج والنساء، ومن الناس من همّه السيارات وقد رأيت من يملك أكثر من عشرين سيارة موضوعة في مكان واحد. ومن الناس من همّه الجاه والمنصب والمظهر لا يهمه بعد ذلك أي شيء. ولكن ابن حزم رحمه الله يؤكد على أن المؤمن له هم واحد أساسي هو كيف يكسب رضى الله عز وجل وكيف يعمل ليوم القيامة فهذه الدنيا كما جاء في الحديث الشريف دار ممر وشبهها بالمسافر  يجلس تحت ظل شجرة سرعان ما يزول هذا الظل أو يواصل السفر. وقد أضاف إذا أصبحت فلا تنتظر المساء وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح.
وقبل فترة وصلني كتاب للأستاذ علي بن طويش بعنوان ( السؤال القديم: الإنسان السعادة) فقلت هذا هو السؤال الذي لم تنشغل به يمكنك الآن أن تتعرف إلى ما يقال عن السعادة. ولقد أجاد الأستاذ بن طويش في طرح هذا السؤال وفي محاولة الإجابة عنه. وإن كانت الإجابة عن مثل هذا السؤال تستغرق المجلدات وقد كتب فيه مئات أو حتى ألوف العلماء والفلاسفة والمفكرين من شتى الأمم.
وقد أكد الأستاذ علي على أن السعادة قد تحققت للبشر في القرون الأولى لخلق آدم عليه السلام وحتى نوح عليه السلام حيث كان البشر كما يقول الأستاذ علي يجدون الإجابة عن الأسئلة " المتعلقة بالسعادة من الناحية النظرية وكذا جميع الأسئلة المتعلقة بالإنسان ووجوده (متى ؟ كيف ، ولماذا ...الخ) فهي واضحة ومعلومة فظرفا الزمان والمكان والخصائص الجسمية والنفسية والاجتماعية كانت عوامل إيجابية في فهم ووضوح هذا السؤال" وذكر قول ابن عباس رضي الله عنهما "كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام" " فهم يعلمون بوضوح من أوجدهم، ويعلمون بوضوح لماذا وُجدوا ، ويعلمون النهاية الطبيعية لحياتهم ويعلمون أن السعادة الحقيقية هي في رضوان الله تعالى ودخول الجنة."
وتناول الأستاذ علي الأسس التي تقوم عليها الحضارة الغربية المعاصرة المهيمنة في العالم في العصر الحاضر للسعادة وبدأ من النظريات القديمة حتى وصل إلى نظرية دارون وما تلاها من تأثيرات خطيرة في العقلية الأوروبية. وتناول كيف تستطيع الحضارة الغربية المعاصرة نشر نفوذها ومفاهيمها وفلسفتها للحياة في أنحاء العالم. ولماذا ضعف المسلمون وتأثروا بالحضارة الغربية وذكر أن الأمر ليس فقط لأن الحضارة الغربية حضارة تمتلك القوة المادية والمعنوية " التي تضفي على تلك الحضارة المهابة والمنعة والاعتداد ، أو لوجود التطبيق العملي للتصورات والحقائق والاعتقاد بعدم وجود أفضل منها في أي حضارة أخرى (يتجلى هذا في نظرتهم للنظام السياسي الغربي بأنه أفضل نظام توصل إليه البشر حتى الآن)، ولكن لأن المسلمين فقدوا التطبيق العملي لهذا الدين واستسلموا لحالة الوهن التي أصابتهم.
وأجاد الأستاذ علي في الحديث عن دور الأمة الإسلامية في محاربة المسلمات الخاطئة التي تقوم عليها الفلسفات الغربية المادية التي تنطلق من نظرية دارون أو اليهودية المحرفة أو النصرانية المحرفة فقد جاء في الحديث الشريف ( كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) فالأمة الإسلامية في هذا الزمن تعيش في العصر الذي وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم ( الوهن والمهابة للأعداء )
إنها دعوة رائعة للعودة إلى الإسلام والتطبيق العملي لهذا الدين حتى يمكن للأمة الإسلامية أن تقود ركب الحضارة العالمية.
شكراً للأستاذ علي بن طويش على هذه الهدية القيمة.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية