الإعلام والتعليم العالي





تقديم:

يعد التعليم العالي أحد أهم مصادر إعداد الكوادر للعمل في مجالات الإعلام المختلفة المرئية والمسموعة والمقروءة حيث يدرس الإعلاميون في كليات الإعلام أو في الكليات العلوم الاجتماعية المختلفة. وبالإضافة إلى العاملين الرسميين في وسائل الإعلام هناك أعداد كبيرة من المتعاونين مع وسائل الإعلام من الأكاديميين من أساتذة الجامعات أو العلماء والباحثين في شتى مجالات الحياة.

وتستمر الصلة بين التعليم العالي والإعلام في حاجة التعليم العالي لإيصال رسالته التثقيفية والتعليمية والتربوية عبر وسائل الإعلام المختلفة. فالنشاطات العلمية بحاجة إلى وسائل الإعلام للإعلان عنها وترويجها والدعوة إليها. وفي هذا المبحث نتناول إمكانية تفعيل الصلة بين التعليم العالي والإعلام وكذلك ننظر في المجالات التي يمكن أن تكون مجالاً لتطوير التعليم العالي وتنميته من خلال الإعلام. وهذه المجالات تتمثل في الصحافة والإذاعة والتلفاز والكتاب والإنترنت وغيرها من وسائل الإعلام.

ومن الأمور التي سوف يتم التركيز عليها  أيضاً مسألة الاستثمار والعائد الاقتصادي من العملية التعليمية التربوية وبخاصة في مجال التعليم العالي. ولعلنا نشير إلى بحث أعده أحد أساتذة جامعة الملك سعود تناول فيه مسألة تقويم العلمية التعليمية من منظور كمي حيث يقول:" تداخل الاقتصاد والتربية ظاهرة بدأت منذ بدأ الإنسان يتعلم كيف ينتج وكيف ينظم أمور حياته المعيشية، ثم تطورت هذه الظاهرة ونمت بنمو السكان وتشعب مناحي الحياة"([1]) ويشير فيما بعد إلى ظهور علم جديد هو علم اقتصاديات التعليم، ويذكر من موضوعات هذا العلم:

-       الاستثمار في التعليم

-       دور التربية في محاربة الفقر

-       التربية والتنمية الاقتصادية.

-       الكفاءة في المؤسسات التربوية وغيرها من موضوعات([2])

وثمة شكوى خطيرة من أن وسائل الإعلام تهدم ما تبنيه المدرسة بالإنتاج التجاري الرديء أو المقصود الإفساد فيه. وهنك من ينصح تقوية العلاقات بين الإعلام والمؤسسات التربوية حتى يمكن استخدام الإعلام في نشر القيم التربوية الراشدة.([3])

ويرى على الحديثي من قناة الشرق الأوسط أنه " لا يصح التعميم في هذه الأمور، لأنه لا بد أن يوصف الإعلام أيضاً بأنه مصدر للإبلاغ والتنوير والترفيه."([4])

والحقيقة أننا لو استثمرنا الاستثمار الحقيقي في وسائل الإعلام لكان استثماراً طويل الأمد حيث إننا نساهم في حماية أجيالنا الحالية والقادمة من شرور تفشي الأخلاق السيئة والعادات القبيحة ونحرص على حماية الهوية العربية الإسلامية. كما أننا نصون أموالنا من أن تضيع في أيدي شركات الإعلانات التجارية أو القنوات الفضائية المختلفة التي تهدف إلى الفساد ولديها الحجج الجاهزة أنهم يلبون رغبات الجمهور ولكنهم في حقيقة الأمر إنما يلبون رغبات الشيطان ومحاربة الفضيلة ونشر الرذيلة.

الإعلام المسموع والمرئي:

بعد أن ظهرت القنوات الفضائية والإذاعات التي تستخدم الأقمار الصناعية لإيصال بثها لم تعد ساعات البث تقتصر على ساعات محددة بل امتدت لتصبح على مدار اليوم والليلة. وهذه الساعات الطوال بحاجة إلى برامج تشغل هذا الوقت الطويل. صحيح أن وسائل الإعلام تعتمد على تقديم الجديد في ساعات الذروة من البث ثم تكرر كثيراً من الأخبار والبرامج، ويكون التكرار أحياناً لإتاحة الفرصة للجمهور أن يتعرف إلى الخبر أو الموضوع أو القضية المطروحة للنقاش وأحياناً لأن هذه الوسائل لا تستطيع أن تقدم الجديد دائماً نظراً للتكاليف المادية.

ونظراً لذلك فإن وسائل الإعلام بحاجة إلى جيش من المتعاونين الذين يمكن أن تكون نسبة كبيرة منهم من أساتذة الجامعات. كما أن الجامعات التي لديها أقسام إعلام – وأتعجب أننا ليس لدينا حتى الآن كلية للإعلام في أي جامعة سعودية- يمكنها أن تستخدم تجهيزاتها وخبراتها وقدراتها البشرية والفنية في إنتاج برامج  إعلامية يمكن لها أن تسوقها. ومن المعروف أن كثيراً من الجامعات الأمريكية لديها محطات تلفزيون محلية تقدم الكثير من البرامج الفكرية والثقافية والسياسية والاقتصادية وحتى برامج الترفيه والتسلية. ويمكن للجامعات أن تنتج برامج معينة يمكن تسويقها لدى القنوات الفضائية كالحوارات مع أساتذة الجامعات حول قضايا فكرية وثقافية وسياسية واقتصادية، كما يمكن أن يكون من البرامج مناظرات معينة حول قضايا تهم المجتمع.

وثمة فكرة قدمها بعض المتخصصين في الإعلام وهي أن الإعلامي ينبغي أن يكون متخصصاً في مجال من المجالات ثم يدرس الإعلام حيث إن الإعلام وإن كان علماً قائماً بذلك لكنه في الوقت نفسه وسيلة تستخدم لحمل رسالة معينة. فما أجمل أن يكون الإعلامي متسلحاً بالمعرفة في مجالات العلوم المختلفة.

فإن كان عدد من أساتذة الجامعات يتعاونون مع وسائل الإعلام المختلفة لأنهم استطاعوا أن يدخلوا إليها فإن الأمر قد يصعب على كثير منهم فلماذا لا تتيح لهم الجامعة الوسيلة من خلال برامج تقوم هي بإنتاجها وعرضها على القنوات الفضائية أو تسويقها. فكم من المواهب تبقى مدفونة دون أن يلتفت إليها أحد.

تقديم أشرطة مناقشة الرسائل الجامعية:

ومن البرامج التي تعتمد فيها وسائل الإعلام الحالية على الجامعات مناقشات الرسائل العلمية. فمنذ عشرات السنين والإذاعات تقدم المناقشات حتى إن أحد هذه البرامج يحمل اسم (رسالة على الهواء) فلا يمكن أن تكون الإذاعة تمن على الجامعة بإذاعة الرسائل فإن الإذاعة لتقدم برنامجاً مدته ساعة تحتاج إلى تكاليف كثيرة، ويأتي المذيع إلى النسخة المسجلة من المناقشة (فيلعب) بها قليلاً فإذ به قد أعد عشرات الحلقات دون تكاليف تُذكر. بل ربما لم تقم الإذاعة بالتسجيل ولا إرسال فني من لدنها وإنما تقوم الجامعة بالأمر كله.

أما الأمر الثاني فإن الجامعات تستطيع أن تعد برنامجاً سنوياً للمحاضرات تستقطب أساتذة الجامعة البارزين لإلقاء المحاضرات كما تكون فرصة لاكتشاف مواهب جديدة من أعضاء هيئة التدريس بعد أن يتدربوا على إلقاء المحاضرات فتكون مادة غزيرة يمكن تقديمها للقنوات الفضائية فيكون في هذا مصدر دخل متميز للجامعة.([5])

وثمة ثروة أخرى ما تزال حبيسة الرفوف وهي الندوات التي أقامتها الجامعة على مدى السنوات الماضية، حيث إنه يمكن تسويق أشرطة هذه الندوات بطريقة تدر على الجامعة دخلاً جيداً.



[1] -أنمار الكيلاني. " التقويم الاقتصادي للتعليم وأهميته في اتخاذ القرار الإداري التربوي" في مجلة جامعة الملك سعود – العلوم التربوية والدراسات الإسلامية، م 7 ، ع 2، 1415هـ/1995م، ص ص 381-400
[2] - المرجع نفسه.
1 – " التعليم والإعلام" تحقيق في مجلة المعرفة ، العدد 28 ، رجب 1418هـ ص ص 52-66.
2- المرجع نفسه ص 59.
[5] - علمت أن مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية قد عقد اتفاقية مع قناة المجد على قيام القناة بتقديم أجزاء من المحاضرات والندوات التي قدمها المركز على مدى أكثر من عشرين سنة لقاء مبلغ مالي معين ،بل نص الاتفاق على النشاطات المستقبلية للمركز. كما أنني علمت أيضاً من رئيس مركز العربي للبحوث والدراسات في قطر أنه عندما عقد ندوة قبل عدة أشهر وصورت بالكامل من قبل التلفزيون القطري اشترط عليهم أن لا يبقوا أية جزء من الندوة حتى يتم الاتفاق على حقوق البث العائدة للمركز.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية