الفرد ومسؤولية التغيير


يدور الحديث أحيانا عن التغيير فينبري أحد المتحدثين بحماسة كبيرة قائلا:"وما أنا الا فرد فما ذا عساني أستطيع أن أفعل؟". قد يكون في حديثه شيء من المنطق . ولكن لو نظرنا الى المسألة بعمق وروية لوجدنا أن الفرد يمكنه أن يفعل الكثير متى توفر عنده الايمان الصادق برسالته في الحياة والغاية التي خلقه الله من أجلها.فهذا القرآن الكريم يحدثنا عن الأنبياء والرسل كيف كان الواحد منهم يبعث فردا فلا يلبث الا قليلا حتى يحدث التغيير في قومه . ولكن يحدث أحيانا أن تكون استجابة المرسل اليهم محدودة فلا لوم ولا تثريب على النبي المرسل لأنه أدى رسالته ، وهذا ما جاء في حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم حين قال:" يأتي النبي يوم القيامة ومعه الرجل ويأتي النبي ومعه الرجلان ويأتي النبي وليس معه أحد."

    ويوضح لنا القرآن الكريم قيمة الجهود الفردية في قصة نوح عليه السلام فقد مكث في قومه ألف عام الاّ خمسين عاما فلم يستجب له الآّ قليل حتى دعا عليه السلام عليهم كما جاء في قوله تعالى ( وقال نوح رب لاتذر على الأرض من الكافرين ديارا  انك ان تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا الا فاجرا كفارا) (نوح7)    وحكى لنا القرآن الكريم قصة ابراهيم عليه السلام وكيف وقف في وجه الالحاد والظلم والطغيان حتى امتدحه ربه سبحانه وتعالى بقوله( ان ابراهيم كان أمة قانتا وما كان من المشركين  ) (النحل120) وجاءت تفاصيل جهوده عليه السلام من تحطيم الأصنام وتعرضه للقذف في النار التي أنجاه الله منها ( وقلنا يا نار كوني بردا وسلاما على ابراهيم ) (الأنبياء 62)

      وبدأ سيد المرسلين عليه الصلاة والسلام دعوته فردا وتحمل في سبيل هذه الدعوة الشيء الكثير من الأذى وتعنت المشركين حتى أورد ابن هشام في سيرته هذا الموضوع تحت عناوين مختلفة . ولقد كان صلى الله عليه وسلم حريصا على هداية قومه كما جاء في قوله تعالى( فلعلك باخع نفسك على آثارهم ان لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا) . وكانت الدعوة فردية في بدايتها حيث كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتخيرمن يثق فيه من الناس فيعرض عليه الاسلام فآمن من الرجال قلة منهم الصديق رضي الله عنه الذي لابد ان نقف قليلا من بعض مواقفه وأقواله التي توضح لنا أهمية الفرد في احداث التغيير او المحافظة على الاسلام وقيمه.

      فبعد أن لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى واختارت الأمة أبا بكر الصديق رضي الله عنه خليفة ، وكان جيش أسامة يقف على مشارف المدينة يستعدللانطلاق اعترض بعض الصحابة الكرام على ذلك فقال الصديق رضي الله عنه قولته الخالدة :"   والله لو علمت أن السباع تجر برجلي ان لم أرده ما رددته ،ولا حللت لواء عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولما روجع رضي الله عنه في عدم مقاتلة مانعي الزكاة قال أيضا:" والله لو منعوني عناقا أوعقالا كانوا يؤدونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه ، انه قد انقطع الوحي وتمّ الدين أو ينقص وأنا حي؟"

وهكذا يستطيع الفرد أن يفعل الكثير . ولم يكن أبا بكر رضي الله عنه المثال الوحيد في تاريخ هذه الأمة فقد وصف الرسول صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح بأنه أمين هذه الأمة ،وقال عن أبي ذر الغفاري بأنه أمة وحده . وقد وقف بلال بن رباح رضي الله عنه وحده في وجه طغاة الكفر من قريش .هل بعد هذه الأمثلة يمكن أن يقول قائل أن الفرد لايستطيع أن يفعل شيئا . اننا في حاجة الى التربية الاسلامية لتعود هذه الأمة الى سابق مجدها وعزتها ويعود للفرد دوره الحقيقي. والله الموفق


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية