المجتمع الأمريكي والنقد الذاتي


                      

        مما يوصف به المجتمع الأمريكي أو الغربي بعامة انه مجتمع مفتوح أو منفتح على نفسه ، فلا تكاد تظهر مشكلة أو تبرز ظاهرة من الظواهر الاجتماعية أو الفكرية حتى يبدأ الحديث عنها في وسائل الإعلام المختلفة من صحافة وإذاعة وتلفاز وتتجه مراكز الأبحاث والجامعات والمعاهد العلمية لدراستها، وقد يصل الاهتمام إلى الحكومية الفدرالية فيشكل الكونجرس اللجان الخاصة بدراسة تلك الظاهرة.

       ومن الظواهر التي شاهدت التلفاز الأمريكي يناقشها في أكثر من محطة وبرنامج: ظاهرة سوء معاملة بعض المربيات للأطفال أثناء غياب الوالدين عن البيت حيث يعملان لمواجهة متطلبات الحياة الضرورية. وكعادة المجتمع الأمريكي لجأ إلى التكنولوجيا لكشف ما تفعله بعض المربّيات مع الأطفال. وبالفعل تم تركيب كمرة خفية في المنزل وكانت النتائج  مخيفة أو حتى مرعبة؛ فقد لوحظ أن بعض المربيات يقمن بمعاملة الأطفال بقسوة ووحشية فإحدى المربيات كانت تضرب الطفل الصغير بقلم الرصاص على رأسه، بالإضافة إلى الصراخ المستمر في وجهه الطفل حتى ينام ، بينما قامت أخرى بحبس الطفل في الحمام وذهبت للحديث في الهاتف مع إحدى صديقاتها ،أو مشاهدة أفلام الفيديو.

ومن الحلول التي اقترحت أن لا يلجأ الوالدين للبحث عن المربيات عن طريق الإعلان في الصحف، بل الأفضل اللجوء إلى المؤسسات الخاصة بالتوظيف ذلك أن هذه المؤسسات تقوم بالبحث في سجل المتقدمة للوظيفة للتأكد من أنها ليست لها سوابق في الجريمة ، كما تقوم بإجراء مقابلات معها للتأكد من سلامتها عقلياً ونفسياً  بينما مثل هذه الأمور لا يمكن للوالدين اكتشافها بقدراتهم الخاصة.

ودار نقاش في أحد برامج الحديث(Talk Shows) فما كان من إحدى الحاضرات أن قالت للمرأة التي تعاني من المربيات :لماذا لا تتركين العمل وتتفرغين لأطفالك في هذه السن؟ ولكن الأم أجابت بسرعة هل تظنين أنني أعمل من أجل شراء سيارة فارهة؟ إنني أعمل من أجل الحصول على متطلبات الحياة الضرورية. وتدخل أحد الحضور -ولكن بأسلوب لم يكن مهذباً- فوصف صاحبة الرأي بأنها جاهلة بالواقع فالمرتبات في البلاد لم تزد كثيراً منذ عام 1975 ولذلك فعمل المرأة ضروري.

       والدرس الذي نفيده نحن من مثل هذه القضايا أن نحاول مناقشتها والبحث عن الحلول المناسبة لها في ضوء الشريعة الإسلامية الغراء. وقد صدرت بالفعل عدة كتب عن مشكلة المربيات .أما الحل الإسلامي فهو تخفيض ساعات عمل المرأة إلى أدنى حد ممكن -إذا كان عملها ضروريا- كما ينبغي أن نذكر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فرض لكل رضيع من أطفال المسلمين ،فلما سمع بكاء الطفل في المسجد وعلم أن أمه تحاول فطامه قبل الأوان بكي رضي الله عنه وجعل المساعدة لكل مولود . وأعرف أن الحكومة البريطانية تفرض لوالدي الأطفال ما يسمى معونة الحليب .ولكن لا أدري هل هي كافية لكيلا تنشغل الأم عن أطفالها.

          وقد زرت عائلة أمريكية فعلمت أن الأم كانت تعمل ساعات محددة حينما كانت أطفالها صغاراً حتى لا تتركهم في أيدي المربيات. ولعل الحل يكمن في بحث هذه المشكلة بصورة أعمق لمعرفة الاحتياجات الضرورية للمواطنين ، ومحاولة تلبيتها دون الحاجة إلى خروج المرأة في الوقت الذي يحتاجها فيه أطفالها. والمسألة من ناحية اقتصادية في صالح أي بلد يسعى لأن تكون الأم هي المربية لأن ذلك سيرفع مستوى التربية ويخفف معدل الجريمة التي تحتاج معالجتها إلى أموال طائلة فتكون الخسارة أكبر أو كما يقول المثل العربي (كأننا يا بدر لا رحنا ولا جينا).

التلفزيون والأخلاق

          نادى السناتور بوب دول زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ الأمريكي بضرورة إدخال إصلاحات في صناعة السينما الأمريكية حتى لا تتسبب في إفساد الأخلاق .والسناتور محق في دعوته ذلك أن بعض برامج التلفزيون تشجع اللقاءات المحرمة . ولمن يريد معرفة المزيد عن نقد صناعة السينما فعليه الرجوع إلى كتاب الناقد السينمائي مايكال ميدفيد   Michael Medved وهو بعنوان هوليوود وأمريكا وقد صدر منذ سنتين وبحثت عنه في العديد من المكتبات فلم أجده. وقد أغضب هوليوود كثيراً. وليس التلفزيون الأمريكي بدعاً في ذلك فإن العدوى قد انتقلت إلى صناعة السينما في كل أنحاء العالم . ولكن ما الحل الذي ينبغي التفكير فيه لوقف تأثير التلفزيون في الأخلاق العامة؟ إن الصيحات قد تعالت في أمريكا وإنني أرجو أن تنجح هذه الدعوات في عمل شيء ما.

التلفزيون والكتب:

          يقوم قنوات التلفزيون الأمريكي باستمرار بعرض الجديد في عالم النشر أحيانا تكون الخدمة إعلامية بحتة وأحياناً أخرى تكون دعاية. ومن الكتب التي نالت اهتماما إعلاميا كتاب مذكرات الجنرال كولن باول الذي صدر قبل أيام من الحديث عن مسألة ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية القادمة. ولكن من البرامج الدعائية ما بثته إحدى القنوات عن كتاب يتحدث عن الأدوية التي يكون مصدرها المواد الطبيعية والأدوية ذات المصدر الكيميائي. وهذا الكتاب يحارب الأدوية الكيميائية التي يوجد ما يماثلها من المواد الطبيعية ويذكر أن الشركات تحقق أرباحا خيالية من الأدوية الكيميائية وأنها ذات نفوذ كبير في عالم الطب مما يجعل الأطباء يصفونها مع علمهم بوجود البديل الرخيص والمأمون. ومن وسائل شركات الأدوية في فرض نفوذها تقديم التمويل لكليات الطب وتمويل الأبحاث وتقديم المنح الدراسية. فما هي الحال بالنسبة لنا ونحن نستورد كثيراً من الأدوية فهل نعود إلى الأدوية الطبيعية التي ليس فيها براءة تركيب أو سواه وهو أقل كلفة وأكثر سلامة؟

   وكلمة أخيرة عن الكتب فالناشرون يعدون الكتاب سلعة ينبغي الترويج لها فهل يتعلم ناشرونا ذلك؟


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية