أسس الحوار والمؤتمرات المأمولة




ينادي بعض العقلاء من أمتنا الإسلامية بضرورة الحوار مع الغرب، لأننا نعاني ضعفاً مزمناً، فكيف يستطيع الضعيف مواجهة القوي؟ لا شك أن لهذه الدعوة ما يسوغها فهي من باب معرفة الآخر وتقديم الإسلام، كما أنها قد تكون من باب التخذيل كما ورد في قول النبي e لنعيم ابن مسعود رضي الله عنه (خذّل عنّا). وثمة من يرى الحوار فريضة إسلامية دعا إليها القرآن الكريم في العديد من آياته الكريمات؛ من مثل قوله تعالى: {وجادلهم بالتي هي أحسن}([1]). وفي ذلك يقول حسن عزوزي: "إن مبدأ الحوار في الإسلام يحتل مكانة بارزة أساسها التوجيهات القرآنية والنبوية، وهي التوجيهات الداعية إلى إقامة حوار ندّي متكافئ يقوم على الحجة والتفاهم، ويسد الطريق أمام الدعوات التي تحمل طابع التخويف والترويع من الإسلام كدين لديه قابلية الصراع مع الغرب."([2])

    والسؤال الذي يقدم نفسه كيف نحاورهم وهم لا يعترفون بوجودنا ولا يعترفون بأننا أهل للحوار، بل إنهم لا يفتؤون يسيئوون إلينا في أعز ما نملك: عقيدتنا وشريعتنا. ومع كل هذا سنواصل المحاول معهم استجابة لقوله تعالى {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نشرك بالله شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله}([3])

        ولقد أعجبني رأي لسعيد سلمان يرى أنه من أجل أن يحاورنا الغرب من منطلق الندية والكفاءة علينا أن "نصلح بيتنا من الداخل، ولنستخدم الآليات التي تحدثنا عنها (الآلية السياسية الشرسة، والآلية القوى والأيدوليوجيات، والآلية القانونية والدستورية، وآلية الإعلام، والآلية العسكرية) ثم لنخلق لأنفسنا عملاقاً ليقف في وجوههم."([4])

     ولعل بداية الحوار تنطلق من أن عليهم أن يتخذوا موقفاً حازماً من سفهائهم وسفهائنا الذين عندهم، فيضربون على أيديهم وألسنتهم أن لا تمتد بالسوء إلى عقيدتنا ونبينا e. فلا يزعمون أن السباب والشتيمة إنما هي حرية التعبير، فما كان السباب والشتم من شروط حرية التعبير.

      وسأعرض هنا لموفقين عجيبين من عجائب "حرية" التعبير المزعومة كما وردا في نشرة تصدرها جماعة إسلامية في الولايات المتحدة. فقد ذكرت النشرة أن مجلة التايم الأمريكية نشرت في عددها الصادر في 27 سبتمبر 1993م ما زعمت أنه صورة للنبي صلى الله عليه وسلم، فما كان من أحد العاملين في هذه النشرة إلا أن كتب معترضاً ومحتجاً على هذه الإساءة، فما ينبغي لمجلة يفترض أن تحترم عقيدة ملايين المسلمين أن تسيء إليهم بهذا الشكل، فجاء رد المجلة: "إن محرري مجلتنا يشعرون أن نشر الصورة (للنبي e) قدم توضيحاً مهماً للقارئ..ومع ذلك فإننا نأسف لإحساسك بأن نشر الصورة لم يكن مناسباً، إلاّ أننا نقدر لك جهدك في الكتابة إلينا لإبداء وجهة نظرك."([5])

        وذكرت النشرة أن مجلة التايم أصدرت عدداً خاصاً بعد أسبوع أدانت فيه الإسلام والمسلمين في حادثة مركز التجارة العالمي، وجاء في مقالة دعائية رديئة من الدرجة الثالثة بعنوان:" الجانب المظلم من الإسلام" بالإضافة إلى إيراد عبارات سامّة عدائية تهاجم الإسلام. وقد استخدمت المجلة صورة موجهة لهذا الغرض، وهي صورة مجموعة من المسلمين يصلون بينما وضعت أسلحتهم بجوارهم، ولزيادة التأثير الدرامي صبغ المسلمون باللون الأسود الداكن حتى لا يفوت على أحد من القراء المغزى السيئ للعنوان.

     وعندما انهالت الرسائل على المجلة تحتج على هذا المقال جاء رد المجلة: "ومع أسفنا أن المقال كان دون توقعاتكم، فإننا نقدر ملحوظاتكم المخلصة...وبالرغم من هذا فإن محرري المجلة يشعرون بالثقة بأنهم يقدمون تغطية تتميز بالدقة والتوازن لكل الموضوعات التي يتناولونها...ومع ذلك فإن شعرتم بأن تغطيتنا ظلمتكم أو ظلمت الإسلام أو معظم المسلمين فإننا آسفون لذلك". وتعلق النشرة على ذلك بالقول: إن هذا لا يعني سوى قولهم:"نحن آسفون أنكم لم تحبوا ما قدمنا، ولكننا لسنا مخطئين، فنحن نفعل هذا دائماً وسنواصل عمله."

        أما الموقف الثاني فهو لمجلة ريدرز دايجستReader's Digest هذا المجلة الشعبية الواسعة الانتشار، والتي تترجم إلى عشرات اللغات حول العالم باسم "المختار" تهتم أساساً بالثقافة العامة، وتبتعد عن القضايا العقدية والسياسية حتى لا تجرح شعور أي شعب، سقطت أخيراً في حمأة المحاربين للإسلام بمقالة ظهرت في عدد ديسمبر 1993م بعنوان"الإرهابيون بيننا". فمما جاء في المقالة: "إن كل منظمة إرهابية كبيرة في الشرق الأوسط قد أسست لنفسها شبكة عبر الولايات المتحدة وأصبحت الولايات المتحدة بالتالي معبراً فعلياً للإرهابيين".

المؤتمرات المأمولة:

نعم لا بد من الحوار، ولا بد من تأجيل المواجهة بكل الوسائل الممكنة حتى تنهض الأمة وتقوى شوكتها وتمتلك الإمكانات التي يمكن بها أن تصمد في المواجهة. وهذا ما يقوله سعيد سلمان : "فعندما يكون لديك قوة حقيقة (وليس تنظيراً) مجسّمة على أرض الواقع فهناك وبدون أن تتكلم سيحسب لك حساب وتُرتب الأمور على أن محاوِرَك سيكون فعلاً أمام شخص أخذ بأسباب العملقة.." ([6])

ولا شك أن أول أسلحة المواجهة- والتي ستؤدي بإذن الله إلى قوة الأمة- العودة إلى الإيمان بالله عز وجل الذي وعد جنده بالنصر{وإن جندنا لهم الغالبون}([7]) وقوله تعالى {إنّا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد}([8]) ولا يضرنا أبداً أنهم يتربصون بنا ويراقبوننا، ويطّلعون على كثير من أسرارنا. فهذا دأب العدو، فهل من عودة إلى الإيمان بصدق وإخلاص.

        أما المؤتمرات المأمولة، فهي المؤتمرات التي تقام بأن يختار كلا الطرفين من يمثله بقوة واقتدار، لا أن يترك الأمر لطرف واحد لاختيار المتحاورين، أو أن يكون الحوار بين ممثلين عن الجانب الإسلامي ممن يتبنون الفكر الغربي أو الفكر العلماني المادي فيصبحون أصداء للطرف الآخر. ولا بد أن تحدد أهداف الحوار والمؤتمرات فليست لجمع المعلومات والدراسات حول العالم الإسلامي من قبل باحثين عرب ومسلمين وباحثين أجانب. فلا بد أن يشارك المسلمون في المؤتمرات التي تقام في الغرب حول الفكر الغربي والقضايا الغربية السياسية، والاجتماعية والاقتصادية، والثقافية وغيرها.

      ولا بد أن يتوقف آلة الدعاية والإعلام وحتى الأكاديميا عن تشويه سمعة الإسلام والحركات الإسلامية وأن هذه الحركات إن لجأت للعنف فإنما ذلك لأنها "سدّت عليها الطرق وشوّهت سمعتها، ووضع برجالها في السجون وعوملت باستعلاء وخصوصاً في العالم العربي"([9])





1- سورة النحل آية 125.
2- عزوزي مرجع سابق، ص 11
3- سورة آل عمران، آية 64
5-سعيد عبد الله  سلمان."حوار الحضارات والثقافات:من أين يبدأ؟ وكيف؟" في مجلة الجامعة الإسلامية، )لندن، العدد الرابع، جمادى الأولى-رجب 1415هـ(تشرين الأول-كانون الأول 1994م) ص 69-86.
[5] -Muslim Media Watch Newsletter, October 1993
6-سلمان، مرجع سابق.
7- سورة الصافات آية 173
8- سورة غافر ، آية51
9-سلمان، مرجع سابق

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية