عمتي سلمى رحمها الله وشخصيتها القوية

 

     جمعتني مائدة أو طاولة فندق السعودية بصديق عزيز فسألته عن أصغر أبنائه فقال إنها سلمى وهي الآن في الجامعة تدرس اللغة الإنجليزية، وهنا تذكرت عمتي سلمى رحمها الله التي كان بودي أن أسمى ابنتي الأخيرة ذات السنة والثلاثة أشهر باسمها وشاء الله أن يكون اسمها فاطمة وهو اسم جميل جعلها تدخل القلوب أو تأخذ القلوب أو العقول كما تقول أمي حفظها الله ورعاها. وفي أثناء الحديث جاء ذكر شخصية المرأة وأحب دائماً أن أردد المثل السوري أو الشامي (ياللي ما فيه نهرة مرة مو رجّال) ونهرة المرأة في اللهجة الشامية هي صرخة الأم، حيث إن الحياة الاجتماعية السورية في وقت من الأوقات وربما حتى الآن تتطلب من الرجل أن يغيب عن البيت مدة طويلة فتتولى المرأة كثيراً من مسؤوليات الأب فتقوم مقامه في الشخصية القوية المسؤولة عن ضبط البيت، فتكون الآمرة الناهية ولا بد أن تكون شخصيتها قوية. فينعكس ذلك على تربية الأولاد.

       وفي الحياة الزوجية أقول مداعبة لإخواننا الشوام أو الحلبيين (بحسب الشخص الذي أداعبه) (الذي لا يخاف من زوجته مو رجال، وأضيف في المرحلة المتقدمة ياللي ما تضربه مرته مو رجال_وهذه مبالغة)

       وعلى ذكر قوة الشخصية كانت عمتي سلمى رحمها الله رحمة واسعة ذات شخصية قوية وحكيمة وذات ذاكرة رائعة حيث تحفظ كثيراً من القرآن وهي لم تتعلم القراءة والكتابة حتى جاء بعض أبنائها يحفظون القصائد الطوال من مرة واحدة على الرغم من أنهم تعلموا الهندسة فدرس أحدهم الهندسة الميكانيكية والثاني الهندسة الإلكترونية وأبدعوا في مجالات تخصصهم وكان اجتهادهم وعزمهم وتفوقهم مثلي حتى إنهم حصلوا على الشهادة البريطانية في الأردن مع الثانوية العامة الأردنية وكنت أعتقد أن معرفتهم باللغة الإنجليزية أفضل من معرفتي حتى بعد أن قضيت في أمريكا خمس سنوات.

        قوة شخصية عمتي سلمى رحمها الله دعت أمي لإرسالي لأعيش مع عمتي وأولادي في أثناء الإجازة الصيفية في منطقة غور الصافي حيث كان زوج عمتي يمتلك بعض المزارع لتساعد عمتي في تقوية شخصيتي لأن أمي رأت أنني ولدت بعد بنتين فإن شخصيتي لم تعجبها لأنني كنت مسالما (ومازلت -صدقوني) وتطبعت بطباع لم تعجبها فلم أكن الصبي المشاغب أو الذي يدافع عن نفسه أو يهاجم غيره (وفي تربيتنا وفي مجتمعنا وربما لدى كل الآباء والأمهات لا يحبون أن يكون طفلهم الضعيف) -وبالمناسبة ابني هاشم فيه بعض صفاتي حتى إن أمه قالت له لا تقبل أن يضربك أحد فأراد أحد الأطفال أن يضربه فقال له بلهجة آمرة أو صارمة لا تضربني، وكان مقنعاً فامتنع الطفل الآخر عن ضربه ثم أصبحا أصدقاء.

        وفي الغور الصافي عشت ردحاً من الزمن تراقبني عمتي وتدربني وتعلمني كيف أكون قوياً وكيف أكون صادقاً على الرغم من أن أبناء عمتي كانوا أكبر مني سناً ولكن أصغرهم كان أكبر مني بسنتين فقط والثاني بخمس سنوات والثالث بست سنوات تقريباً

       وفي ذات مرة خرجنا إلى إحدى المزارع مع زوج عمتي وأعطتنا تنبيهاً أن لا نلعب في قنوات المياه وإلاّ ضربتنا، وفي أثناء تجولنا في المزارع لم نستطع الامتناع عن اللعب في الماء، وتلك من متع الأطفال، ورآنا أحد الأقارب فهدد أن يخبر عمتي في المساء.

      وعندما رجعنا لم أنتظر أن يصلها البلاغ عن طريق أحد آخر فحملت العصا وسرت إليها وقلت عمتي هذه هي العصا ونحن قد لعبنا في الماء فاضربينا، فضحكت عمتي من سذاجتي وإخباري عن نفسي على الرغم من أن ذلك القريب لم يخبرها، وعفت عنّا.

       المرأة القوية على الرغم من أن بعض أمثالنا تظلمها حيث يقول (المرأة لا تربي رجلاً) ومثل آخر يقول (هل ربت المرأة ثوراً يحرث) أو يفلح؟ وهذا غير صحيح فكم من النساء من كان لها دور عظيم في تربية أبنائها. فهذا مسؤول فرنسي سئل عن تحرير الجزائر من المسؤول عنه، قال إنها المرأة الجزائرية أو الأم الجزائرية. وقد سمعت حديثاً للأستاذ عبد الحليم خفاجي عن المرأة المصرية فذكر شخصية أم أحمد التي كانت ترعى أسر الآلاف من الرجال الذين أدخلهم (قائد مصر العظيم!) عبد الناصر السجون المصرية. فكم أم أحمد كان في مصر وكم أم أحمد في مصر وفي غيرها من البلاد العربية والإسلامية أو حتى في العالم؟؟؟

     رحم الله عمتي سلمى فكم أود أن أستزيد من الحديث عنها وعن شمائلها وأخلاقها، وعما قدمته من أجلي حيث كانت أمي تلجأ إليها حتى حينما يداهمنا المرض فرباطة جأشها وقوة شخصيتها تجعل كل المشكلات قابلة للحل أو لا وجود لها، ففي ذات مرة كنت مصاباً بالأنفلونزا فقلت عمتي لا أستطيع أن أراك، فارتبكت أمي فقد ظنت أنني فقدت البصر، فقالت لأمي لا عليك وجاءت بقرص أسبرين وأعطتني إياه ثم غطتني وبعد قليل نظرت إليها وقلت عمتي أستطيع أن أراك الآن، فكانت عمتي تتندر على أمي أنت لا يصلح لك الأولاد لا تعرفين كيف تتعاملي معهم.

       إن شخصيتها القوية وإصرارها على تفوق أبنائها جعلني أحرص مثلهم على التفوق.

    أعرف أن الموضوع يستحق أكثر من هذه المعالجة السريعة ولكنها خواطر تواردت حين ذكر صديقي اسم ابنته فتذكرت عمتي سلمى العظيمة رحمها الله رحمة واسعة ورحم أموات المسلمين جميعاً.

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية