الغرب هو التهديد للإسلام والمسلمين

       يتحدث المتحدثون ويكتب الكاتبون ويحاضر المحاضرون عن أن الإسلام ليس تهديداً للغرب. وكم عقدت من ندوة ومؤتمر للحديث عن التهديد الإسلامي (المزعوم)للغرب.  وقد تنبه قسيس في معهد هارتفورد اللاهوتي بولاية كنديكت بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1990 إلى هذه المسألة بعد انهيار معظم أنظمة الحكم الشمولي الشيوعي في أوروبا الشرقية فكتب مقالة قصيرة يتساءل فيها عمن سيكون الشبح المخيف الجديد (الفزّاعة) التي سوف يتخذها الغرب بعد سقوط الشيوعية. وأشار إلى أن بعض الكتّاب وبخاصة من ذوي الأصول اليهودية جعلوا الإسلام هو التهديد الجديد للغرب، ومن هؤلاء كريس كروتهامر. و لم يكتفوا بجعله خطراً على الغرب وحده فهو خطر عالمي أو كوني (Global)

وقد كتبت في هذا الأمر في جريدة المسلمون بعنوان (لماذا يخوفون الغرب بالإسلام؟) (المسلمون، 4/جمادى الآخرة، 21ديسمبر 1990) وكتبت أيضا بصحيفة سعودي جازيت (بالإنجليزية) :" هل الإسلام تهديد للغرب؟"  وكثرت المقالات بعد ذلك تتناول هذا الموضوع بصور شتى كما كثرت الندوات والمؤتمرات التي عقدت للبحث في هذه القضية. فمن المقالات ما كتبه فهمي هويدي حول " مخاوف الأمريكيين تجاه الظاهرة الإسلامية وما حدث من خطوات لإقصاء الإسلاميين عن السلطة، حتى لو وصلوا إليها عن طريق انتخابات حرة نزيهة مهما كانت الوسائل. (المجلة 19/12/1993) وما كتبه بعد ذلك عن الاتصالات بين فرنسا وألمانيا للتباحث في شأن الخطر الإسلامي (المجلة 27/3/1994) ومقالته بعنوان:(12سبباً وراء مخاوف الغرب من الحالة الإسلامية) (المجلة 10/6/1994). وهناك مقالة بعنوان (حقيقة ما يقال عن خطر "القنبلة الإسلامية " كتبه علي إبراهيم الشرق الأوسط 17/6/1992

وقد تعجبت وقتها لماذا يهتم عالم لاهوتي نصراني بالدفاع عن الإسلام أو الكتابة متعجباً من اتخاذ الإسلام شبحاً لإخافة الغرب. وقد ظل هذا السؤال يتردد في نفسي منذ تلك الأيام ولا أزعم أنني وجدت الإجابة الشافية له، ولكنني أريد أن أقدم سؤالاً مقابل سؤال: إذا لم يكن الإسلام تهديداً للغرب فهل الغرب تهديد للإسلام؟

هل الحديث عن التهديد (المزعوم) للإسلام ذريعة لمنع أو إيقاف الحديث عن تهديد الغرب للإسلام؟ إن الغرب أو الشمال النصراني –كما يسميه محمود شاكر رحمه الله- لا يزيد تعداده عن عشرين في المئة من سكان الكرة الأرضية ويستهلك حوالي ثمانين بالمائة من مواردها وثرواتها. هذا الغرب هو الذي ينتج أكبر كمية من السلاح في العالم، ولا تقع حرب في أي بقعة من الأرض حتى تتداعى دول الغرب تبيع السلاح لهذا الطرف أو ذاك وتقف تتفرج على الفريقين وقد تساعد فريقاً على الفريق الآخر إما لإطالة أمد الحرب واستمرار الحاجة للسلاح الغربي أو لأهداف أخرى. وقد سمع العالم وعرف ما سمي بإيران جيت وكونترا جيت وغيرها من الجتات أو الفضائح حتى إن إحدى القنوات الفضائية أعدت برنامجاً اسمه فضائح القرن العشرين. ومن صاحب هذه الفضائح –غالباً- إن لم يكن الغرب؟

وبالرغم من أن الدول الإسلامية تمتلك مخزوناً كبيراً من الثروات الطبيعية وطاقات بشرية هائلة لكن الدول الغربية استطاعت أن تحقق نجاحاً اقتصادياً في استثمار الثروات الطبيعية التي تستوردها بأسعار تتدخل هي في وضعها وتعيد تصديرها إلى العالم كله بأسعار تحددها بنفسها. وهاهي الدول الاسكندنافية التي لا تملك سوى كثافة سكانية محدودة تحقق دخلاً من أعلى المداخيل في العالم.

وتأتي خطورة الغرب في الجانب السياسي أنه لا يرى أن العالم عرف نظاماً سياسياً على مر العصور أفضل من النظام الديموقراطي – صرح بذلك المستشرق برنارد لويس قبل أكثر من خمسين سنة وجاء فوكوياما ليكرر الزعم نفسه - ولذلك فهو يسعى لنشر هذا النظام حتى إن جامعة جورج تاون في واشنطن العاصمة قد أنشأت مؤسسة بعنوان (مؤسسة الديموقراطية والتغيير السياسي في الشرق الأوسط) ورئيسها هو البرفسور دانيال برمبيرج ويعمل فيها ستيفن هايديمان. وتعقد هذه المؤسسة وغيرها من المؤسسات ومراكز البحث العلمي الندوات والمؤتمرات لتنظر في كيفية تصدير الديموقراطية إلى العالم كله. وقد جندت الأمم المتحدة – التي تعمل بإمرة الغرب- أكثر من عشرين ألف جندي للإشراف على الانتخابات في كمبوديا- ولم تستمر تلك الديموقراطية إلاّ وقتاً قصيراً.

ولئن كان خطر الغرب واضحاً في المجالات السياسية والاقتصادية فإنه أهم وأخطر في الجوانب الفكرية والثقافية فقد كتب الأستاذ بكر بصفر قبل سنوات (المسلمون، 4شوال 1411)حينما كان الرئيس الأمريكي جورج بوش يبشر بالنظام العالمي الجديد قائلاً :" لا أدري أين يجد الحالمون بالنظام العالمي الجديد له أثراً وهم يشاهدون تفاقم هيمنة الغرب على العالم بأقماره الصناعية وبوكالات أنبائه وإذاعاته وبقية وسائل إعلامه التي يذيب بواسطتها ثقافات الشعوب ويهيئها للاندماج في المركزية الثقافية الغربية" ويقدم الأستاذ بصفر إحصائية لهذه السيطرة فيذكر أن أربع وكالات أنباء غربية تسيطر على 80% من جميع الأخبار التي تبثها وسائل الإعلام في العالم ، ويسيطر الغرب على المواد الإعلامية الترفيهية والثقافية كما الأفلام والمسلسلات، فشركة (CBS) التلفزيونية الأمريكية توزع برامجها في 100 دولة بينما تعرض البرامج والأفلام التي تنتجها شركة ABC في 60% من تلفزيونات العالم". وقد اتحدت شركة سي إن إن CNNمع شركة التايمز لتصبح بحق إمبراطورية إخبارية. أما في المجال الإذاعي فتتحكم الدول الغربية في 90% من الموجات الإذاعية…. (عن بكر بصفر)

ألا نخشى الغرب وقد أصبح منذ أكثر من مائتي عام مصدر العلوم المختلفة فقد درس وما زال يدرس أعداد من أبناء هذه الأمة في جامعاته ومراكز بحوثه وهو الذي يعقد المؤتمرات للحديث عن أوضاعنا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وعن أدبنا وعن الفلكلور وغير ذلك.

ليس المقصود بالحديث عن تهديد الغرب للإسلام والعالم أن يصيبنا الخوف والجبن والهلع من هذا الغرب فما كان المسلم ليخاف أحداً إلاّ الله كما علّمنا القرآن الكريم {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً} فمن هذا المنطلق لا يمكن للمسلم الحق مهما كانت قوة الغرب وجبروته وسطوته أن يخشاه. ولكننا نقول كفوا عن التخويف من ظاهرة عودة الأمة الإسلامية إلى دينها فقد كان الاحتلال الفرنسي في الجزائر يخوّف دائماً من ظاهرة الصحوة الإسلامية والعودة إلى الإسلام، ويتهم الذين يدعون إلى العودة إلى الإسلام بأنهم دعاة إلى ما يسمى (كراهية الأجنبي Xenophobia   وقد كتب ابن باديس – العالم الجزائري رحمه الله- قائلاً:" نهضنا نهضة لا يخشاها والله النصراني لنصرانيته ولا اليهودي ليهوديته، ولكن يخشاها الظالم لظلمه والمغتصب …"

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية