رسالة إلى طلاب الاستشراق بجامعة طيبة واساتذته





تقديم: فوجئت صباح هذا اليوم بأن معالى مدير جامعة طيبة
 الأستاذ الدكتور عدنان المزروع أعجبته قناة اليوتيوب
الخاصة بالاستشراق وأنه يتابعني فسعدت بذلك وأرى مناسباً
أن أهدي إليه هذه الرسالة.
ها أنتم قد قُبلتم في هذا القسم الفريد الذي ليس له مثيل في العالم الإسلامي كله، فماذا تتوقعون وماذا يُتوقع منكم؟ هل أتيتم للحصول على درجة الماجستير وبعدها الدكتوراه لتحسين أوضاعكم الوظيفية أو البحث عن وظيفة في مكان ما؟ هل التحقتم بهذا القسم لأن لكم سابق معرفة وخبرة بالاستشراق فأردتم أن تدرسوا هذا المجال دراسة منهجية وعلى أسس علمية راسخة؟ هل تعدون التحاقكم بهذا القسم رسالة حياة لمقارعة خصوم هذه الأمة بمعرفة ما يقولونه وما يكيدونه وما يبثونه وما ينشرونه عن الإسلام والمسلمين؟ هل جئتم إلى هذا القسم لتطلعوا على تأثير المستشرقين أو المتخصصين في دراسات الشرق  الأوسط (الاسم الخاطئ للعالم العربي والإسلامي) في سياسات بلادهم وفي سياسات بلادنا؟ هل التحقتم بهذا القسم وأنتم تملكون القدرة العقلية والموهبة لتتعلموا لغات عديدة فلا تكتفوا بالإنجليزية أو الفرنسية بل أن تخوضوا غمار العلم فتتعلموا اللغات المختلفة وتتقنوها ببراعة كبيرة لا تمكنكم من قراءة بعض النصوص ولكن لتقوموا متحدثين من على منابر المستشرقين تقارعونهم الحجة بالحجة، ولتشهدوا على الأمم وتنقلوا رسالة الإسلام العظيمة عملاً بقوله تعالى (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعن)؟  وقوله صلى الله عليه وسلم (نضّر الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها فبلّغها إلى من لم يسمعها فربّ مبلّغ أوعى من سامع ، أو رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه). هل لديكم حس المغامرة وروح المغامرة لتقتحموا معاقل الاستشراق ومراكزهم ومؤسساتهم تعرفونها من الداخل كما تعلم الغزالي الفلسفة ليرد على الفلاسفة ويكتب كتابه (تهافت الفلسفة)؟ هل  تعلمون كيف أن البيروني  أقام في الهند سنوات طويلة ليكتب أديان الهند؟ لقد شاهدت شباباً يهودا من دولة يهود (إسرائيل) جاؤوا إلى اليابان لدراسة أديانها. وهل كانت دراستهم لتلك الأديان ترفاً أو إنهم يحملون رسالة ما؟
يا من اخترتم دراسة الاستشراق هل عرفتم أن الموضوع ليس سهلاً وليس مجرد قراءة عدة كتب أو ترجمات بالية أكل عليها الزمان وشرب؟ ليس الاستشراق أن تحمل صفحات من كتب  بلغات أوروبية وتخرج محفظتك لتدفع أموالاً لمن يقوم بالترجمة نيابة عنك؟ أذكر أن الدكتور محمد حسنين ربيع المناقش الخارجي لي في رسالة الدكتوراه كان يحمل معه صفحة من أحد كتب برنارد لويس باللغة الإنجليزية فأمرني أن آخذ الصفحة منه وأقرأ من أي مكان وأترجم على مشهد من الناس. وأحمد الله أنني تجاوزت الامتحان، ولكن ماذا كان يحدث لو أن الطالب المناقَش كان غير مازن مطبقاني؟ لو ترجمت لك ألف صفحة وصفحة فلن تستطيع أن تزعم أنك تفهم الاستشراق على حقيقته دون أن تقرأ لهم في لغاتهم.
نعم لا بد من الاطلاع على القديم ولكن الاستشراق اليوم أو التخصص في الدراسات العربية والإسلامية ليس جولدزيهر، ولا مارغليوث، ولا سنوك هورخرونيه أو هاملتون جب أو برنارد لويس أو مونتجمري وات؟ نعم هؤلاء ينبغي أن يُعرفوا وتُدرس كتاباتهم ولكن الإنتاج الغزير لنشاطات المستشرقين أكثر من ذلك بكثير. إن الاستشراق اليوم بالإضافة إلى مئات أو آلاف العناوين التي تدفع بها المطابع كل يوم في الغرب هو الأقسام العلمية وما يحدث فيها من نشاط أكاديمي مكثف بدءاً بالمحاضرات والدروس والتكاليف التي يطلبها الأساتذة، وهي بالإضافة إلى ذلك الطلاب العرب والمسلمون الذين هربوا من جحيم الجامعات العربية والإسلامية وتعقيداتها إلى الجامعات الغربية وهي آلاف المنح التي تقدم للطلاب العرب والمسلمين ليدرسوا قضايا بلادهم في الغرب. لقد قدّم معهد دراسات العالم الإسلامي في العالم المعاصر ثمان وأربعين منحة بين ماجستير ودكتوراه لطلاب من العالم الإسلامي للدراسة في هولندا. وقد منحت بريطانيا مناصب رفيعة لعدد من المسلمين للتدريس والبحث والكتابة في الجامعات البريطانية. فلماذا؟ أهو حب لهم وتودد وتقرب أو لأنهم يقدمون الخدمة الجليلة التي لا يستطيع أصحاب البلاد من الإنجليز والأيرلنديين والاسكتلنديين أن يقدموها لبريطانيا؟
تريدون أن تدرسوا الاستشراق؟ فهل عرفتم أن عليكم أن تخوضوا غمار السفر إلى جميع أصقاع الدنيا لتعرفوا الاستشراق والمستشرقين؟ هل عرفتم أن رابطة علماء آسيا أكثر من نصفهم من الأوروبيين بل إن سكرتارية الرابطة في هولندا وليس في الهند أو الصين أو إندونيسيا أو ماليزيا أو السعودية (وهل نحن إلاّ آسيا أولسنا منها!)
كنت أود أن أحدثكم عن تجاربي في متابعة الاستشراق والمستشرقين فإنني لم أكن ممن تعلم السباحة على السرير وإنما خضت غمارها. لقد استغرقت رحلة العودة بعد حضوري المؤتمر الدولي التاسع عشر للرابطة العالمية لتاريخ الأديان في شهر مارس عام 2004م أكثر من ثلاثين ساعة حيث ركبت الطائرة من طوكيو إلى لندن ومن لندن إلى البحرين بعد انتظار في المطار حوالي أربع ساعات ثم ركبت الحافلة إلى الظهران ومنها إلى الرياض في سيارة أجرة. وحضرت مؤتمراً في عمّان بالأردن حول العلاقات العربية الأمريكية: نحو مستقبل مشرق فسافرت من المدينة إلى تبوك بالطائرة وركبت السيارة من تبوك إلى عمان فاستغرقت الرحلة حوالي ثنتي عشرة ساعة. وعدت من مؤتمر في عمان بالحافلة التي استغرقت ست عشرة ساعة. أتطيقون هذا وأكثر؟
إن التحاقكم بقسم الاستشراق مسؤولية جسمية فاعلموا ما أنتم مقدمون عليه وهيئوا أنفسكم لجهاد شاق. وفقكم الله وسدد خطاكم.

       وأود أن أضيف هنا إلى أن بعض الجامعات وجدت فرصة للبحث في الاستشراق دون وجود أساتذة يملكون الحد الأدنى من المعرفة بالاستشراق ودون إجبار الطلاب على تعلم اللغة الأجنبية (إنجليزي أو فرنسي أو ألماني) ودون التخطيط لأعداد ترجمات لكتابات المستشرقين أو الإعداد لاقتحام معاقل الاستشراق ومعرفتها من الداخل وبعمق ووعي وفهم، فماذا تريد هذه الجامعات؟ أو إن البحث في هذه الأمور الغريبة أسلم من البحث في قضايا العقيدة والشريعة أو الاتجاهات الفكرية في زمن الحساسيات الكثيرة؟























تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية