تنشيط القدرات العقلية أو العضلية؟


اطلعت على كثير من المقالات حول الحبة الساحرة أو السحرية ( الفياجرا) ، وقد تفنن الكتاب بربطها بكثير من قضايا الأمة العربية الإسلامية. بل رأيت شابين ليلة أمس يسألان عن السنافي وغيرها وما كان مني إلّا أن رددت (إذا كان من تهواه ليس بذي ود فلا تنفع كل سنافركم ولا )ولكن توقفت عند عبارة لكاتب عربي في إحدى المجلات الأسبوعية وهي :" من حسن حظ شركة فايزر أنها لم تنتج دواءً منشطاً للعقول." ولم يتوسع الكاتب في هذه النقطة. ولعله قصد أن اهتمام الحكومات بوضع القيود وإجراء الدراسات وتجنيد رجال الحدود لمراقبة دخول هذا الدواء إلى البلاد وغير ذلك من مظاهر الاهتمام غير العادي.
نعم لماذا كانت الشركة محظوظة أنها أنتجت دواءً فعالاً (!) لتنشيط القدرات الجنسية ولم تنتج دواءً فعالاً لتنشيط القدرات العقلية. أيهما أولى حقيقة في عالمنا العربي الإسلامي تنشيط القدرات العقلية أو الجنسية؟ إن الغرب غرق في الجنس منذ أكثر من خمسين سنة عندما ظهر عندهم ما يطلقون عليه ( الثورة الجنسية) وبدأت الكتب والمجلات والأفلام تشجع تعاطي الجنس بأي طريقة ودون التقيد بأية وازع ديني أو أخلاقي. ولعل الثورة الجنسية تعود عندهم إلى نظريات فرويد في علم النفس وربط السلوك البشري منذ الرضاعة بالجنس ، وربط الأحلام بهذا الأمر.
والعقل عند الغربيين انطلق من عقاله منذ ما يسمّى عندهم بالتنوير فعظموا شأنه واحتقروا كل ما يأتي من الدين أو مصدره الوحي فلم يؤمنوا إلاً بما تدركه حواسهم. وقد انطلقوا في هذه البحوث التي تعظم شأن المادة حتى توصلوا إلى نظريات عجيبة عن الأجزاء الخاصة بالتدين في المخ أو غير ذلك من الأمور.

أما نحن في العالم الإسلامي فلم نعرف هذه الثورة الجنسية رغم أنهم يحاولون تصدريها إلينا عبر ثقافتهم وأفلامهم وغير ذلك- وما زلنا نتمسك بالأخلاق والعفة إلى درجة طيبة . أما العقل فقد أعطيناه إجازة طويلة أو إجازة مفتوحة، رغم أن القرآن الكريم يحث على استخدام العقل فكم من آية ختمت بذكر أولي الألباب أو يعقلون أو يفقهون . وكم وردت من آية تنبه إلى النظر العقلي. وهذا مما حدا بالأستاذ عباس محمود العقاد رحمه الله أن يؤلف كتابه ( التفكير فريضة إسلامية).

ومما يدل على عدم استخدامنا العقل الاستخدام الأمثل أن إنتاجنا العلمي مازال قليلاً جداً حين يقارن بإنتاج الأمم الأخرى. ويؤكد هذا أيضا قلة عدد المجلات التي نصدرها وعدد الكتب التي ننشرها بل إنّ نسبة الأمية في عالمنا العربي الإسلامي تؤكد أننا بعيدون جداً عن استخدام العقل الاستخدام الصحيح.

فماذا لو أنتجت شركة فايزر أو أي شركة أخرى دواء لتنشيط العقل فأقبل العامة في العالم الثالث  على مدارس محو الأمية وتراجعت الأمية وارتفعت نسبة الذين يعرفون القراءة والكتابة. ولو تعاطى هذا الدواء طلاب المدارس فلم يتوقفوا عند قراءة المناهج الدراسية وحفظ المعلومات التي توردها بل طرحوا الأسئلة عن مدى صحة المعلومات التي يقرؤونها أو فكروا في المسائل العلمية . وأصبح لدينا مخترعون في المرحلة المتوسطة وفي المرحلة الثانوية.

وما ذا لو تعاطى هذا الدواء بعض أساتذة الجامعات والعلماء فلم يكتف معظمهم بإعداد  بحث أو اثنين أو ثلاثة أو العدد المطلوب للترقية بل راحوا يثرون المكتبة العربية الإسلامية ( كما نزعم عن بعض الكتب أحياناً ) بالكتب المفيدة والأبحاث المهمة وأنفقوا كل ما يستطيعون على البحث العلمي وشاركوا بهمة ونشاط في المؤتمرات العلمية وعقدوا الندوات وقدموا المحاضرات وشاركوا في وسائل الإعلام المختلفة لنشر العلم.

وماذا لو كان هناك دواء لتنشيط القدرات العقلية لما توقفت بعض العقول عند الأمور السطحية والتافهة وأشعل بعضهم الحروب الطاحنة لاختلافات لا قيمة لها .إن هذا الدواء خطير ولكن أختم بالتساؤل هل العالم العربي الإسلامي بحاجة إلى دواء لتنشيط القدرات العقلية وقد وردت آيات الحث على التفكر والتفكير والعقل ومدحت أولى الألباب فمن يعيد إلينا اهتمامنا الحقيقي بما في القرآن الكريم من كنوز معرفية عظيمة تغني عن أي دواء.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية