التفرقة العنصرية (صفحات من كتابي الغرب من الداخل)

 


        ومن مظاهر ضعف العلاقات الاجتماعية ازدياد التفرقة العنصـرية ضد السود والملونين حتى إن أندرو شـايير مؤلف كتاب نحن القوة الأولى يقول عن السود: " إنهم هنا في أمريكا يعيشون كـأفراد غرباء وأجانب على أرض ولدوا وترعرعوا فيها، ولا يعرفون سواها.. يمكننا النظر إلى أمريكا على أنها دولة تتكون من شعبين: البيض وهم الأغلبية المسيطرة، والسود وهم الأقلية المضطهدة."([1])

وتظهر معاناة السود من أصل أفريقي في الأرقام الآتية: فهم يشكلون 45% بين المساجين في الولايات المتحدة، ومن النواحي الاجتماعية فالأسر ذات الوالد الواحد ارتفعت بين السود لتبلغ 56% من عدد الأسر، أما حالات الولادات خارج الزواج فهي بين السود 63%. ([2])

وقد نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال"Wall Street Journal تقريراً عن وضع السود في مجال الشرطة ذكرت فيه أن شرطيا من أصل أفريقي وصل إلى رتبة كابتن في مدينة سنسناتي -وهـذه هي المرة الرابعة التي يصل فيها أسود لهذه الرتبة- ولكن بعض البيض اعترض على هذه الترقية، مما جعل السلطات القضائية تتـدخل للنظر في القضية. أما في المدن الأخرى فالحال ليست أفضـل، ففي ولاية نيويورك حيث يبلغ الأمريكيين الأفارقة 28.7% من عدد سكان الولاية، ولكنهم لا يؤلفون أكثر من 11.4% من قوة الشرطة، أما الذين وصلوا إلى رتبة قيادية فلم يتجـاوز 6.6%. ويقول التقرير إن السود بالرغم مما بلغوه في العصر الحاضر فأنهم لا يزالون يعـانون من العقبات في التوظيف والترقيات والمضايقات من زملائهم البيض الذين يعترضون على ترقية زملائهم السود، حتى إن بعضهم يرفض إطاعة أوامر رئيس أسود. ([3])

  وقد انفجرت الأوضاع الأمنية في مدينة لوس أنجلوس حيث اندلعت أعمال عنف وشغب قيـام محطات التلفاز بعرض شريط لبعض رجال الشرطة من البيض وهم يضربون أحد السود وهـو رودني كينج بعنف ووحشية. وكانت نتائج هذه الاضطرابات أن قتل ثمانية وخمسون منهم عشرون شرطياً، وبلغ عدد الجرحى 2382، منهم 220 جريحاً في حالة خطرة. واعتقل 13505شخصاً، ودمرت الحرائق 5537 محلاً تجارياً، وقدرت الخسائر المالية ب 785 مليونا، وساهم من رجال الشرطة والحرس القومي وجنود البحرية واحد وعشرون ألفاً. ([4])

وذكر كارل بيل - مدير مجلس الصحة العقلية بشيكاغو - إن المواطنين السود لا يزالون يتعرضون يومياً للإهانة والعنف بحيث أصبح ذلك جزءاً من لا شعورهم المحبط. ([5])

ويعترف نيكسون بأن المحاكم الأمريكية حاولت فرض حصص تميزية على أساس العرق في القَبول في الجامعات والتوظيف والترقية، وتغاضت عن التمييز في إشغال الوظائف العامة والقطاع الخاص وإبـرام العقود مع الحكومة مما جعل الجامعات وبعض الوظائف تقبل بالأقل كفاءة لتغطية الحصص الخاصة بالأعراق. ([6])

وقد ظهرت في السنوات الأخيرة جماعات متطرفة في المجتمعات الغربية ومن هذه الجماعات جماعة تطلق على نفسها "الأحرار" والتي تتزعم حرباً عرقية ودينية ضد السود وبقية الملونين الذين لا ينحدرون من أصول شمال أوروبية، ويزعم هؤلاء أنهم -البيض- شعب الله المختار، وأن الولايـات المتحدة الأمريكية هي أرض الميعاد وليست أرض فلسطين (إسرائيل). ويبلغ تعداد هذه الجماعة من عشرة آلاف إلى أربعين ألفاً. ([7])

ويشبه هذه الجماعة أيضاً حركة أخرى تطلق على نفسها (حليقي الروس) Skin Heads وهي جماعة مسلحة متطرفة تنطلق من منطلقـات عنصرية حاقدة على كل الأجناس غير البيض، وقد قدمت محطة التلفزيون H.B.O. برنامجاً خاصاً عن هؤلاء في صيف عام 1995.

وقد أوردت وكالة الأنباء الفرنسية تقريراً من لوس أنجلوس مفاده أن جرائم الكراهية ضد الأسيويين قد ارتفعت بنسبة ثمانين بالمئـة في العام الماضي في ولاية كاليفورنيا عن العام الذي سبقه. وقد نقلت الوكالة عن التقرير السنوي الثاني للتجمع القانوني لأسيوي المحيط الهادي الأمريكيين بـأن هناك أربعمئة وثمان وخمسين حالة اتهام مثبتة لحوادث ضد الأسيويين مع وجود حالات كثيرة لا تصـل إلى الشرطة بسبب اللغة والحاجز الثقافي وعدم وجود سجـلات كاملة لدى الشرطة. ومن الطريف أن التجمع يوجه اللوم للخطاب السياسي المعادي للمهاجرين الذي يتسبب في إثـارة العواطـف وأعمال العنف ضد الأسيويين. ومن الأمثلة على ذلك أن حاكم ولاية أريزونا استخدم حق النقض ضد قانون يحارب الكراهية بسبب العرق بالرغم من ارتفاع هذه الجرائم في ولايته بأكثر من خمسمئة في المئة في الخمس سنين الماضية. ([8])

وتشهد فرنسا تطرفاً عرقيا حيث ارتفعت الطوائف المتطرفة بنسبـة خمسين في المئة في الفترة من 1983 حتى 1995، فهناك مئة واثنتـين وسبعين مجموعة ترتبط بها ثمانمائة فرقه تابعة لها بينها خمس عشرة طائفة تتميز بخطورتها الشديدة على الأوضاع العامة. وقد أشارت مجلة لو بوينت Le Point إلى أن الحكومة الفرنسية تتغاضى عن هذه المجموعات المتطرفة، كما أشار السيد ولد أباه إلى أن الأصوليين في أمريكا كان لهم تأثير كبير في انتخاب الرئيس ريجان Regan وأن هؤلاء قد بلغوا درجة عالية من التنظيم حيث إن لهم جامعات، وكليات طب، ومدارس وإذاعات ومحطات تلفاز. ([9])

ويحاول مأمون فندي- الأستاذ بجامعة جورجتاون Georgetown - تفسير أصول هذه العنصرية بقوله:" إن الرجل الأبيض ينظر باحتقار للإنسان الأسود ويبرر عنفه تجاهه من خلال منظومـة ثقافية والتي معها كان يقتل البيض إخوانهم السود ويعلقـونهم في الأشجار في حفل عنف جماعي، وكانوا يبررون ذلك لأنفسهم من خلال كتابهم المقدس فاللون الأسود بالنسبة للمسيحي الجنوبي هو لون الشيطان."([10])

ويرى أحد الباحثين الأمريكيين أن جذور العنصرية ضد الأعراق الأخرى بدأت في الغرب ليس من نتاج اللاعقلانية، ولكن كمشروع عقلاني وعلمي لفهم العالم. فقد أوحى بفكرة العنصرية الرحالون الأوروبيون والتي أنتجت مشروعاً لتصنيف نباتات العالم وحيوانـاته وشعوبه. فبالنسبة للرحالة الأوروبيين و المنصّرين وعلماء الأجناس قدمت النظرية العنصرية بياناً متناسقاً حول الاختلافات الحضارية يمكن إرجاعه إلى المناخ أو البيئة وبالتالي اعتبرت أموراً جوهرية. ([11])

ومن مظاهر التفرقة الاجتماعية التفرقة ضد النساء المصابات بأمراض القلب حيث يحصلن علـى عناية أقل من الرجال من حيث الأدوية، وفي الغالب يواجهن الموت أكثر من الرجال، كما أكدت ذلك ثلاث دراسات مختلفة، وهناك أدلة على أن الأطباء يميزون الرجال المصابين بالقلب على النساء، فقد فحص الباحثون ثمانمائة حالـة على مدى خمس سنوات فوجدوا أن ثلث النساء قد توفين بعد ست أشهر من الإصابة بأول أزمة قلبية. ([12])

 



[1] سعود البشر، السقوط من الداخل: ترجمات ودراسات في المجتمع الأمريكي. (الرياض: دار العاصمة،1415) نص 62-63 نقلاً عن أندروشبير، نحن القوة الأولى: أين تقف أمريكا، وأين تسقط في النظام العالمي الجديد، 1992.

[2] حسن حمدان العلكيم. "العرب وأمريكا والنظام العالمي الجديد"، في المجلة العربية للدراسات الدولية، عدد 3/4، السنة الرابعة، صيف/ خريف 1993. ص 5-27.

-[3] The Wall Street Journal, September 7, 1995.

[4] -محمد وقيع الله." اضطرابات لوس أنجلوس." في مجلة الإصلاح (الإمارات) ع178،14مايو 1992

[5] - المرجع نفسه.

[6] -نيكسون، مرجع سابق، ص99.

[7] -لوري شارن وبوب منزيسهايمر." البيض شعب الله المختار" في الشرق الأوسط. ع 6343، 2ذو القعدة 1416(10 أبريل 1996) عن صحيفة لوس أنجلوس تايمز.

[8] -Arab News, 4 August 1996.

[9] -السيد ولد أباه. "التظرف ظاهرة موجودة في الغرب أيضاً" في الشرق الأوسط، ع6312، 20شوال 1416هـ(10مارس 1996.)

[10] -مأمون فندي." الجذور الثقافية للسياسة الخارجية الأمريكية تجاه العرب والمسلمين." في المجتمع (الكويت) ع1213، 5ربيع الآخر 1417(20 أغسطس1996م) ص 31-32. وقد ظهرت العنصرية الغربية بوضوح في الصومال حيث مارست القوات الإيطالية و الدنماركية وغيرها من القوات الأوروبية ألواناً من التعذيب ضد الصوماليين العزل ومن العجيب أن هؤلاء كانوا ضمن قوات دولية أُطلق عليها (إعادة الأمل) فأي أمل كان!!؟؟

[11] - Dinesh D’Souza. “Is Racism a Western Idea?” in The American Scholar. Autumn 1995. P.P. 517-524

-[12] The Times, September, 2 1994.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد.. وما أشبه الليلة بالبارحة

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية